دراسة للدكتور حسان فلحه (مدير عام وزارة الاعلام اللبنانية)، تلقي الضوء حول التدابير لعدم الانجرار الى التبعية والوقوع تحت سطوة الهيمنة والانتقال إلى تلاقي الحضارات والثقافات والمقدرة على إنتاج وسائلها وأدواتها وبرمجياتها.
وجاء في الدراسة تحت عنوان “الجهود العربية في منع الهيمنة الرقمية العالمية”، “لا بد من الإقرار بأن العالم يتغير تحت وطأة وقع تكنولوجيا المعرفة المتسارعة بشكل يعيد إنتاج طبائع المجتمع البشري كلياً وجوهرياً. ان التطور التقني والمعرفي الذي حصل خلال الثلاثين او الاربعين سنة الماضية يعادل، لا بل يزيد على ما عرفته البشرية جمعاء منذ ان عمدت الى استخدام التدوين والترميز ورسم الاشكال والكتابة والطباعة والنشر والبث والتواصل و تأريخ الآثار الأولى للسجلات المكتوبة المسمارية في بلاد ما بين النهرين منذ حوالي 3500 عام،مرورا بتطور الأبجدية اليونانية وتأثيرها التراكمي على اللغات الأخرى بنحو 450 عاماً قبل الميلاد ووصولا الى الاعلام الرقمي الذي قد يعتبر لغة اللغات. وهذا الأمر يحتسب على المستويين الكمي والنوعي الأول اقله وفرة الكميات الهائلة من المعلومات والثقافات المتنوعة التي يمكن الحصول عليها خارج اطار المعهود، وبمعزل عن طبيعة الوسيلة ونوعها، وعوامل الزمان والمكان والتاريخ . والآخر، النوعي، ان المضامين اصبحت متعددة شديدة التنوع، وذات لغات عدة واتاحت للفرد مساحة قد تعادل مساحة الجماعة او اكثر من ناحية التأثيروالفعالية”.
في لبنان ،كما في العالم العربي ، والعالم ككل ، الاشكالية الاساسية ان الجميع ينساق على وقع التطور التقني والمعرفي الهائل والمذهل ،ويعاني بموازة ذلك من بطء شديد في التشريعات القانونية والتنظيمية التي ترعى العمل الاعلامي والمعرفي وتحمي المجتمعات والأفراد. هذا التفاوت يزيد من حجم الهوة اتساعا وينتج فجوات اكبر بين الدول المنتجة للتكنولوجيا الحديثة والمصدرة لها وبين الدول والمجتمعات المستوردة والواقعة تحت ثقل استيرادها والحصول عليها. التكنولوجيا أسقطت ما عرف بالسيادة الكاملة للدول والمجتمعات ووسعت من حلقة التبعية وجعلت السيادة ناقصة والتبعية تزداد باضطراد، وهذا ما انتج بدوره تداخلا كبيرا بين الوافد من الثقافات والمعتقدات والانماط الاجتماعية والاخلاقية والدينية والسياسية وبين ما تركن اليه المجتمعات المحلية المتلقية اوما تؤمن به من قيم ومفاهيم وتقاليد وعادات ، ما جعل اي مجتمع او اي بلد عرضة للتبدلات السريعة والتغييرات العميقة بعيدا عن النمطية المعتادة والخروج الى آفاق جديدة لم تعهدها البشرية من قبل. قد وسعت التكنولوجيا من القدرة الادراكية للفرد والمجتمع بواسطة الاعلام الرقمي. وأدت الى فقدان الدول والمجتمعات السيطرة بشكل جوهري في القدرة على التحكم بدفق المعلومات وهمشت التكنولوجيا في بعض الاحيان من دور الدولة المركزي لصالح الاكتساب المعرفي الوافد مباشرة والذي يعتمد بالدرجة الأولى على وسائل الإعلام الحديثة.
