كتبت صحيفة “الجمهورية”: على وقع استمرار المواجهات المتقطعة على الحدود الجنوبية بين المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي، والتي ما تزال محكومة بقواعد الاشتباك المعمول بها بموجب القرار ١٧٠١، تتصاعد التوقعات باحتمال توسيعها الى مواجهة مفتوحة فيما تتكاثر الدعوات الدولية إلى تفادي انزلاق لبنان إلى الحرب الدائرة بين حركة «حماس» وإسرائيل في غزة والتي تدخل يومها الحادي عشر وسط استمرار التهديد الاسرائيلي باجتياح عسكري بري لقطاع غزة الذي يتعرض يومياً لقصف تدميري ممنهج. في وقت اعلن وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان انّ احتمالية التحرك الوقائي لمحور المقاومة متوقعة في الساعات المقبلة».
ونقلت وكالة «إرنا» الايرانية الرسمية عن عبداللهيان قوله: «إذا لم ندافع عن غزة اليوم فسنضطر غداً للتعامل مع القنابل الفوسفورية الإسرائيلية في مستشفياتنا». واضاف: «الأميركيون أرسلوا لنا رسالة وطلبوا ضبط النفس وعدم توسيع الحرب، نجيب أميركا أننا لا نسعى الى توسيع الحرب، لكن ضبط النفس الأحادي الجانب. لا يمكنك أن تطلب من «حزب الله» أن يمارس ضبط النفس ثم تطلب من نتنياهو أن يرتكب أي جريمة يريدها»، فيما قال أردوغان في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، نشرته الرئاسة الإيرانية، امس الاثنين: «أعمال مثل قدوم حاملات الطائرات الأميركية إلى المنطقة وقصف مطاري حلب ودمشق، قد يتسبب بانتشار الصراع إلى أجزاء أخرى من المنطقة وندين هذه التصرفات».
وقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمة امام الكنيست أمس «أقول لإيران و«حزب الله» احذروا». وقال: «لا تجرّبوا امتحاننا في شمال البلاد لأن الثمن سيكون باهظاً».
ويأتي هذان الموقفان الايراني والاسرائيلي فيما يستعد لبنان لاستقبال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان اليوم، بعد ان استقبل امس وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التي حضّت السلطات اللبنانية على بذل اكثر ما في وسعها لتفادي انجرار لبنان إلى «دوامة لن يتمكن من الخروج منها».
وقد التقت كولونا كلّاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب وقائد الجيش العماد جوزف عون، طالِبةً تفادي انزلاق لبنان في دوامة الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس. ورافقها في هذه اللقاءات مديرة أفريقيا الشّماليّة والشرق الأوسط في الخارجيّة الفرنسيّة آن غريو ومستشارون والسّفير الفرنسيّ لدى لبنان هيرفيه ماغرو.
وفيما لم يعرف ما اذا كانت كولونا قد التقت وفدا من قيادة «حزب الله» ام لا، علمت «الجمهورية» من مصادر متابعة لزيارتها أنها نقلت الى المسؤولين ما يشبه التحذير للبنان، بضرورة اخذ كل الاجراءات لمنع توسّع حرب غزة الى الجبهة الجنوبية، «لأن وضع المنطقة كله متشنج، ولا تعطوا حجة لإسرائيل لتصعيد الموقف كي لا تذهب الامور الى اماكن اخرى اكثر صعوبة وخطورة».
لكن المصادر نفت ان تكون كولونا قد نقلت اي رسالة تحذير من اسرائيل او اي طرف آخر، وقالت انها «جاءت الى بيروت لتستطلع الاجواء السياسية والامنية عن قرب ونقلها للرئاسة الفرنسية ولِنقل الموقف الفرنسي الرسمي مما يجري في غزة وجنوب لبنان».
