كتبت صحيفة “النهار”: للمرة الأولى منذ اشتعال الحرب الجارية قبل شهر وبضعة ايام، تقدمت المخاوف والهواجس اللبنانية المتعاظمة من تداعيات أزمة النزوح من المناطق المستهدفة بالغارات والقصف والمواجهات إلى مناطق أكثر أمناً على كل المخاوف والأخطار الأخرى، الأمر الذي يشكل استحقاقاً ضاغطاً بقوة على الدولة والحكومة ومجلس النواب والقوى السياسية والمجتمعية بأسرها. ولعلّ المفارقة الكبيرة اللافتة التي استولدتها هذه الأزمة والتي استوقفت المراقبين الدبلوماسيين كما الأوساط الداخلية تمثلت في أن الهمّ المشترك الناشىء عن تفاقم تداعيات أزمة النازحين تمكّن من فعل ما لم تفعله أي أزمة أخرى سابقاً وحالياً.
إذ أنه عشية أيام قليلة من حلول موعد احياء الذكرى السنوية الثانية لأزمة الفراغ الرئاسي، انعقد اجتماع نيابي موسع في مجلس النواب ضم أكثر من خمسين نائباً يمثلون سائر الكتل النيابية قاطبة بلا استثناء في ما شكل اجماعاً نادراً على توحيد الموقف من أزمة النزوح واصدار توصيات لمواجهتها. وعلى رغم الطابع غير الرسمي لهذا التطور لكون الاجتماع جاء بمبادرة من النواب وليس بدعوة من رئاسة المجلس، اتخذت الخطوة دلالات بارزة وإيجابية من حيث الاجماع على اتجاهات عملية ومبدئية وقانونية لاحتواء ومعالجة أزمة النزوح خصوصاً وتحديداً لجهة الاتفاق على ضرورة خضوع النازحين والمقيمين لأحكام القانون ومنع أي مسببات للاحتكاكات والاشكالات.
ومن غير المستبعد أن يكون مسار تكثيف الخطوات المتصلة بالنازحين ناجماً عن المعطيات القاتمة التي لا تزال تحكم الواقع الحربي التصعيدي في لبنان، إذ لا تظهر بعد أي معالم ايجابية لوقف النار ولجم الحرب التدميرية وهو ما تبدّى في عدم تبلّغ المسؤولين اللبنانيين أي معطيات حيال مهمة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في إسرائيل وما إذا كانت سنتتهي بموافقة اسرائيلية على وقف للنار في لبنان.
واتفق ممثلو الكتل النيابية الذين اجتمعوا في قاعة المكتبة العامة لمجلس النواب ظهر أمس على مجموعة اتجاهات وخطوات تضمنها بيان، وأبرزها: “اعتبار واقع النزوح الذي نشأ نتيجة العدوان الإسرائيلي قضية وطنية تعني الجميع وتفترض مقاربتها والقيام بمهامها وفق قواعد وأصول التضامن الوطني، الذي تجلّى بالاحتضان المشكور الذي حصل في كل المناطق التي استقبلت النازحين وقدّمت أفضل صورة عن الانتماء الوطني. مطالبة الحكومة اللبنانية بمضاعفة جهودها والقيام بكل ما يلزم لايجاد أماكن الإيواء وتأمين المستلزمات الضرورية لإقامة ومعيشة النازحين ودعوة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية إلى تحمّل مسؤولياتها القانونية والاخلاقية والإنسانية في هذا المجال. دعوة الأجهزة الأمنية والعسكرية والبلدية للقيام بكامل واجباتها للحفاظ على أمن النازحين اللبنانيين والمقيمين وتطبيق القوانين بحزم وإيلائها الأولوية المطلوبة ومنع أي وجود مسلح سواء من المجتمع النازح أو المقيم والابتعاد عن مظاهر الأمن الذاتي. خضوع جميع المواطنين سواسيةً، من مقيمين ونازحين، للقانون وقواعد الانتظام العام واحترام الملكيات الخاصة وعدم الاعتداء عليها أو استعمالها بغير موافقة اصحابها. الطلب من الحكومة دعم البلديات للقيام بدورها بفعالية وتسجيل النازحين في أماكن النزوح واشرافها على كل ما يتعلق بموضوع النازحين اللبنانيين وتوزيع المساعدات لهم بالتنسيق والتكامل مع هيئة إدارة الكوارث الحكومية”.
وأكد النائب وائل أبو فاعور أن الاجتماع عقد بسعي مشترك من كتلتي “اللقاء الديموقراطي” و”الاعتدال الوطني” وبالتعاون مع كل القوى السياسية، وبدعم من رئيس مجلس النواب نبيه بري”.
على الصعيد الحكومي، كشف وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب خلال مشاركته في إفتتاح اعمال الدورة التاسعة لأعمال الاتحاد من أجل المتوسط في مدينة برشلونة أنّ “أكثر ما يقلقنا في لبنان هو الفتنة الداخلية مع توسع الاحتكاكات بين النازحين وسكان المناطق التي نزحوا إليها”، مشدداً على أنّه “إذا لم تتوقف الحرب فإن النزوح يمكن أن يؤدي إلى تفجير الأوضاع وحدوث صدامات مجتمعية”. وطالب بوحبيب بِـ”دعمكم ومساعدتكم لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار وتنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته بصورة متوازنة من الطرفين وتعزيز قدراتنا الدفاعية”.
صور وبعلبك
غير أن التصعيد الحربي لم يتراجع أمس حيث استمر القصف الإسرائيلي على المناطق والقرى اللبنانية، متسبباً بمزيد من المجازر ومتنقلاً، حيث كانت الحصة الاكبر مجدداً لمدينة صور في الجنوب والبقاع الشمالي. وسقط 7 شهداء و 17 جريحاً في غارة إسرائيلية على مبنى في حي الرمل في صور. واستهدفت غارة منزلاً في الحلانية بقاعاً تسببت بوقوع 4 اصابات. وشن الطيران سلسلة غارات عنيفة بعد الظهر على بعلبك التي استهدفت باكثر من غارة عنيفة وبلدات قصرنبا وطاريا وسرعين وبريتال وأفيد عن سقوط شهيدين وعشرة جرحى في طاريا. ثم شنّ غارات أخرى على بلدة الرام ويونين حيث اصيب أربعة مواطنين بجروح وأوقع مجزرة عائلية في بوداي حيث سقط ستة شهداء من عائلة واحدة. وتحدثت معلومات عن مجزرة أخرى في بلدة الرام حيث سقط ثلاثة شهداء وتبين وجود أطفال تحت منازل دمرها القصف وعمل رجال الدفاع المدني على رفع الركام لانقاذهم. كما أفيد عن عدد من الشهداء في منزل داخل ثكنة غورو في مدينة بعلبك.
كما استهدفت غارة بواسطة مسيّرة اسرائيلية سيارة على طريق عام عاريا. وفي وقت أفيد عن اصابة شخص، سجل تضرر عدد من السيارات. وفي المقابل، أعلن “حزب الله” في سلسلة بيانات أنه استهدف تجمعًا للقوات الإسرائيلية عند بوابة فاطمة، وقصف مستعمرة كريات شمونة وتجمعًا للجنود في منطقة العمرا غرب الوزاني. كما أعلن استهداف شركة يوديفات للصناعات العسكرية جنوب شرق عكا بمسيّرة انقضاضية. واعلن بعد الظهر أنه اطلق صلية نوعية صاروخية على قاعدة ستيلا ماريس البحرية الإسرائيلية شمال غرب حيفا.