حسب بعض الإحصائيات، فان 4,48 مليار شخص استخدم شبكات التواصل الاجتماعي (شهر تموز 2021) اي ما نسبته 57%من سكان العالم (2)الذي كان على عتبة الثمانية مليارات شخص. وقد يستخدم الفرد او المؤسسة اكثر من شبكة او منصة للتواصل الاجتماعي ما يعطي صورة واضحة عن الاتساع المترامي الحدود و الاطراف لحضور هذه المواقع والمنصات في صياغة المواقف السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وفي صناعة العمل الاعلامي والثقافي على المستويات المحلية والاقليمية والدولية و وفق توقيت زمني و رابط تواصلي يقوم على اللحظة اي تواصل لحظوي يقاس بسرعة اللحظة. كما أن وسائط الإعلام والتقنيات الحديثة هي وسائط متعددة المهام Multimedia أو وسائط إندماجية لصياغة المهام المعرفية المتنوعة مثل الكتابة والقراءة والمراسلة والإستماع والمشاهدة في آن معاً. ان شبكات الفيسبوك والتويتر و تليغرام وسناب شات وتطبيقات الواتساب وانستغرام والتيك توك وغيرها، تزداد هيمنتها بشكل متنام وكبير جدا ويرتفع مستوى منسوب تأثيرها على الاعلام ككل الى حد تجاوز القدرة الاستيعابية المعهودة سابقا، ووصل الى حال الإغراق الكامل بالمعلومات من قبله ، والسيطرة شبه التامة على فضاءي الاعلام والمعرفة ، والدفع بالإعلام التقليدي الى مستوى التبعية بعد تقليص مساحة حضوره الى مستويات منخفضة جداً.
لا بل ان التطور التقني غيّر من ماهية الاعلام ودوره ووظيفته ، وأنتج أنماطا معيشة وحياتية للفرد والجماعة جديدة ومختلفة تماما ، و غدا الاعلام الرقمي الحديث ووسائله جزاء كينونيا متلازما في تكوين الشخصية الانسانية. وما انقطاع خدمات شبكة الفيسبوك وتطبيقات واتساب وانستغرام يوم الرابع من تشرين الاول من العام 2021 وما أثاره من بلبلة وإرباك عالميين، الا دليل بيّن على اظهار الى اي مدى كيف تحول الانسان الى كائن اتصالي رقمي اندمج في حياته بوسائل التواصل الى مرحلة او حد ما يمكن تسميته بحال “الانغمار الرقمي”, حيث حددت هويته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في اطار المجتمع الشبكي اذا جازت العبارة ما يطرح إعادة “الضبط والتعديل الذاتي ” التي ترتكز على اخلاقيات القضايا الى تحكم سياسة ضبط المحتوى في منصات التواصل الاجتماعي و من هنا نصل الى مرحلة متشابهة على مستوى الاعلام عالميا قائمة على انحسار المسافة بين المحتوى والمحتوي وبمعنى ادق بين المضمون والوسيلة، او التلازم الجبري في العملية المعرفية والاعلامية بدء من الحصول على المعلومة، و مرورا باستخدام الوسيلة المناسبة والمستخدم ووصولا الى الهدف والمستهدف من المعلومة.
ان الجدلية الحاكمة للعلاقة بين الاعلام الدولي الوافد ذي الامكانيات الهائلة تقنيا وماديا وبشريا، وبين الاعلام المحلي تظهر من خلال الهيمنة المغرِقَة والقبول القسري والانصياع اللاإرادي ،والمتأتية من سطوة التكنولوجيا ذات التأثيرات الجوهرية والتغيرات البنيوية الفكرية والعقائدية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتربوية، و التي يعبر عنها في سياق حرية الراي العام والفرد والجماعة والتبدلات الكبرى على مستوى المفاهيم الاخلاقية والقيم والتقاليد والعادات والمسلمات. لقد أثبتت التكنولوجيا سيطرة وتحكما شديدين على المجتمعات المختلفة، وانتجت انقساما بين المنتج والمسيطر والمصدر من جهة ، وبين المستهلك والمرتهن والمستورد من جهة اخرى, واحالت التكنولوجيا المجتمعات مجتمعات استهلاكية تقع تحت خط الحاجة و”العبودية التقنية” أحيانًا ومجتمعات منتجة ومصنعة للتقنيات المعرفية، فتفوقت الاخيرة بامتلاك المنصات المعرفية والاعلامية والمعلومات الضخمة و بالتحكم في تصدير تقنياتها و وسائل التواصل العائدة لها ورهنت ذلك بما يتوافق مع سياسات المنصات واهدافها.
