انتخب مجلس النواب النائب العماد ميشال عون الرئيس الثالث عشر للجمهورية في أطول جلسة انتخاب شهدها المجلس في تاريخه، ب83 صوتا من أصل 127 نائبا حضروا الجلسة في دورتي اقتراع، الاولى نال فيها عون 84 صوتا، فيما تكررت في الدورة الثانية ثلاث جولات، بعدما وجد في صندوق الاقتراع 128 ظرفا، في حين كان عدد النواب الحاضرين 127. وتكرر التصويت ثانيا وتبين الخطأ نفسه، فاعتمد التصويت للمرة الثالثة، وبالنتيجة النهائية حصل عون على 83 صوتا، ووجدت 36 ورقة بيضاء وسبع أوراق ملغاة حملت خمس منها عبارة “ثورة الأرز في خدمة لبنان”، وحملت واحدة عبارة “مجلس شرعي أم مجلس غير شرعي”، كما حملت ورقة أخرى اسم النائبة ستريدا طوق.
وكانت النتيجة في دورة الاقتراع الاولى نيل عون 84 صوتا من 127، وتبين وجود 36 ورقة بيضاء وست أوراق لاغية، خمس منها حملت عبارة “ثورة الارز في خدمة لبنان”، وواحدة حملت اسم ميريام كلنيك، وسجلت ورقة باسم النائبة جبليرت زوين.
وكان أول الواصلين الى المجلس قرابة التاسعة والنصف صباحا الرئيس نبيه بري، وتوالى حضور النواب ليصل العدد الى 127 نائبا، وهو عدد النواب الذين يتألف منهم المجلس بعد استقاله النائب روبير فاضل وقبول استقالته.
كذلك توالى حضور السفراء الأجانب والعرب المعتمدين في لبنان والسلك الديبلوماسي، في مقدمهم عميد السلك الديبلوماسي السفير البابوي غبريالي كاتشا، وسفراء سوريا علي عبد الكريم علي وروسيا الكسندر زاسبكين واميركا اليزابيت ريتشارد وفرنسا ايمانويل بون وايران محمد فتحعلي وفلسطين أشرف دبور وغيرهم من السفراء المعتمدين في لبنان من عرب واجانب، وعميد السلك القنصلي جوزف حبيس.
كذلك حضر الجلسة الرؤساء امين الجميل وميشال سليمان وحسين الحسيني وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم والمدير العام لقوى الامن الداخلي ابراهيم بصبوص وقائد الاركان اللواء ملاك حاتم والمحافظون والقائمقامون والمديرون العامون ورؤساء المؤسسات الرقابية وشخصيات قضائية ووزراء ونواب سابقون.
وحضر أيضا نقيبا الصحافة والمحررين عوني الكعكي والياس عون ورئيس هيئة التفتيش المركزي القاضي جورج عواد ورئيس المجلس الدستوري القاضي عصام سليمان، والفنانة جوليا بطرس الى جانب عائلة الرئيس المنتخب العماد ميشال عون وأصهرته وأحفاده، ورئيس الرابطة المارونية انطوان قليموس وحشد من الشخصيات السياسية والامنية والاجتماعية والفنية والاعلامية والاقتصادية وكبار المستشارين، غصت بهم القاعة المشرفة على القاعة العامة للمجلس النيابي.
وفي تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا، دخل الرئيس سعد الحريري القاعة العامة وتلاه رئيس “تيار المرده” النائب المرشح سليمان فرنجية، ثم العماد ميشال عون الذي استقبل بالحفاوة والتصفيق الحاد، وجلس الى جانب النائبين ابراهيم كنعان وآلان عون. وبعدما اكتمل النصاب وامتلأت مقاعد الوزراء والنواب قرع الجرس إيذانا ببدء الجلسة، فدخل الرئيس بري الى القاعة واستقبل ايضا بالتصفيق الحاد غير المنقطع، فاعتلى المنصة وطلب تلاوة اسماء النواب المعتذرين، فقيل له “لا وجود لنواب معتذرين، وجميع النواب حضروا”، فرد مبتسما: “جيد”. ثم تليت المواد 49 و 75 من الدستور و12 و13 المتعلقتان بانتخاب رئيس الجمهورية وشروط الترشيح وكيفية الانتخاب والاوراق الملغاة.
