كتبت صحيفة “الشرق”: ليست زيارة المبعوث الاميركي اموس هوكشتاين الى بيروت امس كمثيلاتها ولا كسابقاتها حينما كان يتنقل بين بيروت وواشنطن وتل ابيب مزهواً بنجاحاته في حقل الديبلوماسية بعدما انتزع انجاز ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. فالزيارة اتسمت هذه المرة بحسم وجدية عكسا قلقا متزايدا، لا بل خوفا غير مسبوق من خروج بنيامين نتانياهو عن طوره وفتح معركة لبنان الواسعة متجاوزا النصائح الدولية وقافزا فوق الضغط الاميركي لمنع مغامرته الكارثية. هوكشتاين ابلغ رسائله للمسؤولين السياسيين والعسكريين، «الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل دقيق جدا لا بل في غاية الخطورة»، ويبقى رصد رد فعل حزب الله ومدى تلقفه للرسالة بوقف حرب المساندة وتجنيب لبنان ثمن مغامراته الايرانية او بتوفير الذريعة لاسرائيل لتدميره وهذه المرة «هو يعلم». استنادا الى ما نشره إعلامه الحربي ابان زيارة هوكشتاين لبيروت، لا يبدو الحزب خائفا فقد عرض مقطع فيديو تبلغ مدته 9 دقائق ونصف، من الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحت عنوان: هذا ما رجع به الهدهد، يظهر صور عالية الدقة لميناء حيفا بالكامل ومستوطنة الكريوت وما تحتويه من منشآت عسكرية حساسة وضخمة، في مؤشر الى مدى قدرته العسكرية على رصد العمق الاسرائيلي، وبمثابة رد على رسالة التحذير الاميركية.
وتوازيا، حمّل المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية حزب الله بتوجيهات إيرانية والحكومة اللبنانية مسؤولية ما يجري على الحدود قائلا «سيعود مواطنو شمال إسرائيل لمنازلهم سواء بالطرق العسكرية أو الديبلوماسية».
في غاية الخطورة
زيارة هوكشتاين الخاطفة لكن المفصلية، كسرت الجمود المسيطر على الساحة المحلية بفعل عطلة عيد الاضحى. ففيما التلويح بالحرب الاسرائيلية الكبرى ضد لبنان، يزداد، أكد هوكشتاين «أننا نريد تجنب مزيد من التصعيد بين إسرائيل ولبنان بدلا من حرب مفتوحة»، مشيراً إلى أن «الوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل في غاية الخطورة، ونسعى لوقف التصعيد تفادياً لحرب كبيرة»، معتبراً أن «وقف إطلاق النار في غزة ينهي الحرب ويسمح للنازحين في الجنوب اللبناني بالعودة إلى بيوتهم»، لافتاً إلى ان «النزاع المستمرّ حول جانبي الخطّ الأزرق استمرّ طويلاً، ومن مصلحة الجميع أن ينتهي»، مشددا على أن «الوضع دقيق جدا في لبنان». هوكشتاين وصل الى بيروت قرابة العاشرة من صباح امس ومحطته الاولى كانت في اليرزة. فقد استقبله قائد الجيش العماد جوزاف عون في مكتبه، في حضور السفيرة الأميركية ليزا جونسون، وتناول البحث الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والتطورات على الحدود الجنوبية.
عند بري
بعدها انتقل هوكشتاين والسفيرة الاميركية الى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة حيث كان في استقبالهما رئيس مجلس النواب نبيه بري، وجرى عرض للاوضاع العامة والمستجدات السياسية والميدانية في لبنان والمنطقة في ضوء مواصلة إسرائيل لعدوانها على لبنان وقطاع غزة. اللقاء الذي إستمر زهاء ساعة وعشر دقائق أدلى بعده هوكشتاين بتصريح جاء فيه: «اضحى مبارك والذي حل في ظروف صعبة ولهذه الاسباب أوفدني الرئيس جو بايدن للحضور الى لبنان، وكان لي اجتماع ومحادثات جيدة مع الرئيس نبيه بري ناقشنا خلالها الاوضاع الامنية والسياسية في لبنان وكذلك الاتفاق المقترح على الطاولة الآن بخصوص غزة والذي يعطي فرصة لإنهاء الصراع على جانبي الخط الأزرق». وتابع «ان الاتفاق الذي حدده الرئيس بايدن في 31 ايار 2024 والذي يتضمن إطلاقاً للرهائن ووقفا دائماً لاطلاق النار وصولاً لإنهاء الحرب على غزة، هذا الإقتراح قُبِل من الجانب الاسرائيلي ويحظى بموافقة قطر، ومصر ومجموعة السبع، ومجلس الأمن الدولي، ان هذا الإتفاق ينهي الحرب على غزة ويضع برنامج انسحاب للقوات الاسرائيلية، فاذا كان هذا ما تريده حماس عليهم القبول به». وأضاف «ان وقف إطلاق النار في غزة ينهي الحرب، أو أي حل سياسي اخر ينهي الصراع على جانبي الخط الأزرق سوف يخلق ظروفاً لعودة النازحين الى منازلهم في الجنوب وكذلك الأمر للمدنيين على الجانب الآخر، ان الصراع على جانبي الخط الأزرق بين حزب الله وإسرائيل طال بما فيه الكفاية وهناك أبرياء يموتون وممتلكات تدمر وعائلات تتشتت والإقتصاد اللبناني يُكمل إنحداره والبلاد تعاني ليس لسبب جيد، لمصلحة الجميع يجب حل الصراع بسرعة سياسياً وهذا ممكن وضروري وبمتناول اليد».
