كتبت صحيفة “الجمهورية”: الملف الاجتماعي وما يدور في فلكه من أولويات وضروريات وأساسيات حياتية تضغط بصورة هائلة اقتصادياً ومالياً على كل مفاصل حياة اللبنانيين، والملفان الرئاسي والجنوبي يتقاطعان عند نقطة اساسية، هي أن لا انفراج وشيكاً يلوح في أفق ملفات مفخخة تتناسل منها عوامل الخوف من الحاضر وويلاته، والقلق على المستقبل من ان يكون اكثر سوءاً وتعقيداً.
في صدارة هذا المشهد الموبوء، تتموضع مكوّنات سياسيّة لا مثيل لها في أي دولة في العالم، حتى في الدول المصنّفة متخلّفة. مكونات رافضة لبعضها البعض، لا بل معادية لبعضها البعض، تندفع بين حين وآخر الى سجالات ومناوشات واتهامات وتجريح وتخوين وتشكيك بالوطنية والانتماء، كثيراً ما تتّسم هذه الاشتباكات بالحدّة والصراخ. الاّ أنّ ذلك لا يغيّر في حقيقة انّها سجالات فارغة، حول امور وملفات لا تستطيع هذه المكونات ان تقرّر في ايّ منها.
الرئاسة ميؤوس منها
فالملف الرئاسي، وفق ما يقول مسؤول كبير لـ”الجمهورية: “صار ميؤوساً منه.. إننا كمن يخدع نفسه عندما نحاول أن نقنع أنفسنا بأنّ الحراكات والوساطات ستؤدّي الى توافق على رئيس للجمهورية”.
اضاف: “يجب أن نرى الصّورة كما هي. فالأمر منتهٍ منذ بدايته، هناك في الداخل من لا يريد رئيساً للجمهورية، ويصرّ على ترشيحات خلافية، ويرفض التوافق عليها او على خيارات رئاسية غيرها. وفي المقابل، فإنّ اصدقاء لبنان في دول الخارج الذين يستعجلون انتخاب رئيس الجمهورية، يتجنّبون بدورهم، او بمعنى أدقّ يرفضون في الوقت نفسه، ممارسة ايّ ضغوط على أصدقائهم في لبنان لكي يتوافقوا ويلبّوا الدعوات المتكرّرة الى التعجيل في انتخاب الرئيس، وفي اللقاءات مع الموفدين الأجانب، كان التأكيد عليهم اكثر من مرّة لبذل جهودهم مع حلفائهم المباشرين وإقناعهم بجدوى التوافق وضرورته، وحتى الآن لم نلمس شيئاً من هذا القبيل”.’
محاولات متتالية فاشلة
وعلى الرغم من هذا الانسداد، يؤكّد رافعو لواء التوافق، وفي مقدّمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، على الّا يتوقف العزف على الوتر حتى يفك اللحام. ففي قناعته انّه لا مفرّ من هذا التوافق في نهاية المطاف. وعلى هذا الأساس تحرّك بمبادرات سابقة، وتفاعل ايجاباً مع محاولات الوسيط الفرنسي جان ايف لودريان، وبعدها مع حراكات “اللجنة الخماسيّة” من ثم أيّد بالكامل تحرّك نوّاب “كتلة الاعتدال الوطني” لبلوغ التوافق المنشود. إلّا انّ كلّ تلك الحراكات والوساطات التي تقاطعت عند الحاجة الملحّة الى توافق لبناني- لبناني على رئيس، اصطدمت بالمنطق الرافض لهذا التوافق، ما يعني اننا ما زلنا في مربّع الفشل.
معارك جانبية
وقالت مصادر في “كتلة التنمية والتحرير” لـ”الجمهورية”: “انّ بلوغ انتخابات رئاسة الجمهورية يوجب سلوك خط مستقيم يبدأ بالحوار والنقاش وينتهي بالتوافق. هذا هو المعبر الإلزامي للحل الرئاسي. وضمن هذا المسار فقط يمكن القول إنّ في الإمكان انتخاب الرئيس، ودون ذلك سنبقى ندور في الدوامة ذاتها. وامر طبيعي جداً أن يقود رئيس مجلس النواب هذا الحوار، والمعارك الجانبيّة التي يحاول بعض الاطراف افتعالها على هذا الامر لا تعدو اكثر من تأكيد متجدّد من قِبلها على رفض انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي ابقاء الوضع على ما هو عليه من خلل وشواذ”.
