كتبت صحيفة “الأخبار”: وضَع الأميركيون برنامجاً كاملاً متكاملاً لتمرير مشروع انتخاب رئيس يلتزم برؤيتهم. وإلى جانب الضوء الأخضر المُعطى للعدو الإسرائيلي باستكمال مجازره للضغط على المقاومة عبر الانتقام من بيئتها قتلاً وتهجيراً وحصاراً، تدير واشنطن الضغط الكبير على القوى المحلية لأجل انتخاب رئيس للجمهورية. لكنها تريد اسماً واحداً: قائد الجيش جوزف عون.لكن لا يبدو ان الولايات المتحدة وحدها من يهتم يتغيير الواقع السياسي في لبنان. اذ سارع العدو الاسرائيلي الى عرض خدماته. وهو ما ظهر في الحديث بين رئيس وزراء كيان الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أمس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وعاتبه على مواقفه من وقف توريد السلاح الى إسرائيل.
وحسب ما نشر في تل أبيب، فإن نتنياهو أكد لماكرون «أنه مثلما تدعم إيران جميع أجزاء المحور الإيراني، فمن المتوقع أن يقف أصدقاء إسرائيل خلفها، وألّا يفرضوا قيوداً عليها من شأنها أن تؤدي فقط إلى إضعاف موقفها». لكن اللافت في ما نشره مكتب نتنياهو أنه قال للرئيس الفرنسي إن «التحركات الإسرائيلية ضد حزب الله تخلق فرصة لتغيير الواقع في لبنان لمصلحة الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة بأكملها». وقالت مصادر ديبلوماسية لـ»الأخبار» إن نتنياهو «حثّ ماركون على الاستفادة من ضرب حزب الله من أجل تقليص نفوذه في إدارة السلطات كافة داخل لبنان، وتسهيل التسوية التي تعرضها فرنسا بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية للمسألة اللبنانية الداخلية». وقد أعلن أن البحث المفصّل سيتم خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي، الذي طلب مواعيد مع المسؤولين في إسرائيل.
على ان الاميركيين لا يتمنّون فقط، بل يهوّلون ويهدّدون بأن كلفة عدم السير في خطتهم، هي المزيد من الخراب والفوضى والدماء. وقد استنفرت الولايات المتحدة كل أدواتها لدعم المشروع، ليسَ في الداخل اللبناني وإنما أيضاً في الخارج. وفي هذا الإطار، انخرطت «مجموعة العمل الأميركية لأجل لبنان» في حملة الضغط. وهي سارعت بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى إصدار بيان تطرح فيه انتخاب رئيس ثم صفقة شبيهة باتفاق 17 أيار. وقال البيان إن «وفاة نصرالله تُعتبر فرصة لاستعادة سيادة لبنان وجعله أكثر استقراراً، ولكي يحدث ذلك يحتاج اللبنانيون إلى انتخاب رئيس بشكل عاجل»، معتبراً أن «الكيفية التي تدير بها إسرائيل هذه الحرب أمر مهم، ويتعيّن على الولايات المتحدة أن تضمن أن تكون تصرفات إسرائيل محدودة زمنياً وبما يتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. ويتعيّن على الولايات المتحدة أيضاً أن تصرّ على وقف إطلاق النار في أقرب وقت، حتى تتمكّن الحكومة اللبنانية من نشر القوات المسلحة اللبنانية في مختلف أنحاء البلاد، ويتعيّن على الطرفين العودة إلى طاولة المفاوضات والعمل، تحت رعاية الولايات المتحدة، للتوصل إلى حل دبلوماسي يسمح للمدنيين على جانبي الحدود بالعودة إلى منازلهم والبدء في بناء الدولة اللبنانية في ظل حكومة كُفُؤة وذات عقلية إصلاحية، ورئيس يحظى باحترام دولي».