ان دفق الاعلام الوافد من خلال شبكات ومنصاتها العملاقة ينطلق من مصالحها والفائدة التي تعود عليها وتخدم سياساتها وكل ذلك على حساب ما قد يفيد الجمهور ومصالحه، وبالتالي غالبا ما يبث وينشر ما قد لا يتوافق مع اخلاقيات الجمهور وقيمه وعاداته وتقاليده، ما يخلق ازمة انتماء وولاء وتبعية في ان معا. وهذا يفسح في المجال لمعرفة المعايير التي تعتمدها هذه الشبكات والمنصات ازاء القضايا المثيرة للجدل في العالم مثل الجنس والمثلية حقوق الانسان حقوق الفرد وحقوق المرأة، والدين والمذاهب والمعتقدات والارهاب والمقاومة وغيرها، ما يطرح مبدأين جوهرين الرضا والقبول او الرفض والتصدي الفكري أاي اننا امام صراع حضاري وتفاوت ثقافي تصنعها التكنولوجيا على حساب ما دأبت المجتمعات وافرادها على السير والسلوك بموجبها. لقد اسقطت التكنولوجيا عاملي المكان والزمان وانتجت أدوارًا للاعلام ووظائف مغايرة لتلك التي اعتادتها المجتمعات والدول والمؤسسات.
الاعلام الرقمي هو الاعلام الذي يعتمد التقنيات الرقمية ويستخدم شبكات التواصل الاجتماعية المتعددة المهام من خلال العلاقة التبادلية والتشاركية القائمة على تطور تقنيات الاعلام ورفع القدرة الاستيعابية لدى الجمهور وصولا الى نمو المعرفة العلمية المتسارعة، وذلك من خلال طغيان الوسيلة الالكترونية الذي يتميز بسرعة تدفق المعلومات وطرق توزيعها واستقبالها(5). الاعلام الرقمي غدا تشاركيا وتفاعليا بعدما قلص من احجام المؤسسات الاعلامية المترهلة التي كانت تتولى ادارتها وقيادتها و توجيهها بتوظيف اعداد كبيرة وإستخدامها، الى احجام صغيرة باتت فردية بالغالب، وغدت تقوم في تشغيلها على محورية الفرد في اغلب الاحيان، وإن كانت ضمن مجموعات مستهدفة ذات اعداد اكبر واكثر تنوعا. لقد ترافق ذلك مع استحداث ثقافات مغايرة متسارعة ووفق نظم اكتساب وآليات معرفية مختلفة تماما عن السابق . ان الاعلام الرقمي دمج وبقوة بين أنواع الاعلام المختلفة المكتوب والمقروء والمسموع والمرئي وحولها الى اعلام موحد ومتعدد الانواع في آن معاً ويقوم الفرد بانتاجه في فترة زمنية قصيرة وتكلفة اقل وقدرة استعادة مرنة ترفع من نسبة المتاثرين والمستهدفين بشكل قياسي. ان من حسنات التقدم التكنولوجي وتطوره انه عزز من حضور المساواة نسبياً بين الشعوب والمجتمعات، وقلص من حجم الفجوات الكبرى على مستوى العدالة الانسانية ككل . إن يُسر الحصول على وسائل التواصل ولاسيما اجهزة الهواتف المحمولة والكومبيوتر ادت الى نوع من الإنصاف وردم الهوة الطبقية التي عاشتها البشرية وتعيشها ، واتاحت الولوج الى شبكات المعرفة والمعلومات بشكل كبير ما ساعد على جعل العالم اكثر سلما وانصافا وعدلا وفق تقرير للامم المتحدة.
