كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: عشية اللقاء المقرّر اليوم في البيت الأبيض بين الرئيس الاميركي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب، والذي يرجح أن يشجّع الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين على العودة إلى تل ابيب فبيروت، لمتابعة وساطته لوقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701، صعّدت إسرائيل من عدوانها على لبنان مشفوعاً بتصعيد شروطها لوقف النار على رغم من إدراكها المسبق انّ لبنان يرفضها جملةَ وتفصيلاً، ويتمسّك بتنفيذ هذا القرار من دون أي تعديل. وقد ارتكبت في قصفها الجوي أمس، مجازر عدة تنقّلت بين مختلف المناطق، وسقط فيها عشرات الشهداء والجرحى.
وأبلغت أوساط سياسية إلى «الجمهورية»، انّ «العدو الإسرائيلي مصرّ على التفاوض بالنار سعياً الى انتزاع تنازلات من لبنان تحت الضغط»، مشيرة الى انّ «تل أبيب تواكب المساعي الديبلوماسية لوقف إطلاق النار بزيادة جرعات العدوان في محاولة لفرض شروطها».
ولفتت المصادر إلى أنّ «التفاوض لم يصل بعد الى مرحلة جدّية، كما يتبين من طبيعة المقترحات المتداولة، والتي تعكس ما يدور بين واشنطن وتل أبيب، وليس مع الطرف الآخر المعني وهو لبنان». واضافت: «لا نزال عند ضفاف او عشية التفاوض الحقيقي، حيث لا يزال كل طرف يحاول تحسين موقعه في الميدان الذي لا تزال الكلمة الفاصلة له، ولم ننتقل بعد الى الطاولة السياسية».
واعتبرت المصادر «انّ أي اتفاق مفترض سيكون انعكاساً للمخاض الميداني»، مشيرة إلى «انّ تصاعد قدرة المقاومة على إيلام الكيان الاسرائيلي واستنزافه، سيعيد عاجلاً ام آجلاً تصويب وجهة التفاوض السياسي، ليصبح أكثر واقعية وتوازناً».
قطع الطريق
وقد انقسم المراقبون في قراءة خلفيات التصعيد الإسرائيلي الواضح يوم أمس، والذي لفّ الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع والجبل. وفيما اعتبره البعض إشارة إلى رغبة بنيامين نتنياهو وشركائه في قطع الطريق على أي تسوية قد يعمل هوكشتاين لتسويقها في هذه المرحلة، قالت مصادر سياسية مطلعة لـ«الجمهورية»، إنّ الإسرائيليين، على العكس، رفعوا درجة تصعيدهم العسكري لفرض رؤيتهم في أي تسوية ظرفية لوقف النار قد يتمّ التوصل إليها، تنفيذاً للتهديد الذي أطلقوه سابقاً بعدم مفاوضة لبنان إلّا تحت وطأة النار.
ويعتقد أصحاب هذا الرأي، أنّ التصعيد الإسرائيلي يثبت أنّ هناك جدّية معينة في المفاوضات الجارية اليوم بنحو مباشر وغير مباشر، والتي يشارك فيها الأميركيون والروس والإيرانيون وأطراف عرب. فما يقوم به نتنياهو هو ممارسة أقصى ضغط ممكن على لبنان، في محاولة لإضعافه وإجباره على القبول بالخيارات المتداولة في كواليس التفاوض، والتي يصرّ على رفضها.
بايدن ـ ترامب
وفي هذه الاجواء، تتّجه الأنظار في الساعات المقبلة إلى اللقاء المرتقب في البيت الابيض اليوم بين بايدن وترامب للبحث في مجموعة من الملفات الداخلية والعالمية، بناءً للدعوة التي وجّهها إليه بايدن، في بداية المرحلة الانتقالية الفاصلة عن نهاية ولايته وتسلّم خلفه ولايته في 20 كانون الثاني العام المقبل.
