كتبت صحيفة “الشرق الأوسط”: أعلن الجيش اللبناني، ليل الاثنين، أن منسق حزب «القوات اللبنانية» في منطقة جبيل (شمال لبنان) باسكال سليمان، المخطوف منذ الأحد، قُتِل من قبل الخاطفين أثناء محاولتهم سرقة سيارته في منطقة جبيل (شمال لبنان)، وأنهم نقلوا جثته إلى سوريا. وقالت قيادة الجيش في بيان: «تمكنت مديرية المخابرات في الجيش من توقيف معظم أعضاء العصابة السوريين المشاركين في عملية الخطف، وتبين خلال التحقيق معهم أن المخطوف قتل من قبل خاطفيه». وأشارت إلى أن قيادة الجيش «تنسق مع السلطات السورية لتسليم الجثة، وتستكمل التحقيقات بإشراف النيابة العامة التمييزي».
وكان التحرك السريع للجيش اللبناني، بحثاً عن قيادي المخطوف سليمان، طوق توتراً سياسياً وشعبياً تصاعد في منطقة جبيل في شمال محافظة جبل لبنان وانتهى بإقفال المدينة وأوتوستراد بيروت – الشمال، احتجاجاً على اختطافه.
وخطف مسلحون مجهولون يستقلون سيارتين في منطقة جبيل، منسق «القوات اللبنانية» في منطقة جبيل باسكال سليمان خلال عودته إلى منزله بمفرده بعد ظهر الأحد. وانتشرت مقاطع صوتية لرجل قال إنه كان يتحدث في تلك اللحظة مع سليمان حينما سمع صوته يخاطب مسلحاً اعترضه، ويطلب منه عدم قتله وأنه أب لأطفال. وأشار المتحدث في المقطع الصوتي إلى أن سليمان اختًطف ويجب بدء البحث عنه.
عُثر على هاتف المخطوف مرمياً في بلدة ميفوق، حيث أظهرت الكاميرات سيارة باسكال سليمان في بلدة ترتج – جبيل متجهة نحو جرد البترون.
وتحدثت معلومات عن أن الخاطفين بدّلوا السيارة في شمال لبنان، وانطلقوا باتجاه الحدود السورية، حيث يُعتقد أن الخاطفين فروا إليها.
وأثارت الحادثة غضباً واسعاً، حيث تجمع مناصرو «القوات اللبنانية» في مركز للحزب في منطقة جبيل، وهدّدوا بالتصعيد وإغلاق الطرقات في حال عدم الإفراج عنه. وشارك رئيس الحزب سمير جعجع المناصرين في وقفتهم، وأعطى تعليماته لتهدئة الأمور، في وقت انضم ممثلون لـ«حزب الكتائب اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» إلى المحتجين؛ تضامناً مع عائلته وحزبه.
وتحركت الأجهزة الأمنية بسرعة، وطالب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأجهزة المعنية «بتكثيف التحقيقات والتنسيق في ما بين الأجهزة الأمنية لكشف ملابسات القضية في أسرع وقت وإعادة المواطن سالماً إلى عائلته». وبالفعل، كانت استخبارات الجيش فجر الاثنين قد ألقت القبض على مجموعة من المشتبه بهم، وقالت قيادة الجيش في بيان إن مديرية المخابرات «تمكّنت بعد متابعة أمنية من توقيف عدد من السوريين المشاركين في عملية الخطف»، لافتة إلى أن «المتابعة متواصلة لتحديد مكان المخطوف ودوافع العملية».
ومساء، دعا ميقاتي لضبط النفس. وقال في بيان إنه تبلغ من الأجهزة الأمنية المعنية نبأ مقتل سليمان، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية كانت باشرت منذ انتشار نبأ اختطافه تحرياتها واستقصاءاتها لكشف الفاعلين والضالعين في الجريمة وإعادة المخطوف إلى عائلته سالماً، “لكن يبدو أن الجهات الخاطفة التي تستمر التحقيقات لكشف كامل هويتها، عمدت إلى تصفيته”.
وتابع ميقاتي: “في هذه الظروف العصيبة، ندعو الجميع إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة وعدم الانجرار وراء الشائعات والانفعالات”.
