كتبت صحيفة “الجمهورية”: العدوان الإسرائيلي إلى اتساع، والشهداء والجرحى الى ارتفاع، وحجم الدمار مشهد فظيع أكبر وأوسع من أن تحتويه العيون، والنازحون مئات الألوف من العائلات التائهة في العراء. وكرة النار تدحرجت على اكثر من نصف مساحة لبنان، وتندفع في تسارع خطير نحو مهاوٍ ومنزلقات مجهولة، وتسابق ما وصفه مصدراً مسؤولاً لـ»الجمهورية» جهداً دوليّاً واسعاً غير مسبوق لوقف العدوان، يتهيّب الحرب الشاملة، تتصدّره الولايات المتحدة الأميركية التي تدفع إلى تطوير مسارٍ جديد وجدّي لحل سياسي، وتشارك فيه باريس بزخم كبير ودول عربية، وخط مفتوح على مصراعيه مع إيران.
واشارت المصادر إلى أنّ اتجاهات الأمور يفترض أن تتوضح في السّاعات القليلة المقبلة، من خلال مبادرة البيت الأبيض في اتجاه إبرام تسوية مفاعيلها ممتدة من جنوب لبنان إلى غزة. وترتكز في الجانب الأساس منها على مشروع الحل السياسي، سوّقته الإدارة الاميركية عبر آموس هوكشتاين، الذي تمّ التوافق بين الوسيط الاميركي والمسؤولين اللبنانيين، على معظم مندرجات هذا المشروع، وكذلك على إزالة او تعديل البنود التي يمكن ان تخلق التباسات وإشكالات.
خلف الكواليس
في الأيام الأخيرة، كان الحراك مكثفاً خلف الكواليس، حيث أنّ المناقشات حول المبادرة الاميركية الجديدة بدأت بالفعل بعد مكالمة هاتفية جرت الاثنين الماضي بين مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، وعُرضت هذه الفكرة على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أعطى الضوء الأخضر لمناقشتها.
وأبرزت مجريات ما خلف الكواليس، ووفق مصادر متعددة، اندفاعة ملحوظة لإدارة الرئيس جو بايدن إلى طرح مبادرة ديبلوماسية جديدة لوقف القتال في لبنان واستئناف المفاوضات بشأن صفقة رهائن ووقف إطلاق النار في غزة. وتبعت ذلك في اليومين الماضيين، مناقشات حول هذا الموضوع بين الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل. ويقول مصدر مطلع على الخطط: «انّ جوهر المبادرة هو تحقيق وقف موقت لإطلاق النار يسمح بمساحة للمفاوضات بشأن صفقة ديبلوماسية أوسع لمنع حرب شاملة، والسماح للمدنيين النازحين بالعودة إلى منازلهم على جانبي الحدود، وتوفير زخم جديد لاتفاقية وقف إطلاق النار وصفقة الرهائن في غزة».
وفي التقديرات المرافقة لإعداد المبادرة، انّ «حماس» إذا ما رأت أنّ «حزب الله» يعطي فرصة لحلّ ديبلوماسي، فقد يشجع ذلك يحيى السنوار على التوجّه نحو اتفاق».
على أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو استباق المستويات السياسية في إسرائيل باندفاعة نحو التجاوب مع المبادرة الاميركية، والاعلان عن انّ تل ابيب تقدّر انّ احتمالات نجاح المبادرة الاميركية ضئيلة، لكنها مستعدة لإبرام اتفاق. كذلك بالإعلان عن انّ نتنياهو كلّف وزير الشؤون الاستراتيجية إخطار واشنطن بأنّ اسرائيل مستعدة لوقف اطلاق نار موقت، واستعدادها لإبرام اتفاق؟
الحراك … لبنانياً
إلى ذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» عن انّ قنوات التواصل فُتحت بشكل مكثف مع اتجاهات دولية مختلفة، ولاسيما مع الاميركيين والفرنسيين والبريطانيين وجهات عربية اخرى. وتتركّز المباحثات فيها على خفض التصعيد.
وأشارت المصادر إلى انّ الجانب الفرنسي عبّر عن مخاوف حقيقية من أن ينحو الوضع إلى منزلقات كارثية، وبات من الضروري تلافي ما قد ينتج منها من آثار صعبة الاحتواء». فيما أعرب الأميركيون عن قلقهم من تطوّر الأمور إلى صراع واسع (العملية البرية لا يُخرجها الاميركيون من حسابهم)، وعكسوا رغبة في احتواء الأمور قبل تفاقمها، لأنّ الحرب ليست في مصلحة أي طرف، ما يوجب الإذعان لحل ديبلوماسي بين اسرائيل و«حزب الله» يمكّن السكان من العودة إلى منازلهم على جانبي الحدود، وهذا ما يجب ان يحصل في اقرب وقت ممكن».
