خصَّص رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، معظم لقاءاته يوم أمس في قصر بعبدا، للبحث في الشؤون التربوية ووضع الجامعة اللبنانية والجامعات اللبنانية الأخرى، فاستقبل لهذه الغاية وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب، وأجرى معه جولة أفق تناولت الشؤون التربوية عموما وواقع التعليم العالي خصوصاً، كما استقبل رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور فؤاد أيوب، بحضور بوصعب، وعرض معه أوضاع الجامعة وحاجاتها .
وأكد عون على “وجود إرادة ثابتة لديه لتعزيز الجامعة اللبنانية وتأمين الاعتمادات اللازمة لذلك، على رغم الظروف الحالية الصعبة التي يمر بها لبنان نتيجة ارتفاع الديون وتراجع الانتاج الوطني “.
وشدد على “أهمية الانتساب الى الوطن”، معتبراً أن “لبنان يتمتع بصيغة فريدة من نوعها لأن فيه توازناً وحواراً، حيث نجلس معا ونقتبس من بعضنا البعض ما يفيدنا جميعا “.
وأشار عون أنه “تم تحويل لبنان في السابق الى مختبر للازمات، لكننا تخلصنا من ذلك، ولم نعد حقل تجارب وسنتخطى اكثر فأكثر الازمة، ومن يريد أن يربح سيربح وطنا معمرا، ومن سيخسر سيعيش في وطن معمر، فالاثنان معا باتا يدركان أن الربح هو للجميع والخسارة للجميع”، مطالباً الجامعات في لبنان بأن تعتبر التثقيف السياسي “مادة إختيارية لا يمكن منعها لكونها باتت ضرورة وطنية “.
وأكد على “وجود إرادة مطلقة لديه لتعزيز الجامعة اللبنانية بالوسائل المادية، على الرغم من أن الدولة تمر بأزمة مالية وديونها ترتفع بين 5 الى 6 مليارات سنويا، والإنتاج الوطني يضعف”، آملا “أن تنعكس الآية قريبا من خلال تخفيف الديون وزيادة الانتاج “.
وقال: “سنحاول أن نجد الى جانب موازنة الجامعة وسائل أخرى للتمويل من خلال المساعدات والقروض. وهذا الامر هو شغلنا الشاغل”. وطلب أن “تبقى قاعات الجامعات مفتوحة أمام المحاضرات السياسية، لكي لا تبقى ثقافتنا ناقصة، لأن الممارسة الديموقراطية تنطلق من الناخب الى الحاكم وهي ليست فقط للشعب. فمن هو في رأس الحكم لديه ايضا واجبات، وفتح هذه القاعات لن يكون للخلاف، إنما لكي يأتي من يعمل في السياسة ويعرض أفكاره”، معتبرا أن “الديموقراطية ليست حكم الاكثرية للأقلية، إنما حكم الاكثرية والاقلية معا وفق إطار معين”، طارحاً سؤاله على الحاضرين: “لماذا الديموقراطية موجودة؟” واعتبر أنها “لإدارة حق الاختلاف، والتصويت بهدف إيجاد الحلول “.
ورأى عون أن “المعارضة هي من سمة المجتمعات الديموقراطية، ومن دون حق الاختلاف للفرد، لكنا جميعنا مستنسخون. من هنا، فالديموقراطية هي لتأكيد أحقية المعتقد السياسي والديني والاجتماعي، والحرية الفكرية وطرق التعبير عنها وطرق ممارستها “.
وشدد على أهمية الكفاءة والسلوك الشخصي واحترام المعايير كافة، “ما من شأنه أن يمنع التصارع فوق صندوق الاقتراع”، مؤكدا العمل على تطوير النظام التربوي “بحيث يصبح متضمنا هذه القيم الى جانب التثقيف السياسي، حيث يتم الاعتياد على النقاش واحترام الاصول، وحل المشاكل بالحوار”، داعيا أساتذة الجامعة الى “أن يكونوا قدوة في هذه القيم امام طلابهم، لأن السلوك الشخصي للاستاذ يكون أحيانا أفضل من المحاضرات “.
بعد ذلك، التقى رئيس الجمهورية في حضور بو صعب وفداً من اتحاد الجامعات الخاصة برئاسة رئيس جامعة سيدة اللويزة الاب وليد موسى الذي ألقى كلمة قال فيها: “باسم رابطة جامعات لبنان، باسم رؤسائها واساتذتها وموظفيها، باسم الاف الطلاب، نهنئكم من القلب، كما نهنئ لبنان وشعبه بانتخابكم رئيسا. وكان الاجدر بنا ان نهنئ انفسنا، بما ارتسم في قلوبنا من راحة وفرح وأمل كبير، فالهناء مشترك، كما يقولون، وما نجاحكم إلا نجاح لكل واحد منا. إن جامعاتنا مصدر اعتزاز لكم ولنا. ما أغلقت أبوابها يوما، رغم الظروف الصعبة، وما توقفت، مرة عن البناء في مراحل الهدم والعنف، ولا عرفت فراغا، كما عرف هذا البيت منذ سنتين ونصف سنة. نحن نتابع الطريق، ومعالي الوزير الاستاذ الياس بو صعب شاهد وخير رفيق لنا، ومعين في زمن الصعوبات. واليوم، نأتي الى هذا البيت لنضع أنفسنا بتصرف ما أقسمتم عليه في خطابكم يوم 31 الشهر الماضي، وما دعوتم اليه في كلمتكم الاحد الماضي “.