وهنا لفت بري الى “ضرورة التمسك بالمادة 12 من النظام الداخلي التي تتعلق باسم الرئيس والشهرة”، لافتا الى ان “اي اضافات تعتبر الورقة ملغاة”. ووزعت اوراق بيضاء ومغلفات على النواب لتدوين اسم مرشحهم قبل وضعها في صندوق الاقتراع، وهنا سأل النائب نديم الجميل عن الحضور فأجاب بري: 127 نائبا، مشيرا الى ان النصاب يبقى 86 نائبا أي ثلثي عدد المجلس، ويفترض ان ينال المرشح في دورة الاقتراع الاولى 86 صوتا.
بعد ذلك جالت صندوقة الاقتراع في القاعة على النواب، وفي هذه الاثناء اقترح النائب سامي الجميل بالنظام، “حفاظا على سرية الاقتراع وضع ستارة شأنها شأن الانتخابات العادية”. فرد عليه بري: “قدم لي اقتراحا بتعديل النظام الداخلي”.
وبعد الانتهاء من الاقتراع طلب بري من النائبين ابراهيم كنعان واسطفان الدويهي الى جانب اميني السر انطوان زهرا ومروان حماده وكبار موظفي المجلس الاشراف على عملية فرز الاصوات.
وإثر الانتهاء من عملية الفرز وتعداد المغلفات تبين وجود 127 ظرفا طبقا لعدد النواب، واعلن الرئيس بري النتيجة على الشكل الاتي: “127 ظرفا على عدد النواب الحضور نال منها العماد ميشال عون 84 صوتا، وهناك خمس اوراق ملغاة تحمل عبارة “ثورة الارز في خدمة لبنان”. وتردد ان نواب الكتائب وضعوها، وورقة حملت اسم ميريام كلينك اعتبرت لاغية”.
وسئل بري لماذا الغيت هذه الورقة؟ فرد قائلا: “ربما لانها ارثوذكس”، كما حملت ورقة ثالثة اسم النائب جيلبرت زوين، فأمل الرئيس بري اعادة الاقتراع بدورة اقتراع ثانية لان المطلوب ان ينال المرشح 86 صوتا، ثم وزعت الاوراق البيضاء للدورة الثانية مع المظاريف المختومة.
ولفت بري الى ان “الفوز في الدورة الثانية ب 65 صوتا”، وطلب من النواب البقاء في مقاعدهم بعد الانتهاء من التصويت لانه سيلي جلسة الانتخاب جلسة القسم وبعد الانتهاء من التصويت وفرز الاوراق والمظاريف تبين وجود 128 ظرفا في حين عدد الحضور 127 فسأل الرئيس بري النواب اذا كانوا يريدون السير بالنتيجة الاولى فاعترض النائب سامي الجميل قائلا: “لا يا دولة الرئيس”. وهنا بدا الوجوم على وجه العماد ميشال عون فغادر القاعة لبعض الوقت مع النائبين ابراهيم كنعان وزياد اسود ثم عاد واعيدت عملية الاقتراع للمرة الثانية في الدورة الثانية، وتكرر المشهد بدعوة النواب اسطفان الدويهي وابراهيم كنعان وهيئة مكتب المجلس وكبار الموظفين للاشراف على عملية الفرز وجاءت النتيجة ايضا مطابقة للنتيجة التي سبقتها اي على الشكل الاتي والتي اعلنها الرئيس بري وقال: “مع الاسف نكرر الخطأ، عدد الاوراق 128 ورقة والحضور 127”.
وتكرر الاقتراع في الدورة الثانية للمرة الثالثة لكن بآلية جديدة حيث وضعت صندوقة الاقتراع امام منصة الوزراء وطلب من اميني السر مروان حمادة وانطوان زهرا مراقبة عملية الاقتراع والتأكد من اسقاط ظرف واحد في الصندوقة، ولفت الرئيس بري النواب الى تأكد كل نائب من الظرف الذي يحمله خوفا من ان يكون هناك ظرف ملتصق به، متوجها للنواب قائلا: “يبدو انكم نسيتم عمليات الاقتراع، عيب علينا، العالم من خلال البعثات الدوبلوماسية، كله يتفرج علينا وهذا لا يعتبر فخرا لنا”.
