كتبت صحيفة “الجمهورية”: مناخ الطبيعة يتكرّم على اللبنانيين بخير السماء؛ أمطارا وثلوجا، ولا يخلو الأمر من برودة وجليد وأمطار وتفسّخات أرضية، تأتّت من العاصفة الأولى المسمّاة “دانييلا”، وتستكملها الثانية المسمّاة “حيان”. ومهما اشتدت هذه العواصف المناخية فإنها تبقى موقتة وليست في حاجة الى وساطات او مساع أو مداخلات لتبديدها واحتوائها، فسرعان ما سترحل غيومها وحدها وتنقشع الرؤية وتصفو الأجواء، وتعود الطبيعة الى عقلها واعتدالها. وكلّ ما ترخيه من تداعيات يبقى تحت السيطرة. ولكنّ العبء الأكبر مستوطِن في المناخ السياسي الذي يضرب الارجاء اللبنانية منذ سنوات، بعاصفة هوجاء تطارد اللبنانيين جميعهم، بشرور السياسة وموبقاتها، وجفاف وطني واخلاقي أيضا، استولد فيضانات الحقد والكراهية، واصطفافات تعميق الانقسامات، وشعبويات تعطيل الاستحقاقات، وتجفيف عروق هذا البلد ممّا قد يبعث فيه الحياة من جديد. وفي موازاة كل ذلك، تَتكوّن في الاجواء غيوم عاصفة حربية تتجمّع رياحها على الحدود الجنوبية.
محاولة جديدة – قديمة
في هذا الجوّ العاصف المُفلس من أيّ مؤشّرات تبعث على التفاؤل، تنطلق اللجنة الجماسية بمحاولة جديدة – قديمة، لنزع الألغام المزروعة في طريق الاستحقاق الرئاسي، وتشذيب اشجار الشروط والتعطيل واستيلاد حلّ يأتي بكلّ الأطراف الى قاعة الانتخاب. والمحطة الاساس في عين التينة اليوم، حيث تتجلى في لقاء سفراء دول الخماسية في لبنان برئيس مجلس النوّاب نبيه بري.
هذا اللقاء، وعلى ما تؤكد مصادر مواكبة لحراك الخماسية لـ”الجمهورية”، يشكّل بداية رسمية لحراك “الخماسية” الذي سيَستتبعه بعد ايام قليلة موفد اللجنة جان ايف لودريان في بيروت، حيث سيعرض السفراء العناوين العريضة التي تَوافقوا عليها في اجتماعهم الاخير في دارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، والتي تتلخّص بوجوب أن تسبق الاطراف السياسية التطورات الخطيرة التي تتصاعد في المنطقة بترجمة حاجة بلدهم المُلحّة الى انتخاب رئيس الجمهورية واعادة انتظام الحياة السياسية في لبنان في هذه المرحلة، خصوصاً انّ ثمّة استحقاقات أخرى ذات طابع اقليمي ودولي مرتبطة بالتطورات التي تحصل في المنطقة، لا بدّ للبنان أن يواكبها ويكون حاضراً فيها بفعالية، باعتبار انّ بعضاً منها يعنيه مباشرة، لا سيما بالنسبة الى ما يتعلّق بالقرار 1701 وما قد يطرح حوله من اجراءات او ترتيبات في المنطقة التي يشملها”.
وإذا كانت اللجنة الخماسية تعكس من خلال سفرائها اهمية مسعاها وتُقدّمه كفرصة ثمينة للبنانيين لإنجاز استحقاقاتهم، فإن مصادر واسعة الاطلاع تؤكد لـ”الجمهورية” أن اللجنة تنشد من خلال مسعاها المتجدد الدّفع بقوة نحو فتح باب التوافق الداخلي على رئيس للجمهورية، وعلى هذا الأساس سيتحرّك لودريان بين الاطراف المعنية، متسلّحاً بالضرورات الموجبة لهذا التوافق، التي فرضتها التطورات الاخيرة في المنطقة”. الا أنّ مرجعا مسؤولا ابلغ الى “الجمهورية” قوله: لا نملك أي معطى حول ما سيطرحه السفراء أو لودريان – اذا ما زار لبنان – ولكن في مطلق الاحوال إنّ نجاح مهمة اللجنة مرتبط بأمرين:
الأول، ألّا يقتصر المسعى الجديد للجنة على تكرار الجهد السابق، بصرف الوقت على استطلاع حول الواجبات والمواصفات، ينتهي بالتمنّي على الأطراف التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية. فلقد سبقَ لكل الاطراف ان أدلت بدلوها حول الواجبات والمواصفات وأبلغت الاجوبة المباشرة عليها الى لودريان سواء كتابة او شفهياً. بل أن تدخل اللجنة مباشرة في تحديد اسماء المرشحين، وتشجيع الاطراف على حسم ترشيحاتهم نهائياً، من دون أن تتبنّى اللجنة أيّ اسم تحت مسمّى الخيار الجديد او الخيار الثالث وتسوّقه، فهذا الامر يحكم على مهمة اللجنة بالفشل الحتمي، يضاف الى ذلك أنّ ميزان نجاح مسعى “الخماسية” مرتبط بمدى قدرة اللجنة على أخذ التزام من كل الاطراف بتوفير نصاب انعقاد جلسة الانتخاب في مجلس النواب لانتخاب واحد من بينهم. وما خَلا ذلك فهو تضييع اضافي للوقت.
