كتبت صحيفة “الجمهورية”: تستحوذ الخروقات الإسرائيلية المتكرّرة لاتفاق وقف إطلاق النار على الاهتمام الرسمي والشعبي. فيما أكّدت مصادر رسمية لـ»الجمهورية» انّ هذه الخروقات كانت موضع متابعة مع باريس التي حذّرت تل أبيب من خطر انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، بفعل الانتهاكات الإسرائيلية له، علماً انّ الوضع في لبنان سيكون على طاولة البحث بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته للرياض. وأشارت المصادر إلى «أنّ العدو الاسرائيلي أراد استباق مهمّة لجنة الإشراف بمحاولة فرض أمر واقع ميداني من خلال الخروقات المتنوعة، مرجحة أن تتراجع تلك الخروقات عند انطلاق عمل اللجنة رسمياً».
بعد أيام على تسمية الجنرال جاسبر جيفيرز من قيادة المنطقة الوسطى الاميركية رئيساً لفريق المراقبين للإشراف على تطبيق الاتفاق الخاص بوقف العمليات العسكرية في لبنان، يصل إلى بيروت في الساعات المقبلة وزير الدفاع الفرنسي سيبستيان لوكورنو، في مهمّة ينقل خلالها اسم الجنرال الفرنسي الذي سيكون شريك جيفيرز في إدارة فريق المراقبين المكلّفين الإشراف على تنفيذ القرار 1701.
وفي معلومات «الجمهورية»، انّ لوكورنو سيزور كلاً من رئيسي مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيرالدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون، في إطار مهمته. كما يتفقّد قيادة قوات «اليونيفيل» ومقر قيادة القوة الفرنسية في الجنوب.
وبهذه الزيارة وما تحمله من تسمية للضابط الفرنسي، يكتمل عقد اللجنة التي ستشرف على تطبيق الخطوات المقرّرة من ضمن القرار 1701، وأولى محطاتها التي تتصل بوضع برنامج واضح لسحب الجيش الاسرائيلي من القرى المحتلة، ونشر الجيش اللبناني فيها بعد سحب مسلحي «حزب الله» منها في مهلة أقصاها 60 يوماً تُحتسب ابتداءً من وقف من النار في 27 تشرين الثاني الماضي.
تزامناً مع هذه الخطوة، ستبدأ اللجنة البحث في الشكاوى اللبنانية من الخروقات الإسرائيلية لقرار وقف النار، ولا سيما تعمّدها التوسّع في بعض القرى وتفجير المنازل في البعض الآخر، والتي بدأ لبنان بتوثيقها بالعشرات.
وفي المعلومات ايضاً، انّ لوكورنو الذي تتزامن زيارته للبنان مع زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للسعودية في الساعات المقبلة، سيبحث مع قائد الجيش في ما يمكن أن تقدّمه فرنسا في إطار برنامج التعاون العسكري بين البلدين للمرحلة المقبلة وسبل تطويره، بما يزيد من قدرات الجيش اللبناني في كل المجالات العسكرية واللوجستية.
وفي السياق، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنّ «فرنسا أوضحت لإسرائيل أنّه خلال الـ24 ساعة الماضية حصل 52 خرقاً إسرائيلياً لوقف إطلاق النار لم يمرّ عبر آلية المراقبة». واكّدت أنّ «فرنسا حذّرت إسرائيل من خطر انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بسبب الانتهاكات الإسرائيلية»، مشيرة إلى انّ «فرنسا أبلغت إلى إسرائيل أنّ خروقاتها خلال الـ24 ساعة الماضية أسفرت عن مقتل 3 لبنانيين». واضافت انّ «فرنسا قالت إنّ مسيّرات إسرائيلية حلّقت مجدداً خلال الساعات الماضية على ارتفاع مخفوض فوق بيروت».
وكان الجيش الإسرائيلي واصل انتهاكه لاتفاق وقف إطلاق النار وتحذيراته للسكان اللبنانيين الجنوبيين. وأعلن مساء امس «مقتل عناصر من «حزب الله» قرب كنيسة جنوبي لبنان»، قائلاً «إنّ وجودهم كان خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار».
