كتبت صحيفة “الأخبار”: عاد المبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين إلى بيروت، في محاولة جديدة للتوصل إلى إطار ديبلوماسي يمنع التصعيد الكبير بين لبنان وكيان الاحتلال. ولا يمكن فصل هذه العودة، وهي الثالثة له منذ عملية «طوفان الأقصى»، عن مفاوضات الهدنة في غزة، والتي تضغط الولايات المتحدة للتوصل إليها قبل بداية شهر رمضان، علماً أنها، في المضمون، لا تحمِل تغييراً جوهرياً عمّا حمله معه في المرة الماضية، منطلقاً من فكرة أن «بلاده تضغط لعقد الهدنة، وعليه يُمكن البدء منذ الآن بوضع مسوّدة اتفاق للحل جنوباً يُعلن عنه فور الإعلان عن هدنة في غزة». لكن، فُهِم ممّا بين السطور أن «هوكشتين جاء لانتزاع ضمانات من لبنان يسوّقها لدى العدو الإسرائيلي»، وهو أمر «غير قابل للبحث» وفقَ ما قالت مصادر مطّلعة، اعتبرت أن «الأهم مما قاله في الكواليس هو البيان (المكتوب) الذي تلاه من عين التينة ويحمل تهديداً واضحاً».
وتزامنت زيارة هوكشتين مع تصاعد التوتر جنوباً، بعد محاولتَي تسلل من قوتين إسرائيليتين تصدّت لهما المقاومة، كما سبقت الزيارة تحذيرات أميركية من توغُّل بري إسرائيلي في لبنان قد يبدأ في الأشهر القليلة المقبلة إذا فشلت الجهود الديبلوماسية في دفع حزب الله إلى التراجع عن الحدود، علماً أن المعلومات تفيد بأن «لبنان تلقى نفياً بشأن هذه الأخبار». ورأت مصادر معنيّة بالملف أن «هوكشتين، على المستوى الشخصي، يسعى جدياً لصياغة اتفاق يرعاه على غرار ما حصل في الترسيم البحري»، وأن جزءاً من زيارته يحمِل رسالة واضحة بأن «لا دور للآخرين في هذا الاتفاق، وتحديداً الفرنسيين». وكررت المصادر أن هوكشتين لا يزال يعمل على ورقة تتضمن أفكاراً تشمل ترتيبات أمنية على جانبَي الحدود وفقاً لمندرجات القرار 1701، لجهة تأمين انتشار أوسع للجيش اللبناني في كل المنطقة الحدودية الى جانب القوات الدولية بعد تعزيز الجيش بمعدات وتجهيزات عسكرية جديدة، على أن يترافق ذلك مع اتفاق على إنهاء أي ظهور عسكري لحزب الله في المنطقة، مقابل انسحاب العدوّ من نقاط برية محل تنازع. وهو أرفق مقترحاته بأفكار تتعلق بتوفير برنامج دعم اقتصادي للمناطق الجنوبية، وتعهّدات بضمان استئناف الشركات العالمية التنقيب عن النفط والغاز.
وبحسب بعض من التقاهم الموفد الأميركي، فقد كان واضحاً أن الأخير لا يحمل جديداً من الجانب الإسرائيلي، وأنه تحدث عن سلبيات وإيجابيات تتجاذب المفاوضات حول الهدنة في غزة، وأن ما يسعى إليه في لبنان هو ألّا يحصل خلال فترة التجاذب هذه أيّ خطأ يقود الى حرب كبيرة. وقال: «نريد الوصول بأيّ ثمن الى آلية تمنع تدحرج الأمور على الجبهة اللبنانية إلى مواجهة كبيرة، لأنه في حال حصولها فإن أحداً لا يمكنه التحكم بمسار الحرب لاحقاً». وقال إن لديه «أفكاراً تتيح التوصل الى اتفاق أمني ينتج حالة من الاطمئنان على جانبَي الحدود، بما يرضي لبنان وإسرائيل معاً». ونفت المصادر أن يكون قد ناقش الأمور الداخلية، ولا سيما الملف الرئاسي، مشيرين إلى أنه مازح البعض بسؤالهم عن موعد انتخاب الرئيس الجديد.
وتضاربت التفسيرات حول مقاصد هوكشتين بما خصّ انفلات الأمور جنوباً. ورأى البعض أنه «حمل تهديداً ضمنياً للبنان حينَ قال إن الهدنة في غزة لا تعني بالضرورة هدنة في الجنوب، وأنه في حالة نشوب حرب عبر الحدود الجنوبية للبنان فإنها لن تكون قابلة للاحتواء»، بمعنى أن «الولايات المتحدة لن تكون قادرة على منعها». لكنه لم يظهر هذا الموقف في اجتماعه مع نواب المعارضة أو مع النائب السابق وليد جنبلاط، وهو ما أثار امتعاض بعض من التقوه من المعارضين لحزب الله.
