كتبت صحيفة “الجمهورية”: أي مراقب لتقاطر الموفدين الى لبنان يقترب من الاعتقاد بأنّ أمراً ما يجري إنضاجه في مطابخ الدول، لفكفكة صواعق أزماته الداخلية، سواءً ما يتعلق بالأزمة الرئاسية، او بالجبهة الجنوبية التي تقرع في اجوائها طبول حرب واسعة.
ولئن كانت حركة الموفدين توحي في ظاهرها، انّها تدور في مناخ تفاؤلي في إمكان بلورة مخارج وحلول، الّا انّها في جوهرها استطلاعية لا اكثر، حمولتها كناية عن مشاعر عاطفية، ونصائح وتمنيات، وتحذيرات متتالية من تداعيات استمرار التعطيل الرئاسي، والتصعيد الأمني، وما خلا ذلك، لم تقدّم حتى الآن فكرة جدّية يمكن ان تُصرف في البنك الرئاسي، او في البنك الجنوبي.
بداية نقاش!
على المقلب الرئاسي، فإنّ الداخل، وبعد حراك سفراء دول اللجنة «الخماسية» في بيروت، ينتظر الخطوة التالية التي ستقرّرها للجنة في سياق مسعاها لتحريك الملف الرئاسي الى الأمام. وعلى ما يبدو فإنّ فترة الانتظار قد تكون طويلة، ذلك أنّ الاخبار المرتبطة بهذه اللجنة، لا يوجد فيها حتى الآن ما يسرّ القلب، او يحمل على رفع منسوب التفاؤل.
وعلمت «الجمهورية»، أنّ هذه الخلاصة عاد بها زوار عاصمة دولة عربية عضو في «اللجنة الخماسية»، حيث اكّدوا لمسؤولين كبار ما حرفيته: «لا شيء جاهزاً لدى «الخماسية» حتى الآن، بل لا توجد لديها أيّ فكرة يجري إنضاجها على النار. جلّ ما في الأمر هو أنّ دول اللجنة تقاطعت في مواقفها على تحريك ملف الرئاسة في لبنان في هذه المرحلة، وأوعزت لسفرائها في لبنان الانطلاق في تحرّك، والتقييم الأولي لهذا التحرك كان ايجابياً جداً، وثمّة ارتياح شديد من نتائج اللقاء الذي عقده سفراء الدول الخمس مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري».
وبحسب ما نقل الزوار، وفقاً لما وقفوا عليه في محادثاتهم مع مستويات سياسية وغير سياسية في عاصمة العربية، «فإنّ الامور ما زالت في بداية الخطو، او بمعنى أدق، في بداية النقاش حول كيفية بلورة مخارج وحلول لأزمة الرئاسة، ما يعني انّ المسألة ما زالت تتطلّب بعض الوقت، وخصوصاً انّ اللجنة «الخماسية» كانت بصدد أن تعقد اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية، يحضره سفراء دول اللجنة في بيروت، ربما في الرياض او في باريس، ولكن ثمّة نقاشاً بين أعضاء «الخماسية» لم يُحسم بعد، حول عقد هذا الاجتماع قبل زيارة موفد اللجنة جان إيف لودريان الى بيروت، أو بعد هذه الزيارة».
الاجتماع لاحقاً
وفيما اكّدت مصادر مطلعة قريبة من «الخماسية» في بيروت لـ«الجمهورية»، أنّ «اجتماع وزراء خارجية اللجنة قد تقرّر مبدئياً، وسينعقد في وقت لاحق، وربما في المدى المنظور القريب»، كشفت معلومات موثوقة لـ»الجمهورية» انّ اشارات تلقّتها مستويات رفيعة عبر قنوات «الخماسية»، تفيد بأنّ تأخير انعقاد اللجنة على المستوى الوزاري، مردّه الى تعديل طارئ في برنامج الأولويات، حيث تقدّم الوضع في غزة على ما عداه، وعضو اللجنة «الخماسية» وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن منهمك حالياً بالتركيز على الجهود الديبلوماسية الرامية الى التأسيس للهدنة الطويلة الأمد التي يُعمل عليها في قطاع غزة.