المعارضة: مسرحيات
وقالت مصادر معارضة لـ”الجمهورية”: “الحوار الذي يريدونه مضيعة للوقت، ولو أنّهم جدّيون في حسم الملف الرئاسي، لكانوا دعوا الى جلسة انتخاب بدورات متتالية لننتهي من هذا الامر”.
اضافت: “يحاولون ان يخدعونا بمسرحيات الحوار، حيث انّهم يقولون بضرورة التوافق، وفي الوقت نفسه يُفشل “حزب الله” علناً مبادرة “كتلة الاعتدال” بإعلان تمسكه بترشيح سليمان فرنجية. وموقفنا واضح لهذه الناحية بأننا لا يمكن ان نسلّم البلد لمحور الممانعة، ولن نذهب الى حوار لا يريدون منه سوى ان يفرضوا مرشحهم علينا”.
“الخماسية” تحرّك جديد
وسط هذه الأجواء المقفلة، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ”الجمهورية”، عن أنّ سفراء “اللجنة الخماسية” سيواصلون تحرّكهم وجهودهم لتوفير المناخات التي يمكن ان تعجّل في تلاقي المكونات السياسية والتوافق في ما بينها على رئيس للجمهورية. وقالت انّ ثمة تحضيرات لتحرّك جديد لسفراء الدول الخمس في المدى المنظور، مرجحة ان يكون هذا التحرّك في اتجاه اللقاء من جديد بينهم وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري.
الحضور الفرنسي
على انّ اللافت للانتباه في موازاة ذلك، كان الاتصال الهاتفي الذي اجراء الوسيط الفرنسي جان ايف لودريان بالرئيس بري، وناقش معه الوضع الرئاسي وتطورات الوضع في الجنوب. وفيما قالت المصادر الديبلوماسية انّها تقرأ حضور لودريان بشكل مباشر على هذا الخط، بأنّه عامل مساعد لا يخرج عن حراك وهدف “اللجنة الخماسية”، قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية”: “انّ السفارة الفرنسية في بيروت كان لها دور في حصول هذا الاتصال، ومحاولات تأمينه خلال منتصف الاسبوع الماضي، عبر اتصالات مع عين التينة، حيث تمّ التوافق على موعد هذا الاتصال في الساعة السادسة والربع من مساء الأحد. وهذا ما حصل بالفعل”.
اما في الجانب الآخر لهذا الإتصال، كما تقول المصادر، فإنّ لودريان سبق له ان تعرّض لمداخلات من داخل “اللجنة الخماسية” تناولت دوره، وهو أمر لا يريح الفرنسيين، ومغزى الاتصال، وإن كان يكمل او يتناغم مع حراك “الخماسية”، فإنّه في جانبه الأساسي ايضاً قد يبدو رسالة فرنسية تعكس إصرار باريس على تأكيد حضورها وفعالية دورها في كلّ الملفات الداخلية، سواءً كدولة يمثل لها لبنان رمزية تاريخية، او كدولة عضو في “اللجنة الخماسية”. واولويتها كما اكّدها الرئيس ايمانويل ماكرون إنهاء عاجل لأزمته الرئاسية ومنع تمدّد الحرب الى لبنان.
بري: الاتصال جيد
وكشف الرئيس بري انّ “الاتصال الذي تلقّاه من لودريان كان جيداً” وقال انّه أبلغ الى الوسيط الفرنسي انّ هناك مبادرة لـ”تكتل الاعتدال” تحظى بدعمه ودعم “الخماسية” وعندما يستجد جديد نعود للتهاتف”.
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت مبادرة الاعتدال قد انتهت، قال بري: “بالعكس، بعدها بعز شبابا”، مشيراً الى انّه اكّد للتكتل في زيارته الاخيرة لعين التينة استعداده للمساعدة والتسهيل.
