كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: لا تبدو في الأفق نهاية واضحة للعدوان الإسرائيلي على لبنان، العالم عاجز عن كبحه، وإسرائيل متفلّتة ولا رادع لحرب الدمار الشامل التي تشنّها، ولمجازرها التي ترتكبها بحق المدنيين اللبنانيين. في هذا الواقع الأشبه بحقل من المفاجآت، استسلم الخبراء والمحللون للفشل والعجز في تحديد وجهة المسار الحربي، وتقدير ما يبيته العقل الحربي الإسرائيلي للبنان، وأيّ واقع يحاول ان يفرضه، والأهداف الحقيقية الكامنة خلف تصميمه على الاستهداف المركّز لقوات «اليونيفيل»، ومن خلالها القرار 1701.
مساعدة .. بالنوايا
وبموازاة الداخل الموبوء بالسياسة والمنكوب بالحرب وعدوانية إسرائيل المتمادية عليه، خارج لا يسرّ القلب. فالمسار الديبلوماسي معطّل بشكل عام، وحركة الاتصالات والمشاورات التي يُقال إنّها تجري بوتيرة متسارعة على مستويات دولية متعدّدة، لا تعدو حتى الآن أكثر من إعلان نوايا بمساعدة لبنان ووقف العدوان، دون أن ترقى إلى مبادرة صلبة أو جهد حقيقي بهذا الخصوص، لوقف المسار الحربي المشتعل، وردع اسرائيل التي تدفع بهذه الحرب إلى منزلقات أكثر اشتعالاً وتدميراً.
احتمالات الخرق ضعيفة
على المقلب السياسي، علمت «الجمهورية» من مصادر سياسية موثوقة «أن لا حراكات جديدة على مستوى الملفات الداخلية، وخصوصاً انّ مواقف الاطراف التي تظهّرت بعد مبادرة اللقاء الثلاثي في عين التينة، اثبتت بما لا يرقى اليه الشك انّ احتمالات الخرق السياسي او الرئاسي أضعف مما كانت عليه قبل الحرب، وما يُحكى عن استعدادات للشراكة في تصويب المسار السياسي الداخلي والانقال الفوري إلى انتخاب رئيس توافقي لا يشكّل تحدّياً لأيّ طرف لا تعدو اكثر من غبار تضليلي يحجب حقيقة المواقف».
استعجال
وفي هذا السياق، كشف مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، عن أنّ «المحاولات الخارجية لانتخاب رئيس للجمهورية بمعزل عن التوافق المطلوب لإيصال مرشحين معينين إلى رئاسة الجمهورية، لم تتوقف، وتشدّ في هذا الاتجاه دول كبرى تسوّق بأنّ «حزب الله» بات ضعيفاً ولم يعد قادراً على فرض شروطه، وبعض الداخل متناغم مع تلك المحاولات حتى النخاع، ومثل هذا الكلام قيل لبعض الوزراء ولمسؤولين لبنانيين بشكل واضح وصريح».
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت هذه المحاولات قادرة على السريان وقلب الميزان الداخلي، قال: «لا مجال لانتخاب رئيس للجمهورية خارج التوافق، ثم لماذا هذا الاستعجال في حسم الامور وكأنّ الحرب انتهت وغيّرت الموازين فيما هي لم تنته بعد، والميزان في نهاية المطاف تحدّده تطورات الميدان، وآنئذ لكل حادث حديث»؟
بلينكن يستعجل الرئيس
وكان لافتاً في هذا السياق، ما كشف عنه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، من أنّه تلقّى اتصالاً من وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن الذي أثار الملف الرئاسي، وقال ميقاتي: «قبل نهاية الاتصال قال الوزير بلينكن انّ هناك امراً واحداً بعد وهو ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية، وأشار الى انّه سيتصل الآن بالرئيس برّي لحثه على المضي قدماً بخطوته لانتخاب رئيس، شرط الّا يكون رئيس تحدٍ لأحد، بل رئيس مقبول من جميع اللبنانيين، ويجمع ولا يفرّق».
ولفت ميقاتي إلى انّ اتصال وزير الخارجية الاميركية «يصبّ في اطار التنسيق الحاصل والسعي الجدّي لوقف اطلاق النار، ووجدت من خلال الاتصال التضامن الكامل مع لبنان على الصعد كافة، وأنّهم يسعون بكل جهد لإتمام وقف اطلاق النار».
بلينكن يتصل ببري
وفي وقت لاحق أمس، أجرى بلينكن اتصالاً بالرئيس بري استمرّ لنحو 40 دقيقة، جرى خلاله استعراض شامل لتطوّرات الوضع الناجمة عن العدوان الإسرائيلي واستهدافه المدنيِّين. بالإضافة إلى حركة الاتصالات الدولية والسبل الرامية إلى وقف إطلاق النار.