الجنوب أولاً
وإذا كان الملف الرئاسي يتسمّ حسمه بصفة الاستعجال، وفق تأكيدات جميع الموفدين الدوليّين، إلّا انّه وفق تقديرات ديبلوماسية، يبدو انتقل الى المرتبة الثانية بعد حسم الملف الجنوبي، المرتبط أساساً بالحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، حيث انّ الهدنة اذا ما أُعلنت في غزة، ستنسحب تلقائياً على الجبهة الجنوبية. وهو الامر الذي يوجب بلورة حلول سريعة.
وبحسب هذه التقديرات، فإنّ ترسيخ هذه الهدنة في منطقة الحدود، بما يوفّر الامن والاستقرار على جانبي الحدود، مرتبط بنجاح المساعي التي يجريها الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين لحسم ملف الحدود البرية بشكل نهائي، وبلوغ حلّ سياسي يحول دون انزلاق هذه الجبهة الى حرب واسعة. وثمة معطيات تؤكّد وجود تقدّم ملحوظ على هذا الصعيد، ستتوضح معالمه في الزيارة المقبلة لهوكشتاين الى المنطقة، والتي ستشمل بيروت ايضاً.
الجدير ذكره في هذا السياق، أنّ الإعلام الاسرائيلي عكس ما وصفها ايجابيات حول اللقاءات التي اجراها هوكشتاين في اسرائيل بداية الاسبوع الجاري قبل عودته الى واشنطن، حيث اشار بوضوح الى ما سمّاها «بوادر ايجابية» للتهدئة بين اسرائيل و»حزب الله»، من دون أن يحدّد ماهيتها او يدخل في تفصيل اي منها. ونقل مصدر مطلع على مهمّة هوكشتاين في اسرائيل، انّه ناقش مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت، اقتراحه المتعلق بتفاهمات جديدة بشأن الحدود، وهذا المقترح للتهدئة بين «حزب الله» واسرائيل سيشبه التفاهمات التي أنهت جولة القتال عام 1996».
واللافت هنا، انّ هذه «الإيجابيات» تعاكس الفرضيات التي احاطت بعودة هوكشتاين من تل ابيب الى اشنطن، وعدم زيارته بيروت، حيث قرأت في هذه العودة فشلًا لهوكشتاين في اسرائيل، وانّ جهوده اصطدمت بتصلّب الموقف الاسرائيلي.
ردّنا: القرار 1701
الى ذلك، اكّدت مصادر رسمية لـ«الجمهورية»، انّ زيارات الموفدين الى بيروت تتقاطع جميعها حول تبريد جبهة لبنان والنأي بهذا البلد عن الحرب الاسرائيلية.
وكشفت المصادر عن تحذيرات ينقلها سياسيون ومسؤولون عسكريون اجانب للبنان، تفيد بضرورة ان يأخذ لبنان التهديدات الاسرائيلية بإعدادها لهجوم على لبنان على محمل الجد، وهو ما عكسته المخاوف من ان تشكّل جبهة الجنوب اللبناني فتيلاً لاشتعال حرب واسعة، التي أبداها العديد من الموفدين، وآخرهم وزير الخارجية البريطانية دايفيد كاميرون، ووزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه، الذي اكّد الضرورة القصوى للتهدئة في الجنوب وإبعاد الأخطار عن لبنان، عبر بلوغ الحلول التي تقيه الانزلاق إلى توسيع نطاق الحرب، والتي ترتكز بالتأكيد على التطبيق الكامل لمندرجات القرار 1701».
على انّ الموقف من هذه التهديدات عبّر عنه لبنان بتأكيد تمسّكه بالقرار 1701، وعلى ما قال الرئيس بري: «لدينا القرار 1701، ملتزمون به وبتطبيقه بكلّ مندرجاته، ولا شيء لدينا اكثر من ذلك، ويبقى على المجتمع الدولي إلزام اسرائيل بتطبيقه. اما اذا حاولت اسرائيل شنّ عدوان على لبنان، فكلنا ساعتئذ سنكون في خط المقاومة».
خطوات للتهدئة
الى ذلك، وفي وقت، ذكرت فيه قناة «كان» الاسرائيلية «انّ الحكومة اللبنانية ترفض سحب قوات «حزب الله» إلى ما وراء الليطاني، وتؤكّد أنّ تطبيق قرار 1701 ينبغي أن يكون كاملًا بما ينص عليه من انسحاب إسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا»، ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي، أنّ واشنطن وحلفاءها الأوروبيين، يأملون الإعلان قريباً عن خطوات للتهدئة بين إسرائيل و»حزب الله».
