كتبت صحيفة “الجمهورية”: مستوى التوتر على الحدود الجنوبية بات قريباً جداً من حافة الانفجار، يقابله مستوى أعلى من القلق لدى اللبنانيين من الإنزلاق إلى حرب واسعة. وفي الموازاة سباق محموم بين تطورات الميدان العسكري، والمحاولات الخارجية لاحتواء التصعيد وعدم توسّع الحرب التي تشنها اسرائيل على قطاع غزة الى لبنان. فيما برز بالامس ما تم الاعلان عنه في اسرائيل بأنّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي صادقَ على خطة دفاع وهجوم للجبهة الشمالية وأوعَز بالجاهزية لكافة وحدات قوات الجيش».
حالة الحرب السّائدة على الحدود، وتطوّراتها المتسارعة على مدار الساعة، والإتساع الملحوظ لرقعة العمليّات العسكريّة على جانبي الحدود، والارتفاع المتصاعد في وتيرتها، يبدو انها تجاوزت محاولات التهدئة، وباتت لا تترك مجالا للشكّ بأنّ لحظة الانفجار الكبير قد دنت، واما توقيتها فمعلّق على تطورات الميدان من غزّة الى حدود لبنان الجنوبية، التي شهدت بالأمس جولة جديدة من المواجهات العنيفة.
وعلمت «الجمهورية» أنّ تطورات السّاعات الاخيرة في الجنوب، حرّكت قنوات التواصل الخارجي، والأميركي على وجه الخصوص، في اتجاه اكثر من مستوى داخلي سياسي وغير سياسي، مُبدية قلقاً بالغاً من التدهور لما ينطوي عليه من مخاطر جديّة من اتساع رقعة الصراع، ومؤكدة على الضرورة القصوى في ادراك مخاطر التصعيد، ومشددة على انّ من مصلحة كل الاطراف إشاعة الإستقرار على طول الحدود، وعدم الانزلاق الى خطأ التفجير بما قد يفتح على وقائع تخرج عن السيطرة».
وبحسب المعلومات فإنّ الرسالة الاميركية المتجدّدة عكست بوضوح «أن واشنطن تنظر بقلق متزايد الى هذا التدهور ولا تريد ان ترى تصاعداً في وتيرة العمليات العسكرية»، واشارت الى «جهود حثيثة تبذلها الادارة الاميركية مع اسرائيل لمنع التصعيد».
اشارة هنا الى ان موقع أكسيوس الإخباري نقل عن مصادر إسرائيلية وأميركية قولها «إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من العمليات العسكرية في لبنان، وطلب أن تتجنّب اسرائيل الخطوات التي قد تؤدي إلى حرب شاملة مع «حزب الله». ولفت الموقع إلى أن غالانت أبلغَ اوستن بأنّ «حزب الله» يُصعّد هجماته وأنه «يلعب بالنار».
ونقل الموقع عن مصدر إسرائيلي قوله «إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تشعر بالقلق من تهديدات غالانت العلنية ضد «حزب الله»، وهي تعتقد أن هذه التهديدات لن تؤدي إلا لتصعيد حدة التوتر».
إيران: لبنان يشارك
وفي موقف لافت للانتباه، قال قائد القوة الجو فضائية في حرس الثورة الإيراني العميد علي حاجي زاده، رداً على سؤال عن رد فعل إيران في حال توسعت الحرب لتشمل لبنان و»حزب الله»: إنّ الحرب توسّعت ولبنان يشارك فيها، ولكن قد تتوسع أكثر، والأوضاع المستقبلية مبهمة، وإيران مستعدة لكل الظروف».
لا نريد الحرب
على ان رسالة التحذير الاميركية، وفق ما كشفه مصدر سياسي مسؤول لـ»الجمهورية»، قد «قوبِلت من الجانب اللبناني بالتأكيد على تعمّد اسرائيل رفع وتيرة التصعيد على الحدود، وتجاوزها تلك الحدود في اتجاه استهداف المدنيين وهو الأمر الذي أوجَب الرد عليها من قبل المقاومة. وبالتالي، فإن المطلوب وبإلحاح هو ردع اسرائيل ومنعها من توسيع نطاق المواجهات».
وقال المصدر المسؤول «انّ الاميركيين أبلغونا بأنهم على تواصل دائم مع الاسرائيليين لتهدئة الأمور، ويوصِلون لنا رسائل مباشرة بأنّ اسرائيل ليست راغبة في التصعيد مع لبنان، فيما ممارساتها على الارض تفيد بعكس ذلك، حيث انها تتعمّد القصف العشوائي على المناطق والبلدات الآهِلة، ما سيستدعي الرد بالمِثل». مضيفاً: «سبق ان اكدنا انّ لبنان بكل مستوياته لا يرغب في توتير الاجواء والدخول في حرب، والخطر مصدره اسرائيل. وانتم قادرون بالتأكيد إن قصدتم، على لجمها، خصوصاً انّها تقدم كل يوم شاهدا جديدا على انها تسعى الى توسيع دائرة الصراع من غزة الى لبنان، ولبنان في موقع الدفاع عن النفس».
