كتبت صحيفة “الأخبار”: قبل سنوات، لمعَ اسم المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين راعي اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وكيان الاحتلال في فلسطين المحتلة. كانَ المطلوب من الرجل استكمال مهمته بترسيم الحدود البرية وحل النقاط المتنازع عليها، قبلَ أن تؤدي عملية «طوفان الأقصى» وفتح جبهة الجنوب إلى تعديلات تطلّبت منه التدخل لمنع تدحرج الأمور في اتجاه حرب كبيرة بين لبنان وإسرائيل. ومنذ تسعة أشهر، تحوّل هوكشتين إلى «المرجعية» التي تعود إليها شخصيات لبنانية لاستكشاف خطورة الوضع، وتجاوز دوره أدوار باقي المبعوثين وحتى سفراء الخماسية إلى حدّ جعل دور هؤلاء هامشياً وبلا فعّالية.مع نجاة الرئيس السابق دونالد ترامب من محاولة اغتيال وانسحاب الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي، بدأ العالم ينظر إلى ترامب على أنه الرئيس المقبل للولايات المتحدة، وتزداد الخشية في بيروت التي بدأت القوى فيها تستذكر «العنف السياسي» الذي تعامل به ترامب مع لبنان خلال ولايته الرئاسية التي لا يتذكّر منها اللبنانيون سوى بأنها «فترة الحصار والعقوبات عليه وبداية انهياره وتدمير عهد الرئيس ميشال عون». وبما أن المؤشرات حتى الآن توحي بفوز ترامب، فقد بدأ ذلك يرخي بظلاله على المشهد الداخلي المشغول بأسئلة عدة، ربطاً بالتطورات أهمها: كيف سيتعامل ترامب مع الساحة اللبنانية على المستويين السياسي والأمني؟ ومن هو الفريق الذي سيتولى الملف اللبناني؟ ما هو مصير هوكشتين ومن سيكون خلفه؟
تبدأ مراجعة تجربة لبنان مع عهد ترامب بالعودة إلى خطة وزير خارجيته مايك بومبيو ذات المراحل الخمس التي تبدأ بالفراغ السياسي وتنتهي بعدوان إسرائيلي على المقاومة، ما يؤدي إلى انهيار مالي واقتصادي وأمني. وهي الخطة التي وُضعت موضع التنفيذ عام 2019 مع استقالة سعد الحريري إثر انتفاضة «17 تشرين» وما تبعها من إغلاق المصارف وحبس أموال المودعين وتتالي الانهيارات، ومحاولة تفجير الوضع الأمني في أكثر من مكان وموقع على الأرض اللبنانية.
قبل ذلك وبعده استخدمت أميركا سيف العقوبات ضد وزراء لبنانيين تارة بحجة العلاقة مع حزب الله (علي حسن خليل ويوسف فنيانوس) وأخرى بحجة الفساد (النائب جبران باسيل)، فضلاً عن إدراج مصرف «جمال ترست بنك» على لائحة العقوبات في إطار «محاربة أنشطة حزب الله غير الشرعية في لبنان». وسبق كل ذلك، توقيع ترامب قانوناً أقرّه الكونغرس يفرض عقوبات إضافية على الحزب، ووصل الأمر حينها، إلى حد التهديد بفرض عقوبات على من يؤلّف حكومة مع حزب الله. كما بادرت إدارة ترامب إلى تنفيذ عقوبات وخطوات ضد سوريا في إطار قانون قيصر الذي لم يسلم لبنان من شظاياه.
ويبرز هنا اسم المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا في عهد ترامب، جويل رايبرن الذي كانَ من أبرز المُنظّرين لفكرة خنق النظام في سوريا وفرط الدولة، ويجري التداول حالياً باسمه من بين عدد من الشخصيات المرشّحة لخلافة هوكشتين. ومعروف عن الرجل عداؤه الشديد لإيران وحزب الله. كذلك عادَ اسم ديفيد شينكر «مشغّل» الفريق «السيادي» في لبنان وبعض «التغييريين»، الذين بدأوا يروّجون لعودته ومستبشرين «خيراً» باعتبار أن هذه العودة ستكون لصالحهم. وشينكر الذي سبق أن أقر بدور بلاده في تسريع الانهيار المالي في لبنان كانَ قد تحدّث عن مشروع الاستثمار الأميركي في قوى المجتمع المدني وخلق قوى بديلة في المجتمع الشيعي، وقد زار لبنان خلال توليه منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، لعقد لقاءات مع رجال أعمال وصحافيين شيعة معارضين للحزب.
وإذا كانَ من المبكر التيقّن بمن سيخلف هوكشتين، فإن مصادر بارزة قالت إن «استبدال هوكشتين هو السيناريو الأكثر رواجاً باعتباره كانَ مبعوثاً شخصياً للرئيس بايدن»، مستبعدة عودة شينكر مع التأكيد على أنه «بمعزل عن الاسم فإن جميع الشخصيات التي كانت محيطة بترامب، والتي يُحتمل أن تعود معه، معروفة بكرهها الشديد لإيران وحلفائها»، لذا فإن المسألة «ليست مرتبطة بأسماء الأشخاص بقدر ما هي مرتبطة بالسياسة العامة لهذا الفريق تجاه لبنان».
ومع احتمال فوز ترامب تتقدّم فرضية الأسوأ والأمرّ واحتمال انتقال المواجهات الحالية في الجنوب إلى حرب أكبر، كون فريق الديمقراطيين في أميركا كانَ حريصاً على عدم حصول ذلك ربطاً بحسابات تتحكّم بها الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن أن هوكشتين كانت له حساباته الخاصة في الملف اللبناني وتتصل برغبته باستكمال ما يعتبره «إنجازاً» له. أما في حال وصول ترامب فإن سيناريو «الخنق السياسي والاقتصادي» وتوتير البلد أمنياً هو ما تتوقّعه أغلبية القوى السياسية، وجزء منها يراهن عليه متوهّماً أن ذلك سيضعف حزب الله، علماً أن التطورات في المنطقة منذ خروج ترامب من البيت الأبيض قد لا تتيح له ولإدارته استكمال السياسات التي بدآها سابقاً، ويمكن أن تقوّض رمالها المتحركة مشاريعهما التدميرية.