وفي آخر المستجدات الميدانية، أُفيد مساء أمس عن سقوط 4 قذائف مدفعية معادية على الخيام، حيث أصابت قذيفة إحدى الشاليهات بين سهل مرجعيون والخيام. وأطلق الجيش الإسرائيلي نيران الرشاشات الثقيلة عند الثانية بعد الظهر من موقعه عند اطراف مارون الراس في اتجاه مدينة بنت جبيل، في انتهاك مستمر لاتفاق وقف اطلاق النار. وشوهد الدخان يتصاعد من أحد أحياء بلدة مارون الراس، حيث عمد إلى جرف بعض المنازل في البلدة.
وكان الطيران الحربي الإسرائيلي أغار فجر امس على بلدة يارون. فيما تعرّضت اطراف بلدة عيترون لقذائف مدفعية. وأطلقت دبابة اسرائيلية قذيفة في اتجاه بلدة إبل السقي.
وأصدر الجيش الإسرائيلي فجر امس بياناً عاجلاً إلى سكان لبنان، جاء فيه: «أذكركم انّه حتى إشعار آخر يحظّر عليكم الانتقال جنوبًا إلى خط القرى التالية ومحيطها: شبعا، الهبارية، مرجعيون، أرنون، يحمر، القنطرة، شقرا، برعشيت، ياطر، المنصوري، جيش الدفاع لا ينوي استهدافكم، ولذلك يحظّر عليكم في هذه المرحلة العودة إلى بيوتكم من هذا الخط جنوبًا حتى إشعار آخر، كل من ينتقل جنوب هذا الخط يعرّض نفسه للخطر». كذلك حذّر من العودة إلى القرى الآتية: الضهيرة، الطيبة، الطيري، الناقورة، أبو شاش، ابل السقي، البياضة، الجبين، الخريبة، الخيام، خربة، مطمورة، الماري، العديسة، القليعة، ام توتة، صليب، ارنون، بنت جبيل، بيت ليف، بليدا، بني حيان، البستان، عين عرب مرجعيون، دبين، دبعال، دير ميماس، دير سريان، حولا، حلتا، حانين، طير حرفا، يحمر، يارون، يارين، كفر حمام، كفر كلا، كفر شوبا، الزلوطية، محيبيب، ميس الجبل، ميسات، مرجعيون، مروحين، مارون الراس، مركبا، عدشيت القصير، عين ابل، عيناتا، عيتا الشعب، عيترون، علما الشعب، عرب اللويزة، القوزح، رب ثلاثين، رامية، رميش، راشيا الفخار، شبعا، شيحين، شمع، طلوسة».
وأشار وزير المالية الاسرائيلي، بتسلئيل سموتريش إلى انّ «إسرائيل لن تنتظر أي آلية وستواصل العمل لإحباط أي تهديد أو محاولة من «حزب الله» لاستعادة قدراته».
الحدث السوري
وإلى ذلك، في توقيت لبناني حساس، جاء الحدث السوري ليخطف الأنفاس ويسترعي اهتمام القوى الدولية والإقليمية بقوة. فقد كان لافتاً أنّ ساعة التطورات الميدانية المفاجئة والمتسارعة في الشمال السوري جاءت مضبوطة على اللحظة التي وُضع فيها وقف النار في لبنان موضع الاختبار الصعب، وفي الوقت الذي تواظب فيه إسرائيل على انتهاكه بكثافة، وبأشكال مختلفة براً وجواً. وهو ما دفع عدداً من المعنيين، وبينهم الوسيط الفرنسي، إلى التعبير عن المخاوف من إفراغ هذا الاتفاق من مضامينه.
وفي تقدير مصادر سياسية لـ«الجمهورية»، أنّ هناك ترابطاً بين هجوم الفصائل المعارضة والموالية لتركيا على حلب وإدلب والتهديدات الأخيرة التي أطلقها بنيامين نتنياهو ضدّ حكومة دمشق، على خلفية اتهامها بتسهيل عبور الأسلحة من إيران إلى «حزب الله». لكن المثير هو أنّ هذه التطورات سرعان ما أثارت هواجس جدّية لدى الإسرائيليين تحسباً لاحتمال أن تؤدي هذه التطورات إلى حال من الفوضى الشاملة التي يصعب استيعابها أو تقدير عواقبها، في سوريا ومجمل دول المنطقة. وهذا ما دفع حكومة نتنياهو إلى الاستنفار السياسي لمتابعة ما يجري في سوريا، بحيث ظهر موضوع اتفاق وقف النار في لبنان وكأنّه بات في المرتبة الثانية من الأهمية، في هذه الفترة على الأقل. واكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ إسرائيل تراقب التطورات في سوريا من كثب. ولفت إلى اننا «نراقب الأحداث في سوريا باستمرار. نحن مصممون على الدفاع عن مصالح إسرائيل الحيوية والحفاظ على إنجازات الحرب»، وذلك خلال زيارته لمجندين جدد في الجيش في قاعدة بوسط إسرائيل.