هذا التقرير الذي اشار الى ان التكنولوجيات الرقمية التي تفوقت على اي ابتكار في التاريخ،وصلت الى حوالي 50% من سكان العالم النامي بأقل من عقدين وأحدثت تحولًا في المجتمعات، وان وسائل التواصل الاجتماعي ربط ما بين قرابة نصف سكان العالم بالكامل ولكن البعض اعتبر ان تطوير التكنولوجيا الرقمية يشكل استبدادا رقميا كما ورد في تقرير لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي حول تطوير الصين للتكنولوجيا الرقمية وانها تعمل على مراقبة المعلومات في انحاء العالم وهذا ما كان قد اشار اليه جوليان اسانج Julian Assange مؤسس موقع ويكيليكس Wikileaks عن إستخدام انشطة المراقبة الرقمية عالميا من قبل ميكروسوفت وفيسبوك و يوتيوب بهدف اجراء رقابة شمولية تتبع سلوكيات الافراد وخصوصياته ومميزاته الانسانية والاجتماعية وصولا الى التنبؤات السلوكية من النواحي التجارية والاقتصادية والاستهلاكية والسياسية والامنية. بالرغم من ان وسائل التواصل الاجتماعي اصبحت أداة مفيدة في التعبئة والنشاط، فإنها تستخدم أيضا من قبل السلطات كآداة من آداة القمع. وفي السنوات الأخيرة، أبلغ عدد متزايد من الفلسطينيين أن حقوقهم في التعبير يتم قمعها من خلال منصات وسائل التواصل الإجتماعي المهيمنة، مثل الفيسبوك، وواتساب، وتويتر، ويوتيوب. وشمل ذلك إزالة المحتوى، وحجب الحسابات، فضلاً عن فرض القيود على الوصول الى المعلومات وهذا ما يؤكد على صعوبة قيام المجتمع الرقمي، بالتحرر والهروب من عالم المراقبة. اللافت انه لا توجد ادارة مركزية تتحكم باستخدام الانترنت الذي غدا المصدر الافعل للمعلومات والذي “وفر فرصة لا تقدر بثمن لتحريك الجمهور لعبور الحدود الوطنية “. ان “النظام الدولي للمعلومات الرقمية “اذا جازت العبارة لنا استخدامها ،يسيطر على 80%من المعلومات الشخصية من خلال غوغل و الفيس بوك و آبل و ميكروسوفت. اذ حسب احصائية عائدة للعام ٢٠١٦،فإنه كل دقيقة يتم أرسال حوالي 300 الف تغريدة و15 مليون رسالة قصيرة و 204 ملايين رسالة بريد الكتروني عبر العالم وتطبع 2 مليون كلمة مفتاح على محرك البحث غوغل والهواتف الذكية.
ان بيغ داتا big data المتعلق بالمعطيات الشخصية للمستخدمين والمقدمة طوعيا من اصحابها تجاوزت قيمة اعمالها ال 240 مليار دولار في العام 2016 ، وقد استطاعت ان تحول المجتمعات جذريا الى تابع، ثقافيا و ماليا لهذا النظام المارد الذي حصل على ما يريد بشكل كلي من دون اي ضغط او عنف ظاهرين. هذا الامر لا يقتصر على الدول ذات التشكيلات السياسية و الاجتماعية والاقتصادية المتعددة او ما تم التعارف عليه بدول العالم الثالث ومنها لبنان بل ان 62% من الامريكيين كانوا يحصلون على الاخبار والمعلومات في العام ذاته 2016 من وسائل التواصل الاجتماعي بما فيها الأخبار الزائفة وغير الصحيحة fake news التي تجتاح أغلب وسائل التواصل الإجتماعي ومنه العالم العربي ولبنان على وجه الخصوص الذي يتخذ إجراءات ذات طابع فردي ويتفوق القطاع الخاص على القطاع العام من ناحية إدارة وسائل التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية التي هي بأغلبها الساحقة تديرها مؤسسات خاصة أو أفراد. إن لبنان يعاني تقادما كبيرا في أنظمته وقوانينه التي ترعى العمل الاعلامي، لا بل يفتقر ويفتقد الى تشريعات ملحة وضرورية لتنظيم عمل وسائل الاعلام و التواصل الحديثة ،وهذا ليس مستغرباً إذا عرفنا أن الإعلام التقليدي واجه و يواجه الأمر ذاته إذ ان اصدار تراخيص جديدة لمطبوعة سياسية غير متاح نهائياً عملاً بمرسوم اشتراعي صدر عام ١٩٥٣ وما زال معمولاً به حتى تاريخه وهو لا يسمح بالترخيص لاي مطبوعة سياسية جديدة ما لم يصبح او يقلص عدد المطبوعات السياسية الى خمس وعشرين مطبوعة سياسية يومية وإثنتي عشرة مطبوعة سياسية دورية، اسبوعية او فصلية .وكذلك يقسم قانون المطبوعات.