وأفادت تقارير ديبلوماسية من واشنطن، انّ لبنان يترقّب هذه المحطة لما هنالك من آمال يُبنى عليها، نتيجة المعلومات المتداولة عن تنسيق بين الرجلين لمعالجة بعض الأزمات الدولية، وخصوصاً في الشرق الأوسط، بعدما تعهّد كل منهما بالإسراع في وقف الحرب في غزة ولبنان، والتوجّه إلى المراحل السلمية، بحثاً عن الحلول السياسية التي تمنع توسع الحرب مرّة أخرى.
وذكر أحد التقارير الديبلوماسية، انّ إيران تعهّدت عبر اكثر من وسيط بأنّها لن تردّ على الهجوم الاسرائيلي الاخير عليها إن تمّ التوصل الى وقف للنار في غزة ولبنان، وتوجّهت المساعي الى حلول سياسية، بما يضمن وقف العدوان على الشعبين اللبناني الفلسطيني.
ولفتت مصادر ديبلوماسية إلى «انّ الحراك المنتظر لهوكشتاين مرهون بنتائج اللقاء اليوم بين بايدن وترامب، وإن سمعنا بموعد جديد للموفد الاميركي في المنطقة، تكون الروايات التي تحدثت عن خطوات متوافق عليها بين الديموقراطيين والجمهوريين قد أبصرت النور في مرحلة هي الأدق».
هوكشتاين متفائل
في غضون ذلك، نقل موقع «أكسيوس» الاميركي عن هوكشتاين، قوله إنّ «هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان قريباً. ونحن مفعمون بالأمل».
وأضاف هوكشتاين في حديثه مع الصحافيين في البيت الأبيض: «أنا مليء بالأمل في أن ننجح في ذلك». وأشار إلى أنّ الولايات المتحدة في انتظار ردّ من لبنان. وأكّد أنّه لن يكون هناك تدخّل لروسيا في اتفاق وقف إطلاق النار أو في الإشراف على تنفيذه.
في هذه الاثناء، نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر قولها، إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «يعتقد أنّه يجب إنهاء حرب لبنان، وأنّه لا يمكن تحقيق إنجاز بحجم اغتيال نصرالله».
ومن جهته وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قال خلال اجتماعه الأول مع هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، إنّ «إسرائيل لن توافق على وقف إطلاق النار في لبنان حتى تحقق أهدافها». واعتبر «أنّ التحدّي الرئيسي الذي يواجه أي اتفاق لوقف إطلاق النار هو التنفيذ». وألمح إلى أنه «لن يكون أي وقف لإطلاق النار في لبنان، إذا لم يتضمن أي ترتيب حق إسرائيل في منع الهجمات بنفسها».
هجمة ديبلوماسية
في غضون ذلك، تشهد عين التينة اليوم هجمة ديبلوماسية غيرعادية، حيث يلتقي الرئيس نبيه بري على التوالي كلاً من السفير الفرنسي في بيروت هيرفيه ماغرو ومن ثم وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي، الذي سيصل إلى بيروت في ساعة مبكرة اليوم، قبل ان يلتقي السفير الروسي في لبنان الكسندر روداكوف، وذلك في إطار المساعي المبذولة بين عواصم الدول الثلاث من أجل ترتيب وقف للنار والتوجّه إلى تغليب اللغة الديبلوماسية على العسكرية في المنطقة.
وكان بري استقبل أمس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي اطلعه على نتائج القمة العربية الاسلامية التي استضافتها السعودية، واللقاءات والاتصالات التي عقدها على هامشها. ثم عرضا للأوضاع العامة والمستجدات السياسية والميدانية وملف النازحين وشؤوناً تشريعية.
ميقاتي والسيسي
وكان ميقاتي التقى قبيل عودته من الرياض أمس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي كرّر «موقف مصر الداعم للبنان وسيادته وسلامة أراضيه، ورفض وإدانة العدوان الإسرائيلي، سواء في الأراضي الفلسطينية أو لبنان»، مشدّداً «على أهمية دور المجتمع الدولي في وقف التصعيد في المنطقة، ومنع الانزلاق نحو حرب إقليمية ذات تداعيات كارثية على حاضر ومستقبل شعوبها».
