كتبت صحيفة “الجمهورية”: درّجت اسرائيل حربها على قطاع غزة، من حرب تدميرية وارض محروقة، إلى إبادة جماعية اختزلتها الجريمة الفظيعة التي ارتكبها بقصف مستشفى المعمداني في غزة، موقعة نحو الف قتيل وعددا هائلا من الجرحى.
هي جريمة أقل ما يقال فيها انها ضد الإنسانيّة، قوبلت بموجة عارمة من الاستنكار على مستوى العالم، تنديداً بهذه الجريمة، وتخللتها تظاهرات وتجمعات شعبية في المدن الفلسطينية، وكذلك في العديد من الدول والعواصم العربية، ولاسيما في الأردن التي حاول المتظاهرون اقتحام السفارة الاسرائيلية، وكذلك في تركيا وتونس، فيما نددت ايران بهذه الجريمة النكراء وأعلنت الحداد على الضحايا الذين سقطوا.
إحتجاجات عمّت المناطق اللبنانية
وأما في الداخل اللبناني، فقد أعلنت الدولة اللبنانية اليوم الاربعاء يوم حداد وطني على الضحايا، فيما شهدت العديد من المناطق مسيرات وتجمعات استنكاراً، ولاسيما أمام السفارة الأميركية في عوكر، حيث تجمع متظاهرون في ساحة عوكر على مقربة من السفارة الأميركية، وهتفوا ضد الدعم الأميركي لإسرائيل ورموا حجارة وحاولوا اختراق الحواجز والأسلاك، فيما رشتهم القوى الأمنية المولجة بحماية السفارة بالمياه، ورمت عدداً من القنابل المسيلة للدموع. كذلك حاول متظاهرون إقتحام مبنى الاسكوا في بيروت وأضرموا نيراناً في مدخله.
كذلك تجمع عدد من المحتجين أمام السفارة الفرنسية ليلا حتى ساعة متقدمة.
ودعت «الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية»، إلى المشاركة في تظاهرة الغضب أمام السفارة الأميركية في عوكر، اليوم الأربعاء في الرابعة عصراً، «تنديداً بحرب الإبادة التي تشنها آلة الحرب الصهيونية». كذلك شهدت المخيمات الفلسطينية تحركات منددة، وأيضاً في الضاحية الجنوبية، حيث دعا «حزب الله» الى تجمع في باحة عاشورا، حيث ترتقب كلمة للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله.
بري يندد
وعلق رئيس مجلس النواب نبيه بري على الجريمة وقال: الإدانة للكيان الإسرائيلي على سفكه الدم الفلسطيني مساء اليوم في المستشفى المعمداني في قطاع غزة وعلى النحو الذي حصل وحدها لا تكفي.
أضاف: بعد قانا والمنصوري وقبلهما دير ياسين وصلحا وحولا وبحر البقر، هي … هي إسرائيل تصفع الإنسانية على وجهها بجريمة إبادة لا تصدق، مئات الشهداء وعداد القتل الإسرائيلي لا يتوقف، فهل يصحو ضمير العالم لكبح جماح آلة الابادة الإسرائيلية، التي صدقوني لا تستهدف الشعب الفلسطيني إنما تستهدف البشرية والإنسانية على حد سواء.
جبهة الجنوب
وفي سياق متصل، فإن الحدود الجنوبية على خط النار؛ صارت العمليات العسكريّة ملازمة لها منذ العمليّة التي نفّذتها حركة «حماس» ضدّ اسرائيل قبل أحد عشر يوماً. وأخضعت المنطقة لتوتر شديد، أصعد الشكوك الى الذروة، في أن تبقى قواعد الاشتباك الحاكمة لوقائع الميدان العسكري بين «حزب الله» واسرائيل بها منذ العام 2006، صامدة امام عوامل تصدّعها وانهيارها التي تراكمها التطوّرات الحربية التي تتسارع بوتيرة تصاعدية يوماً بعد يوم، وتوحي وكأنّ طبول حرب وشيكة قد بدأت تقرع.