لا نريد التصعيد
وظهراً، التقى هوكشتاين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في دارته في بيروت. شارك في اللقاء سفيرة الولايات المتحدة والوفد المرافق لهوكشتاين. وفي خلال الاجتماع أكد رئيس الحكومة «أن لبنان لا يسعى الى التصعيد، والمطلوب وقف العدوان الاسرائيلي المستمر على لبنان والعودة الى الهدوء والاستقرار عند الحدود الجنوبية». وقال: «إننا نواصل، السعي لوقف التصعيد واستتباب الامن والاستقرار ووقف الخروقات المستمرة للسيادة اللبنانية واعمال القتل والتدمير الممنهج التي ترتكبها اسرائيل». وشدد «على ان التهديدات الاسرائيلية المستمرة للبنان، لن تثنينا عن مواصلة البحث لارساء التهدئة، وهو الامر الذي يشكل اولوية لدينا ولدى كل اصدقاء لبنان». وأدلى هوكشتاين بعد اللقاء بتصريح مقتضب قال فيه: «كالعادة اجريت مناقشات جيدة مع رئيس الوزراء. نمر بأوقات خطيرة ولحظات حرجة ونحن نعمل سويا لنحاول ان نجد الطرق للوصول الى مكان نمنع فيه المزيد من التصعيد كما ذكرت في تصريحي السابق»…
قابل للتهدئة؟
من جانبها اشارت أوساط حكومية شاركت في اجتماع هوكشتاين مع الرئيس ميقاتي، الى ان الوضع قابل للتهدئة على الرغم من التصعيد الاخير بين «حزب الله» وإسرائيل… وافيد ان الموفد الاميركي التقى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب قبل مغادرته بيروت.
الوقت ينفد
وكان عضو مجلس الحرب الإسرائيلي السابق بيني غانتس قد حذر خلال لقائه مبعوث بايدن للبنان من أنّ «وقت التوصّل إلى اتّفاق بشأن الحدود الشمالية مع لبنان بدأ ينفد». وقال غانتس أنه سيدعم «أي تحرّك فعّال بشأن الجبهة الشمالية من خارج الحكومة الحالية»، مؤكداً «إلتزامه بإزالة تهديدات حزب الله عن السكان الإسرائيليين على الحدود الشمالية بغض النظر عن تطورات الحرب في غزة». ووجّه غانتس رسالة قوية لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بشأن المستوطنات الشمالية: «على إسرائيل أن تقرر، الوضع لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل عاماً آخر. يجب عودة سكان الشمال إلى منازلهم بحلول الأول من أيلول إما باتفاق أو بالتصعيد». ورأى غانتس أنّ أمن إسرائيل يتطلب تجنيد مزيد من الجنود من كل شرائح المجتمع.
وضعية دفاعية
ايضا، كشف مسؤول عسكري إسرائيلي كبير في حديث صحافي أنّ المعركة في الجبهة الشمالية دفاعية في الكثير من الأحيان. ورأى أنّ «اغتيال مسؤولين في حزب الله يسبب ارتباكا وضررا مباشرا عليه»، مؤكداً أنّ «إمكانيات حزب الله العسكرية على الحدود متواضعة وليست كما قبل 7 تشرين الأول». وأشار إلى أنّ الحزب اضطر إلى سحب قواته لمسافة 8 كلم داخل الأراضي اللبنانية، لافتاً إلى نجاح المنظومة العسكرية الإسرائيلية بإبعاد «خطر اجتياح حزب الله لمناطق واسعة بالجليل».