الّا انّ مصادر واسعة الإطلاع ابلغت الى «الجمهورية» قولها «انّ الاميركيين يتحدثون عن حل سياسي، وطلبوا اجوبة واستيضاحات حول مجموعة امور، وقالوا اكثر من مرّة انّ الحاجة باتت في الذروة لوقف اطلاق النار على جبهة لبنان، وهذا يتأمّن بحل ديبلوماسي نعمل بجهد لإتمامه في وقت فوري، كمحاولة ما فوق الجدّية من قبل الادارة الاميركية لمنع حرب واسعة النطاق في منطقة الشرق الاوسط.
واشارت المصادر، الى انّ الجانب الأميركي عكس في حركة الاتصالات عزماً شديداً لدى ادارته لوقف العدوان، مشيرة الى انّ الطرح الذي يعدّه هو طرح جديد يمكن القول انّه مدموج مع الطرح السابق الذي حمله هوكشتاين، أو مطور عنه. واكّدت المصادر انّ هوكشتاين كان طرفاً مباشراً بهذه الاتصالات.
يُشار في هذا السياق إلى انّ واشنطن اكّدت في رسائل متتالية الى جميع الاطراف، واعلنت انّها تسعى مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي على منع توسعها. وآخر الكلام الاميركي جاء من وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، حيث كرّر موقف ادارته بأنّ الحلّ الأمثل يتأمّن بالمسار الديبلوماسي وليس بالتصعيد».
وكان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الموجود في نيويورك، قد التقى امس بوزير الخارجية الاميركية وبحث معه المساعي الجارية لوقف العدوان الاسرائيلي.
تشكيك
في موازاة ذلك، اكّد مرجع سياسي لـ«الجمهورية» انّ «الوضع دقيق جداً، وحتى الآن يمكن القول اننا نلمس تقدّماً في الاتصالات الديبلوماسية نحو مشروع حل ديبلوماسي، ولكن الطريق ليس ميسراً بالكامل، بل هناك تعقيدات قد تنسف كل شيء في لحظة ما. الاميركيون كما قالوا لنا، جادون. ونحن ننتظر فهل سينجحون لا احد يعرف».
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت المداخلات الديبلوماسية من الأميركيين وغيرهم ترمي الى حل سياسي يوقف اطلاق النار في جبهة الجنوب، ووقف ما تسمّى جبهة إسناد غزة، قال: «لا احد يستطيع ان يلزم «حزب الله» بوقف اطلاق النار ووقف مقاومته للعدوان الاسرائيلي، وموقفه واضح ومعلوم من قبل الجميع، فلقد سبق له واكّد انّ جبهة الإسناد مستمرة حتى وقف العدوان في غزة. وما نشدّد عليه في هذه الاتصالات هو وقف العدوان، والولايات المتحدة قادرة على إرغام اسرائيل على وقف عدوانها. والحل موجود ومعروف، وأيّ حلّ آخر لا أعتقد أنّه ميسّر. والاميركيون انفسهم يقولون إنّ الحلّ السياسي على جبهة لبنان صعب جداً إن كان معزولاً عن غزة. والاسرائيليون يعترفون بذلك، وبالأمس قرأنا أنّ ضباطاً كباراً في جيش الاحتلال ابلغوا «الكابينت» الإسرائيلي انّه لا يمكن التوصل الى حل في الشمال من دون وقف اطلاق النار في الجنوب».
حرب حقيقية
ميدانياً، المشهد العام في اليوم الثالث للعدوان؛ حرب حقيقية بما لهذه الكلمة من معنى، وإنْ هربت كلّ اطرافها من هذه التسمية إلى اعتبار ما يجري عمليات حربية، وكرة نار الغارات الجوية الإسرائيلية العشوائيّة تتدحرج بتسارع مخيف من الجنوب والبقاع الى العمق اللبناني، ناثرة الموت والدمار في كل الارجاء اللبنانية، بما ينذر بانحدار خطير نحو حرب أوسع وأشمل تطال كلّ شيء، لتقدّم اسرائيل من خلال ذلك شهادة وتأكيداً حازماً على أنّ أحداً في التاريخ، لم يرق الى مستوى إجرام دولة ترتوي بالدم، وتقتات على قتل البشر والحجر.