وكان بلينكن قد قال في كلمة له على هامش قمة بلدان جنوب آسيا في لاوس: «إنّ على الدولة اللبنانية فرض نفسها وتولّي زمام المسؤولية بمواجهة «حزب الله». ومن الواضح انّ لدى الشعب اللبناني مصلحة ومصلحة قوية في ان تفرض الدولة نفسها وتتولّى زمام المسؤولية عن البلد ومستقبلها. ومن المهمّ ان يكون هناك رئيس دولة في لبنان، والقرار متروك للشعب اللبناني».
مطالبة بوقف النار
وأشار ميقاتي بعد جلسة مجلس الوزراء امس، الى انّ مجلس الوزراء اتخذ قراراً حرفيته: «الطلب من وزارة الخارجية والمغتربين تقديم طلب إلى مجلس الأمن الدولي ندعوه فيه إلى اتخاذ قرار بالوقف التّام والفوري لإطلاق النار، مع التشديد على التزام الحكومة اللبنانية تنفيذ القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن بمُندرجاته كافّة، لا سيّما في شقّه المتعلّق بنشر الجيش في جنوب لبنان وتعزيز حضوره على الحدود اللبنانية بما من شأنه أن يضمن تنفيذ هذا القرار».
وأكّد ميقاتي أنّ «الاعتداء الذي تعرّضت له قوى «اليونيفيل» من قبل إسرائيل، هو جرم مستنكر من قبلنا، وهو برسم المجتمع الدولي الذي تُنتَهكُ حرماته ويُهدَّد وجوده من خلال استهداف قوى الأمم المتحدة». وقال: «الحل الديبلوماسي مطروح على الطاولة من خلال القرار 1701 الذي لا يزال صالحاً. و«حزب الله» موافق ايضاً، وهو شريك في هذه الحكومة، ووافق اليوم على هذا الموضوع ولا اعتقد انّه يوجد أي تردّد».
ولفت إلى أنّه «نتيجة المساعي التي بدأت يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، والمتعلقة بتخفيف التصعيد، خفّت حدّة الغارات على الضاحية الجنوبية، وخفّت وتيرة التصعيد، وسنواصل ملاحقة هذا الموضوع». وعمّا إذا كان لبنان لا يزال مرتبطاً بغزة اجاب: «اولويتنا اليوم الّا نكون مع أحد او ضدّ احد، أولويتنا هي السلامة والأمن في بلدنا، وهذا ما نعمل عليه». وعن موقف «حزب الله» قال: «انا رئيس وزراء لبنان، ولا اتكلم باسم «حزب الله» مع احترامي له، انا اتكلم باسم لبنان، وما يهمّني هي سلامة بلدي، ووقف إراقة الدم والدمار».
١٣ تشرين
على صعيد محلي متصل، ستشكِّل ذكرى 13 تشرين التي يحييها التيار الوطني الحر غداً بقداس في مار الياس – أنطلياس، مناسبة ليطلق فيها رئيس «التيار» النائب جبران باسيل مواقف تضيء على مخاطر الحرب الإسرائيلية وتداعياتها لا سيما في الإحتلال والتهجير الديموغرافي، إضافةً إلى رؤية مستقبلية لحماية لبنان والمنظومة المطلوبة لذلك، بعد كل العبَر التي أظهرتها هذه الحرب.
وكذلك سيطرح باسيل سلسلةً من الخطوات المرتبطة بملف رئاسة الجمهورية وإعادة إنتاج السلطات الدستورية، وذلك من ضمن نتائج حراك التيار السياسي والديبلوماسي ضمن هذا الإطار.
المسلسل التدميري
وكان الجيش الاسرائيلي قد واصل أمس، المسلسل التدميري للمناطق اللبنانية عبر سلسلة من الغارات الكثيفة للطيران الحربي على القرى والبلدات في الجنوب والبقاع، في وقت تشهد المحاور على عدد من النقاط المحاذية لخط الحدود الدولية مواجهات عنيفة بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، وافادت التقارير الأمنية عن هجوم صاروخي وُصف بالعنيف وشديد الغزارة، شنّه الحزب على مواقع الجيش الاسرائيلي ومختلف المستوطنات والمدن الاسرائيلية بدءاً من الجليل والجولان وصولاً إلى حيفا. وقال مراسل القناة 12 العبرية انّ سقوط الصواريخ كان «كالشلالات»، فيما تواصلت صفارات الإنذار واعلنت اسرائيل تفعيل دفاعاتها الجوية، الّا انّ المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي اعلن انّ الدفاعات الجوية لم تتمكن من اعتراض كل الصواريخ، كما اعلنت «نجمة داود» وقوع اصابات، ورصدت مروحيات اسرائيلية تنقل إصابات في صفوف الجنود الاسرائيليين الى مستشفى رامبام في حيفا.
استهداف «اليونيفيل» والجيش
واللافت في هذا السياق، استمرار الجيش الاسرائيلي في استهداف قوات «اليونيفيل»، فيما استهدف جيش الاحتلال مركزاً للجيش اللبناني في كفر ما أدى الى استشهاد جنديين وجرح اثنين آخرين. واعلنت «اليونيفيل» امس عن تعرّض مقرّها العام في الناقورة صباح امس، لانفجارات للمرّة الثانية خلال 48 ساعة، حيث أصيب جنديان من قوات حفظ السلام بعد وقوع انفجارين بالقرب من برج مراقبة، وتمّ نقل أحد الجرحى إلى مستشفى في صور، بينما يتلقّى الثاني العلاج في الناقورة.