الميدان: غليان
الخط الحدودي كان في الساعات الأخيرة مسرحاً لعمليات عسكرية وقصفاً مدفعياً وصاروخياً على المواقع العسكرية، وما بات يُعرف بالمناطق المفتوحة على جانبي الحدود دون ان يطال عمق المستوطنات الاسرائيلية التي أخلاها العدو الاسرائيلي من المستوطنين، او إحياء البلدات اللبنانية المحاذية للحدود، حيث قصف العدو خراج علما الشعب، ومارون الراس، وبلدة الضهيرة بالقذائف الفوسفورية، ما ادّى إلى اندلاع حرائق وتضرّر بعض المنازل والمزروعات وعمل الجيش اللبناني على إجلاء اهلها، وكذلك قصف طريق عام كفركلا – العديسة، ومرتفعات البلدتين وتلال مركبا، واطراف بلدة البستان وعيتا الشعب، إضافة الى تلة الحمامص وسهل الخيام. وفي فترة المساء اطلق الطيران الاسرائيلي صاروخين على خراج بلدة رامية لجهة بيت ليف.
وفيما لفت الإعلام الاسرائيلي الى انّ اسرائيل بدأت تشهد تزايداً في أنشطة «حزب الله» على الحدود، اعلن الجيش الاسرائيلي صباح امس، عن مقتل 4 اشخاص حاولوا التسلّل من لبنان. وقال المتحدث العسكري افيخاي ادرعي انّ قذيفتين مضادتين للدروع أُطلقتا من داخل لبنان الى منطقة قريبة من كيبوتس بفتاح على الحدود اللبنانية، بالاضافة الى اطلاق نار من اسلحة خفيفة نحو مواقع عسكرية على الحدود. وردّ الجيش الاسرائيلي بقصف مدفعي وبنيران الدبابات نحو مواقع عسكرية لـ«حزب الله». واعلن انّه سيطلق النار على اي شخص يقترب من الحدود، في وقت هدّدت اسرائيل على لسان رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي تساحي هنغبي بقوله: «سنتصدّى لأي عملية عسكرية تنطلق من الحدود الشمالية. وإذا هاجمنا «حزب الله» سنعيد لبنان الى العصر الحجري».
الحزب يصعّد
وبالتوازي مع التهديدات المتتالية التي تطلقها اسرائيل، صعّد «حزب الله» من وتيرة عملياته، حيث أُفيد عن اطلاق صاروخ مضاد للدروع على موقع اسرائيلي في مستوطنة المطلّة، حيث اعلنت وسائل اعلام اسرائيلية عن سقوط ثلاث اصابات في الجانب الاسرائيلي إحداها خطيرة. كما أُفيد عن استهداف «حزب الله» لأجهزة التجسس والتصوير والجمع الحربي في موقع جل الدير في القطاع الاوسط.
وأعلنت «المقاومة الاسلامية» في بيان انّها استهدفت مواقع اسرائيلية بالأسلحة المباشرة وهي: ثكنة برانيت، وموقع بياض بليدا، زرعيت، الصدح، جل الدير، المالكية، وبركة ريشا، وموقع المطلة، ونقطة تمركز لقوات العدو قبالة بلدة راميا. ونعت 5 عناصر منها وهم: حسين عباس فصاعي من بلدة كونين ومحمود احمد بيز من بلدة مشغرة، حسين هاني الطويل من بلدة خربة سلم، ومحمد مهدي عطوي من بلدة كونين، وابراهيم حبيب الدبق.
الاشتعال وارد
ولاحظت قوات «اليونيفيل» تزايداً ملحوظاً في وتيرة العمليات العسكرية على جانبي الحدود، وكرّرت التحذير من انزلاق الامور إلى صراع اكبر واوسع جراء اي خطأ او سوء تفاهم يحصل على الحدود.
وأمام تسارع العمليات العسكرية، تخوّفت مصادر ديبلوماسية غربية من تفاقم الوضع اكثر، وقالت لـ«الجمهورية»: «يبدو انّ المساعي الجارية لم تحقق المرجو منها. وأبلغنا المسؤولين في لبنان ضرورة تجنّب ايّ تصعيد من جانبه، فحدود لبنان الجنوبية كما نراها باتت تعيش حالاً من الغليان الخطير، ونلمس في الجانب اللبناني تحرّكات غير مطمئنة تنذر باقتراب هذه المنطقة شيئاً فشيئاً من احتمالات حربية على نطاق واسع».