تلويح بعملية برية
الحرب كما بدت في الساعات الاخيرة مفتوحة، والمحرقة الاسرائيلية تحرّك الميدان سريعاً نحو عنف أكبر، وقد ترجمها جيش الاحتلال يوم أمس، بمئات الغارات الجوية على المدن والبلدات الآمنة، ما ادّى الى استشهاد العشرات من المدنيين، واصابة المئات بجروح، والتسبّب بدمار هائل. فيما كثف «حزب الله» من ردّه الصاروخي على العدوان، ووسّع نطاق استهدافاته ليصل الى محاذاة تل ابيب، عبر ادخاله جيلاً جديداً من الصواريخ الى المعركة، استهدف فيها قاعدة الموساد بالقرب من تل ابيب بصاروخ «قادر 1».
والمنصات الإعلامية الاسرائيلية مسخّرة لتظهير حالة الانتشاء التي تسود المستويين السياسي والعسكري في اسرائيل مما تعتبرها «الضربة القاصمة لـ«حزب الله»، التي ذهب فيها وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت إلى القول بأنّ «حزب الله» اليوم ليس كما كان قبل اسبوع». وترويج الوتيرة العالية من التهديدات الاسرائيلية بتوسيع نطاق العدوان بهدف إبعاد الحزب عن الحدود وإعادة سكان مستوطنات الشمال. وترجيح خيار الاجتياح البري. وتوقف المراقبون في هذا السياق عند دعوة قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي الى «الاستعداد بقوة لعملية برية»، التي تزامنت مع اعلان الجيش الاسرائيلي عن استدعاء لواءي احتياط الى جبهة لبنان.
واشنطن تعارض
على أنّ جنوح إسرائيل الى هجوم بري، يلقى اعتراضاً لدى الادارة الاميركية، وفق ما نقل موقع «اكسيوس» الاميركي عن مسؤول اميركي بأنّ «هدف واشنطن هو منع الغزو البري للبنان وفي الوقت نفسه منع تدخّل ايران بشكل مباشر في القتال في لبنان، وانّ واشنطن ابلغت حكومة بنيامين نتنياهو معارضتها عملية برية في جنوب لبنان». فيما كان لافتاً في المقابل ما نقلته شبكة «سي إن إن» الاميركية عن مسؤول أميركي آخر بأنّ «واشنطن تحاول ان تفهم ما إذا كان لإسرائيل هدف محدّد».
وقال مصدر حكومي لـ«الجمهورية»: «انّه بمعزل عمّا إذا كان تكثيف الحديث في اسرائيل عن خيار الاجتياح البري جدّياً أو مندرجاً في سياق تهويلي، فإنّ الوضع بصورة عامّة مقلق، والايام، ربما القليلة المقبلة، ستحدّد مسارات الحرب إما نحو السقوط في الهاوية، واما تنحى في اتجاه آخر». والواضح من النوايا العدوانية الاسرائيلية هو رجحان كفة التصعيد، في ظلّ الضباب الكثيف الذي يحجب ماهية ونطاق «الحل السياسي» المحكي عنه. وبصرف النظر عمّا اذا كانت مبادرة الحل السياسي محدّدة حصراً بوقف اطلاق النار على جبهة لبنان واعادة السكان، ام هو اكثر شمولية، فهل هناك ضمانة او من يضمن ان يقبل بها نتنياهو، وخصوصاً التجربة معه في غزة اكّدت تفشيله لكل الحلول والمبادرات في غزة؟
إجراءات لـ«المركزي»
في سياق متصل بالعدوان الاسرائيلي، علمت «الجمهورية» انّ مصرف لبنان المركزي لجأ الى فرض خطوات نقدية ناجحة، جنّبته التأثر بتداعيات التصعيد الميداني. وهي مندرجة تحت ثلاثة عناوين، الاول؛ تثبيت الاستقرار النقدي. الثاني؛ تسهيل عمليات صرف الحكومة لأموالها في الحساب 36. الثالث؛ إعطاء المودعين المشمولين بالتعميمين 158 و166 ثلاث دفعات مالية.
وبحسب معلومات الجمهورية»، فإنّ الحكومة تقدم على الصرف المالي على متطلبات الوزارات من الحساب 36، من دون اي عوائق او مطبّات، بالدولار وبالليرة اللبنانية، ضمن توازن علمي ودقيق، يحافظ على الاستقرار النقدي ايضاً.
كما انّ المركزي قرّر، وعبر المصارف، ضخ حوالى 400 مليون دولار للمودعين الذين يستفيدون من التعميمين 166 و158، بالحصول على ثلاث دفعات، بهدف تسهيل أمور المودعين في الظروف الحالية التي يمرّ فيها لبنان.
وقالت مصادر معنية، انّه بهذه الاجراءات يثبت حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ادارة متماسكة للملف النقدي، بانتظار الحلول المالية النهائية الشاملة.