الموقف السوري
وتعهّد الرئيس السوري بشار الأسد، أمس، باستخدام «القوّة للقضاء على الإرهاب»، وفق ما أوردت الرئاسة السورية. وقال خلال تلقّيه اتصالاً من مسؤول أبخازي، إنّ «الإرهاب لا يفهم إلّا لغة القوة وهي اللغة التي سنكسره ونقضي عليه بها أياً كان داعموه ورعاتُه». وأضاف: «الإرهابيون لا يمثّلون لا شعباً ولا مؤسسات ولكن الأجهزة التي تشغّلهم وتدعمهم».
وأكّد الاسد لدى استقباله وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي مساء امس، أنّ «سوريا دولة وجيشاً وشعباً ماضية في محاربة التنظيمات الارهابية بكل قوة وحزم وعلى كل أراضيها»، مشدّداً على أنّ «مواجهة الارهاب وتفكيك بنيته وتجفيف منابعه لا يخدم سوريا وحدها بمقدار ما يخدم استقرار المنطقة كلها وأمنها وسلامة دولها». وقال إنّ «الشعب السوري استطاع على مدى السنوات الماضية مواجهة الارهاب بكل أشكاله. وهو اليوم مصمم على اجتثاثه أكثر من أي وقت مضى». واشار الى «أهمية دعم الحلفاء والاصدقاء فى التصدّي للهجمات الإرهابية المدعومة من الخارج وإفشال مخططاتها».
من جهته نقل عراقجي إلى الاسد رسالة من القيادة الايرانية تؤكّد «موقف إيران الثابت إلى جانب سوريا فى محاربتها للارهاب، واستعدادها التام لتقديم شتى أنواع الدعم للحكومة السورية لأجل ذلك». وقال: «عقدت لقاءً مفيدًا، وصريحًا ووديًا مع الرئيس بشار الأسد، حيث ناقشنا الأوضاع الراهنة في المنطقة وسوريا». مشيراً الى أنّ «سوريا واجهت سابقاً ما هو أصعب بكثير مما تواجهه اليوم، وهي قادرة على تحقيق النصر ضدّ الارهاب وداعميه». وقال «إنّ الجماعات الإرهابية تعتقد أنّ الظروف الحالية توفّر فرصة لنشاطاتها، لكن سيتمّ التصدّي لها بحزم». واضاف أنّ «الموقف في سوريا صعب، لكنني واثق في قدرة حكومة دمشق على الخروج منتصرة مثل المرّات السابقة»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية. واكّد «تمسك بلاده بوحدة الاراضي السورية واستقرارها».
مجلس التعاون
من جهة ثانية، دعا مجلس التعاون لدول الخليج العربية في القمة الـ45 التي انعقدت في الكويت امس، إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان، مطالباً بحماية المدنيين ووقف الحرب.
وطالب المجلس في «إعلان الكويت» بوقف «العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والضفة الغربية وانتهاكات الاحتلال في مدينة القدس والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية». كذلك طالب بالتدخّل لحماية المدنيين ووقف الحرب ورعاية مفاوضات جادة للتوصل إلى حلول مستدامة. وشدّد على «ثبات موقف مجلس التعاون تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال ودعمه لسيادة الشعب الفلسطيني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حقوق اللاجئين وفقاً لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية».
