كتبت صحيفة “النهار”: لم يكن تطوراً حربياً “عادياً” أن تبدأ إسرائيل باستهداف الأهداف الأشد خطورة لدى “حزب الله” أي مخازن الذخائر والصواريخ والأسلحة للمرة الأولى منذ اندلاع المواجهات بينهما في 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي على غرار ما حدث في عدلون ليل السبت الفائت خصوصاً وأن هذا التطور جاء في غمرة انزلاق “حروب المشاغلة” الرديفة لحرب غزة نحو إشعال حريق إقليمي واسع برزت أخطر معالمه في الغارات الإسرائيلية على الحديدة في اليمن رداً على استهداف الحوثيين تل ابيب بمسيّرة قبل أيام.
ارتفاع وتيرة خطر انزلاق لبنان نحو مواجهة حربية شاملة لم يعد مجرد إنذار مبكر إذ أن الخبراء العسكريين والمراقبين الديبلوماسيين المعنيين برصد التطورات الميدانية وما يحوطها من معطيات اقتربوا في التقديرات من العلامة الأشدّ احمراراً حيال اقتراب الوضع من انفجار واسع ربطاً بمنحى العنف التصعيدي الذي لجأت اليه إسرائيل أخيراً كما بطبيعة بنك الأهداف الذي تختاره في غاراتها وهجماتها على الجنوب أو في كثافة تصيّد كوادر وقادة الحزب الميدانيين. كما أن “حزب الله” في الردود الموسعة التي باشرها غداة خطاب عاشوراء لأمينه العام السيد حسن نصرالله، راح يضيف يومياً مروحة جديدة من المستوطنات التي يستهدفها للمرة الأولى.
ومع السخونة الاستثنائية التي طبعت الوضع الإقليمي في المواجهة الناشئة بين إسرائيل والحوثيين في اليمن ومن خلفهم إيران، باتت التقديرات المتصلة باحتمال انزلاق لبنان إلى حرب شاملة تتسم بأقصى الجدية. فنتائج الغارة الجوية التي نفذها الطيران الحربي الإسرائيلي ليل السبت واستهدفت مخازن للحزب في سهل عدلون كادت تتسبب بكارثة مخيفة بشرياً لو كان المكان المستهدف على مسافة قريبة من الأحياء السكنية أو التجارية، حيث أن بعض الصواريخ والقذائف الموجودة في المكان المستهدف بدأت تنفجر تباعاً إثر الحريق الذي اندلع وتسبّب بتفجير الصواريخ والذخائر وتطاير شظاياها في الهواء قبل أن تسقط وترتطم في غير مكان وداخل بعض القرى، ما أدى إلى إصابة بعض المدنيين بجروح وأضرار مادية.
وتصاعدت حدة المواجهات إذ ان “حزب الله” الذي نعى أمس ثلاثة من عناصره أعلن أنه شن هجوماً جوياً بسرب من المسيّرات الانقضاضية استهدف المقر المستحدث للقوات الإسرائيلية في مستوطنة حانيتا وأصاب نقطة تجمع الجنود فيه بشكل مباشر موقعاً فيهم إصابات مؤكدة بين قتيل جريح، كما استهدف مقر قيادة الفيلق الشمالي في قاعدة عين زيتيم.
نيويورك وماكرون واليونيفيل
وفي أي حال فإن هذا التصعيد يتردّد صداه في اتجاهات ديبلوماسية مختلفة. فيوم الأربعاء المقبل سيتم عقد جلسة إحاطة في المشاورات حول تنفيذ القرار 1701، والمقدمان المتوقعان هما المنسقة الخاصة للبنان جينين هينيس بلاسخارت ووكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام جان بيير لاكروا.
وفي سياق آخر، أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يدرس تعزيز القوة الفرنسية في اليونيفيل في الجنوب بزيادة عديدها الى حوالى 1000 جندي أو اكثر من أصل 750 كما هي الان. وكانت القوة الفرنسية في السابق بعدد 1000 جندي مع تحسين تجهيزات القوة على أن تكون جاهزة بشكل افضل عندما تحتاج الى التدخل في القرى وأن تكون مجهزة بالوسائل الالكترونية المتقدمة لكي تمكن فرق اليونيفيل من معرفة مكان انطلاق القصف.