وأوضح المصدر، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين ومصدر مطلع على هذه القضية، «أنّ واشنطن وأربعة من حلفائها الأوروبيين؛ بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا، يأملون الإعلان في الأسابيع القليلة المقبلة عن سلسلة من الالتزامات، التي تعهّدت بها إسرائيل و»حزب الله»، لنزع فتيل التوترات واستعادة الهدوء على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية».
وقال الموقع، انّه «في إطار التهدئة سيتمّ الإعلان عن تعهدات للطرفين ببيان مشترك لواشنطن و4 من حلفائها الأوروبيين، لكن لن يتمّ التوقيع عليها بشكل رسمي».
وبحسب المصادر ذاتها، فإنّ القوى الغربية الخمس ستعلن عن «تدابير اقتصادية» لتعزيز الاقتصاد اللبناني وتسهيل قبول الاتفاق على «حزب الله»، مضيفة: «ستتضمن التفاهمات التزاماً من كلا الطرفين بوقف المناوشات على الحدود، التي تحدث منذ هجوم «حماس» على إسرائيل في 7 تشرين الاول»، كما من المتوقع أن تلزم التفاهمات «حزب الله» بنقل كافة قواته على بعد 8 إلى 10 كيلومترات فقط من الحدود الإسرائيلية».
ولفتت الى انّه «يُنتظر أن يرسل الجيش اللبناني ما بين 10 آلاف إلى 12 ألف جندي إلى المنطقة الواقعة على طول الحدود مع إسرائيل، هذا وسيكون على إسرائيل أيضاً أن تتخذ خطوات لنزع فتيل التوترات، حيث قالت المصادر إنّ الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل وقف التحليق الذي تقوم به طائراتها المقاتلة في الأجواء اللبنانية. إضافة إلى ذلك، ستلتزم تل أبيب بسحب بعض القوات – ومعظمها من جنود الاحتياط – التي حشدتها على طول الحدود في الأشهر الأربعة الماضية.
ورفض البيت الأبيض التعليق لموقع «أكسيوس»، لكن مسؤولًا أميركياً قال: «إنّ إعادة المواطنين الإسرائيليين واللبنانيين إلى منازلهم والعيش في سلام وأمن، أمر في غاية الأهمية».
«لا علم لدينا»
واستفسرت «الجمهورية» مرجعاً مسؤولًا حول ما سمّاها الموقع الاميركي «خطوات للتهدئة»، فأكّد أن «لا علم لدينا بذلك، خصوصاً انّه لم يُطرح على لبنان شيء من هذا القبيل. وليس سراً انّ كل الموفدين تناغموا بداية مع الطرح الاسرائيلي حول الترتيبات التي تريد اسرائيل ان تفرضها في منطقة الحدود، وليس سراً ايضاً اننا رفضنا حتى مبدأ النقاش فيها، وخصوصاً ما يتعلق بانسحاب «حزب الله» الى شمال الليطاني وما شابه ذلك من طروحات حول مسافات اخرى، لتوفير الأمن للمستوطنين واعادتهم الى المستوطنات على الحدود. وقلنا إنّ لا شيء لدينا نبحثه، وجوابنا لكم هو القرار 1701. واما ما تطرحونه وخصوصاً طرح انسحاب الحزب، فهو طرح حربي لا يحقّق ما تسمّونه الحل الديبلوماسي الذي يضمن الأمن والاستقرار».
الوضع الميداني
ميدانياً، لوحظ امس، ارتفاع في حدّة التصعيد الاسرائيلي على طول خط الحدود الجنوبية، حيث شنّ الطيران الحربي الاسرائيلي سلسلة غارات جوية شملت العديد من البلدات الجنوبية، وتركّزت بشكل خاص على بلدة الخيام التي تعرّضت لأكثر من 4 غارات اسفرت عن استشهاد الشاب محمد علي عواضة واصابة العديد من المواطنين بجروح وجميعهم من المدنيين. كما استهدفت الغارات بصاروخ موجّه محطة ضخ مياه الوزاني الى الجنوب من بلدة الخيام، ما ادّى الى تضرّر الشبكة.