وأضاف: “نحن مع فخامتكم ومع الحكومة المنتظرة، في كل ما يخدم استقلال لبنان، واستقراره الاقتصادي والاجتماعي، وخلاصه من بؤر الفساد والانحطاط. ولهذا نؤكد لكم :
1- إن جامعاتنا مفتوحة، بمراكزها العلمية والبحثية، لكل ما تطلبون من دراسات ورؤى لتجديد حياتنا الوطنية. كما هي مستعدة لتنظيم كل المؤتمرات والندوات التي يمكن ان تسهم في بناء الدولة السيدة الحديثة والقوية .
2-إن جامعاتنا، الجامعة اللبنانية وجامعاتنا الخاصة، تمثل جيل الشباب، ونحن واياكم حريصون على اعداد هذا الجيل، وتهيئته، نفسيا وثقافيا، وقياديا لتسلم مقدرات الوطن والمساهمة في نهضته .
3-إن جامعاتنا امينة على دورها التربوي من حيث تخريج شباب وشابات، مؤمنين بهذه الارض، عاملين عليها ومن اجلها، رافضين استبدال الهوية بأي جواز سفر، مؤكدين ان في قيام عهدكم وفي تشجيع الحركة الاقتصادية ما سيسهم في ايجاد فرص عمل محترمة لأجيالنا الجديدة “.
وختم: “فخامة الرئيس، نداؤكم لنا، سنلبيه بمحبة واندفاع. فأنتم تجسدون الدولة التي حلمنا بها والتي نسعى الى العيش في ظلال علمها الواحد. وفقكم الله “.
ورحَّب عون بالوفد، مشدداً على “أهمية الدور الذي يمكن ان تلعبه الجامعات في تكوين التثقيف السياسي للشباب”، معتبرا أن “ديموقراطيتنا معرضة لأن تبقى متأخرة بسبب غياب هذا التثقيف في مختلف مراحل التعليم، من طور الدراسة حتى الطور الجامعي “.
ولفت الى أن “هذا التثقيف يساعد على إيجاد الحلول، ذلك أن المواطن يصبح عندها قادرا على فهم أصول الممارسة السياسية واتخاذ خياراته الضرورية التي يقتنع بها”، مستذكرا أنه كان دائما يقول للشبيبة إن “الوطن لا يقوم على أساس افراد ولا يبنى كذلك على من يجهل معنى السياسة ومضمونها”، داعيا الى “ان يتعرف الطلاب الى مقومات السياسة كما الى مختلف احزابهم في لبنان وافكارها وطريقة عملها وما حققته، بما يساعد على تعلم طريقة المناقشة السلمية والبحث الهادئ وحرية الخيار ضمن إطار التنوع “.
ورأى عون أن “الديموقراطية هي مؤسسات متناسقة، بمعنى أن عليها أن تعمل بالتنسيق مع بعضها البعض. وإذ دعا الى “الانتساب الى الوطن”، اعتبر أن “لبنان يتمتع بصيغة فريدة من نوعها لأن فيه توازنا وحوارا حيث نجلس معا ونقتبس من بعضنا البعض ما يفيدنا جميعا “.
وقال: “إن أبرز مثل على ذلك، أن هنالك أزمة كبرى تحيط بنا ولا تزال، وكان خطابنا ناريا ضد بعضنا البعض وارتفعت حرارته خلالها، إلا أن النار لم تندلع عندنا، ولم تسقط نقطة دم واحدة، وهذا من أكبر الانجازات في المرحلة التي اجتزناها. ونأمل أن يتطور ذلك أكثر فأكثر بحيث نواصل التحاور مع بعضنا “.
واعتبر أنه “تم تحويل لبنان في السابق الى مختبر للازمات، لكننا تخلصنا من ذلك، ولم نعد حقل تجارب، وسنتخطى اكثر فأكثر الازمة، ومن يريد أن يربح سيربح وطنا معمرا، ومن سيخسر سيعيش في وطن معمر، فالاثنان معا باتا يدركان أن الربح هو للجميع والخسارة للجميع. ونحن عندما ننجز أمرا جيدا فإنه يكون للمعارض كما للموالي. والمعارضة والموالاة يجب أن تكونا في اتجاه الخيار الافضل “.
وطالب الجامعات بأن تعتبر “التثقيف السياسي مادة إختيارية، ولكن لا يمكن منعها كونها باتت ضرورة وطنية”. وذكر أن أول الحوادث ذات الطابع الطائفي في لبنان حصلت عام 1828 مع دخول ابراهيم باشا الى لبنان، وقد تكرست حتى يومنا هذا قرابة الـ200 سنة، فماذا قدمت تربيتنا للخروج من هذا الواقع؟ ليس المطلوب أن نعيش كخلايا منفصلة لأننا مجتمع واحد وجسم واحد “.
وخلص الى القول ان “الفرادة هي من غنى الكائن البشري، وأن حق الاختلاف واجب لاحترام فرادة الشخص، وحتى لو كنا متعبدين لله ذاته، فإن كثافة الشعور الديني مختلفة من شخص الى آخر “.
واستقبل عون رئيسة المركز التربوي للبحوث والانماء الدكتورة ندى عويجان، وعميدة كلية التربية في الجامعة اللبنانية الدكتورة تيريزا الهاشم، كما التقى عون الامين العام لمجلس كنائس الشرق الاوسط الاب ميشال جلخ
الى ذلك، تلقى عون مزيدا من برقيات التهنئة لمناسبة انتخابه ابرزها من: ملك السويد، ورئيس جمهورية شاطىء العاج ومديرة منظمة الاونيسكو.