الثاني، مدى تجاوب الاطراف مع مهمة اللجنة الخماسية، وهو أمر يبدو بعيد المنال حتى الآن، وتؤكد ذلك شروط بعض الاطراف ومواقفها المتصلّبة حول شكل الرئيس وهويته، التي لم تتبَدّل منذ 15 شهرا من الفراغ في سدة الرئاسة. تفكيك هذا اللغز، منوط بالدرجة الأولى بدول “الخماسية” التي لها حلفاء مباشرون في لبنان، وفي إمكانها إذا كانت جدية فعلاً في بلورة حلّ رئاسي، أن تمارس تأثيرها المباشر عليهم لتسهيل التوافق وتوفير النصاب وانتخاب الرئيس.
هل الخماسية متفقة؟
وفي وقت لوحِظ فيه تكرار اللجنة بأن لا تباين فيما بين اعضائها حول الملف الرئاسي في لبنان، بل انها على موقف واحد من هذا الملف، ونظرة واحدة الى مصلحة لبنان وهدف واحد خلاصته تمكين اللبنانيين من انتخاب رئيس وتشكيل حكومة تباشر في تنفيذ الخطوات الاصلاحية والخطوات العلاجية العاجلة للازمة الاقتصادجية والمالية، فإنّ أوساطاً سياسيّة تثير علامات استفهام حول ما أملى تجديد الحراك القطري عبر الموفد “ابو فهد” جاسم بن فهد آل ثاني الذي يجري لقاءات سياسية بصمتٍ مُطبق، في محاذاة مسعى الخماسية.
حول هذا الأمر، يلاحظ مصدر مسؤول عبر “الجمهورية” أنّ الحراك القطري ليس وليد اللحظة الراهنة، بل هو سابق لحراك الخماسيّة. وانّ اللقاءات التي اجراها مع بعض الاطراف، سواء ثنائي حركة “امل” و”حزب الله”، او رئيس تيار المردة سليمان فرنجية او مع آخرين، لم تحمل ما يمكن اعتباره نوعيّاً على الخط الرئاسي. ويكشف ان هذا الحراك لا يبدو من سائر اعضاء اللجنة الخماسية، وهو ما جرى التصريح به في الغرف المغلقة. وبالتالي مع اعلان الخماسية عزمها على التحرّك من جديد، فإنّ الحراك القطري صار تلقائياً خلف المشهد”.
وسألت “الجمهورية” مسؤولا رفيعا حول مهمة الموفد القطري، فقال: اولاً، أنا لم التق به شخصياً. وثانياً، انّ قطر وكما هو معلوم، تتحرّك على عدّة خطوط في المنطقة، ودورها واضح في الجهود الموازية للحرب الاسرائيلية على قطاع غزة. سواء حول الاسرى، او حول صياغة هدنات في هذه الحرب. لذلك اعتقد أنّ لزيارة الموفد القطري إلى بيروت، إلى جانب مهمّته الأساسيّة المرتبطة بالملف الرئاسي، علاقة في الجهود الرامية الى تبريد الجبهة الجنوبية ومنع تمدد التصعيد وتوسّع الحرب”.
الجبهة الجنوبية
امّا على المقلب الجنوبي، فإنّ التطورات التصعيدية تتسارَع على امتداد الخط الحدودي، في وقت تتسارَع المساعي على خطوط دولية مختلفة لبلوغ هدنة طويلة الأمد في الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، تواكب صفقة لتبادل الاسرى بين حركة “حماس” واسرائيل.
