كتبت صحيفة “البناء”: تواصلت رسائل الميدان العسكري في لبنان وسورية لتقول إن الحرب الواحدة التي يخوضها الاحتلال والجماعات الإرهابية ويتناوبان عليها هي تعبير عن حجم التطور الذي بلغته قوى المقاومة كتهديد استراتيجي للهيمنة الإسرائيلية التي حكمت المنطقة بتغطية ودعم كاملين من واشنطن لعقود طويلة. ومع اضطرار كيان الاحتلال إعلان عجزه عن مواصلة الحرب في لبنان انتقلت الراية إلى الجماعات الإرهابية في سورية وللأهداف ذاتها، ورغم الظاهر تكتيكياً من نشاط عسكري لجيش الاحتلال ضمن سياق خروقات اتفاق وقف النار من جهة، وحجم التقدم الذي حققته غزوة حلب التي شنتها الجماعات الإرهابية، فالواضح أن حجم قدرات محور المقاومة حاضر في خلفية تأكيد الكيان على الالتزام باتفاق وقف النار بعدما قامت المقاومة برد تحذيريّ على الخروقات، وبالتوازي ظهر الموقف التركي الحاضن للجماعات الإرهابية عاجزاً عن المجاهرة بأهداف سياسية تتناسب مع حجم الهجوم الميداني، فانكفأ إلى خطاب تبريري للأحداث محملاً الدولة السورية المسؤولية، بعد مواقف روسية وإيرانية تبلغتها تركيا عن وقوف موسكو وطهران بلا شروط وراء الدولة السورية، بصورة أقرب إلى تخيير تركيا بين الدخول في المواجهة أو تحمّل مسؤوليات سحب الجماعات الإرهابية من المواقع التي تمدّدت فيها كشرط لتثبيت الاستقرار.
في مجلس الأمن الذي ناقش الوضع في سورية، وقفت واشنطن وأنقرة وراء خطاب موحّد يدافع عن جبهة النصرة ويهاجم الدولة السورية ويحمّلها مسؤوليّة انفجار الوضع، ما تسبّب بهجوم روسي شديد اللهجة يتهم من لا يُسمّي جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام تشكيلات إرهابية بالشراكة في تغطية الإرهاب، بينما كان الحدث إعلان مندوب لبنان باسم المجموعة العربية دعم موقف سورية في مواجهة الإرهاب والدعوة إلى إدانة الهجوم الإرهابي على حلب وإدلب.
ميدانياً، كان تواصل رؤساء أركان الجيوش السورية والإيرانية والروسية والعراقية إشارة ذات مغزى لوجود تحالف عسكريّ معنيّ بهذه الحرب، في ظل موقف سياسيّ لافت لرئيس الحكومة العراقيّة يقول إن حكومته لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مخاطر ما يجري في سورية من قبل الجماعات الإرهابية، بعدما كانت موسكو وطهران عبّرتا بلسان الرئيسين الروسي والإيراني عن الدعم الكامل لسورية في مواجهة الجماعات الإرهابية. وقال وزير خارجية إيران إن بلاده مستعدّة لرفع مستوى مشاركتها العسكريّة في مساندة سورية وصولاً إلى مناقشة إرسال قوات عسكرية إذا طلبت سورية ذلك.
وفيما خطفت الأحداث الأمنية في سورية الأضواء في المنطقة، بقي المشهد الجنوبي تحت رصد العيون السياسية والدبلوماسية ومرصد المقاومة التي وجهت رسالة تحذيرية للعدو بصواريخ على مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة، لوقف خروقاته لاتفاق وقف إطلاق النار بالاعتداء على القرى والمدنيين في الجنوب.
وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» «أن تدخل المقاومة هو الذي أجبر العدو الإسرائيلي على الحد من انتهاكاته لاتفاق وقف إطلاق النار والعدوان على القرى الجنوبية، إذ أن العدو تمادى في عدوانه طيلة ستة أيام من دون أن يعير أي اهتمام لاتفاق وقف إطلاق النار ولا للقرار 1701 ولا للقوات الدولية ولا للجنة الدولية المكلفة الإشراف على تطبيق القرار 1701 ولا حتى للطلبات الأميركية – الفرنسية للحكومة الإسرائيلية بالتوقف عن خرق الاتفاق، ما دفع المقاومة إلى توجيه إنذار لردعه وإلا فإن المقاومة مستعدة للعودة الى الميدان وهي ليست مردوعة كما يظن العدو، بل هي تحترم الاتفاق ولا تريد منح العدو أي ذريعة للاستمرار بعدوانه، وأفسحت المجال أمام اللجنة الدولية والجيش اللبناني وقوات اليونفيل لتنفيذ بنود الاتفاق، لكن العدو لم يلتزم ويريد استغلال طيلة مدة هدنة الـ60 يوماً لتكريس واقع أمني – عسكري في جنوب الليطاني ورسم المعادلات النهائية لهذه الحرب وفرض قواعد اشتباك جديدة على المقاومة ولبنان، والاحتفاظ بحرية الحركة العسكرية وحق استهداف ما يراه مناسباً من أهداف لحزب الله ومن دون أن تمنح المقاومة حق الرد، ما لم ولن تقبل بذلك المقاومة ولو عاد الوضع إلى الحرب من جديد، لأن العدو يريد انتزاع مكاسب أمنية عسكرية خلال الهدنة ما لم يستطع تحقيقه خلال الحرب».
وفي سياق ذلك، شددت جهات رسمية لـ»البناء» على أن ما يشاع عن أن ما تقوم به «إسرائيل» من اعتداءات يندرج ضمن الضمانات الأميركية الممنوحة لـ»إسرائيل»، غير صحيح، لأن بنود الاتفاق التي وافقت عليه الحكومة لا يتحدث عن أي حرية حركة لـ»إسرائيل» في الجنوب، والدليل هو اعتراف الأميركيين والفرنسيين رعاة الاتفاق بأن ما تقوم به إسرائيل يشكل انتهاكاً للاتفاق. أما الضمانات الأميركية لـ»إسرائيل» فلا علاقة للبنان بها.
وفيما لفتت الجهات الى دور محوري لرئيس مجلس النواب نبيه بري بإرسال رسائل واتصالات حاسمة مع الأميركيين والفرنسيين تحذر من تداعيات الاعتداءات الإسرائيلية على اتفاق وقف إطلاق النار، كشف مصدران سياسيان لبنانيان لوكالة «رويترز» أن «اثنين من كبار المسؤولين اللبنانيين طالبا واشنطن وباريس بالضغط على «إسرائيل» للالتزام بوقف إطلاق النار بعدما شنت عشرات العمليات العسكرية على الأراضي اللبنانية». وقالت المصادر لرويترز، إن «رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري تحدثا إلى مسؤولين في البيت الأبيض والرئاسة الفرنسية في وقت متأخر أمس وعبرا عن قلقهما بشأن وضع وقف إطلاق النار».
وأشارت مصادر إعلامية محلية بأن رئيس لجنة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الأميركي اجرى اتصالا بالرئيس بري الذي سيستقبله يوم الخميس، مضيفة بأن «العضو الفرنسي في لجنة المراقبة الدولية لاتفاق وقف إطلاق النار يصل اليوم الى لبنان».
ونقلت المصادر عن زوار بري، تأكيدهم أن «أول اجتماع للجنة المراقبة سيعقد الجمعة او السبت المقبلين في الناقورة»، موضحين أنه «عندما تبدأ اللجنة اجتماعاتها سيصبح خرق وقف إطلاق النار صعبا وتحت المراقبة».