ويدرس الرئيس الفرنسي حالياً الموضوع مع رئيس الأركان الفرنسي الجنرال أوركارد وقد يعلن عن ذلك في الأسابيع المقبلة. في راي الرئيس ماكرون أن تعزيز القوة الفرنسية يقوي صدقية اليونيفيل خصوصاً في ظل احتمال أن تشن إسرائيل هجوماً على لبنان إذ يصبح أصعب على الإسرائيليين أن يتحركوا إذا كانت القوة معززة مع إمكان معرفة نقاط انطلاق القصف وسيكون في إمكان اليونيفيل أن تنشئ معادلة قوة مختلفة مع “حزب الله” في تحديد المسؤوليات.
لكن في اعتقاد ماكرون حسب مصدر فرنسي رفيع أنه ما زال هناك إمكان لتجنب الأسوأ في لبنان، وفرنسا لا تنوي تغيير مهمة قوة اليونيفيل التي يصفها المصدر بأنها مهمة صلبة حسب قرار انتشارها. ويضيف المصدر في حديثه لـ”النهار” أن ماكرون ما زال يتابع عن قرب الوضع في لبنان ويهتم به وهو ما زال عازماً على زيارة لبنان ويتساءل عن الوقت المناسب ما إذا كانت في نهاية السنة أو في وقت آخر.
وكان متوقعا اًن يعقد في 25 تموز (يوليو) الجاري، عشية افتتاح دورة الألعاب الأولمبية اجتماع في باريس حول غزة انطلاقاً من سعي فرنسا إلى صيغة لوقف النار في القطاع والتصويت على قرار في مجلس الامن يتيح انتشار قوة من السلطة الفلسطينية والعرب مع بعض الدول على أن تكون قوة دولية عربية مهمتها توفير الاستقرار في غزة والمطالبة بحل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية في مقابل التزام دول عربية والشركاء الدوليين بإعادة اعمار غزة.
لكن إسرائيل شنت حملة قصف شديدة مجدداً على غزة ما أدى الى تأجيل الاجتماع الى الخريف. وراى المصدر أن المخاطر كبيرة جداً على لبنان نتيجة استمرار الحرب في غزة واصفاً السيناريو الأميركي بأنه منطقي ولو انه متسم بالتشاؤم. فالمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين عبر عنه منذ اشهر وهو أن “حزب الله” لن يوقف القصف في كل الأحوال طالما الحرب مستمرة في غزة ويجب أولاً الاهتمام بوقف النار وبعد ذلك الاهتمام بلبنان. لكن فرنسا راهنت على غير ذلك إذ أنها ارادت الاتفاق مع “حزب الله” واقناعه بوقف النار لتجنيب لبنان هجوماً إسرائيلياً، إنما إذا استمر الوضع كما هو فإن إسرائيل قد تشن هجوماً بشكل او بآخر في رأي المصدر.
ميقاتي في بغداد
وسط هذه الأجواء قام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يرافقه وفد وزاري أمس بزيارة لبغداد حيث إستقبله رئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف جمال رشيد، وجرى خلال اللقاء عرض تطورات الأوضاع على الساحتين العربية والدولية، “وسبل تعزيز علاقات الصداقة والتعاون المشترك وبما يصب في مصلحة الشعبين الشقيقين”، كما أفادت المعلومات الرسمية. وأكد الرئيس العراقي”أن العالم يشهد اليوم متغيرات وأحداث متسارعة تتطلب إيجاد صيغة من التعاون والتفاهم المشترك بين كل دول المنطقة لمواجهة تلك التحديات”.