واذا كانت هذه المساعي، على ما يكشف الاعلام الغربي والاسرائيلي، تُشرف على الاكتمال خصوصاً انها اصبحت في مراحلها الاخيرة، فإنّ قراءات بعض المحللين حذّرت من أن تستغلّ اسرائيل هذه الهدنة، للتركيز على جبهة الشمال مع لبنان. إلّا أنّ مسؤولاً كبيراً أبلغَ الى “الجمهورية” قوله: “إن الحذر مطلوب دائماً من أي عمل عدواني واسع يمكن أن تقوم به إسرائيل في اي وقت ضد لبنان، ولكن في الوقت نفسه، رغم كل العدوانية التي تمارسها اسرائيل في الجنوب وتوسيع دائرة استهدافاتها للمدنيين وللمناطق اللبنانية البعيدة عن الحدود فإنه لا ينبغي الاستسلام للقلق، أولاً لأنّ واشنطن تمنع هذه الحرب، وسيأتي آموس هوكشتاين مجددا في وقت لاحق. وثانيا، وهنا الاساس، وهو انّ اسرائيل، وبرغم تهديداتها المتتالية، لا تستطيع ان تنتقل من حرب الى حرب، ولو كانت قادرة على ذلك لكانت أشعلت جبهة لبنان بالتوازي مع حربها المدمرة على غزة”.
اضاف: “لا أنفي أنّ احتمال الحرب الاسرائيلية على لبنان قائم، ولكن، بعد ما يُقارب اربعة أشهر من الحرب في غزة، الجيش الاسرائيلي وباعتراف الاعلام الاسرائيلي، مُنهَك، فكيف لجيش منهَك أن يشن حرباً على لبنان، تحذّر غالبية المستويات الاسياسية والعسكرية في اسرائيل منها ومن اكلافها الكبيرة جدا على اسرائيل. ولقد قرأت مؤخراً في الصحافة الاميركية – اعتقد في الواشنطن بوست – انّ تقريرا سرّيا أعدّه البنتاغون خَلصَ فيه الى انّ انتصار اسرائيل في حرب على “حزب الله” في لبنان أمر صعب. ومن هنا نلاحظ انّ المستويات السياسية والأمنية في اسرائيل تلوّح بالحرب وبضرب لبنان، ولكنها في الوقت نفسه تقول انها تعطي الفرصة للحل الديبلوماسي”.
وبالنسبة الى ما يتعلق بالهدنة الطويلة الأمد، اعتبرها المسؤول عَينه “بمثابة إعلان غير مباشر عن فشل حكومة بنيامين نتنياهو في تحقيق اهداف الحرب على قطاع غزة، بضرب حركة “حماس” وسحقها، واستعادة الاسرى بالقوة العسكرية. وهذه الهدنة، إنْ حصلت، فقد تتطوّر لتصبح هدنة دائمة، والأهم هو ما سيَليها مباشرة من صراعٍ سياسي مؤكد داخل اسرائيل يهدّد بتطيير حكومة نتنياهو. ولكن بمعزل عن الصراع السياسي المتوقّع داخل اسرائيل، فإنّ الفلسطينيين مهدّدون بخطر وجودي، لا بل اكثر من وجودي في موازاة العدوانية الاسرائيلية التي لا تتغيّر بتَغيّر الجهة الحاكمة في اسرائيل. وبالتالي، لا مفر من حتمية أن تتوحّد كل الفصائل الفلسطينية في مواجهة هذا الخطر”.
الوضع الميداني
ميدانياً، شهدت المنطقة الجنوبية خلال الساعات الثماني والاربعين الماضية تدحرجاً عنيفاً لكرة النار على امتداد خط الحدود، حيث كثّف الجيش الاسرائيلي من اعتداءاته على الجنوب، فشنّ سلسلة غارات جوية طالت اطراف رميش، ويارون وعيتا الشعب، والطيبة، وحولا، ومارون الراس. وترافق ذلك مع قصف مدفعي تركّز على اطراف علما الشعب والضهيرة، مروحين، تلة العزية بين كفر كلا وديرميماس، خراج سردا قرب برج تابع للجيش اللبناني، بيت ليف، وادي حسن، واطراف طير حرفا، الجبين، شيحبن، اطراف رميش، راشيا الفخار، اطراف علما الشعب، ووادي حامول، الحمامص، عيترون، بليدا وراس الناقورة.