وعندما قيل للمصادر الديبلوماسية الغربية انّها تتجاهل عامل التصعيد الاسرائيلي، استدركت وقالت: «موقفنا واضح، نحن نحث كل الاطراف على تجنّب اي تصعيد».
القواعد صلبة
الّا انّ مصادر امنية لبنانية أبلغت الى «الجمهورية» قولها: «اقتربنا من نهاية الاسبوع الثاني للحرب التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة، ولو كانت ثمة نوايا من الاطراف في توسيع هذه الحرب إلى الجبهة اللبنانية، لحصل ذلك في بدايتها. ولكن ما يجري على الحدود هو حرب مضبوطة حتى الآن بقواعد تبدو صلبة حتى الآن».
ولفتت المصادر الى «انّ اسرائيل، وعلى لسان مستوياتها السياسية والعسكرية قالت انّها لا تريد اشعال الجبهة مع لبنان، ليس لأنّها لا تريد ذلك فعلاً، بل لأنّها لم تستوعب بعد حجم الضربة التي تلقّتها من عملية «حماس»، وفي الوقت نفسه هي غير قادرة على فتح جبهة ثانية، قد تكون الأصعب عليها من جبهة غزة، والواضح انّ «حزب الله» قد دخل في جهوزية تامة تحسباً لأي عدوان، وهو يظهر ذلك علناً، وبالعمليات العسكرية التي ينفّذها يمارس حرب استنزاف واضحة لاسرائيل، وضمن قواعد الاشتباك، تاركاً في الوقت نفسه كلّ الخيارات مفتوحة امامه. وهذا الامر يبدو انّه متواصل، ومآل الامور على الجبهة الجنوبية يحدّده ما قد يُستجد من تطورات في غزة، مع الاشارة هنا الى انّ السقف العالي الذي رفعه العدو، أكان بالهدف الذي حدّده رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو لهذه الحرب بسحق «حماس» وتصفيتها، او بالتهديدات المتتالية التي اطلقتها المستويات السياسية والعسكرية باجتياح برّي لقطاع غزة، قد بدأ ينخفض، والاعلام الاسرائيلي والحليف لاسرائيل بدأ يتحدث عن صعوبة كبرى تحول دون تحقيق اي من الهدفين».
حراكان متوازيان
الى ذلك، وبالتوازي مع الحراك الدولي المكثف على كل المستويات السياسية والعسكرية والاأمنية والاستخبارية، داعماً لإسرائيل في حربها التدميرية لقطاع غزة، ومغطياً لما يعتبره حقها في الدفاع عن نفسها، ردّاً على عمليّة «حماس»، حراك متتابع تجاه لبنان حاملاً رسائل دولية جوهرها الحفاظ على الأمن، والنأي بالنفس عمّا يجري في غزة، ومنع «حزب الله» من إشعال الجبهة مع اسرائيل انطلاقاً من الحدود الجنوبية. وضمن هذا الاطار تندرج الحركة المستمرة في هذا الاتجاه للسفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا.
المجتمع الدولي في غالبيته، وكما بات معلوماً، يريد لإسرائيل ان تتفرغ لحربها، وان تبقى هذه الحرب محصورة في غزة من دون أن يدخل على خطّها، ما يربك اسرائيل أو يعوقها او يمنعها من تحقيق هدفها الذي حدّدته بالقضاء على «حماس»، وعينه على «حزب الله» بالتحديد، الذي لم يتمكن الحراك الدولي المكثف، سواء عبر الموفدين الى لبنان او الاتصالات اليومية التي ترد الى المستويات السياسية، من أن يلتقط ولو اشارة طفيفة تبدّد قلقه ممّا قد يُقدم عليه الحزب لجهة فتح جبهة ثانية مع إسرائيل.
ضمن هذا الحراك، حضرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا بمهمّة واضحة جوهرها «ابتعاد لبنان عن حرب غزة»، وفي محادثاتها ارادت ان تسمع تأكيداً صريحاً بألاّ يبادر «حزب الله» الى فتح الجبهة الجنوبية، لكنّها، غادرت خالية الوفاض من دون ان تتمكن من قراءة ما يدور في خلد «حزب الله» حيال تلك الجبهة. وبالأمس، حضر وزير الخارجية التركية هاكان فيدان في سياق جولة عنوانها «إنهاء الصراع في غزة وعدم تمدّده الى جبهات اخرى»، وبعده جنرال بريطاني رفيع.