وعلى الخط الجنوبي، جدّد رئيس المجلس التأكيد انّ كل شيء مرتبط بوقف العدوان على غزة، كاشفاً عن نقاط عدة يمكن الاتفاق عليها في ما خصّ القرار 1701.
الى ذلك، كانت لافتة امس، زيارة السفيرة الاميركية ليزا جونسون الى بنشعي ولقاؤها رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، حيث جرى بحث في آخر المستجدات السياسية والاقليمية.
الوقت يضيق أمنياً
من جهة ثانية، وفي موازاة التصعيد المتفاقم على الجبهة الجنوبية، كشفت معلومات موثوقة لـ”الجمهورية” عن اشارات دولية تتوالى في اتجاه لبنان، تنطوي على مخاوف من تطورات خطيرة محتملة على هذه الجبهة، وتحذّر من أنّ الوقت يضيق على الصعيد الأمني، وتدعو الى الانخراط السريع في حل سياسي يجنّب المنطقة مخاطر الحرب والمواجهة الواسعة.
وبحسب المعلومات، فإنّ تلك المخاوف متأتية من أنّ احتمالات بلوغ الهدنة في قطاع غزة تتضاءل، ما قد يجعل الامور تتدحرج في اي لحظة الى مستويات تصعيدية خطيرة، ما يوجب على لبنان أن ينأى بنفسه عن دائرتها. ويبرز في هذا السياق ما نقله ديبلوماسيون اوروبيون من مخاوف من انّ اسرائيل بدأت تحضّر لمواجهات شاملة، وتمهّد لتهديدات متتالية عبر مستوياتها السياسية والأمنية، وبمناورات عسكرية وميدانية يجريها الجيش الاسرائيلي تحاكي حرباً واسعة.
“حزب الله”: جاهزون
وفيما تبلّغ الديبلوماسيون الاوروبيون موقف لبنان بالتزام القرار 1701 وتطبيقه بكل مندرجاته، ومقاومة اي عدوان تشنّه اسرائيل على لبنان، اعلن “حزب الله” انّه غير معني بالتعامل مع التهديدات الاسرائيلية، وما اذا كانت جدّية او للتهويل، وقال نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم: “حزب الله” مستعد بجهوزية عالية للردّ على اي عدوان. العين بالعين والسن بالسن ..ولنترك الميدان يحسم الخيارات”.
مناورة اسرائيلية
الى ذلك، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أنّ الجيش الإسرائيلي أطلق رسالة جديدة باتجاه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، وذلك إثر إعلانه إنهاء مناورة على إمداد مُتعدّد الأذرع تحت النيران، وذلك في إطار الإستعداد للحرب ضدّ “حزب الله” في لبنان. وتأتي تلك التدريبات العسكرية بعدما قال قائد القيادة الشمالية، اللواء أوري غوردين، قبل يومين، إنّ الجيش الإسرائيلي يعزز استعداده لشن هجوم في لبنان.
وبحسب الصحيفة، “فإنّه في إطار التمرين الذي نفّذه الجيش الإسرائيلي، فقد تدرّبت القوات على نقل المعدات والمياه والوقود وأنواع الذخيرة خلال الطوارئ إلى القوات المناوِرة التي تخوض القتال على الجبهة الشمالية، وشمل التمرين ايضاً تحميل معدات حملتها طائرات سلاح الجو وإفراغها، وأيضاً نقل المعدات بواسطة مركبات على الأرض”.
وفي تقرير آخر، انتقدت الصحيفة “عدم تغيّر الوضع عند جبهة لبنان، مشيرةً إلى أنّ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يُطلق تهديدات ضدّ لبنان منذ 5 أشهر، لكن الأمور ما زالت على حالها، خصوصاً أنّ “قوة الرضوان” التابعة لـ”حزب الله” ما زالت موجودة عند الحدود.