«القوات اللبنانية»: جريمة سياسية
من جانبه، قال حزب «القوات اللبنانية»، في بيان: «بعد أن تبلغنا بأسف شديد ووجع كبير وغضب لامتناهٍ، نبأ استشهاد رفيقنا العزيز والغالي باسكال سليمان، نطلب من الأجهزة الأمنية والقضائيّة التحقيق الجدّي والعميق مع الموقوفين في هذه القضية، لتبيان خلفيتها الحقيقيّة». وأضاف: «إنّ ما سرِّب من معلومات حتى الآن عن دوافع الجريمة لا يبدو منسجمًا مع حقيقة الأمر، إنما نعتبر استشهاد الرفيق باسكال سليمان عملية قتل تمّت عن عمد وعن قصد وعن سابق تصور وتصميم، ونعتبرها حتى إشعار آخر عملية اغتيال سياسية حتى إثبات العكس».
وتابع «القوات»: «إننا في هذه المناسبة الحزينة والأليمة نشكر أهالي جبيل عمومًا وبلديّاتها واتّحاد بلديّاتها خصوصًا، كما نشكر كل الأحزاب السياسيّة الحلفاء وفي طليعتها حزبا (الكتائب) و(الوطنيين الأحرار)، والمستقلين الذين هبّوا منذ اللحظة الأولى لاستنكار الحادثة معنا أشدّ استنكار، ونشكر أيضًا جميع اللبنانيين الذين اعتبروا هذا المصاب مصابهم ويعبر عن وجعهم بغياب الدولة الفعلية. وبالمناسبة، نطلب من كافة المواطنين والرفاق والأصدقاء الذين تجمعوا في الساحات وفي الطرقات في محاولة للضغط على الجهات الخاطفة لعدم إكمال جريمتهم، نطلب منهم جميعًا ترك الساحات وفتح الطرقات وبخاصّة أنّ يوم الأربعاء هو أول أيّام عيد الفطر المبارك، والتهيئة لاستقبال حاشد لجثمان الشهيد بما يليق به، كما التهيئة لوداعه بحشود كبيرة تشكّل رسالة رفض لسياسة الأمر الواقع والخطف والاغتيال والقتل وإبقاء لبنان ساحة فوضى وفلتان، كما التهيئة للخطوات اللاحقة التي سنتّخذها».وتوجه «القوات» بالعزاء من عائلة الشهيد باسكال سليمان، أهله وزوجته وأولاده وأقربائه وبلدته ورفاقه، و«نعدهم بأنّ دماء الشهيد باسكال لن تذهب هدرًا كما دماء كلّ شهدائنا الأبرار الذين باستشهادهم بقيت في لبنان مساحة حرية وكرامة وعنفوان»، مؤكداً أن «المسيرة مستمرة دفاعًا عن القضية التي آمن بها الشهيد باسكال سليمان، ومخطئ مَن يظن أنّه بالاغتيال يستطيع تخويفنا وترهيبنا وردعنا عن استكمال مسيرتنا بقيام الدولة الفعلية التي يشعر فيها المواطن بالأمن والآمان. فقتل باسكال سليمان هو قتل لكل مواطن ينشد الحرية ويريد العيش بسلام مع عائلته ويخطِّط لمستقبله، ولن نسمح بتيئيس اللبنانيين وإحباطهم ودفعهم إلى الهجرة، وكما واجهنا في ظروف أصعب، سنواصل النضال دفاعا عن القيم التي نؤمن بها، والنصر دائمًا لأبناء الحياة وأصحاب الحقّ».
9 موقوفين
وبلغ عدد الموقوفين تسعة حتى قبل ظهر الاثنين، تبين أن أحدهم ضالع في عملية الخطف، حسبما أكدت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أنه في فترة بعد الظهر، «بلغ عدد الموقوفين المتورطين في العملية أربعة، مع إلقاء القبض على آخرين ضالعين بالخطف». وقالت المصادر إن الملاحقة متواصلة، وتجري تحقيقات حثيثة ومتواصلة لمعرفة مكان وجود المخطوف لتحريره، ولمعرفة الدوافع والجهات المخططة أيضاً، وليس المنفذين فقط. وقالت إنه حتى مساء الاثنين: «لم تتمكن السلطات اللبنانية بعد من تحديد موقع احتجازه».
وتولّت «مديرية المخابرات» مهام التحقيق والمتابعة والملاحقة والتوقيف، كما تولت مهمة تفريع كاميرات المراقبة، وتقوم بالمهمة بالتنسيق مع القضاء المختص. وقال مصدر قضائي إن الأجهزة الأمنية ما زالت تجري تحرياتها لتحديد مكان باسكال سليمان وتحريره، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن هناك «أربعة موقوفين من التابعية السورية، أحدهم اعترف بأنه شارك في عملية الخطف، وأنه هو من دلّ على مكان سيارة المخطوف التي جرى ركنها في منطقة الميناء في طرابلس، قبل نقله إلى سيارة أخرى».
فرضية نقله إلى سوريا
وأشار المصدر إلى أن هناك «معلومات لدى عدد من الأجهزة تجري مقاطعتها»، لافتاً إلى أن أحد الأجهزة «تحدث عن إمكانية وجوده في المنطقة الحدودية بين بلدة القصر اللبنانية وريف القصير السورية، وهناك تنسيق مع المخابرات السورية من أجل تحريره». وأوضح أن المعلومات الأولية «ترجّح أن الخاطفين يعملون لصالح عصابة حرّضت على خطف سليمان وأعطت المعلومات التي سهلت عملية اختطافه التي قد تكون دوافعها مالية».
إقفال طرق
وساهم التحرك السريع والمعطيات التي قدمتها قيادة الجيش عن الجهود والتوقيفات، في تهدئة الغصب، وتجنيب البلاد الانزلاق إلى توتر سياسي ومذهبي في منطقة مختلطة سكانياً، ويسكنها المسيحيون والشيعة في فضاء جبيل.
وأقفل مناصرو «القوات» أوتوستراد جبيل الذي يصل بيروت بطرابلس، منذ ليل الأحد، واقتصرت حركة المرور على الطريق البحرية التي شهدت حركة سير كثيفة. وتجمع شبان من «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» وحزب «الوطنيين الأحرار» و«التيار الوطني الحر»، مع عدد من نواب تكتل «الجمهورية القوية»، رافضين فتح الأوتوستراد قبل معرفة مصير منسق «القوات» في القضاء باسكال سليمان. والتزمت المؤسسات التجارية والسياحية والتربوية بدعوة حزب «القوات» للإقفال التام؛ احتجاجاً على اختطافه.
وأكد عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب زياد الحواط أن «لا شيء مؤكداً حتى الساعة عن مصير سليمان، وأن القوى الأمنية ومخابرات الجيش اللبناني يبذلون منذ الأحد، الجهود لمعرفة مصيره»؛ آملاً أن «تحمل الساعات المقبلة خبراً ساراً».
وزار راعي أبرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون، عائلة المخطوف سليمان؛ وذلك لإبداء التضامن مع العائلة والصلاة لعودته سالماً لمحبيه ولعائلته.
تضامن وتنديد سياسي
وأعربت قوى سياسية عن تضامنها مع عائلة سليمان، ونددت باختطافه وحذرت من تداعيات تلك العمليات الأمنية. وثمّن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب في بيان، موقف «القوات اللبنانية» الذي «تحلى بروح المسؤولية العالية في أصعب ظروف تمر بها البلاد»، محذراً من «أن الفلتان الأمني الحاصل يجب أن يوضع له حد في أسرع وقت؛ كونه قد يؤدي إلى فتنة لا تحمد عقباها».
ووصف رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميل عملية الخطف بأنها «تطور خطير جداً»، وطالب الأجهزة الأمنية كافة «بالتنسيق في ما بينها والعمل لكشف ملابسات ما حصل».
وأدان «الحزب التقدمي الاشتراكي» الحادثة، وطالب الأجهزة الأمنية ببذل كل الجهود لكشف ملابسات هذه الحادثة وخلفياتها، وتأمين عودته سالماً، وأن تتم محاسبة المرتكبين والمتورطين، وإحقاق القانون درءاً لمزيد من الاحتقان والتوترات.
وقال النائب أشرف ريفي في بيان، إن العملية تأتي «في ظروف مشبوهة، لتضع لبنان أمام مخاطر أمنية تهدد استقراره أو ما تبقى من الاستقرار». وأعرب عن استنكاره وإدانته لعملية الخطف المشبوهة هذه، وطالب الأجهزة الأمنية «بالعمل سريعاً على كشف مرتكبي هذه الجريمة النكراء وعودته سالماً لأهله وذويه، منعاً لأي التباس أو انجرار لبنان إلى حالةٍ من الفوضى لا تُحمد عقباها».
وكشف النائب رازي الحاج لقناة «إم تي في» أن «الساعات الماضية كانت عصيبة جداً وأن ما حصل الأحد وضعنا أمام خيار صعب»، مشدداً على «أننا متمسكون وما زلنا بخيار الدولة ولا يمكن أن نستمر في شريعة الغاب وفي دولة يتم فيها التعدي على المواطنين». ولفت إلى «أننا لم نعد نحتمل غياب القانون والمسؤولية ونسعى لبناء الدولة المرجوّة».