وقال النائب علي عمار: “علينا يا دولة الرئيس ان نعتذر من اللبنانيين لهذه المهزلة”، ثم بدأت عملية الاقتراع الثالثة والاخيرة وجرت العملية بدقة، وهنا علق النائب اسطفان الدويهي بالقول: “طالما اصبحت صندوقة الاقتراع تحت مراقبة النائب انطوان زهرا فأصبح في أيد امينة”.
ومازح الرئيس بري الرئيس نجيب ميقاتي بالقول: “ما تكون انت اللي عم يعملها، شرف لهون لعندي”، وبعد انتهاء عملية الاقتراع الثالثة في الدورة الثانية وبعد تغيير آلية الاقتراع بحيث كل نائب يعلن اسمه يأتي بنفسه حاملا ظرفه ومتأكدا انه واحد فقط وامام اعين الجميع وبطريقة التحسس واللمس، وعندما وصلت المناداة للنائب عقاب صقر “قرب قرب النا زمان ما شفناك قرب”، ضحك.
وبعد الانتهاء من التصويت والفرز الثالث، أكد وجود 127 ظرفا مطابقا لعدد النواب الحضور. وخلال الفرز، وبعد أن وصل اسم العماد عون إلى 65 صوتا تعالى التصفيق في القاعة، ثم تابع المعنيون عملية الفرز. وجاءت النتيجة التي أعلنها الرئيس نبيه بري على الشكل الآتي: عدد الاوراق 127 مطابقا لعدد النواب، ونال منها العماد عون 83 صوتا، وكانت هناك 36 ورقة بيضاء، و7 أوراق اعتبرت لاغية، وثانية حملت اسم النائبة ستريدا طوق. كما حملت 5 من الاوراق الملغاة عبارة: “ثورة الارز في خدمة لبنان”، وواحدة حملت اسم “زوربا اليوناني”، وواحدة حملت عبارة “مجلس شرعي ام غير شرعي”.
وهنا، تلي محضر الجلسة، وصدق. وكانت الساعة تشير الى الثانية بعد الظهر، وعلى التو، افتتح الرئيس بري جلسة القسم، فتليت المادة 50 من الدستور، والتي تتضمن القسم.
بري
ثم ألقى الرئيس بري كلمة ضمنها التهنئة للعماد عون، وتوجه بالشكر لهذا المجلس النيابي ولحكومة الرئيس تمام سلام وقال: “باسمي وباسم مجلس النواب والشعب اللبناني نقدم لفخامتكم جميل التهاني بانتخابكم رئيسا للبلاد في هذه اللحظة الوطنية والإقليمية والدولية الأشد صعوبة. واسمح بداية أن أتوجه بالشكر لهذا المجلس النيابي بالتحديد، ولحكومة الرئيس تمام سلام للمعاناة التي تحملاها معا وصبر كل منهما صبر النبي أيوب كي نصل إلى هذه اللحظة، التي يسرني يا فخامة الرئيس أن أرحب إبانها بكم تحت قبة البرلمان الذي أنت أحد أركان شرعيته اليوم، وقد أنجز مجلس النواب اللبناني الاستحقاق الرئاسي بانتخابكم، فإنه يعهد اليكم بإسم الشعب قيادة سفينة الوطن إلى بر الأمان، فيما الريح تعصف والأمواج تتلاطم من حولنا وتهدد بتقسيم المقسم من أقطارنا ومن أقطار جوارنا العربي، ودخول المنطقة بحروب استتباع لا تنتهي، وتفضي بالتأكيد إلى اسرائيليات على شكل فدراليات وكونفيدراليات طائفية ومذهبية وعرقية وجهوية وفئوية”.
