كتبت صحيفة “الأنباء” تقول: دخلت هُدنة غزّة يومها الرابع والأخير، ومن المفترض أن تُفرج حركة “حماس” عن المزيد من الأسرى الإسرائيليين والأجانب، على أن تُفرج سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن أسرى فلسطينيين، وهو السيناريو الذي حصل في الأيام الثلاثة الماضية، حينما تم الإفراج عن العشرات من قبل الجهتين.
وبالتوازي مع عمليات تبادل الأسرى، فإن ثمّة مفاوضات داخلية في غزّة وإسرائيل وفي الإقليم حول احتمال تمديد أجل الهُدنة للإفراج عن المزيد من الأسرى، وإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع المُنهك قبل استكمال الحرب، إلّا أن هذه المفاوضات لم تصل إلى نتيجة بعد.
وفي هذا الصدد، أكد مصدر مقرب من “حماس” موافقة الأخيرة على تمديد الهدنة مع اسرائيل، وقد أبلغت الوسطاء موافقة فصائل المقاومة على تمديد الهدنة الحالية ما بين يومين الى أربعة أيام. وأضاف المصدر: “نتوقع أنه بإمكان المقاومة تأمين اطلاق سراح ما بين 20 الى 40 من الأسرى الإسرائيليين“.
وفق أجواء الداخل الإسرائيلي، فإن الحرب ستُستكمل بعد انتهاء الهُدنة، وهو الأمر الذي أعلنه رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، الذي أقر الخطط العسكرية لمواصلة القتال في ختام فترة الهدنة المؤقتة، وقد تكون زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى غزّة في السياق نفسه.
إلّا أن ذلك لا يُخفي حجم الشرخ الموجود داخل القيادة الإسرائيلية، في ظل الانقسام بين رأي يُريد تمديد الهُدنة ووقف الحرب وآخر مُتطرّف يُريد استمرار الحرب لتدمير قطاع غزّة، ما يُشير إلى أن السلطة الإسرائيلية ليست في أفضل أحوالها، وتعاني التشقّقات التي ستترك ندوباً على الأمد الطويل.
الرئيس وليد جنبلاط علّق على ما يجري في غزّة، وشدّد على ضرورة الاتفاق على وقف إطلاق النار، لكنه بدا متشائماً، واعتبر ألا أفق للسلام، وما يحصل اليوم هو جولة ضمن سلسلة جولات مقبلة، مُؤكداً ضرورة تجنيب لبنان الحرب، لأن أحداً لا يُريدها.
على الجبهة الجنوبية في لبنان، استمر الهدوء الحذر يوم أمس، ولم تُسجّل أي عملية قصف من قبل طرفي الحرب، فاستغل الجنوبيون الاستقرار الهش والموقّت، وزاروا قراهم وتفقدوا ممتلكاتهم والدمار الذي لحق بها، ولجأ البعض الأخر إلى حراثة الأراضي قبل انتهاء الهدنة.
إلى ذلك، فإن الأنظار تتجه إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي وإمكانية دعوته إلى جلسة تشريعية “بجدول مكتمل” في النصف الأول من شهر كانون الأول، ورغم أن الجدول مجهول حتى الساعة، إلّا أن التمديد لقائد الجيش قد يكون مطروحاً على الطاولة في حال لم تجد الحكومة سبيلاً لأزمة قائد الجيش، كما أفادت مصادر لجريدة الأنباء الالكترونية.
وفق المعلومات المتوافرة، فإن “برّي يرغب في إنجاز ملف قيادة الجيش في الحكومة، وإبعاد هذه الأزمة عن مجلس النواب، إلّا أنّه يعلم أن الكرة قد تُرمى في النهاية لدى البرلمان في حال لم يُعيّن مجلس الوزراء قائداً جديداً قبل انتهاء ولاية القائد الحالي جوزيف عون“.
ووفق ما يقول مطلعون على الأجواء للأنباء، فإن “برّي يعلم أن مسار عقد جلسة مجلس النواب للتمديد لعون لن يكون سهلاً، لأن “التيار الوطني الحر” يُعارض هذا الخيار بشدّة، و“حزب الله” قد يُجاريه ويضغط على برّي لعدم عقد هذه الجلسة، انطلاقاً من أن “الحزب ما بدّو يُزعّل التيار“، لكن الحزب موقفه غير واضح حتى الساعة، و“القوات اللبنانية” تشترط جلسة ببند وحيد، وهو التمديد لعون، فيما برّي يُريد جلسة بجدول مُكتمل“.
في هذا الإطار، فإن المعارضة النيابية تتحضّر للسيناريوهات التي قد تُطرح، وفق معلومات الأنباء، وفي الكواليس، تُفضّل التوجّه نحو جلسة نيابية ببند واحد للتمديد لعون وليس تعيين قائد جديد، وذلك مرتبط بحسابات رئاسية، فاستمرار عون بقيادة الجيش يُبقي على حظوظه الرئاسية مرتفعة في ظل عدم ممانعة المعارضة من وصوله إلى بعبدا، ولعدم فرض قائد جديد على رئيس الجمهورية المقبل.
وانطلاقاً من هذه النقطة، كان ثمّة موقف عالي النبرة من البطريرك الماروني مار بشارة الراعي، الذي قال إن “رئيس الجمهوريّة هو القائد الأعلى للقوّات المسلّحة، فكيف يجتهد المجتهدون لتعيين قائد للجيش وفرضه على الرئيس العتيد؟“.
إلى ذلك، تنتظر البلاد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، وذلك في ظل المساعي التي تخوضها باريس من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، إلّا أن فرنسا تعلم أن الملف مرتبط بموازين القوى الجديدة بعد انتهاء حرب غزّة، وبالتالي فإن الموضوع مُجمّد حتى إشعار آخر.
لكن الاستحقاق الرئاسي قد لا يكون يتيماً على جدول أعمال لودريان في ظل الاستعصاء الحاصل وتأجيل الإنجاز إلى ما بعد انتهاء الحرب في غزّة، وقد تحدّثت وسائل إعلام عن احتمال طرح الوضع في الجنوب والتشديد على “حزب الله” لعدم توسيع الحرب، وملفات أخرى مرتبطة بالجنوب بعيدة الأمد، كالقرار 1701 وترسيم الحدود البرية.
إذاً، فإن الأمور كلها في جمود تام، وإذا كانت جبهة الجنوب محكومة بالهُدنة في غزّة والتصعيد العسكري المحتمل هناك، فإن الملف الرئاسي مرهون بالتسويات التي ستُعقد في الإقليم بعد انتهاء الحرب، وحتى ذلك الحين، المطلوب حد أدنى من المسؤولية وتفادي كل خطر يُحيط بالبلاد.