وثمّن ميقاتي من جهته «المساندة المصرية الثابتة والراسخة للبنان»، مؤكّداً «دعم جهود مصر الرامية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة». وشدّد على «انّ الأولوية هي للضغط على اسرائيل لوقف عدوانها على لبنان والتوصل إلى وقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701 كاملاً».
والتقى ميقاتي مساء امس وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيير لاكروا في حضورالمنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت، وقائد القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) الجنرال ارولدو لازارو. واكّد لاكروا «انّ زيارته للبنان هي للتعبير عن التضامن مع لبنان وشعبه». وعبّر «عن تقديره لموقف الدولة اللبنانية الرافض للاعتداءات على قوات اليونيفيل».
وكرّر التأكيد «انّ الامم المتحدة تبذل جهوداً مكثفة مع الاطراف كافة لتحقيق وقف اطلاق النار»، مشدّداً على أهمية تطبيق القرار 1701 باعتباره الحل الوحيد للوضع في الجنوب». كذلك شدّد على «أهمية التعاون بين اليونيفيل والجيش».
بدوره ميقاتي شكر للاكروا زيارته، معرباً عن «امتنانه لقوات «اليونيفيل» وإصرارها على الصمود في مواقعها رغم الظروف الصعبة التي تمرّ فيها». وقال: «انّ الحكومة ملتزمة تطبيق القرار الاممي 1701، وتدعم التعاون الكامل بين الجيش واليونيفيل».
الوضع الميداني
وكانت المواجهات تواصلت على الجبهة الجنوبية امس، في ظل تصعيد إسرائيل عدوانها الجوي على لبنان، بالتزامن مع فشلها في الميدان. فارتكب طيرانها مزيداً من المجازر والتدمير في قرى وبلدات الجنوب وفي الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع وبعض مناطق جبل لبنان والشوف.
وفيما دكّت المقاومة المواقع والقواعد العسكرية الاسرائيلية في مناطق الجليل وحيفا وجوارها وصولاً إلى ضواحي تل ابيب بالهجمات الصاروخية والمسيّرات الانقضاضية، أعلنت القناة 14 الإسرائيلية، عصر امس أنَّ الجيش الإسرائيلي وسّع عملياته في جنوب لبنان إلى مناطق لم يصل إليها منذ بداية العملية البرية.
ونقل الاعلام الاسرائيلي عن مسؤول قوله: «إنّ إسرائيل ستوسع رقعة عملياتها البرية، وتحتل أجزاء أخرى من لبنان إذا لم يقبل «حزب الله» بالخطة المقترحة للترتيبات الأمنية».
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية، أنّ «الفرقة 36 في الجيش بدأت تعميق العملية البرية باتجاه مناطق جديدة في خط القرى الثاني جنوبي لبنان».
وكانت الغارات العنيفة التي تعرّضت لها الضاحية الجنوبية لبيروت أمس، طاولت المنطقة الواقعة بين حارة حريك وبئر العبد، ما تسبب بتدمير مجمع زين الطبي، ومحيط مجمع السيدة زينب في حارة حريك، ومنطقة الحدث – الجاموس، ومنطقة واقعة بين حارة حريك والغبيري. ودمّرت الغارات مباني كبيرة ومبنى «حرقوص تشيكن». واستهدفت غارة منطقة الحدث قرب الميكانيك وأخرى حي الاميركان -الحدث، وطاولت الغارات حي الليلكي ومحيط المريجة واوتوستراد السيد هادي نصرالله. وبلغ عددها 13 غارة. وكذلك طاولت الغارات المنطقة الواقعة بين بعلشميه وضهور العبادية – فوق جسر بعلشميه – الطريق الدولية في قضاء عاليه، واستهدفت منزلاً، متسببة باستشهاد 5 اشخاص وإصابة اثنين آخرين بجروح.