وأضاف: “إن ما تقدم هو أحد التهديدات الجديدة لإستقرار المنطقة ولبنان والتي زادت من حدة التهديدات الأمنية المتمثلة بالإرهاب، وكذلك من حدة أزمتنا الإقتصادية والإجتماعية نتيجة إنتفاخ ملف المهجرين والنازحين من اخواننا السوريين والفلسطينيين من الشقيقة سوريا. أما التهديد الفعلي والمستمر لبلدنا فإنه ينبع دائما من عدوانية إسرائيل التي تستهدف لبنان لأسباب إستراتيجية ومائية لكونه المنافس الإقتصادي المحتمل لها في نظام المنطقة. لقد إرتسم خط تماس إضافي بحري جديد على إمتداد ثرواتنا الطبيعية المكتشفة في البحر فيما تواصل إسرائيل عرقلة تنفيذ القرار الدولي 1701 وتحتل اجزاء عزيزة من ارضنا وفي طليعتها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر اللبنانية بالترافق مع الخروقات العسكرية وعروض القوة المستمرة على حدودنا.
إن ما تقدم يفترض يا فخامة الرئيس وانتم كنتم على رأس المؤسسة العسكرية دعم الجيش بالعتيد والعتاد وتعزيز المؤسسات الأمنية للقيام بمهام الدفاع الى جانب المقاومة وجانب الشعب”.
وتابع: “يبقى أن إحدى القضايا الاساسية هي وقف استنزاف ثروة لبنان البشرية وهجرة الشباب، فلبنان لن يحلق إلا بجناحيه المغترب كما المقيم.
إنني لا ادعو فقط الى إعادة الأعتبار لوزارة المغتربين ولمشاركة المغتربين في العملية السياسية، بل الى بيان وبرنامج حكومي إغترابي يفترض إجراء مسوحات للإنتشار اللبناني على مساحة العالم لإستعادة الطاقات وتنظيم إستثماراتهم في بلدهم الأم. ولا ننسى أننا في لبنان حوالي أربعة ملايين بينما في الخارج فاننا أكثر من 14 مليون”.
وأشار الى أنه “نتيجة المعضلة الرئاسية خسرنا الكثير، فالأولويات الآن تنطلق من التفاهم برأيي على قانون عصري للإنتخابات، وهذا لا يحقق إلا بإعتماد النسبية وتأكيد الكوتا النسائية ومشاركة الشباب في الإقتراع. إن العبور من الطائفية الى الدولة ودون إلحاق الضرر بالطوائف لا يمر إلا عبر هذا القانون”.
وختم: “إنتخابكم يجب ان يكون بداية وليس نهاية، وهذا المجلس على استعداد لمد اليد لإعلاء لبنان”.
وقوبل خطاب بري بالتصفيق.
عون
ثم طلب بري من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون القاء القسم ومن ثم خطاب القسم امام مجلس النواب، فتقدم عون الى المنصة، وتلا القسم، ثم ألقى خطابه وجاء فيه: “كنت قد آليت على نفسي أن أكتفي بالقسم إذا ما انتخبت رئيسًا للجمهورية، لا سيما أن يمين الإخلاص للأمة، التي أورد الدستور نصها الحرفي، إنما هي التزام وجوبي على رئيس الجمهورية من دون سواه من رؤساء السلطات الدستورية في الدولة، وفيها كل المعاني والدلالات والالتزامات.
إلا أن الخلل السياسي المتمادي، والشغور المديد في سدة الرئاسة، حملاني على أن أتوجه من خلالكم، وبالمباشر الى الشعب اللبناني العظيم الذي كان دوماً على الموعد معي، والحصن المنيع الذي ألجأ اليه في التعهدات الكبرى والخيارات المصيرية.
إن من يخاطبكم اليوم، هو رئيس الجمهورية الذي أوليتموه، مجلساً وشعباً، ثقتكم لتحمل مسؤولية الموقع الأول في الدولة، الآتي من مسيرة نضالية طويلة لم تخلُ يومًا من المسؤوليات الوطنية، سواء في المؤسسة العسكرية التي نشأ في كنفها وتبوأ قيادتها، أو في ممارسة السلطة العامة بالتكليف الدستوري، أو في الشأن العام بالتكليف الشعبي. رئيسٌ أتى في زمن عسير، ويؤمل منه الكثير في تخطي الصعاب وليس مجرد التآلف والتأقلم معها، وفي تأمين استقرار يتوق إليه اللبنانيون كي لا تبقى أقصى أحلامهم حقيبة السفر.