بتاريخ 14-09-1962 الصادر عام 1962 المطبوعات الى سياسية وغير سياسية ويمنع الاخيرة من التطرق الى المواضيع السياسية .في تدبير غير منطقي ولا يجاري أبسط متطلبات العصر الإعلامي. في حين ان قانون تنظيم الإعلام المرئي والمسموع الصادر عام ١٩٩٤، والذي يرعى البث الاذاعي والتلفزيوني الارضي، وبعده قانون البث الفضائي رقم ٥٣١ الصادر عام ١٩٩٦ لم يتم اجراء اي تعديل عليهما بالرغم من التطور التقني شديد التحولات والتغييرات. ما جعل هذه التشريعات غير ذي فاعلية من الناحية الواقعية والعملية. اما مواقع التواصل الاجتماعي والتي يبلغ عددها حتى العام 2023 أكثر من 857 موقعاً، فإنها تعمل من دون نص قانوني وإنما بموجب قوة التطور التقني الذي فرض ذاته بلا أي نص تشريعي أو تنظيمي. وهذه الأمور تنم عن ضعف كبير لدور السلطة المركزية في متابعة تنظيم الواقع الاعلامي أو ضبط حركته على المستوى التنظيمي وآلية عمله (من دون المطالبة طبعا بتوجيهه او السيطرة عليه)، مع الاشارة الى ان لبنان كان يتمتع بنمو تقني على مستوى المعلومات والتكنولوجيا والاتصالات لا بأس به و بمداخيل مالية مقبولة ،فقد نقل وزير الاتصالات اللبناني جوني قرم عن دراسات تتعلق بواقع المعلومات والتكنولوجيا في لبنان في المرحلة ما قبل ال 2019، (اي قبل اندلاع الحراك الشعبي في هذا البلد ) “ان قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) في لبنان شكل3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي واستحوذ على 44 ألف وظيفة في عام 2016. وشكلت الاتصالات 12% من الإيرادات الحكومية أو 1.3 مليار دولار أمريكي في عام 2017 مقارنة بـ 21% في عام 2014. كما واشارت هذه الدراسات الى ان خدمات الأعمال وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد ساهمت بحوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان وقد ساهمت في التوظيف بنسبة 4% من إجمالي السكان العاملين.
وبلغ عدد مستخدمي الانترنت في لبنان 4,5 مليون شخص اي ما يعادل 76% من السكان في مؤشر واضح الى نمو دور وسائل الاعلام الرقمية والاخبارية في هذا البلد وحل اليوتيوب YouTube اولا من حيث الاستخدام بنسبة تتجاوز الخمسين بالمئة بين وسائل التواصل الحديثة ثم حل الفيسبوك Facebook ثانيا، وبعدهما كل من التويتر Twitter والانستغرام Instagram، والغوغل Google ومجموع استخدامها لا يتجاوز الخمسة والاربعين بالمئة في لبنان العام 2018. وقد شكل الانترنت 85%من مصادر المعلومات في العام 2017 .نظرا لسهولة استخدامه و الوفرة الاقتصادية التي يحققها الفرد او الجماعة على المستوى المالي و حجم الانفاق ويسر الانتاج وكان الانترنت الاكثر اتاحة للاستخدام بعدما أزال العوائق الإقتصادية ذات التكلفة العالية أمام الوصول الى المعلومات. وإزاء هذا التطور والإنغمار في الإعلام الوافد الخارجي على المستويين المعرفي والاقتصادي ،دعا بعض أصحاب المواقع الإلكترونية الى إنشاء “لوبي لبناني -عربي لمواجهة المنصات العالمية التي تنقل اخبار المواقع الإلكترونية ، وتستفيد منها من دون اي بدل او عائد لصالح المواقع الالكترونية، في حين أن هذه المنصات العالمية تضع المعايير وتقدم الأخبار والمعلومات بما يتوافق مع سياساتها وأهدافها. عدا عن أن هذه المنصات أطاحت بشكل شبه كلي بوسائل الإعلام التقليدية وهمشت من دورها في لبنان كما في العالم ككل حيث فقدت هذه الوسائل أمرين أساسيين مكانتها ،وقدرتها في التأثير في الجمهور يضاف الى ذلك معوقات وجودية كالقيود القانونية الصارمة والتمويل اللازم لاستمرارها والتي غدت ذات تكاليف عالية قياساً بالاعلام الإلكتروني الذي غدا أوسع إنتشاراً وأقل تكلفة حيث غدت الطباعة الورقية تذوي لصالح الإصدارات الإلكترونية، في العالم كله [فمثلاً موسوعة بريتانيكا) Brittanica Encyclopedia -التي ظلت تطبع ورقيا بصفة منتظمة منذ صدورها لاول مرة في أدنبره في اسكتلندا في العام 1768 إضطرت الى إيقاف نسخها المطبوعة والإستمرار في اصدار النسخ الالكترونية على الانترنت حيث كان سعر النسخة الورقية الأخيرة في العام 2012 1700 دولار امريكي بينما تكلفة الاشتراك الالكتروني السنوي لا يتجاوز ال 70$.
ان التقدم الاتصالي ،في لبنان ،سبق التقدم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بأشواط ،ومن هنا ينبع الإرباك. الذي يجعل الدول والمجتمعات تواجه احيانا بصعوبة بالغة الهيمنة التقنية والرقمية التي يعتبرها البعض الاستعمار الحديث والمقيم.
وعليه، لا بد من اتخاذ اجراءات وتدابير علمية وفاعلية في سياق عدم الانجرار الى التبعية والوقوع تحت سطوة الهيمنة بل من خلال تلاقي الحضارات والثقافات والمقدرة على انتاج وسائلها وادواتها وبرمجياتها التي تواكب العصر ولا تجعلنا خارج السمع والبصر ،ومن ابرز هذه الاجراءات :
– لا بد من انتاج ثقافات قوية وازنة ذات جودة اعلامية رقمية تواكب العصر من خلال السعي لانتاج هذه التكنولوجيا.
– الانعتاق من تبعية الاستيراد التقني الى التصنيع الشامل من خلال رصد الاعتمادات البشرية والادارية والمالية المطلوبة.
– التشارك في الجهد العربي من خلال المؤسسات الاعلامية العربية ، ولاسيما اتحاد إذاعات الدول العربية ومجلس وزراء الاعلام العربي لانشاء شبكات و لايجاد منصات للاعلام الرقمي والاعلام الحديث الذي يمكن استخدامه بيسر نظرا للتكلفة الاقل والانتشار الاوسع.
– السعي الى وضع التشريعات والقوانين التقنية والرقمية والاعلامية المرنة التي تحاكي العصر وتواكب تطوره وتضع الضوابط التي تعزز من حرية الفرد وقيمه الانسانية وتسهم في وصوله الى المعلومات وتجنبه من الاخبار الزائفة.
– تعزيز دور القضاء من خلال ايجاد قضاء ومحاكم تختص بالنظر في قضايا الاعلام الرقمي على المستويين الدولي والمحلي .
– استثمار الاعلام الرقمي في تعزيز المناهج التربوية التي تتناول التكنولوجيات الرقمية على المستويات التربوية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية .
– التشجيع في الاستثمار المالي والاقتصادي على مستوى الاعلام الرقمي العربي والوطني وكيفية الحصول على البدلات المالية التي تنتج من استفادة المنصات والشبكات الدولية من الاعلام العربي او الوطني”.