وأجرى الوزير التركي محادثات مع كبار المسؤولين، واعلن «أنّ تركيا تعمل لعدم تمدّد الحرب إلى لبنان والبلدان الأخرى»، مؤكّداً انّ «هذه الحرب قد تؤدي الى حروب كبيرة جداً ومدمّرة لكنها قد تؤدي الى حل تاريخي»، مشدّداً على «انّ الرئيس رجب طيب اردوغان يؤمن انّ من الممكن الخروج من هذه الازمة الى السلام».
ولفت الى انّ «الوقت حان ليقوم المجتمع الدولي بخطوة نحو قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، والسلام لن يحلّ في المنطقة اذا تمّ تأجيل موضوع قيام دولة فلسطين».
بري: هل نتلقف الفرصة؟
داخلياً، كان البارز امس، الجلسة التي عقدها مجلس النواب، وانتخب فيها اعضاء لجانه الدائمة، وأميني السر والمفاوضين الثلاثة. وغلب عليها الفوز بالتزكية، بحيث طرأت تعديلات طفيفة على بعض اللجان. وبعد ذلك، التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري رؤساء اللجان النيابية والمقرّرين، وقال امامهم: «امام ما يجري في المنطقة وتصاعد العدوان الاسرائيلي على فلسطين وغزة ولبنان، نحن أمام فرصة لانتخاب رئيس للجمهورية فهل نتلقفها»؟
«في ناس بغير عالم!»
من جهة ثانية، واصل الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط اتصالاته الداخلية، وزار امس، يرافقه رئيس الحزب تيمور جنبلاط والنائب وائل ابو فاعور، رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في دارته، وقال جنبلاط بعد اللقاء: «يعمل دولة الرئيس جاهدًا على طريقته، كما نعمل نحن، على محاولة تجنيب لبنان الحرب باتصالاته العربية والدولية. نحن بشكل متواضع نعمل على النَفَس ذاته، ولكن لا شك أنّ جهود دولة الرئيس جبّارة، على أمل أن تثمر وأن ترمّم أيضًا الجبهة الداخلية، لأنّ بعض الناس في الجبهة الداخلية وكأنّهم في وادٍ ثانٍ».
أضاف: «كنا نأمل مثلاً أن يفرج هذا الظرف عن رئيس للجمهورية، وانتخابات لجان دون مقاطعة…الخ. يبدو أنّ بعض الناس في عالم آخر، مؤكّدًا أننا سنبقى الى جانب دولة الرئيس في كل الجهود التي يقوم بها، على أمل ألا نُستدرج الى الحرب».
ميقاتي
وكان ميقاتي، قد اكّد خلال ترؤسه امس، اجتماع «هيئة ادارة الكوارث والأزمات الوطنية» أنّه يواصل اتصالاته الخارجية والداخلية بهدف العمل على إبعاد لبنان قدر المستطاع عن تداعيات الحرب الدائرة في غزة، بالتوازي مع تكثيف الاجتماعات الحكومية لاتخاذ خطوات وقائية لمواجهة أي طارئ قد يحصل».
ولفت الى انّ «مروحة الاتصالات الخارجية والداخلية التي أجريناها أظهرت حرصاً على لبنان والاستقرار فيه، مشدّدا على أنّ الوحدة اللبنانية اساسية لتجاوز هذه المرحلة الصعبة وتقوية الموقف اللبناني من التطورات».
واستغرب ميقاتي اصرار البعض «على توجيه الاتهامات الينا والى الحكومة بالتقصير، من دون ان يقدّم في المقابل اقتراحات عملية وحلولاً بديلة، ويكتفي بالتحامل واطلاق المواقف الشعبوية. الظرف الراهن ليس مناسباً للسجالات أبدًا، وهذا ما يجب أن يعيه الجميع. ونحن نتحمّل المسؤولية في هذا الظرف للإبقاء على عجلة الدولة ومؤسساتها قائمة، وسنستمر في هذه المسؤولية ولن نتأثر بالتجنّي والحملات».