من جهته، ثمن الرئيس ميقاتي “موقف رئيس الجمهورية العراقية خلال مؤتمر القمة الأخير في البحرين الداعم للبنان”، موضحاً أن “ما يربط البلدين الشقيقين هو أكثر مما يربط لبنان بأي دولة أخرى”. وأضاف أن “زيارته للعراق تأتي في إطار تقوية تلك العلاقات، وتوسيع آفاق التعاون المشترك”، موجهاً “دعوة رسمية لرئيس الجمهورية لزيارة لبنان”. وعقد ميقاتي ورئيس الحكومة العراقية محمد شيّاع السوداني اجتماعاً ثنائياً في مقر رئاسة الحكومة في بغداد. وتناول البحث العلاقات بين البلدين، وسبل تطويرها ومسارات تعزيز الشراكة الاقتصادية، والاتفاق الثنائي بشأن توريد النفط العراقي الى لبنان، بالإضافة إلى بحث الأوضاع في المنطقة وآخر التطورات السياسية والأمنية فيها.
وأشار رئيس الحكومة العراقية الى أن “مواقف العراق من لبنان تنبع من الالتزام والأخوة التي تجمع الشعبين الشقيقين، ومن الدور الإقليمي والدولي المسؤول الذي يتخذه العراق إزاء تطورات المنطقة”، مشدداً “على ضرورة وقف العدوان على لبنان وفلسطين، وبذل الجهود للحيلولة دون اتساع الصراع إقليمياً وسقوط المزيد من الضحايا والشهداء الأبرياء”.
بدوره اعرب ميقاتي عن “تقديره لجهود السيد السوداني وخطوات الحكومة العراقية في دعم العلاقات الاقتصادية مع لبنان”، مثمناً “الجهود العراقية الداعمة للتقارب والإستقرار إقليمياً ودولياً”، مؤكداً “استمرار العمل باتفاقيات التبادل الاقتصادي والتجاري، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص في البلدين، ودراسة إمكانية الدخول في مشاريع تتضمن إنشاء مدن صناعية عراقية في لبنان، وتنويع مجالات الفرص الاستثمارية المتبادلة”.
كما اكد “رفع مستوى التعاون والتنسيق الأمني مع العراق في مجال مكافحة الإرهاب وملاحقة تجارة المخدرات، وأهمية استكمال التحضيرات الثنائية لانعقاد اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين نهاية ايلول المقبل”.
المعارضة والثنائي
في المشهد الداخلي ، تفاعلت واقعة امتناع كتلتي الثنائي الشيعي النيابيتين عن لقاء وفد المعارضة الذي اجرى لقاءات مع مختلف الكتل في صدد مبادرة المعارضة حول الازمة الرئاسية. وإذ ترك هذا التطور ترددات سلبية إضافية ورسم مزيداً من الظلال على ملف الحوار والأزمة الرئاسية، شدد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع في لقاء تكريمي للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بشري لمناسبة عيد القديس شربل على أن “محور الممانعة، وعن سابق تصوّر وتصميم، يعطل الانتخابات الرئاسية لسببين: الأول هو عدم قدرته على تأمين أغلبية لمرشحه، والثاني هو انتظار مجريات الأحداث في المنطقة لمعرفة كيفية التصرف في الداخل، باعتبار أن لبنان يأتي في المرتبة 17 في سلم أولوياتهم، فكل ما يحدث في المنطقة هو الأهم بالنسبة لهم، ولبنان يأتي بعد ذلك”.
وأوضح أن “هدفنا ليس انتصار طرف على آخر، بل انتصار الحق. لذا لا نقبل بأي شكل من الأشكال أن يُنتزع حقنا أو يُهدَر، ونرفض أن يستولي أي طرف على حقوق الآخرين”. وأضاف: “نحن لا نريد الإنتصار على أحد ولكن في الوقت ذاته لن نقبل أن يستعمل أي طرف سلاحاً غير شرعي موجوداً معه، معتقداً أنه بهذا السلاح يمكن أن يطغى علينا أو أن يجبرنا على اتخاذ مواقف لا نريد اتخاذها، لا، فهذه الأيام قد ولّت إلى غير عودة”.
وفي السياق زار الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الرئيس نبيه بري واكتفى بالقول: “مهما كبرت المشاكل ومهما كانت الغيوم سوداء أحياناً لن نفقد الأمل في الاستمرار باي مسعى وأي جهد من أجل وقف الحرب في الجنوب ومن أجل الوصول الى الاستحقاق الرئاسي.