ورحّب المجلس باتفاق وقف إطلاق النار الموقت في لبنان، معبّراً عن تطلعه إلى «أن يكون ذلك خطوة نحو وقف الحرب وانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية وتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 وعودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم». وقال: «عبّر القادة عن تضامنهم مع الشعب اللبناني داعين إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا وتأكيد المسار السياسي لحل الخلافات بين المكونات اللبنانية، وتعزيز دور لبنان التاريخي في الحفاظ على الأمن القومي العربي والثقافة العربية وعلى علاقاتها الأخوية الراسخة مع دول مجلس التعاون». ورحّبوا «باستمرار الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان مع كافة الأطراف اليمنية لعودة العمل بالعملية السياسية»، مشيدين بـ«النهج السلمي الذي تتبناه دول مجلس التعاون وتغليبها للغة الحوار والديبلوماسية لحل كافة الخلافات في المنطقة وخارجها وفقاً لمقتضيات القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة باحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية واستقلالها السياسي، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها».
الرئاسة شائكة
على مستوى الملف الرئاسي، قالت مصادر رسمية لـ«الجمهورية»، إنّ احتمال انتخاب رئيس للجمهورية في جلسة 9 كانون الثاني النيابية هو احتمال مرتفع، مشدّدة على ضرورة أن تستفيد القوى السياسية من زخم اتفاق وقف إطلاق النار للتوافق على رئيس يمكن أن يتحقق حوله أوسع تقاطع ممكن.
وفي غضون ذلك، عيّن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أمس الأحد، رجل الأعمال اللبناني الأميركي مسعد بولس في منصب كبير مستشاريه للشؤون العربية والشرق أوسطية، ليتولّى بذلك فرد جديد من العائلة منصباً رئيساً في الإدارة، بحسب «فرانس برس». وقال ترامب على منصّته «تروث سوشيال»: «أنا فخور بأن أعلن أنّ مسعد بولس سيتولّى منصب كبير مستشاري الرئيس للشؤون العربية والشرق أوسطية». وأضاف: «مسعد محامٍ بارع وزعيم يحظى بالاحترام في عالم الأعمال، وله خبرة واسعة على الساحة الدولية». وأوضح انّ «مسعد كان مناصراً للقيم الجمهورية المحافظة أضيف لحملتي، وكان له دور فعّال في بناء تحالفات جديدة هائلة مع المجتمع العربي الأميركي». وقال: «مسعد هو صانع الصفقات، ومؤيّد ثابت للسلام في الشرق الأوسط. سيكون مدافعاً قوياً عن الولايات المتحدة ومصالحها، وأنا سعيد لوجوده في فريقنا».
ويمنح هذا التعيين بولس، وهو حمو تيفاني ابنة ترامب، منصباً رفيعاً في البيت الأبيض.
وقال بولس بعد تعيينه انّ «ترامب عمل على ملف إحلال السلام في الشرق الأوسط ووفى بوعده بأن يبدأ العمل على ذلك فور انتخابه، ووقف اطلاق النار في لبنان كان إنجازًا حقّقه الرئيس الاميركي جو بايدن بالتعاون مع ترامب».
ولفت بولس في حديث لقناة «LBCI» الى انّ «من واجبنا متابعة اتفاق وقف اطلاق النار، ونتأمّل أن يُنفَّذ سريعًا كما توصّلنا إليه سريعًا، وموضوع الرئاسة في لبنان شائك، ومن صَبَر سنتين يمكنه أن يصبر شهرين أم ثلاثة بعد». واوضح «انّ موضوع الرئاسة في لبنان شائك ومهمّ ويجب العمل عليه بدقّة من دون تسرّع بنحو غير مدروس بحكم الحرب، فمرحلة وقف اطلاق النار تجريبية، والانتخابات ليست من مسؤوليتنا بل من مسؤولية البرلمان». واضاف: «نشجع على الأسس الديموقراطية في لبنان وإعادة بناء البلد واحترام الدستور وإعادة إحياء المؤسسات الدستورية وبسط سلطة الدولة على كامل اراضيها».
عودة أماني
من جهة اخرى، عاد مساء امس إلى لبنان السفير الإيراني السيد مجتبى أماني، بعد أن أنهى فترة علاج نتيجة اصابته اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان، وكان في استقباله في مطار رفيق الحريري الدولي، السفير محمد رضا شيباني، ووفد من قيادة حركة «أمل» ضمّ عضو المكتب السياسي طلال حاطوم، ومسؤول العلاقات الخارجية والمغتربين علي حايك، وفد من «حزب الله» ضمّ النائبين أمين شري وابراهيم الموسوي، وعدد من رجال الدين والشخصيات اضافة الى طاقم السفارة الايرانية في بيروت.