وقال التقرير إنّ “حزب الله” أطلقَ 35 صاروخاً على مُستعمرة ميرون خلال بضع دقائق، الأحد (امس الاول) ، وذلك رداً على هجومٍ إسرائيلي طال منزلاً في بلدة خربة سلم. وأضاف: “كذلك، تمّ إطلاق سلسلة من الإنذارات في كل أنحاء أصبع الجليل خوفاً من تسلّل الطائرات الآتية من لبنان، لكن ما تبين في ما بعد أنّ الإنذارات كاذبة”. ويلفت التقرير إلى أنَّ أيام المعركة عند الحدود مع لبنان لا تتوقف، مؤكّداً أنّ “صبر سكان المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للبنان بدأ ينفد، وذلك رغم التصريحات المتكرّرة لكبار المسؤولين الإسرائيليين وخصوصاً وزير الدفاع يوآف غالانت”.
وفي موازاة ذلك، كشفت صحيفة “إسرائيل هيوم”، أنّ “إسرائيل” تهدف إلى إنجاز ميناء لها في قبرص (لارنكا) خلال 60 يوماً، لفتح طريق إمداد آخر لها في حال قصف “حزب الله” ميناء حيفا”.
وتحدثت أيضاً عن “استعدادات شاملة مشتركة بين الوزارات”، تهدف إلى إعداد “إسرائيل” لحرب من الشمال، وفي هذه الحالة قد يشكّل ميناء لارنكا حاجة ملحّة لها، من أجل منع وضع يتمّ فيه عزلها تجارياً، وقطعها عن الإمداد خلال الحرب.
وقال رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان: “ما يحصل في الشمال خزي وانكفاء ومسّ قاتل بالردع الإسرائيلي”.
وبحسب الاعلام الاسرائيلي، فإنّ الجيش الاسرائيلي أدرك في الأشهر الأربعة الأخيرة أنّ ترسانة أسلحة “حزب الله” تتضمن العديد من الذخائر الدقيقة، بعضها بمسار مسطح مثل الصواريخ المتقدمة والبعيدة المدى المضادة للدروع والتي يصل مداها إلى حوالى 10 كيلومترات، كما أنّ بعضها لا يحتاج إلى خطّ رؤية متواصل بين منصّة الإطلاق والهدف، إذ تجاوزت الصواريخ الدقيقة التلال وانفجرت على أهداف في كريات شمونة ومحيطها”.
واشار موقع “واللا” الإسرائيلي، الى إنّ هذه “الأثمان تتجلّى في الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا أو أصيبوا، وكذلك في تشويش نسيج الحياة والضرر الاقتصادي وتدمير البنى التحتية المدنية والعسكرية والأمنية”.
وقال: “إنّ من بين البنى التحتية العسكرية التي تضرّرت حتى الآن قاعدة الجيش الإسرائيلي في “ميرون”، ومقرّ قيادة المنطقة الشمالية، وفي فرقة الجليل، وغيرها من المواقع على طول “خط التماس. والثمن يشمل أيضاً عبئاً ثقيلاً على الجيش الإسرائيلي، إذ يُطلب منه نشر قوات نظامية واحتياطية في البحر والجو والبر، من أجل الاستعداد لمفاجآت وسيناريوهات محتملة، بما في ذلك مناورة كثيفة، في وقت لا يزال فيه الجيش الإسرائيلي غارقاً في قطاع غزة ويستعد لعملية عسكرية في الجنوب.
الوضع الميداني
وكانت منطقة الحدود الجنوبية قد شهدت تصعيداً ملحوظاً في العمليات العدوانية التي يشنّها الجيش الاسرائيلي على المناطق والبلدات اللبنانية، حيث نفّذ غارة جوية على بلدة الجبين وغارة على الناقورة وعيتا الشعب، بالتزامن مع قصف مدفعي طال مختلف البلدات المحاذية للحدود. والقى مناشير يحرّض على “حزب الله” فوق منطقة الوزاني.
وفي المقابل، اعلن “حزب الله” انّ المقاومة الاسلامية استهدفت موقع السماقة في تلال كفر شوبا، وموقع جل العلام، ومجموعة من الجنود الاسرائيليين كانت تحاول إعادة تركيب اجهزة تجسسية في موقع المرج، ومربض مدفعية الجيش الاسرائيلي في خربة ماعر، وانتشاراً لجنود العدو في موقع الراهب، كما نفّذت هجوماً بأربع مسيّرات انقضاضية على مقر الدفاع الجوي والصاروخي في ثكنة كيلع.