وفي مقابل ذلك، لوحِظ أنّ “حزب الله” كثّف من عملياته ضد الجيش الاسرائيلي حيث اعلن أن “المقاومة الاسلامية” استهدفت موقع الراهب بصواريخ “بركان”، وموقع حدب يارين وموقع بركة ريشا وثكنة برانيت بصواريخ “بركان”، وموقع جل العلام بصاروخ “فلق”، كذلك استهدفت تجمّعاً للعدو في محيط ثكنة ميتات، وكذلك موقع المطلة، وتجمعا لجنود العدو في قلعة هونين، وتجمعا في محيط وثكنة زرعيت، وثكنة برانيت للمرة الثانية بصاروخي “فلق”، وتجمعا للجنود في تلة الطيحات، وانتشارا للجنود في محيط نقطة الجرداح بصاروخ “بركان”.
ونعى الحزب الشهيد حسين فاضل عواضة “ابو زينب” من بلدة عيترون، والشهيد حسين خليل هاشم “ساجد” من بلدة شبعا.
المستوطنون: لن نعود
في هذا الوقت، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ سكان المستوطنات الشمالية لا يرغبون في العودة إلى منازلهم مع بقاء التهديدات قائمة.
وكشفت صحيفة “إسرائيل هيوم” الإسرائيلية عن اعتراض سكان المستوطنات الشمالية على مقترح عودتهم إليها الذي دعمه مسؤولون وضبّاط إسرائيليون.
وبينما أعربَ قائد “اللواء 769″، العقيد آفي مرتسيانو، عن دعمه عودة المستوطنين إلى كريات شمونة والمستوطنات المجاورة المحاذية للحدود غير المكشوفة للنيران المضادة للدروع، رفضَ رؤساء السلطات ذلك من دون وجود ضمانات أمنية. ووفق الصحيفة، قال رئيس بلدية كريات شمونة أفيحاي شتيرن: “إنّ التهديدات ما زالت قائمة في الشمال، لذا، ليس بالإمكان التفكير في العودة”.
وبحسب الصحيفة “تمّ إجلاء نحو 60 ألف شخص منذ بداية المعركة، وبقي كثيرون في العديد من المستوطنات القريبة من الحدود، لكنهم “يجدون صعوبة في أن يعيشوا حياة طبيعية. 39 مستوطنة من أصل 42 تم إخلاؤها تعرّضت لنيران مضادة للدروع من “حزب الله” على الحدود الشمالية منذ بدء المعركة. لقد مرّ ما يقرب من أربعة أشهر منذ أن تمّ إخراجنا من منازلنا، ولم يتغيّر شيء عند الحدود مع لبنان، وأدركنا أنّ أمنَنا مُهمَل منذ أشهر طويلة، ويتوقف على اللحظة التي يقرر فيها “حزب الله” تنفيذ مخطط السيطرة على الجليل”.
أضافت: “كثير من المستوطنين الذين غادروا الشمال بدأوا حياة جديدة في منطقة جديدة، وبالتالي يصعب العودة إلى مكان يتطلب منهم التضحية. إنّ أزمة الثقة بين الطرفين، بينهم وبين الجيش الإسرائيلي، تجعل المهمة شبه مستحيلة. وإن فكرة أننا سوف نتلقى أوامر بالعودة إلى مستوطنات الشمال من دون أمن حقيقي تُخيفنا جميعاً”.
وكان اللواء في الاحتياط الإسرائيلي غرشون هكوهين قد قال للقناة “12”: “إنّ “حزب الله” نجح، من خلال جهد بسيط يتمثّل بإطلاق بين 3 و4 صواريخ في اليوم وعدة مسيّرات، في منعنا من القول للإسرائيليين عودوا إلى منازلكم”، مشيراً إلى أنّ “إجلاء عشرات الآلاف من الإسرائيليين أمر صعب”.
وفي وقت سابق، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأنّ الوضع في الشمال “خطيرٌ جداً”، ولفتت إلى أنّ الجبهة الداخلية هناك في خطر أيضاً، “وهذا الأمر لم يسبق له مثيل في إسرائيل”.
وكان الوزير السابق في حكومة الاحتلال الإسرائيلي مئير شطريت قد قال: “إذا وقعت حربٌ مع لبنان، فإنّ صواريخ “حزب الله” لن تصل إلى كريات شمونة فقط، بل ستطال تل أبيب وديمونا، وأيّ مكان في العمق الإسرائيلي”.