تهديد النووي الإيراني
من جهة ثانية، ووسط ترقّب الردود العسكرية بين إسرائيل وإيران، لوّحت تل أبيب بإمكانية استهداف المنشآت النووية الإيرانية، في وقت تتزايد التوقعات من ان تردّ طهران على الهجوم الإسرائيلي الأخير عليها خلال الفترة الانتقالية في الولايات المتحدة، بينما تسعى واشنطن لتفادي تصعيد النزاع بين طهران وتل ابيب.
ووجّه نتنياهو مساء امس ما سمّاه «رسالة الى الشعب الإيراني»، قال فيها: «تكلفة إطلاق نظام خامنئي مئات الصواريخ بلا جدوى على إسرائيل بلغت 2.3 مليار دولار». واضاف: «هناك شيء واحد يخشاه نظام خامنئي أكثر من إسرائيل وهو الشعب الإيراني». وأشار إلى أنَّ «كل يوم يزداد ضعف نظام خامنئي. وكل يوم تزداد إسرائيل قوة، ولا تفقدوا الأمل. واعلموا أنّ إسرائيل وغيرها من دول العالم الحرّ تقف إلى جانبكم».
وفي السياق، قال وزير الدفاع الإسرائيلي «إنّ المواقع النووية الإيرانية أصبحت «مكشوفة بشكل أكبر من أي وقت مضى أمام الضربات الإسرائيلية»، وذلك خلال اجتماع مع هيئة الأركان العامة.
ونشر كاتس تصريحاته عبر منصة «إكس»، وأرفقها بصورة من الاجتماع الذي عقده الاثنين، وقال: «إيران اليوم مكشوفة أكثر من أي وقت مضى أمام ضرباتنا التي تستهدف منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم، وهو القضاء على التهديد الوجودي لدولة إسرائيل».
طهران تحذّر
وفي المقابل، حذّرت طهران الرئيس الأميركي المنتخب من اعتماد سياسات خاطئة، واتخذت إجراءات احترازية، حيث أكّدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية أنّه يجب على ترامب تجنّب اتباع سياسات خاطئة قد تؤثر على حقوق الشعب الإيراني. وأضافت أنّ تجربة الضغط القصوى على إيران فشلت، مشيرة إلى أنّ طهران تقيّم الأمور استنادًا إلى الأفعال وليس التصريحات. وفي إجراء لافت، أعلنت وكالة أنباء «تسنيم» الإيرانية أنّ طهران تقوم ببناء نفق دفاعي في وسط المدينة بعد ضربات شنتها إسرائيل على أهداف إيرانية الشهر الماضي. والنفق سيوصل بين محطة في مترو طهران وبين مستشفى الإمام الخميني، بما يؤمّن الوصول المباشر من تحت الأرض إلى المنشأة الطبية.
عودة أماني
وإلى ذلك، التقى سفير إيران لدى بيروت، مجتبى أماني وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، وذلك قبيل عودته إلى مقر عمله في لبنان، بعد تلقيه العلاج في طهران جراء إصابته في تفجيرات «البايجر» في بيروت. وناقش معه الإجراءات المستقبلية التي يجب اتخاذها في ضوء التطورات اللبنانية الجارية. واكّد عراقجي «ضرورة اتخاذ تدابير فاعلة واستمرار الضغط السياسي والديبلوماسي على المستوى الدولي لوقف الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضدّ لبنان»، مشدّداً على أهمية تحرك المجتمع الدولي للحدّ من هذه الانتهاكات فوراً. وزوّد عراقجي أماني «التوجيهات والتعليمات اللازمة في شأن الخطوات المقبلة»، موضحاً «انّ الأولويات الديبلوماسية التي ينبغي اتباعها في المرحلة المقبلة لضمان حماية لبنان ودعمه في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة».