كتبت صحيفة “البناء”: لم تغب الغارات الجوية عن الضاحية الجنوبية بنيّة تدمير المزيد من الأبنية وتهجير ما بقي من السكان، وادعاءات الاستهداف المدروس لمواقع تخزين أسلحة المقاومة فضحتها غارة الباشورة التي أسفرت عن قتل سبعة عاملين صحيّين في الدفاع المدنيّ لمجرد أنّهم يعملون تحت اسم الهيئة الصحية الإسلامية. ومنتصف ليل أمس تعرّضت الضاحية الجنوبية لعدة غارات عنيفة متلاحقة، بينما كان الجنوب كله تحت النار، حيث الجبهة الأمامية الممتدة من كفرشوبا الى الناقورة وعلى عمق عدة كيلومترات كان تحت القصف المدفعي الكثيف والغارات الجوية الهادفة إلى إضعاف الجبهة وثبات المقاومة فيها، بينما تواصل القصف والغارات على العمق بهدف التهجير والتدمير.
حال الهيستيريا التي أظهرتها الغارات الجويّة كانت ترجمة للمأزق الذي دخله الكيان في مواجهة استعصاءين كبيرين، الأول هو كيفية التعامل مع الضربة الإيرانية التي اضطر جيش الاحتلال إلى الاعتراف بحجم نتائجها المدمّرة على قاعدته الجوية الرئيسية في نيفاتيم، والتحدّي الذي مثلته شكلاً ومضموناً وموضوعاً لكل ما توهّم الكيان أنها إنجازات أعادت له قدرة الردع والسطوة لإعادة تشكيل المنطقة على معايير هيمنته بالنار، وبدا أن التشاور الأميركي الإسرائيلي يدور في حلقة مفرغة حول نوع الرد الذي يضمن تفادي المواجهة المفتوحة مع إيران، بينما إيران كانت حاسمة بأن كل الترتيبات للرد على الرد قد أنجزت، وأن إيران سوف تردّ وبقوة على أيّ رد، وما سوف يتغيّر هو حجم قوة الردّ ونوعيّة الاستهداف بناء على ما سيكون عليه الرد الإسرائيلي، ولذلك يجري الحديث الأميركي عن تفادي استفزاز إيران باستهداف البنى الاستراتيجية والاقتصادية مثل المنشآت النووية والنفطية.
الاستعصاء الثاني الأشد خطورة ربما على الكيان هو التحدي الذي بات يواجه جيش الاحتلال في الجبهة الأمامية من مدينة الخيام إلى بلدة عيتا الشعب، وفشل المحاولات المتكررة لتحقيق اختراق في أحد محاور التوغل العسكري لوحدات النخبة في جيش الاحتلال، وهي كفركلا والعديسة من جهة، ومارون الراس ويارون من جهة ثانية وعيتا الشعب من جهة ثالثة، وهي محاور التوغل ذاتها في حرب تموز 2006 مع فارق أن المقاومة هذه المرّة تخوض المواجهات في المناطق الملاصقة للخط الأزرق وليس داخل البلدات والمدن، بينما صواريخ المقاومة تتساقط بكثافة في مناطق شمال فلسطين المحتلة على المستوطنات والقواعد العسكرية لجيش الاحتلال من جهة، ونقاط التحشيد وتجمّعات قوات الاحتلال التي تستعدّ للدخول إلى جبهة القتال من جهة ثانية، وكانت حصيلة يوم أمس كما أول أمس، 100 إصابة بين قتيل وجريح في صفوف جيش الاحتلال، بين مَن أصابتهم العبوات الناسفة التي تمّ تفجيرها بالوحدات المتقدّمة، وتلك التي وقعت في الكمائن، أو التي أصابها القصف الصاروخي والمدفعي.
وفي اليوم الثاني على التوالي واصل مجاهدو المقاومة تصديهم لوحدات النخبة الإسرائيلية التي حاولت الدخول إلى بعض القرى والبلدات الجنوبية المحاذية للحدود، ما أدّى إلى سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف الضباط والجنوب الإسرائيليين.
وفي تفاصيل النشرة الميدانيّة، أعلنت المقاومة عبر سلسلة بيانات، استهداف قوة مشاة إسرائيلية بعبوتين ناسفتين أثناء محاولتها التسلّل باتجاه مارون الراس، وكذلك «تفجير عبوة ناسفة بقوة من لواء غولاني في منطقة ترتيرة في بلدة مارون الراس كانت تحاول الالتفاف من الجهة الغربية للبلدة وسقوط أفرادها بين قتيل وجريح». كما أعلن «تفجير عبوة لدى محاولة قوة مشاة إسرائيلية التسلل باتجاه بلدة يارون وأوقعناهم بين قتيل وجريح». وأفاد أنه «رداً على الاستباحة الهمجية الإسرائيلية للمدن والقرى والمدنيين، استهدف مجاهدو المقاومة الإسلامية تجمعاً لقوات العدو الإسرائيلي في مستعمرة يرؤون بصلية صاروخية». وفي بيان ثان أكد الحزب أنه «ورداً على الاستباحة الهمجية الإسرائيلية للمدن والقرى والمدنيين، تصدّى مجاهدو المقاومة لمحاولة تقدم لقوات العدو الإسرائيلي عند بوابة فاطمة بقذائف المدفعية». واستهدفت تجمعًا لقوات العدو بين شتولا والراهب بالصواريخ، وتجمعًا «لقوات العدو قرب مستعمرة أدميت»، و»تجمعًا لقوات العدو الإسرائيلي في ثكنة راميم بصلية من صواريخ فلق»، وتجمّعاته في مستعمرة سعسع بصلية صاروخية.
وأعلن الحزب استهداف «تجمّع لقوات العدو الإسرائيلي في مستعمرة شوميرا بصاروخ فلق وتجمعاً لقوات العدو الإسرائيلي في مستعمرة البصة بصلية صاروخية، وتجمّعاً لقوات العدو الإسرائيلي في مستعمرة أفيفيم بصلية صاروخية». وأعلن الحزب أن «مجاهديه استهدفوا فجر اليوم (أمس) تجمّعاً لِقوات العدو الإسرائيلي في موقع حانيتا بقذائف المدفعية وحققوا فيه إصابةً دقيقة. كما تحركات لِقوات العدو الإسرائيلي في مستعمرة مسكاف عام بِصلية صاروخية وحققوا فيها إصابةً مباشرة».
وأعلنت غرفة عمليات «حزب الله»، في بيان نشره الإعلام الحربي، أنّ «غرفة عمليات المقاومة الإسلامية تؤكد من مصادرها الميدانية والأمنية الموثوقة أنّ عدد القتلى في صفوف ضباط وجنود العدو الصهيوني في المواجهات البطولية التي خاضها مجاهدو المقاومة 2024 قد بلغ 17 ضابطًا وجنديًا».
وحتى الساعة السابعة والنصف من مساء الخميس الماضي، نفّذ حزب الله 29 عملية عسكرية متنوّعة الأهداف، من تصدٍّ لمحاولات التقدم الفاشلة لقوات النخبة في الجيش الإسرائيلي باتجاه بعض القرى الحدودية في جنوب لبنان، إلى استهداف تحشّدات إسرائيلية في ثكنات ومواقع عسكرية وبساتين ومنازل المستوطنات على طول الحافة الأماميّة قبالة القرى الجنوبيّة، وليس انتهاءً بقصف مستوطنات وأهداف عسكريّة في عمق الشمال.
وأعلن ضابط ميدانيّ في غرفة عمليات «حزب الله»، وفق ما نقل الإعلام الحربيّ في الحزب، أن «العبوات التي فجّرها مجاهدو المقاومة بقوات النخبة الإسرائيلية التي حاولت التقدم في خراج بلدتي مارون الراس ويارون، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 20 ضابطًا وجنديًا، هي عبوات زُرِعَت حديثًا بناءً لرصد ومتابعة المجاهدين لتحركات العدو، وبعضها زُرِع في الساعات الأخيرة قبل التفجير».
وقال: «مجاهدو المقاومة الإسلامية تمكنوا من زرع هذه العبوات في مسارات تقدّم محتملة لجنود النخبة في جيش العدو قبالة الحدود اللبنانية الفلسطينية في خضم استنفار وتحشّدات قوات العدو الإسرائيلي في مواقعه وثكناته العسكرية المقابلة، ووسط تحليق طائراته الاستطلاعية بكثافة في أجواء المنطقة».
ونشر الإعلام الحربي في «حزب الله»، مشاهد من «عملية استهداف المقاومة قاعدة غليلوت ومقر الموساد شمال تل أبيب في إطار سلسلة «عمليات خيبر» ضد جيش العدو الإسرائيلي».
وفيما لفت خبراء عسكريون لـ»البناء» الى أن حزب الله استطاع استعادة التوازن في المواجهة الميدانية بعدما ظهر أنه فقد التوازن الأمني والاستخباري والتكنولوجي خلال الأسبوع الماضي، ويعمل على احباط أهداف «إسرائيل» من عمليات التدمير، حيث نقلت شبكة «أي بي سي» عن مصادر أمنية إسرائيلية، أن «العملية البرية في لبنان من المتوقع ألا تستمر أكثر من بضعة أسابيع، ونحن نسعى لتدمير أنفاق حزب الله ومواقع محصنة ومستودعات أسلحة قرب الحدود»، بينما زعم رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، في تصريح من حدود فلسطين المحتلة مع لبنان، إلى «أننا لن نسمح لحزب الله بالعودة والتموضع في هذه المواقع».
غير أن الخبراء العسكريين شددوا لـ»البناء» على أن حزب الله لا يزال موجوداً في كامل الحدود والدليل أنه يدمر فرق وألوية النخبة والوحدات الخاصة في الجيش الإسرائيلي، وتوقعت أن تنتهي المعارك البرية خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع بفشل الجيش الإسرائيلي بتحقيق الأهداف لا سيما تدمير أنفاق حزب الله وصواريخه الدقيقة والبعيدة المدى، وفشله عن وقف إطلاق الصواريخ وعن إعادة المستوطنين الى الشمال، الأمر الذي سينعكس على المسار التفاوضي للحرب الذي لم يبدأ بعد بشكل عملي وجدي بانتظار تظهير نتائج الميدان.
الى ذلك، استمرّ العدوان الإسرائيلي على الجنوب وبيروت والبقاع مخلفاً أضراراً جسيمة في الأرواح والممتلكات، وقد أعلن الجيش اللبناني عن استشهاد أحد العسكريين وإصابة آخر بجروح نتيجة اعتداء من جانب العدو الإسرائيلي وذلك أثناء تنفيذ مهمة إخلاء وإنقاذ بمشاركة الصليب الأحمر اللبناني في بلدة الطيبة – مرجعيون. كما أعلنت قيادة الجيش في بيان عن «استشهاد أحد العسكريين نتيجة استهداف العدو الإسرائيلي مركزًا للجيش في منطقة بنت جبيل – الجنوب، وقد ردت عناصر المركز على مصادر النيران».
وشنّ الطيران الإسرائيلي سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية طاولت حي معوض فانهار مبنى بشكل كامل يضمّ مكتب العلاقات الإعلامية في حزب الله، كما استهدفت مناطق حارة حريك، وبرج البراجنة، وحي الأميركان والغبيري. واستهدفت غارة إسرائيلية بلدة كيفون في عاليه. أيضاً، استهدفت غارة منزلاً خالياً في المعيصرة كسروان.
وأشار النائب حسن فضل الله، في حديث لـ»الجزيرة»، الى أن «اغتيال الأمين العام ترك تأثيراً عكسياً على العدو بتحفيز المقاومين، والعدو يتخبط على الحدود والوضع سيجبر نتنياهو على إعادة الحسابات». وأكد فضل الله، أن «المقاومة قرارها الصمود والمواجهة ومنع العدو من تحقيق أهدافه، وهناك تضحيات كبيرة بلبنان ولكن العدو يحتل أرضنا ولن نقف مكتوفي الأيدي»، مضيفاً «لا خيار لنا إلا الصمود والدفاع عن أرضنا». وأردف أن «الحكومة اللبنانية تتولى الاتصالات والتفاوض وهي لا تحتاج تخويلاً من أحد».
ونفى وزير الأشغال علي حمية الادعاءات التي ساقها المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي «عن محاولة حزب الله استخدام معبر المصنع المدني الحدودي بين سورية ولبنان لنقل وسائل قتالية إلى داخل لبنان». وأجرى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصالاً بقائد الجيش العماد جوزيف عون والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري طالباً التشدد في الإجراءات الامنية المتخذة على الحدود اللبنانية – السورية بعد المزاعم الإسرائيلية عن استخدام معبر المصنع لنقل وسائل قتالية إلى داخل لبنان. وتبلغ رئيس الحكومة من قائد الجيش أن الجيش متشدّد جداً في الإجراءات التي يتخذها على المعابر الحدودية، ولا سيما عند معبر المصنع.
دبلوماسياً، أشادت وزارة الخارجية والمغتربين، بالبيان الصادر عن أعضاء الدول العشر المنتخبين في مجلس الأمن، والذي أشارت فيه الدول إلى «أننا نشعر بقلق عميق إزاء تصاعد التوترات في الشرق الأوسط».
وفي هذا الصدد، أشارت وزارة الخارجية إلى أنّ لبنان «يُعيد التأكيد على ضرورة أن يضطلع مجلس الأمن بمسؤوليّاته لحفظ السلم والأمن الدوليين، ويطلب إدانة الاجتياح الإسرائيلي البري للبنان، والعدوان الإسرائيلي المستمر على أرضه وشعبه، ويكرر دعوته المجلس إلى إلزام «إسرائيل» بالتطبيق الكامل للقرار 1701، والانسحاب من كافة الأراضي اللبنانية المحتلة، واحترام سيادة لبنان وحدوده المعترف بها دوليًا».
في المواقف الدوليّة، ذكرت وزارة الخارجية الأميركية «أننا لم نتسلّم رسالة بشأن موافقة حزب الله عبر الوفد اللبنانيّ على قبول وقف إطلاق النار مدة 21 يوماً»، وذلك بعد تصريحات أدلى بها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب في هذا الصدد.
سياسياً، وبعد القمة الثلاثيّة، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري، في تصريح صحافي بشأن ملف الاستحقاق الرئاسي، أن موقفه الثابت «هو ما أعلنه عقب الاجتماع الذي عقد في عين التينة وصدر عنه بيان تلاه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي».
وقال: «منذ عام وأنا أنادي بالحوار من أجل التوافق على الاستحقاق الرئاسي، ثم شذّبنا آلية الحوار ولم تقبل معي المعارضة. واليوم وصلنا إلى ما نحن عليه، وقد خلصنا في الاجتماعات الأخيرة إلى العمل للتوافق على شخصيّة يرضى عنها الجميع».
وعمّا إذا كان ذلك تنازلًا عن ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، أجاب بري: «غير صحيح، نحن تحدّثنا عن رئيس توافقي. مَن قال إن مرشحنا لا يحظى بالتوافق؟ كل شيء معقول».
وأضاف رداً على سؤال عن موقف المعارضة، أنه طلب «إلى إخواننا في المعارضة أن يقترحوا أسماء قابلة لأن تحظى بالحلحلة والتوافق لدى الجميع، ونحن في الانتظار»، كاشفاً أن الأجواء جيدة.