كذلك شملت الغارات، ديرعامص منطقة وادي عاشور، اطراف بلدة راميا، وادي حسن، ومحيط مجدلزون، والجبين، ومروحين. وترافق ذلك مع قصف مدفعي عنيف على اطراف طير حرفا وعلما والجبين، وسط تحليق مكثف للطيران الحربي في اجواء المنطقة الجنوبية، خارقاً جدار الصوت في فترات متلاحقة.
في المقابل، اعلن «حزب الله» عن انّ «المقاومة الاسلامية» استهدفت قاعدة خربة ماعر بصاروخ «فلق 1»، وموقع زبدين في مزارع شبعا وتجمعاً لجنود العدو في محيطه، والتجهيزات الفنية في موقع راميا. ونعى الحزب الشهيدين محمد جعفر عسيلي «ولاء» من بلدة انصار، وحسين محمد شمص «مهدي» من بلدة اللبوة في البقاع.
الداخل الإسرائيلي
واما على الجانب الاسرائيلي، فبرز بالأمس ما كشفه الاعلام الاسرائيلي حول «العثور على عشرات الأسلحة التابعة للجيش الإسرائيلي متناثرة على الطرقات في الشمال»، فيما اقرّت السلطة المحلية في مستوطنة «كريات شمونة» أفيحاي شتيرن، بأنّه «في كل يوم، لدينا إصابات جراء إطلاق «حزب الله» الصواريخ المضادة للدروع».
وقال شتيرن في حديث لقناة «كان» الإسرائيلية: «لكي نستطيع القول للسكان إنّ في إمكانهم العودة إلى منازلهم، يجب إبعاد «حزب الله» عن الحدود وإيقاف تهديد إطلاق النيران الذي يحصل بشكل يوميّ».
صواريخ
في سياق متصل، اعتبر المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» يوسي يهوشوع، أنّ «الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل ستعني إنهمار صواريخ ثقيلة من لبنان على تل أبيب وجنوبها».
وفي حديث عبر إذاعة «راديو نورث 104.5»، لفت يهوشوع إلى أنّه «على إسرائيل أن تفهم أنّ المواجهة مع «حزب الله» تعني إطلاق صواريخ ثقيلة، واصفاً الأنباء التي تحدثت عن أنّ ذهاب إسرائيل تلقائياً إلى الحرب بـ«المزيفة».
وقال: «الخوف هو أنّه عندما تتخذ، على سبيل المثال، قراراً أو آخر بشأن زيادة الاستعداد للحرب، فإنّ الطرف الآخر سيغيّر أيضاً مستوى استعداده ويقظته».
اما اللواء (المتقاعد) إيال بن روفين فقال إنّ «الجيش الإسرائيليّ يستعد لحرب شاملة في الشمال مع لبنان، وسيقوم بذلك في الوقت المناسب»، وأضاف: «نحن ندرك أنّ هناك حملة موجّهة من قِبل إيران ونحن في مركزها. لديّ شعور بأنّ الإيرانيين فقدوا السيطرة على وكلائهم، وعلى مبعوثيهم في الشرق الأوسط. برأيي، من ضمن الجهد في منطقتنا أيضاً أن نقول لإيران وأمين عام «حزب الله» حسن نصرالله إنّ عليهم الإنتباه. أما بالنسبة لسكان الشمال، فنحن نواجه التحدّي الأكبر الذي واجهته الحكومة الإسرائيلية، ويتمثل بعشرات الآلاف من الإسرائيليين المحبطين الذين تمّ إجلاؤهم».
واعتبر أنّ «الصعوبة العسكرية والأمنية هي انعدام كامل للثقة من جانب السكان الذين يؤكّدون عدم استعدادهم للعيش تحت تهديد «حزب الله»، وفي ظل تطوّر «قوات الرضوان» الخاصة به».
ورداً على سؤال عمّا إذا كان يعتقد أنّ إسرائيل تخشى الدخول والبدء في تحرك عسكري في جنوب لبنان، قال: «إسرائيل ليست خائفة. إسرائيل تريد بحق إبعاد نصرالله إلى ما وراء الليطاني في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة».
كذلك، لفت بن روفين إلى أنّ «الخطوة التي ستُقدم عليها إسرائيل ضدّ لبنان ستكون بقوة كاملة»، وقال: «حزب الله أقوى بكثير من «حماس»، وعلينا أن نذهب بكل قوتنا.. علينا أن نقول لسكان الشمال إنّ «حزب الله» لم يعد هو المبادر، بل نحن من نبادر بالهجوم».