إن أول خطوة نحو الاستقرار المنشود هي في الاستقرار السياسي، وذلك لا يمكن أن يتأمن إلا باحترام الميثاق والدستور والقوانين من خلال الشراكة الوطنية التي هي جوهر نظامنا وفرادة كياننا. وفي هذا السياق تأتي ضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، بكاملها من دون انتقائية أو استنسابية، وتطويرها وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني. ذلك أنها، في جزء منها، دستور، وفي جزء آخر، تعهدات وطنية ملزمة، ولا يمكن بالتالي أن يصار إلى تطبيقها بصورة مجتزأة، فينال منها الشحوب والوهن، ولا يستوي في ظلها نظام أو حكم، ولا تنهض عنها شرعية لأي سلطة.
فرادةُ لبنان هي بمجتمعه التعددي المتوازن، وهذه الفرادة تقضي بأن نعيش روح الدستور، من خلال المناصفة الفعلية، وأولى موجباتها إقرار قانون انتخابي يؤمن عدالة التمثيل، قبل موعد الانتخابات القادمة.
أما في الاستقرار الأمني، فإن أول مقوماته الوحدة الوطنية، وكلنا يعي التحديات التي تواجهنا بصورة داهمة، وضرورة التصدي لها بلا هوادة، بوحدتنا وانفتاحنا على بعضنا البعض وقبول كل منا رأي الآخر ومعتقده. هكذا نحافظ على روافد قوتنا، ونسد الثغرات التي قد تنفذ منها سموم الفتنة والتشرذم والتشنج والفوضى.
إن لبنان السائر بين الألغام لا يزال بمنأى عن النيران المشتعلة حوله في المنطقة. ويبقى في طليعة أولوياتنا منع انتقال أي شرارة اليه. من هنا ضرورة إبتعاده عن الصراعات الخارجية، ملتزمين احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه، مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي، حفاظاً على الوطن واحة سلام واستقرار وتلاقٍ.
أما في الصراع مع اسرائيل، فإننا لن نألو جهداً ولن نوفر مقاومةً، في سبيل تحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة، وحماية وطننا من عدوٍ لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية.
وسننتعامل مع الإرهاب استباقيًا وردعيًا وتصديًا، حتى القضاء عليه، كما علينا معالجة مسألة النزوح السوري عبر تأمين العودة السريعة، ساعين أن لا تتحول مخيمات وتجمعات النزوح إلى محميات أمنية. كل ذلك بالتعاون مع الدول والسلطات المعنية، وبالتنسيق المسؤول مع منظمة الأمم المتحدة التي ساهم لبنان في تأسيسها، ويلتزم مواثيقها في مقدمة دستوره. مؤكدين أنه لا يمكن أن يقوم حل في سوريا لا يضمن ولا يبدأ بعودة النازحين. أما فيما يتعلق بالفلسطينيين فنجهد دوماً لتثبيت حق العودة ولتنفيذه.
إن بلوغ الاستقرار الأمني لا يتم الا بتنسيق كامل بين المؤسسات الأمنية والقضاء، فالأمن والقضاء مرتبطان بمهمات متكاملة، ومن واجب الحكم تحريرهما من التبعية السياسية، كما عليه ضبط تجاوزاتهما فيطمئن المواطن الى الإداء، وتستعيد الدولة وقارها وهيبتها.
أما مشروع تعزيز الجيش وتطوير قدراته، فهذا سيكون هاجسي وأولويتي، ليصبح جيشنا قادراً على ردع كل أنواع الاعتداءات على وطننا، وليكون حارساً أرضه وحامياً استقلاله وحافظاً سيادته.
يبقى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ذلك أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية والانمائية والصحية والبيئية والتربوية تمر بأزمات متلاحقة، لا بل متواصلة، لأسباب عدة خارجية وداخلية. واذا كانت الأسباب الخارجية عاصيةً علينا ولا نستطيع سوى الحد من أثارها، فإن الداخلية منها تفرض علينا نهجاً تغييرياً لمعالجتها، يبدأ بإصلاحٍ اقتصادي يقوم على التخطيط والتنسيق بين الوزارات، والتأليل في مختلف ادارات الدولة. إذ لا يمكن أن نستمر من دون خطة اقتصادية شاملة مبنية على خطط قطاعية؛ فالدولة من دون تخطيط لا يستقيم بناؤها، والدولة من دون مجتمع مدني لا يمكن بناؤها.
