كتبت صحيفة “النهار” تقول: مع أن معايير العنف التصاعدي في الحرب الجارية على أرض لبنان لا ترتكز إلا على حسابات الميدان من جانب “حزب الله” والخطة الإسرائيلية للمضي قدماً في حصار الحزب وإضعاف ترسانته وقدراته العسكرية، فإن إنفجار المنحى الحربي أمس بشكل بالغ العنف، رسم دلالات طارئة للتصعيد خصوصاً من جانب إسرائيل، سعت الاوساط اللبنانية، رسمية وسياسية ودبلوماسية، إلى محاولة استقصاء دوافعها وأهدافها المقبلة. ذلك أن “التهاب” الأجواء اللبنانية بعشرات الغارات الإسرائيلية التي “خالفت” مواقيتها المعتادة مع “دهم” جوي حربي متجدد للضاحية الجنوبية لبيروت، وهذه المرة في ساعات الصباح الباكر حين كانت تشهد طلائع حركة نسبية لأعداد من المواطنين يتفقدون ممتلكاتهم ومنازلهم، وتدرّجاً نحو الجنوب وبعض الجبل، عكس اندفاعاً إسرائيلياً نحو تعميم رسالة واضحة برسم لبنان والخارج تثبت السياسة الهجومية لوزير الدفاع اليميني المتطرف يسرائيل كاتس المعين حديثاً والأقرب أإلى سياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدأت تحدث فارقاً في رفع منسوب العنف وتوسيع إطار الاستهدافات في لبنان ومناطق واسعة منه ناهيك عن توسيع نطاق العملية البرية في الجنوب.
هذا العامل كما تكشفه أوساط لبنانية معنية بمراقبة مجريات الحرب لعب في الأيام الأخيرة دوراً كبيرا في “تطوير” المنحى الجارف في العنف من خلال تعمد استهداف تجمعات النازحين في الكثير من المناطق بما أشعل موجات غير مسبوقة من الذعر في كل المناطق اللبنانية، سعياً من إسرائيل الى زيادة منسوب الضغوط على “حزب الله” ولبنان إلى الحدود القصوى بهدف طرح شروطها وفرضها في أي مشروع لوقف النار.
ولفتت الاوساط نفسها إلى أن التصعيد الجنوني أمس لم يكن مجرد مصادفة بل جاء عشية لقاء البيت الأبيض بين الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب الذي يرجّح أن يطرح خلاله الوضع في غزة ولبنان. وإذا كان بعض المراقبين لم يستبعد تحريكاً جديداً لمهمة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في قابل الأيام، فإن التصعيد الكبير الذي حصل أمس في لبنان وشمال إسرائيل لم يكن بعيداً من خلفية هذا الاحتمال وسط كلام عن بدء إسرائيل بتوسيع عمليتها البرية جنوباً.
وتأكدت هذه الخلفية من خلال حديث وسائل الاعلام الإسرائيلية كصحيفة “معاريف” عن أن الجيش الإسرائيلي بدأ المرحلة الثانية من عملياته البرية في لبنان وأن هدف المرحلة الثانية من عملية الجيش الإسرائيلي هو الضغط على “حزب الله” في شأن مفاوضات التسوية في لبنان. وأفادت “هيئة البث الإسرائيلية “أن الفرقة 36 بدأت تعميق العملية البرية في اتجاه مناطق جديدة في خط القرى الثاني جنوب لبنان. كما تحدثت القناة 14 الإسرائيلية عن أن الجيش وسّع عملياته جنوب لبنان إلى مناطق لم يصل إليها منذ بداية العملية البرية.
الضاحية مجدداً
التصعيد الإسرائيلي الحاد والواسع بدأ في الغارات الكثيفة على المنطقة الواقعة بين حارة حريك وبئر العبد وحارة حريك والحدث – الجاموس، ومنطقة واقعة بين حارة حريك والغبيري. ودمرت الغارات مبانٍ كبيرة كما استهدفت منطقة الحدث قرب مركز الميكانيك وأخرى حي الأميركان-الحدث، وطالت الغارات الليلكي ومحيط المريجة وأوتوستراد هادي نصرالله. وبلغ عدد الغارات 13. ثم شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارة على المنطقة الواقعة بين بعلشميه وضهور العبادية- فوق جسر بعلشميه- الطريق الدولية في قضاء عاليه. واستهدفت الغارة منزلاً متسببة بمقتل خمسة أشخاص واصابة إثنين بجروح. ودعا الجيش الإسرائيلي سكان الجنوب إلى الاخلاء الفوري لعدد كبير من القرى. واستهدفت غارة مساء منزل في حي الضهيرة في بلدة جون في اقليم الخروب وأفيد عن اصابات.
وأوردت وزارة الصحة في تقريرها اليومي أن حصيلة يوم الاثنين كانت 44 شهيداً و88 جريحاً بما رفع الحصيلة منذ بدء العدوان الإسرائيلي إلى 3287 شهيداً و14222 جريحا.
في المقابل، أعلن “حزب الله” استهداف مستوطنة كفربلوم ومستوطنتي كفربلوم وكفريوفال ومستوطنة ديشون. وأشارت صحيفة “يسرائيل هيوم” إلى تحطم مسيّرة أطلقت من لبنان على مدرسة في جيشر هزيف شمال نهاريا. كما أعلن مساءً استهداف قاعدة تل نوف الجوية جنوب تل أبيب وتزامن ذلك مع إيقاف الرحلات في مطار بن غوريون بعد إطلاق صواريخ في اتجاه تل ابيب، كما أفادت المعلومات عن مقتل شخصين في سقوط صاروخ في شمال اسرائيل.
وفيما لا تزال الأوساط الرسمية تؤكد عدم تبلغ لبنان أي طرح لوقف النار التقى أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي العائد من الرياض، واطّلع منه على اجواء لقاءاته على هامش القمة العربية الإسلامية. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استقبل ميقاتي على هامش أعمال القمة، وشارك في اللقاء وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب. وجدد الرئيس السيسي “موقف مصر الداعم للبنان وسيادته وسلامة أراضيه، ورفض وإدانة العدوان الإسرائيلي، سواء في الأراضي الفلسطينية أو لبنان”، مشدداً “على أهمية دور المجتمع الدولي في وقف التصعيد بالمنطقة ومنع الانزلاق نحو حرب إقليمية ذات تداعيات كارثية على حاضر ومستقبل شعوبها”. كما أكد “مواصلة مصر تقديم الدعم للبنان وشعبه الشقيق”. بدوره، ثمن الرئيس ميقاتي “المساندة المصرية الثابتة والراسخة للبنان”، مؤكداً “دعم جهود مصر الرامية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة”. وشدد على “أن الاولوية هي للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على لبنان والتوصل الى وقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701 كاملا”.