لقاءات وبيان مكتوب
وكان هوكشتين قد وصل إلى لبنان صباح أمس، آتياً من كيان الاحتلال، حيث بحث مع المسؤولين في سبل خفض التصعيد. ونُقِل عنه أن السقف في إسرائيل لا يزال تصعيدياً، ولا يزال هناك من يعتبر أن إعادة المستوطنين إلى الشمال لا يُمكن أن تتحقق من دون عملية عسكرية واسعة في لبنان، والبعض يدعو الى ذلك، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة تمنع ذلك، وهناك حرص على الوصول الى حل سياسي انطلاقاً من القرار 1701»، وقد سمع الموفد الأميركي من الجانب اللبناني أن «لبنان ملتزم بالقرار، وعلى الولايات المتحدة أن تُلزِم إسرائيل به».
بدأ هوكشتين جولته بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، وعلم أنه «انطلق في حديثه من نقطتين أساسيتين: منع التصعيد والعمل على عودة النازحين على جانبَي الحدود».
لكنه لم يحمِل من إسرائيل أيّ تعهدات في ما يتعلق بوقف إطلاق النار في الجنوب أو الحديث عن وحدة الساحات، أي انسحاب الهدنة في غزة على لبنان، بل فهِم أنه «يريد الحصول على ضمانات بأن حزب الله سيوقف عملياته طالما أن الهدنة ستحصل عاجلاً أو آجلاً، كما يريد صياغة اتفاق مع لبنان ليحمله ويسوّقه لدى إسرائيل، يبدأ من وقف العمليات العسكرية، ثم الانتقال الى نقاش الترتيبات في ما يتعلق بانتشار الجيش اللبناني واليونيفيل ووضعية حزب الله العسكرية في المناطق الحدودية، وصولاً إلى الحل الشامل الذي يعني ترسيم الحدود البرية وحل النقاط العالقة، انطلاقاً من الـ B1 إلى مزارع شبعا والانسحاب من شمالي الغجر»، علماً أن لا ضمانة من العدو لـ«القبول بكل ذلك». وكانَ لافتاً في هذا الإطار ما قاله من عين التينة إن «أيّ هدنة في غزة لن تمتدّ بالضرورة تلقائياً إلى لبنان، ولذلك يجب العمل على إنجاز الحل في غزة وفي لبنان. والتصعيد أمر خطير، ولا يوجد شيء اسمه حرب محدودة. وفي حالة نشوب حرب عبر الحدود الجنوبية للبنان، فإنها لن تكون قابلة للاحتواء». وقال هوكشتين، في بيان مكتوب، إنه في لبنان «لدعم الحل الدّيبلوماسي لإنهاء التصعيد على الحدود الجنوبيّة، بما يسمح للبنانيّين بالعودة إلى منازلهم، وكذلك الأمر بالنّسبة إلى الإسرائيليّين». وأكّد أنّ «التصعيد لن يفيد أيًاً من الجانبَين الإسرائيلي واللبناني، ولا يوجد شيء اسمه حرب محدودة، والولايات المتحدة تؤمن بأن الحل الديبلوماسي هو الأفضل، ويحقّ للجميع العيش بسلام»، لافتاً إلى أنّ «الولايات المتحدة تستمر في العمل مع الحكومة اللبنانية لتأمين الرخاء والديمومة للشعب اللبناني، لأن التصعيد لن يساعد لبنان في إعادة البناء والتقدّم». وقال إن بلاده تعمل «للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وإطلاق الأسرى، وكي تنسحب الهدنة في غزة على الجنوب أيضاً».
كذلك التقى هوكشتين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وجنبلاط وقائد الجيش العماد جوزف عون ونائب رئيس المجلس الياس بوصعب ووزير الطاقة وليد فياض ونواباً من حزبَي الكتائب والقوات اللبنانية وحلفائهما.
بوحبيب مستبعد
كان لافتاً أمس استبعاد وزير الخارجية عبد الله بوحبيب عن جدول لقاءات المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين. وعلمت «الأخبار» أن هذا الأمر أثار استياء بوحبيب، الذي اعتبر الأمر انتقاصاً له وللدولة اللبنانية. إذ لا يُعقل أن يلتقي الزائر الأميركي نواباً من المعارضة وعدداً من الشخصيات ويستثني وزارة الخارجية من جولته، بينما رأت مصادر سياسية أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتحمل جزءاً من المسؤولية، إذ كان بإمكانه دعوة بوحبيب للانضمام الى اللقاء الذي جمعه بهوكشتين.