كتبت صحيفة “النهار”: على وقع ازدياد منسوب وحشية المجازر التي ترتكبها إسرائيل في المناطق اللبنانية، والتي كان آخرها أمس في النبطية التي تتعرض لضربات ساحقة ومتلاحقة تكاد تمحو كل معالمها وذهب شهيداً لها رئيس بلديتها وأعضاء في المجلس البلدي، ووسط تضاؤل الآمال إلى حدود بعيدة في تحرك دولي ضاغط وفعّال ومؤثر يلجم تفلت الحرب في لبنان، جاء الموقف – النداء للقمة الروحية المسيحية- الإسلامية التي انعقدت في بكركي ليشكل حدثاً داخلياً صار “نادرا” أقلّه لجهة تعويض الفراغ السياسي والوطني في اللحظة الحربية المخيفة الراهنة.
وقد اتخذت التطورات الحربية منحى شديد الخطورة لجهة ما بدا أنه تصعيد كبير في الغارات الإسرائيلية المدمرة، فيما تبدو النداءات والمواقف الداعية إلى تحرك يفرض وقف النار ولجم المجازر أشبه بصراخ في البرية الدولية. وهو الأمر الذي فاقم مخاوف أوساط معنية من أن تكون إسرائيل، وسط الصعوبات الميدانية التي تواجهها راهناً في عملية التوغل البري عبر الحدود الجنوبية للبنان، انبرت إلى تصعيد مخيف في الأعماق اللبنانية وسط توظيفها لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بحيث لا تزال الإدارة الأميركية تمانع إصدار قرار بوقف النار عن مجلس الأمن الدولي وتحاول الضغط، بلا جدوى، على الحكومة الإسرائيلية لوقف استهداف المدنيين والمناطق المأهولة في لبنان. وحذرت هذه الأوساط من أن الأسبوعين المقبلين قد يشكلان مزيداً من احتمالات التفلت الحربي الواسع ولو أن صدى الحرب المتصاعدة بدأ يتسع عبر الكثير من الدول. وتزامن ذلك مع فرض الولايات المتحدة أمس عقوبات على ما وصفتها بأنها شبكة في لبنان لتفادي العقوبات، تموّل “حزب الله” بملايين الدولارات.
قصف النبطية
أما النبطية التي سبق أن تعرّض سوقها الأثري كما الكثير من أحيائها لموجات قصف تدميرية، فكانت الضربة الجديدة التي استهدفتها أمس الأعنف إذ أدّت إلى تدمير مبنى البلدية ووفاة رئيسها أحمد كحيل والأعضاء صادق إسماعيل وبعض الاعضاء، بالإضافة إلى مسؤول الإعلام محمد بيطار والموظف محمد زهري لدى وجودهم داخل المبنى. وهو اعتداء خطير على مقر إداري رسمي كما الضربة الأخرى لسرايا النبطية الحكومية التي دمرت معظم المكاتب الشرقية فيها. وأفادت وزارة الصحة عن سقوط 16 شهيداً و52 جريحاً في مجزرة النبطية فيما أعمال البحث عن مفقودين مستمرة.
وسارع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى إدانة “العدوان الإسرائيلي الجديد على المدنيين في مدينة النبطية والذي استهدف قصداً اجتماعاً للمجلس البلدي”. وقال: “إن هذا العدوان الجديد، معطوفاً على كل الجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في حق المدنيين، هو برسم العالم الساكت عمداً على جرائم الاحتلال، ما يشجعه على التمادي في غيّه وجرائمه”. أضاف: “إذا كانت كل دول العالم عاجزة عن ردع عدوان موصوف على الشعب اللبناني، فهل ينفع بعد اللجوء إلى مجلس الأمن للمطالبة بوقف اطلاق النار؟”.
بدورها، أعلنت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة جينين هينيس-بلاسخارت أنه “يتعين حماية المدنيين في كل الأوقات”. وأفادت في بيان تعليقاً على الهجوم على النبطية أن “انتهاكات القانون الإنساني الدولي غير مقبولة على الإطلاق”. وأضافت: “يتعين حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية في الأوقات كافة”، معتبرة أنه “حان الوقت لأن توقف الأطراف المعنية كلها إطلاق النار فوراً وتفتح الباب أمام الحلول الدبلوماسية”.
ومضى الجيش الإسرائيلي في توسيع غاراته، فأغار على مبنى في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت صباحاً، الأمر الذي اسقط الكلام عن ضمانات أميركية بوقف الغارات على بيروت. وخلال غارة على بلدة اليمونة دمرت مبنى مؤلفاً من طبقتين، أفيد بأن جريحين من المصابين في الغارة فارقا الحياة، بالإضافة إلى 15 جريحاً.
القمة الروحية
وعكس البيان الختامي الصادر عن القمة الروحية في بكركي الجهد الكبير الذي بذل للتوفيق بين المواقف المتباعدة بين بعض الرؤساء الروحيين، فجاءت صياغته متمايزة عن بيانات سابقة. وقد أكدت القمة “أنّ العدوان الإسرائيلي الهمجي على لبنان يطال كل لبنان وينال من كرامة وعزة كل اللبنانيين، وأن اللبنانيين بوحدتهم وتضامنهم وتمسكهم بأرضهم ووطنهم قادرون على الصمود وردّ العدو على أعقابه”، مشدّدةً على “أنّ الحلول للبنان لن تكون، ويجب ألاّ تكون، إلاّ عبر الحلول الوطنية الجامعة التي ترتكز على التمسّك بالدستور اللبناني واتفاق الطائف وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة وبقرارها الحر وبدورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية ومسؤولياتها تجاه شعبها وضمانة أمنه واستقراره وازدهاره”.
وطالبت بدعوة مجلس الأمن الدولي إلى “الانعقاد فوراً لاتخاذ القرار الحاسم لوقف اطلاق النار، ولإيقاف هذه المجزرة الإنسانية التي ترتكب بحق لبنان”، كما دعت إلى “إعادة تكوين المؤسسات الدستورية، لا سيما قيام مجلس النواب، وفوراً، بالشروع في انتخاب رئيس للجمهورية، يحظى بثقة جميع اللبنانيين وذلك تقيّداً بأحكام الدستور، وبأكبر قدر ممكن من التفاهم والتوافق، بإرادة لبنانية جامعة وعملًا بروح الميثاق الوطني”. وطالبت بـ”الشروع فوراً بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 كاملاً بما يتضمن من دعم الجيش اللبناني وتعزيز إمكانياته وقدراته للدفاع عن لبنان، وتأكيد انتشاره الواسع في منطقة جنوب الليطاني”.
وفي السياق، أعلن الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي زار كلاً من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي “أن علينا أن ننتظر اعتداءات إسرائيلية في كلّ مكان ولا أعتقد أنّ هناك مناطق آمنة، ووقف إطلاق النار بمساعدة الدول هو الحل والاتكال ع الله والقدر”.