إن استثمار الموارد الطبيعية في مشاريعَ منتجة يؤسس لتكبير حجم اقتصاد حر قائم على المبادرة الفردية وعلى إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام، وذلك من ضمن رؤية مالية هادفة ومتطورة.
كما أن الاستثمار في الموارد البشرية، وبشكل خاص في قطاع التربية والتعليم والمعرفة، يسهم في بناء أجيال يعول عليها لضمانة مستقبل لبنان الذي نطمح جميعاً اليه. حيث أن غنى لبنان الأساسي هو في إنسانه المنتشر في كل بقاع العالم، هذا الإنسان الذي ندين له باستمرارية رسالة لبنان ونشرها، كما في إنسانه المقيم الذي من حقه أن يعيش في بيئة سياسية سليمة وفي بيئة طبيعية نظيفة.
اما اللامركزية الادارية، بما تجمع من مرونة ودينامية في تأمين حاجات الناس وخدماتهم، مع حفاظها على الخصوصية ضمن صيغة العيش الواحد، فيجب ان تكون محوراً اساسياً، ليس فقط تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني أو انسجاماً مع طبيعة لبنان، بل أيضاً تماشياً مع تطور نظم الحكم في العالم.
إن هذا الإصلاح الاجتماعي – الاقتصادي، لا يمكن له أن ينجح إلا بإرساء نظام الشفافية عبر إقرار منظومة القوانين التي تساعد على الوقاية من الفساد وتعيين هيئة لمكافحته، وتفعيل أجهزة الرقابة وتمكينها من القيام بكامل أدوارها.
ويبقى الأهم اطمئنان اللبنانيين الى بعضهم البعض والى دولتهم بأن تكون الحامية لهم والمؤمنة لحقوقهم وحاجاتهم، وأن يكون رئيس الجمهورية هو ضامن الأمان والإطمئنان.
هذه هي العناوين الكبرى لعهد رئاسي أرغب صادقًا بأن يكون عهدًا تتحقق فيه نقلة نوعية في إرساء الشراكة الوطنية الفعلية في مختلف مواقع الدولة والسلطات الدستورية، وفي إطلاق نهضة اقتصادية تغير اتجاه المسار الانحداري، وفي السهر على سلامة القضاء والعدالة، ما من شأنه أن يمهد السبيل إلى قيام دولة المواطنة، بعد أن يكون كل مكون قد اطمأن إلى يومه وغده ومصيره في لبنان.
رب قائلٍ إننا قد تأخرنا في إنجاز ما حلمنا به وناضلنا من أجله وتشرد لنا أعزاء في أصقاع الأرض وسقط لنا أحباء، شهداء وجرحى وأسرى ومفقودين، في سبيله. ولكن، كلي ثقة بأن اللبنانيين جميعاً، رغم إدراكهم أن الطريق شاق وطويل، لديهم العزم والإرادة والإقدام لنحقق معاً ما نذرنا له الحياة، وهو لبنان القوي الموحد لكل أبنائه، لبنان الحرية والكرامة، لبنان السيادة والاستقلال، لبنان الاستقرار والازدهار، لبنان الميثاق والرسالة”.
محضر الجلسة
وبعد ذلك، تلي محضر الجلسة الرابعة لمجلس النواب بعقده العادي وصدق، وكانت الساعة تشير الى الثانية والنصف، فرفعت الجلسة، وبعدها انتقل الرئيسان بري وعون الى مكتب الرئيس بري لتقبل التهاني من جميع الحضور.
ثم عقدت خلوة بين الرئيسين بري وعون. وبعد ذلك، ودع الرئيس بري الرئيس عون الى الساحة الخارجية، وعزفت له ثلة من حرس المجلس لحن النشيد الوطني ولحن التعظيم، قبل ان ينتقل الرئيس عون الى القصر الجمهوري، حسب البروتوكول الرسمي.