كتبت صحيفة “النهار”: في اليوم الثاني لإعلان إسرائيل بدء عمليتها البرية الموصوفة بـ”التوغّل المحدود” في الجنوب اللبناني، انفجرت للمرة الأولى معارك الالتحام القتالي المباشر بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله”، ومُنيت إسرائيل بضربة موجعة أولى من الخسائر البشرية في صفوف جنودها. اتخذ هذا التطور دلالات بارزة تمثلت، تبعاً لما كانت أشارت إليه “النهار” أمس، في أن التوغّل الأولي “الاستطلاعي” أول من أمس، بدا بمثابة سبر أغوار إسرائيلي لجاهزية “الحزب” ميدانياً على الأرض قبل التورط في الاجتياح المحتمل أياً يكن حجمه ومسافته.
وجاءت حصيلة المواجهات الميدانية التي حصلت أمس لتشكل واقعياً كلفة باهظة إسرائيلية وأول مؤشر إلى كون الحزب مستعداً للفصل البري من الحرب بعدما اهتزت صورة “الردع” لديه بفعل سلسلة طويلة وصادمة من الضربات القاسية التي ألحقتها به إسرائيل بشكل متواصل، بلوغاً إلى تتويج تلك الضربات باغتيال أمينه العام السيد حسن نصر الله. وبدا واضحاً أن الحزب أطلق في الساعات الأخيرة ما بدا أنها رسائل لإثبات استعادة زمام المبادرة، بدليل إصداره عدداً كبيراً غير معتاد من البيانات حول التطورات الميدانية.
ولكن الخشية ظلت كبيرة من إقدام إسرائيل على تصعيد أكبر في الغارات والعمليات الجوية المدمرة التي تستهدف عبرها مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية من بيروت، علماً أن عدد الغارات التي شنتها ليل الثلثاء – الأربعاء على الضاحية كان قياسياً وفاق الـ15 غارة.
أولى المواجهات العسكرية على الأرض بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” اندلعت في بلدتي مارون الراس وعديسة. وكشف الإعلام الإسرائيلي إصابة 35 جندياً إسرائيلياً في مكمن في مارون الراس، فيما أشارت تقارير الى مقتل 14 جندياً إسرائيلياً. أما الجيش الإسرائيلي، فاعترف بمقتل 7 جنود وإصابة 7 آخرين في معارك جنوب لبنان بعدما كان اعترف سابقاً بمقتل جندي ثامن. وسمح بنشر أسماء سبعة من الجنود الذين تم إخطار عائلاتهم بمقتلهم. كما اعترف بأنه في حدث ثانٍ في منطقة أخرى من جنوب لبنان هناك إصابات بين أفراد لواء غولاني. وكشفت هيئة البث الإسرائيلية أن عناصر من “حزب الله” أطلقوا أعيرة نارية وصواريخ مضادة للدروع وفجروا عبوات ناسفة في الجنود.
وفي المقابل، نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي صوراً وفيديوات لعمليات الكوماندوس والمظليين في الجنوب، وقال: “تواصل قوات لواء الكوماندوس والمظليين ولواء 7 مدرعات تحت قيادة الفرقة 98 عملياتها البرية الموجهة والمحددة في مناطق عدة في جنوب لبنان، حيث عثرت القوات ودمرت مجمعاً قتالياً لـ”حزب الله” احتوى على منصة صاروخية ومخزون من العبوات الناسفة والعتاد العسكري الآخر. كما تقضي القوات بتعاون مع القطع الجوية على مخربين وتدمر بنى إرهابية من خلال أنواع الذخيرة الدقيقة وفي اشتباكات من مسافة قصيرة. حتى الآن تم تدمير أكثر من 150 بنية إرهابية لـ”حزب الله” من خلال الغارات الجوية، ومن بينها مقار له ومستودعات أسلحة ونقاط لإطلاق قذائف صاروخية”.
من جانبه، أصدر “حزب الله” سلسلة بيانات، فأعلن أن عناصره تصدوا لِقوة من المشاة حاولت التسلل إلى بلدة العديسة من جهة خلة المحافر واشتبكوا معها وأوقعوا بها خسائر وأجبروها على التراجع، كما استهدفوا قوة مشاة كبيرة في مستعمرة مسكاف عام بالأسلحة الصاروخية والمدفعية وحققوا فيها إصابة مباشرة ودقيقة، وقصف تجمعاً لقوات إسرائيلية في ثكنة الشوميرا (شمال) برشقة صاروخية. كما استهدف تجمعاً للقوات الإسرائيلية في مستعمرة أفيفيم ومجموعة من الكريات شمال مدينة حيفا بِصلية صاروخية كبيرة. واستهدف أيضاً تجمعاً للقوات الإسرائيلية في مستعمرة أدميت بالصواريخ وقصف قاعدة “عميعاد” الإسرائيلية بصلية صاروخية كبيرة وثكنة زرعيت. وأعلن عصراً أنه دمّر ثلاث دبابات ميركافا بصواريخ موجهة أثناء تقدمها إلى بلدة مارون الرأس. كما أعلن أنه رصد قوة مشاة تسللت إلى منزل في خراج كفركلا وفجّر فيها عبوة معدة سلفاً قبل أن يمطرها مقاتلوه بوابل من الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية وأوقعوا أفرادها بين قتيل وجريح.
ونظم “حزب الله” أول جولة إعلامية في الضاحية الجنوبية منذ اندلاع المواجهات، حيث أكد مسؤول الإعلام في الحزب محمد عفيف أن الأبنية المستهدفة هي مدنية لا وجود فيها لأسلحة ومخازن، مشدداً على أن الهدف من الهجمات الإسرائيلية هو تدمير المباني وتغيير معالم الضاحية. وقال عفيف: “تسعى إسرائيل لتحريض بيئة “حزب الله” ضده”. وأشار إلى أن “قصف إسرائيل لمقر قناة الصراط يعدّ عملاً إرهابياً وعدوانياً”. وتابع عفيف: “ما حصل في مسكاف عام ليس إلا البداية. قواتنا على أتم الاستعداد والمقاومة بخير، ومنظومة القيادة أيضاً بخير، والحرب هي جولات وصولات”.
باريس: مؤتمر دولي
إلى ذلك، أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين بأن فرنسا تستعد للدعوة إلى مؤتمر دولي هدفه توفير المساعدات للنازحين والمؤسسات اللبنانية ومنها الجيش اللبناني، ودعم الشعب اللبناني والسيادة اللبنانية. ولا تزال فرنسا في مرحلة الإعداد لهذا المؤتمر الذي يريده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طموحاً وهو يجري الاتصالات مع الإدارة الأميركية والدول العربية الصديقة لهذه الغاية. فمنذ مدة طويلة وقبل اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله ثمة قناعة لدى الأوساط الفرنسية المراقبة لتطورات الأوضاع في لبنان أن الشعب اللبناني يتألم والطبقة السياسية وحتى الأوساط الاقتصادية اعتادا على ذلك من دون البحث عن الدواء لهذا الوضع الصعب.
وقد ترك نفوذ “حزب الله” يتنامى من دون العمل على تصحيح ذلك، ما أتاح له الامتداد والانتشار إلى أن أصبح أقوى من كل شيء. والذين يمسكون بالنظام أصبحوا يتخوفون من تغيير الأمور. وترى هذه الأوساط أنه من الضروري دعم الجيش اللبناني ومساعدة الناس بعد كل ما جرى، وذلك لمساعدة لبنان على مواجهة الكوارث الإنسانية من نزوح إلى تدمير وسط المأساة التي انهالت على لبنان ومساعدته في إعادة بسط سيادته. لكن ما زال مستوى المشاركة في مثل هذا المؤتمر غير مكتمل، إذ ينشط الرئيس الفرنسي في إجراء الاتصالات لعقده.
“اللقاء الثلاثي” وانتخاب رئيس؟
وسط هذه الأجواء تنامت مؤشرات لافتة تتصل بحديث عن تحريك للملف الرئاسي، رغم أن المعطيات الجادة لا توفّر عامل دفع حقيقياً لإزالة الأسباب المعطلة لانتخاب رئيس للجمهورية. ولكن الواضح أن ثمة دفعاً واضحاً لتظهير دور محوري لرئيس مجلس النواب نبيه بري في هذا السياق على وقع التداعيات التي تتركها الحرب. لذا أعطي اللقاء الذي جمع مساء أمس في عين التينة وضم بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط طابعاً لافتاً، إذ صدر عنه “بيان مشترك” تلاه ميقاتي وأشار إلى أن “المجتمعين اتفقوا على إدانة واستنكار العدوان الوحشي الذي يشنّه العدو الإسرائيلي المجرم على الشعب اللبناني”، وأكدوا “أهمية وحدة اللبنانيين بمواجهة هذا العدوان وتضامنهم الوطني، لا سيما القيام بواجب احتضان العائلات النازحة من أبناء الجنوب والضاحية والبقاع وفقاً لما تقتضيه الأصول ومبادئ الانتماء الواحد والمصير والمستقبل المشترك والتنويه بجهود الحكومة في هذا المجال ودعوة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية إلى تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والاستجابة لمتطلبات خطة الدعم التي طرحتها لجنة الطوارئ الحكومية”.
وأعلنوا “التزام لبنان النداء الذي صدر في الاجتماعات التي جرت إبان انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار والشروع في الخطوات التي أعلنت الحكومة التزامها بها لتطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1701 وإرسال الجيش اللبناني إلى منطقة جنوب الليطاني ليقوم بمهامه كاملة بالتنسيق مع قوات حفظ السلام في الجنوب، وذلك حماية للبنان من استمرار الاعتداءات والأطماع الإسرائيلية، ودعوة المجتمع الدولي إلى التحرك لوقف العدوان الإسرائيلي المستمر بحق لبنان وشعبه”.
ودعوا “الشركاء في الوطن إلى سلوك درب الوفاق والتلاقي تحت مظلة الوطن الواحد والدستور والمؤسسات الجامعة والاضطلاع بمسؤولياتنا الوطنية المشتركة عبر انتخاب رئيس وفاقي للجمهورية يطمئن الجميع ويبدّد هواجسهم المختلفة لنعيد صياغة أولوياتنا الوطنية في مؤسساتنا الدستورية التي تكفل مشاركة الجميع وحقوقهم، خاصة في وقف العدوان الإسرائيلي وسلوك درب الإصلاح والإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي، وفي هذا المجال فإننا نأمل أن يشكل لقاؤنا هذا خطوة أولى للقاء والتقاء جميع القوى والشخصيات المكوّنة لنسيجنا الوطني للانطلاق في هذه المهمة، وندعو إلى البناء على الدينامية الإيجابية التي أطلقتها الاتصالات المتعددة التي قام ويقوم بها الرئيس نبيه بري مع مختلف الكتل النيابية لأجل إنجاز هذا الاتفاق”.
وكان اللافت في هذا السياق أيضاً أن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب كان قد أعلن عقب زيارته أمس ووفداً من “اللقاء النيابي التشاوري المستقل”، “أننا لمسنا من الرئيس بري مرونة، إذ لم يعد متمسكاً بالحوار مثل السابق كشرط أساسي لانتخاب رئيس”.