يُشار في هذا السياق الى انّ الموقف الاميركي الداعي الى ضبط الحدود، عادت وعبرت عنه بالامس السفيرة الاميركية دوروثي شيا خلال زيارتها البطريرك الماروني بشارة الراعي بـ»ان الولايات المتحدة الاميركية مهتمة باستقرار لبنان على كل الصعد، وترفض دخوله في حرب غزة».
تحذير أممي
وضمن هذا السياق، تندرج دعوة الامم المتحدة الى وقفٍ عاجل للعمليّات الحربيّة في جنوب لبنان، وقالت مصادر ديبلوماسية أممية لـ»الجمهورية» انّ الوضع في جنوب لبنان مُقلق للغاية، وأبلغنا الجهات المسؤولة في لبنان مخاوفنا، والحاجة المُلحّة لتجنّب ما قد يؤدّي الى عواقب وخيمة. ومع الأسف فإننا رغم ما نسمعه من تأكيدات مباشرة، لا نرى التزاماً من قبل الاطراف بالقرار 1701».
وردا على سؤال قالت المصادر: الاولوية دائماً هي لحماية المدنيّين وتجنيبهم مخاطر المواجهات والحروب. ونرى ان الاستقرار هناك (الجبهة الجنوبية) ضرورة ومصلحة للجميع. وترسيخه يوجِب الالتزام الكلي بالقرار 1701 والتعاون مع قوات «اليونيفيل».
وردّاً على سؤال آخر، نفت المصادر ما يُشاع عن إخلاء قوات «اليونيفيل» لمواقعها في منطقة عملها، وقالت: ما زالت قوات حفظ السلام تمارس مهامها وفق مندرجاتها كالمعتاد بالتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني، إنما في ظروف خطيرة وصعبة، وقيادتها على تواصل دائم مع كلّ الاطراف للحدّ من النزاع».
مخاطر الحرب تزداد
إلى ذلك، قال مرجع سياسي مسؤول لـ»الجمهورية» إنّ مخاطر الحرب تزداد، فإسرائيل تريدها وتتعمّد اشعالها، ومستوياتها السياسية والعسكريّة تلوّح بذلك منذ بداية الحرب على قطاع غزة، واليوم عادوا وكرروا تهديداتهم.
وردا على ما يُقال ان التهديدات الاسرائيلية مردّها الى استفزازات يتعرض لها جيش الاحتلال من الجانب اللبناني، قال المرجع: لا يجوز ابداً مساواة القاتل بالضحية، فإسرائيل هي المعتدية ولدينا اراض لبنانية محتلة، والمقاومة تمارس حقها وواجبها في استعادة ارضنا المحتلة، وفي الرد على عدوانيّة اسرائيل وتوسيعها لنطاق استهدافاتها.
ولفت المرجع عينه الى «انّ اسرائيل تسعى الى الحرب وليس المقاومة، وما قاله الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير أكد بوضوح مَن هو المعتدي ومن هو المعتدَى عليه»، وقال: المقاومة كانت وما زالت تحصر المواجهات ضمن قواعد الإشتباك المعمول بها، وهذا ما اكدناه لكل الموفدين، الا ان اسرائيل وسّعت نطاق اعتداءاتها باستهداف المدنيين في البلدات الجنوبية واستخدام القنابل الفوسفورية، اضافة الى استهداف سيارات الاسعاف ورجال الدفاع المدني والصحافيين والمناطق الآهلة كما حصل في الساعات الاخيرة. وهو أمر لا تستطيع المقاومة ان تقف مكتوفة الايدي حياله، وبالتالي هي ملزمة بالرد على اعتداءات اسرائيل».
نرفض الإنجرار للحرب
في هذا الوقت، كرّرت المعارضة اتهامها «حزب الله» بـ»محاولة جَرّ لبنان إلى حرب لا يستطيع مجاراتها ولا تحمّل اكلافها وآثارها التدميريّة».
وقالت مصادر المعارضة لـ»الجمهورية»: «حزب الله» يضحّي بلبنان، فأمامنا نموذج غزة، وقطعاً لا يمكن ان نقبل بذلك، ولا أن يجرّنا «حزب الله» الى حرب على حساب كل اللبنانيين، تلبّي مصلحة ايران، تحت عنوان وهمي هو التضامن مع غزة. فالتضامن مع غزة لا يعني أن نضحّي بلبنان. ومن هنا جاءت رسالتنا الى القمة العربية، لردع «حزب الله» ورفع يده عن لبنان، وفرض الالتزام بالقرارات الدولية لا سيما 1701 و1559 و1680، وتحييد لبنان عن الصراعات.
الوضع الميداني
ميدانياً، عاشت منطقة الحدود الجنوبية امس يوما متفجرا بوتيرة عالية من التصعيد والعمليات العسكرية والقصف على جانبي الحدود، حيث واصَل الجيش الاسرائيلي اعتداءاته على المناطق اللبنانية، وأُفيد عن غارة اسرائيلية على منزل في بلدة عيناتا أدت إلى إستشهاد مدنيّين اثنين واصابة ثالث بجروح. كما نفذ العدو عمليات قصف واسعة بالمدافع الثقيلة والمسيرات شملت اطراف البلدات اللبنانية المتاخمة للحدود امتداداً من القطاع الشرقي مرورا بالقطاع الاوسط ووصولا الى القطاع الغربي.
وفي المقابل اعلن «حزب الله» عن استهداف موقع حدب يارون، وموقع الراهب، قوة مشاة اسرائيلية قرب ثكنة برانيت وقوة مشاة في موقع الضهيرة وموقع بياض بليدا وموقع المرج في هونين. وذكرت وسائل اعلام اسرائيلية ان عدة مستوطنات عند الحدود مع لبنان انقطعت عنها الكهرباء نتيجة إطلاق الصواريخ».
الى ذلك، لفت الإعلام الإسرائيلي إلى أنّ «الجيش متأهّب في الشمال بعد يوم هو الأهم على الحدود الشمالية منذ اندلاع الحرب، مع قصفٍ نحو عكا والكريوت ضمن سلسلة حوادث أدّت إلى وقوع إصابات في صفوف المستوطنين والجنود».
وبحسب موقع «كان» الاسرائيلي، فإنّ إجلاء الجرحى في دوفيف استمر ساعات»، مضيفاً أن «الوضع خطر جداً، وهذا يزيد الضغط على الجيش الإسرائيلي، ويزيد الإحباط لدى المستوطنين في منطقة الحدود ولدى عناصر الاحتياط أنفسهم. ليس من السهل أن يكونوا في هذا الوضع. هم موجودون في هذا الوضع منذ أسابيع، وهذا ليس سهلاً».
وتحدث الاعلام الاسرائيلي عن مقتل إسرائيلي أمس، متأثراً بإصابته جراء صاروخ مضاد للدروع أطلقه «حزب الله» الأحد تجاه «دوفيف». واشار الى انه عقب دوي صفارات الإنذار في الجليل الغربي تم رصد إطلاق 18 صاروخاً من لبنان. وتم الإعلان عن إصابتين في مستوطنة «نتوعا» جراء إطلاق صاروخ مضاد للدروع من لبنان.
وبحسب الاعلام الاسرائيلي فإنه «اتضَح بالأمس أن «حزب الله» هو من يقرر من سيعيش ومن سيموت عند الحدود الشمالية». وكشف انّ «الإصابات السبع التي نتجت عن سقوط قذائف هاون في المنارة عند الحدود مع لبنان يوم الاحد أدّت الى بتر أطراف بعض الجنود نتيجة الشظايا».
نتنياهو يهدد
وازاء تصاعد العمليات في الجنوب، حذّر نتنياهو «حزب الله» من «اللعب بالنار» من خلال توسيع الهجمات على شمال إسرائيل.
ونقل المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أوفير جندلمان عن نتنياهو قوله تعليقاً على تصاعد القصف في جنوب لبنان وشمال إسرائيل: «هناك من يعتقد أن في إمكانه توسيع الهجمات ضد قواتنا وضد المدنيين. هذا لعب بالنار».
وأضاف نتنياهو «سيتم الرد على إطلاق النار هذا بنيران أقوى بكثير. وسنعيد الأمان للشمال وللجنوب وسندمّر حماس».
وفي السياق ذاته، توجّه وزير الدفاع الاسرائيلي السابق بيني غانتس في تصريح امس الى من سَمّاهم اعداء اسرائيل من الجنوب الى الشمال قائلاً: «جاء يومكم».
المشهد السياسي
سياسياً، لا تطورات نوعية، حيث يعقد مجلس الوزراء جلسة اليوم، تغيب عنها الملفات المهمة. فيما تواصل حراك بعض المكونات السياسية دعماً لتأخير تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون.
وفي هذا الاطار استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري وفداً من كتلة «الجمهورية القوية»، عرض معه الاقتراح الذي تقدمت به الكتلة لتأخير تسريح قائد الجيش. وقال النائب جورج عدوان بعد اللقاء: «الظرف الاستثنائي دفعنا الى سلوك طريق استثنائي في ملف قيادة الجيش ويجب الا نترك الامور للحظة الاخيرة، واخذنا وعداً من الرئيس بري بأنه سيتريّث حتى نهاية الشهر وبعدها سيعيّن جلسة سيكون اقتراحنا فيها أول الاقتراحات المعجلة المكررة».
اضاف: «بري يفضّل ان يتم التمديد عبر مجلس الوزراء واذا لم يحصل ذلك ودعينا الى جلسة لمجلس النواب، فسنحدّد موقفنا من كيفية التعاطي معها في وقت لاحق آخذين في الاعتبار الاوضاع كلها».
وكان هذا الموضوع محل بحث بين البطريرك الراعي والسفيرة الاميركية، وكرر الراعي «موقفه الرافض لإسقاط قائد الجيش». وقال أمام زواره: «يخلقون العُقَد والمطلوب واحد وهو انتخاب رئيس للجمهورية».
موريس سليم لـ»الجمهورية»
وعشيّة انعقاد جلسة مجلس الوزراء اليوم، وفي ظل تسريبات عن اتصالات ولقاءات لملء الشواغر في القيادة العسكرية واستباق انتهاء خدمة قائد الجيش وتسريب معلومات عن موافقة ثنائي «أمل وحزب الله» على تمديد خدمة العماد جوزيف عون مدة سَنة، قال وزير الدفاع الوطني موريس سليم لـ»الجمهورية»: انه لن يحضر الجلسة لأن شيئاً جديداً لم يحصل منذ أن بادرتُ قبل مدة وتقدمتُ لرئيس الحكومة بمقترحات وترتيبات لملء الشغور الحالي في رئاسة الاركان والمفتشية العامة والادارة وفي الشغور المرتقَب لبعض المراكز بعد فترة. لكني فوجئتُ بعد عشرة ايام «بالرسالة الشهيرة» التي وجّهها لي مُتخطّياً اصول المخاطبة».
أضاف: «أنا جاهز الآن ايضاً لملء الشغور في كل المراكز وفقاً لما ينص عليه قانون الدفاع الوطني، لأني لا اعمل الّا وفق القوانين وما يفرضه عليّ ووفقاً لصلاحياتي القانونية التي تقضي بأن يكون اقتراح ملء الشغور صادراً من وزير الدفاع، على ان تكون الحكومة جاهزة للتعيين. فهل الحكومة جاهزة للتعيين في ظل رفض سياسي لذلك (كونها حكومة تصريف أعمال)؟
وحول ما تردد عن امكانية صدور مرسوم التعيين بتوقيع الوزراء اعضاء الحكومة جميعاً في ظل الشغور الرئاسي؟ قال الوزير سليم: لتمشي الحكومة بالتعيين وعندها اذا حصل توافق شَكلاً على توقيع الـ 24 وزيراً، يمكن ان نبحث الامر ونجد الحل. لكن في قانون الدفاع لا شيء اسمه «تمديد» بل هناك تسلّم مسؤوليات بحسب الاقدمية لتسيير المرفق».
لقاء باسيل جنبلاط
إلى ذلك، وصفت مصادر التيار الحر لقاء النائبين جبران باسيل وتيمور جنبلاط بأنه «مهم جداً وحصلت خلاله مقاربات إيجابية لكل المواضيع الوطنية المطروحة والتفاهم حيث أمكن، بما يُبشّر بمرحلة جديدة ونقلة نوعية في التعاون على المستويين الوطني والسياسي وفي ما خَص منطقة الجبل».
اضافت المصادر: «اللقاء هو استمرار للجولة التشاورية التي قام بها باسيل وانعكاسها على الوضع العام لمواجهة المرحلة الخطيرة التي نمر بها في مسائل كثيرة، بخاصة منع الانقسام في الموقف حول الحرب الاسرائيلية على غزة ولبنان. ومعالجة مخاطر النزوح السوري، واحترام الدستور في انتخاب رئيس الجمهورية والتعيينات العسكرية، بما يؤدي إلى اعادة تكوين السلطة».
وأكدت المصادر أنّ هذا اللقاء سيعود بالخير والفائدة على كل اللبنانيين وليس على طرفيه فقط. وقد حضر الاجتماع جوي بيار الضاهر (صهر جنبلاط)، ومسؤول التواصل الإستراتيجي في التيار سليم حداد، وأنطوان قسطنطين مستشار باسيل.