وعشية جلسة لمجلس الوزراء مقررة اليوم في السراي، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمام زواره «أن الاتصالات الديبلوماسية مستمرة وتكثفت بالأمس (أمس الأول) لوقف الخروقات الإسرائيلية لقرار وقف إطلاق النار والانسحاب من البلدات اللبنانية الحدودية». وقال: «لقد شددنا خلال هذه الاتصالات على أولوية استتباب الأوضاع لعودة النازحين الى بلداتهم ومناطقهم وتوسعة انتشار الجيش في الجنوب». وقال: «إن إعلان قيادة الجيش الحاجة إلى تطويع جنود متمرنين في الوحدات المقاتلة في الجيش يندرج في سياق تنفيذ قرار مجلس الوزراء بزيادة عديد الجيش لتعزيز انتشاره في مختلف مناطق الجنوب».
وفي غضون ذلك، واصل العدو خروقاته للاتفاق، حيث استهدفت غارة من مسيّرة إسرائيلية بلدة بيت ليف، قضاء بنت جبيل. وأطلق جيش الاحتلال رشقات رشاشة باتجاه بلدة مجدل زون في القطاع الغربي. وأغارت مسيرة على أطراف ديرسريان. وفتح جيش العدو نيران رشاشاته تجاه حي السيار في بلدة حبوش. وأعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة في بيان، أن الغارة الإسرائيلية على بلدة حاريص، أدت في حصيلة محدثة إلى سقوط 6 ضحايا وإصابة شخصين بجروح. وسجل انتشار كثيف للجيش في أحياء وشوارع مدينة صور ومحيطها للحفاظ على الأمن، إيذاناً بالبدء في إعادة انتشار الجيش في الجنوب لا سيما في القرى الحدودية.
وهدد وزير حرب العدو يسرائيل كاتس أنه «إذا انهار وقف إطلاق النار مع «حزب الله»، فلن يفرّق جيشه بين لبنان والجماعة»، وفق ما نقلت وكالة «رويترز». ودعا كاتس خلال زيارة للحدود الشمالية الفلسطينية مع لبنان، الحكومة اللبنانية إلى «تفويض الجيش اللبناني للقيام بدوره، وإبعاد حزب الله عن الليطاني وتفكيك بنيته التحتية بالكامل».
ونقلت هيئة البث عن مسؤولين إسرائيليين، زعمهم «أننا سنبلغ عن انتهاكات وقف إطلاق النار مع لبنان عندما تبدأ آلية التنفيذ عملها». وادعى المسؤولون الإسرائيليون «أننا نحتفظ بحق مهاجمة أي عنصر من حزب الله جنوب الليطاني دون تنسيق».
في المقابل رأى وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال الدكتور مصطفى بيرم أن هناك خروقات لقرار وقف إطلاق النار يقوم بها العدو «الإسرائيلي» في هذه الأيام، فهل هناك من يستنكرها؟ وإذا قمنا بالرد، يخرج البعض ليقول بأننا نحن من خرق القرار. ولكن على الجميع العلم أن هذه الخروقات تعني أن العدو يعيد جمع بنوك أهداف، فالمعركة العسكرية ليست لحظة إطلاق النار، وإنما الاستطلاع فعل عسكري، لافتًا إلى أنّ «الإسرائيلي» منذ العام 2006 وحتى معركة «أولي البأس»، قام بـ39000 خرق بري وبحري وجوي، وهذا يعني أنه كان يجهّز لهذه المعركة التي شنها على لبنان.
وأضاف الوزير بيرم: «لو أننا لسنا موجودين على تخوم فلسطين المحتلة، لجاء «الإسرائيلي» وأبادنا جميعًا، بدليل أن سموتريتش وضع خريطة تظهر «إسرائيل» الكبرى التي حدودها تكمُن أينما يستطيع القتل والإجرام والطرد والتهجير والسحق والفصل العنصري، فلن يتوانى عن فعل ذلك، ثم يقوم بالتثبيت وببناء المستوطنات، ويضمها إلى «إسرائيل».