بري: ليستيقظ العالم
وتعليقاً على إمعان إسرائيل في استهدافها للمدنيِّين وقوات حفظ السلام (اليونيفيل) والجيش اللبناني في بلدة كفرا، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري: «أحَرّ التعازي إلى اللبنانيِّين كل اللبنانيِّين، لذوي الشهداء الذين سُفِكت دماؤهم على امتداد الجنوب وفي الضاحية والبقاع والعاصمة بيروت وجبل لبنان، والتعازي أيضاً موصولة للجيش اللبناني الذي قدّم اليوم المزيد من القرابين شهداء وجرحى في مسيرة التضحية والوفاء من أجل سيادة لبنان».
وأضاف بري: «إنّ ما حصل أمس واليوم من استهداف لقوات «اليونيفيل» ولجنود الجيش اللبناني من قِبل إسرائيل وآلتها العدوانية هو جريمة وليس مَحطّ إدانة واستنكار فحسب، بل هو أيضاً وقبل أي شيء آخر هو عدوان ومحاولة إغتيال واضحة وموصوفة للقرار الأممي 1701، نضعها برسم المجتمع الدولي الذي آنَ له أن يتحرّك ويستيقظ لوضع حَدٍّ لحرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على لبنان وعلى الإنسان وعلى كل ما هو متصل بقواعد الإخلاق والإنسانية والشرعية الدولية». وختم: «الرحمة للشهداء مدنيِّين وعسكريِّين والدعاء بالشفاء العاجل للجرحى وحمى الله لبنان».
حراك فرنسي
ولوحظ انّ الاعتداء الاسرائيلي على «اليونيفيل» أثار غضباً دولياً، ولاسيما من الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش، والمجلس الاوروبي، وايطاليا، وبريطانيا، وروسيا التي دعت اسرائيل الى الكف عن الاعتداء على «اليونيفيل». وفرنسا التي استدعت السفير الاسرائيلي على خلفية هذه الاعتداءات.
وفيما دعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى اجراء تحقيق أممي في الهجمات الاسرائيلية على «اليونيفيل»، قالت مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ«الجمهورية»: «انّ هناك تبرماً كبيراً جداً لدى الايليزيه من اسرائيل، لاستهدافها غير المبرر للمدنيين في لبنان، وحجم التدمير الهائل الذي الحقته بالبنى المدنية، ما يجعلها في تحفّز دائم لبذل جهد مكثف لوقف اطلاق النار، وفي برنامج الرئيس ايمانويل ماكرون خطة للتحرّك العاجل والمكثف في هذا الاتجاه».
وعكست المصادر ما وصفته «تخوفاًً عاليا لدى باريس من الاستهداف المتعمّد لقوات حفظ السلام في لبنان الذي يهدّد سلامة افرادها، ويشلّ حركتها ويعطّل قدرتها على أداء مهمتها وفق القرار 1701.
«حزب الله»
إلى ذلك، عقد مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف مؤتمراً صحافياً في الضاحية الجنوبية اكّد فيه «أنّ القوة والمقاومة هما ما يردع العدو عن جرائمه وليس القرارات الدولية».
ولفت الى أنّ ضرب تل أبيب ليس إلّا البداية، وما جرى في الأيام الأخيرة يؤكّد أننا ما زلنا في البداية. وللعدو أقول إنك لم ترَ بعد إلّا القليل». واكّد «انّ المقاومة تدير حقل رمايتها وتوقيت صلياتها بما يتناسب مع الميدان ومخزونها بخير، ومقاتلونا جاهزون للقتال الضروس ثأراً لدماء شهيدها الأغلى، والعدو عاجز».
واشار الى انّ «العدو عاجز عن التقدّم على الرغم من استقدامه قوات وألوية إضافية». وقال: «لا تقلقوا ولا تضعف معنوياتكم عندما ترون مشاهد للعدو داخل القرى، ولا تقلقوا من هذه المشاهد للعدو لأنّ المقاومة لديها قرار مسبق بالدفاع المرن المتوافق مع متطلبات الجبهة».
ولفت الى انّه «يدور حديث على بعض شاشات التلفزة المحلية وفي كواليس السياسة عن استعجال النتائج السياسية للمعركة. وتصريحات الأميركيين وما قاله نتنياهو لماكرون عن تغيير في لبنان والمنطقة، لاقاها بعض السياسيين في الداخل وطفت على السطح عبارات مقززة». وقال: «المعركة ما زالت في بدايتها الأولى و»بكير بكير بكير» الحديث عن الثمار السياسية. فلا تستعجلوا ولا تحرقوا اصابعكم».
واكّد «أنّ أي جهد سياسي داخلي أو خارجي مشكور ما دام متوافقاً مع رؤيتنا للمعركة». وقال: «أولويتنا المطلقة الآن هي إلحاق الهزيمة بالعدو وإجباره على وقف العدوان بالقوة».