وقد أجرى، رئيس المجموعة الحالي إدوارد غبريال ومعه كل من مها يحيى (معهد كارنغي بيروت)، وبول سالم (نائب رئيس معهد الشرق الأوسط) مقابلة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل أيام، وكان الهدف منها جسّ النبض إزاء ما يمكن إن يكون عليه الموقف من طرحهم، علماً أنهم يتصرفون كأنهم مكلفون بالمهمة من قبل المسؤولين الأميركيين. وخلال المقابلة، أعرب غبريال عن اعتقاده بـ«أن إسرائيل لن توقف الحرب قبل انتهاء الانتخابات الأميركية واتفاق يضمن عودة المستوطنين في الشمال». وتوجّه بالسؤال إلى ميقاتي عن انتخاب الرئيس، فأجاب الأخير أنه «يجب انتخاب رئيس ولكن لا يُمكن أيضاً أن نتخطى حزب الله رغم كل ما حصل». ثم سأل غبريال ميقاتي «هل تعتقد بأن الشيعة سيقبلون بأن يكونوا شركاء في الصيغة الجديدة؟ إذ يبدو أن هناك رأيين لدى اللبنانيين حول هزيمة حزب الله. البعض يراه سيّئاً وهو غاضب، والبعض يشعر بالسعادة لأن الدولة يمكن أن تبسط سيطرتها وطمأنة كلّ الشرائح»، فأجاب ميقاتي: «الجميع شعر بحزن لوفاة نصرالله ونحن في حرب وسنعمل على لمّ الشمل».
ومن أبرز الأسئلة التي طرحها غبريال، كانت عن وضع النازحين، واللافت أنه لم يهتم بخطة إعادتهم إلى منازلهم، بل سأل عن «أماكن تموضعهم بعد الحرب»، وهنا قال ميقاتي: «ليست لدى الدولة القدرة على معالجة الملف من دون دعم، لقد طلبنا مساعدة بقيمة 200 مليون دولار من المجتمع الدولي وقد تأمّنت. وكذلك نطلب الدعم للجيش من أجل تطويع 1500 عسكري، علماً أنه بحاجة إلى تطويع أكثر من 6000 عنصر».
وكانَ واضحاً من مقترحات هذه المجموعة وطروحاتها وما استُشفّ من الأسئلة الموجّهة إلى ميقاتي أن الحل المطروح هو شيء مشابه لاتفاق 17 أيار وليس «تطبيق الـ 1701 بحذافيره» كما أكّد ميقاتي. وبالرغم من أن النقاش كان حول بسط الدولة اللبنانية سيطرتها وانتخاب رئيس جمهورية توافقي وتحجيم دور حزب الله، على أن يكون هناك تعديل جدّي في طبيعة تمثيل الشيعة في السلطات كافة.
داخلياً، تستكمل الماكينة القريبة من الأميركيين الترويج لـ«تسمية قائد الجيش رئيساً»، ويعمل المقرّبون من عون وفقَ خطة تستند إلى «موقف جازم بوصوله إلى بعبدا حيث لم يعُد بإمكان حزب الله وضع فيتو عليه بعدَ أن أصبح ضعيفاً، بالتزامن مع حملة تشويه لسيرة كل المرشحين المحتملين بدءاً من وزير الخارجية السابق ناصيف حتي، العميد جورج خوري، القاضي عصام سليمان والعميد الياس البيسري وحتى الوزير السابق زياد بارود. ويتهم المقرّبون من عون هذه الشخصيات بأنها ضعيفة أو رجال حقبة سابقة. ويدّعي هؤلاء بأن رئيس مجلس النواب نبيه بري عبّر عن عدم ممانعته وصول عون إلى بعبدا، وهو ما ينفيه مقرّبون من بري الذي يؤكد أمام زواره، بأن الأولوية الآن هي لوقف الحرب على لبنان، وبعدها يصار إلى التفاهم على آلية انتخاب رئيس جامع لكل اللبنانيين.