الى ذلك، تفقد السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني مكان استشهاد شهيد الأمة السيد حسن نصر الله. وقال: «أقلد من هنا كيان الاحتلال أعلى مراتب الإرهاب وستلحق به وصمة عار أبدية»، مشيرًا إلى أنّ: «الشعب اللبناني سيبقى مقاومًا، وهذه الاعتداءات الوحشية لن تجدي العدوّ نفعًا». وأضاف أماني: «لبنان سيبقى شامخًا وقويًا ومتينًا في كلّ المنطقة، وسيستعيد أراضيه وسنستمر في دعمه»، مشيرًا إلى أنّ: «إطلالتي الأولى بعد العلاج أردتها من هنا لنستمد من أرواح الشهداء العزيمة والقوة».
دبلوماسياً، ناقش الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الرياض «الوضع الإقليمي واتفقا على بذل كل الجهود للمساهمة في وقف التصعيد في المنطقة»،
ودعوا إلى «إجراء انتخابات رئاسية بهدف جمع اللبنانيين وإجراء الإصلاحات اللازمة لاستقرار البلد وأمنه»، مؤكدين أنهما «سيواصلان الجهود الدبلوماسية الرامية لتعزيز وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» ولبنان».
وفي إطار دعوة الرئيس بري النواب الى جلسة الشهر المقبل لانتخاب الرئيس، بدأت حركة اللقاءات والاتصالات بين القوى السياسية والكتل النيابية للتشاور للاتفاق على مرشحين، وتوقعت مصادر نيابية أن تكون جلسة 9 كانون الثاني حاسمة لجهة انتخاب رئيس توافقي لا يستفز أحداً، وإنجاز باقي الاستحقاقات ضمن سلة كاملة لا سيما تكليف رئيس وتشكيل حكومة جديدة».
حيث عقدت كتل ونواب قوى المعارضة أمس، في معراب، اجتماعها الدوري، بحضور رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وأعضاء تكتل «الجمهورية القوية» وعدد من نواب كتلة «الكتائب»، وبحث المجتمعون في الأمور الطارئة في البلاد.
وأعلن النائب سليم الصايغ، في بيان صدر عن الاجتماع أننا «سنكثف الجهود والاتصالات مع كافة الكتل النيابية في محاولة للتفاهم حول مرشح يحظى بتأييد واسع مع التمسك بالمواصفات المطلوبة لمرحلة بناء الدولة التي نؤمن بها، ونصر على ان تكون جلسة 9 كانون الثاني لانتخاب رئيس للجمهورية، مفتوحة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس بحسب الدستور».
وعلمت «البناء» أن المشاورات لم تتوقف بين رباعي حركة أمل وحزب الله والنائب السابق وليد جنبلاط ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل للتوافق على مرشح واحد، ولفتت أوساط مواكبة للملف الرئاسي لـ»البناء» أن هناك أكثر من اسم يتم التداول بهم، وتم التوافق على اسم لم يتم الإفصاح عنه، ويجري تسويقه لدى جهات معنية، لكي يكون توافقياً لكن الأمور لم تكتمل بعد وتحتاج لمزيد من الإنضاج».
بدوره، أعلن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، من دار الفتوى أننا “نحاول أن نمدّد التضامن الوطني بين اللّبنانيين ونترجمه في التفاهم على انتخاب رئيس وعلى إبعاد لبنان عن الحروب والصراعات”. وقال: «بدأنا حراكاً سياسياً من دار الفتوى ومعنيّون بالتحاور مع الجميع آملين عدم تجدد الحرب مما يتطلب وجود رئيس وحكومة لخلاص البلد». وأشار إلى أن «الانتخابات الرئاسية استحقاق لبناني والتفاهم على الرئيس يحدّده اللبنانيون ولا يجوز ربط هذا الاستحقاق بالأحداث في المنطقة».
الرئيسية / صحف ومقالات / البناء: واشنطن وأنقرة تدافعان عن جبهة النصرة وتحمّلان الدولة السورية المسؤولية.. المجموعة العربية وروسيا تساندان موقف سورية وتدينان هجمات النصرة الإرهابية.. واشنطن وتل أبيب تعلنان التمسك باتفاق وقف النار بعد ردّ المقاومة على الخروقات
الوسومالبناء