تفادي الاشتعال
وقالت كولونا في مؤتمر صحافي عقدته في قصر الصنوبر في ختام لقاءاتها:
«زرتُ المنطقة وذهبت الى تل أبيب والقدس والقاهرة صباح اليوم والآن انا في بيروت. جئت بطلب من رئيس الجمهورية الفرنسية لأن الوضع مقلق لا بل خطير. في نهاية هذه الجولة أود أن اطلق من هنا نداء بالمسؤولية والتحكّم بالنفس. كنت أمس في إسرائيل حيث تعرّض آلاف المدنيين لأعمال إرهابية مروعة لا مبرر لها، اسرائيل تعرضت لهجوم إرهابي لا سابق له في تاريخها، ولا شك انه تم التحضير والتخطيط والتنظيم لهذا الهجوم اضافة الى التجاوزات وجرائم القتل الجماعية التي حصلت، وهناك 19 فرنسياً قتلوا في هذه العمليات الارهابية، ورجال ونساء وأطفال قد أخذوا رهائن، وهناك العديد من مواطنينا الفرنسيين رهائن، وانا اطالب بإطلاق سراح كل الرهائن من دون تأخير ومن دون شروط». واعلنت «وقوف فرنسا الى جانب إسرائيل التي يحق لها الدفاع عن نفسها باحترام القانون الدولي ومع السهر على حماية السكان المدنيين»، وقالت: «إنّ المدنيين ليسوا مسؤولين عن الوضع الحالي، لا يجب أن نخلط بين «حماس» والشعب الفلسطيني بكامله».
وقالت: «هناك جهود جارية لفتح ممر إنساني لتصل مساعدة الأمم المتحدة الى غزة والى المدنيين الذين يحتاجون إليها. هذه المساعدة جاهزة وتنتظر فتح معبر وهذا امر مُلح. وأقول اخيرا بشكل رسمي: كل المدنيين يجب ان يتمكنوا من مغادرة غزة اذا أرادوا ذلك، ولا يمكن لحماس أن تأخذ الشعب رهينة. اذاً، أولوياتنا هي وصول المساعدات الانسانية وحماية المدنيين واحترام القانون الدولي الانساني». واوضحت ان «السبب الأساسي لزيارتي هي استمرار العمل لتفادي اشتعال يمكن أن يطال المنطقة بأكملها، وفرنسا تعمل على ذلك من اليوم الأول، ونحن نجري اتصالات متكررة مع دول المنطقة ومع شركائنا من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ونُمرَر كل الرسائل الضرورية ونريد ان تلتقي كل الرسائل التي توجهها الدول لتحقيق هذا الغرض، ولهذا السبب انا في لبنان اليوم. جئت الى لبنان للتذكير بحرصنا على هذا البلد ودعمنا لاستقراره، وأيضا لأقول بكل وضوح انه ما من مجموعة يجب أن تعتقد انه بإمكانها محاولة استغلال هذا الوضع، وهذه رسالة واضحة. وعلى المسؤولين اللبنانيين أيضا ان يتحملوا مسؤولية في هذا المجال لتفادي أن ينجَرّ هذا البلد قسراً الى مثل هذه المسألة لأن الوضع لا يحتمل، هذا نداء للعقل للمسؤولية ولضبط النفس. لا يجب أن ينجرّ لبنان، وان اي انزلاق قسري وعن غير عمد لا يمكن أن يكون في مصلحة احد. فرنسا تأخذ الوضع الحالي بكل جدية ولن نألو جهداً لتفادي تدهور الوضع ولاعادة الهدوء لأن هذا ضروري. وهذا هو نداؤنا من أجل ان يكون هناك حس بالمسؤولية، وان تلتقي كل الجهود لتحقيق هذا الأمر».
وردا على سؤال حول هل سيتمكن لبنان من تفادي التوترات والحرب؟. قالت: «يجب أن يحصل ذلك، والرسالة التي نقلتها للسلطات اللبنانية ذكرت بحرصنا على لبنان واستقراره ومحبتنا لهذا البلد وهذا موقف ثابت، ولبنان بمساعدة أصدقائه يجب أن يفعل كل ما بوسعه للبقاء بمنأى عن هذه الدوامة ولكي لا تحصل هذه الحرب».
ورأت كولونا «أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكنّ واجبها أن تفعل ذلك باحترام القانون الدولي والقانون الدولي الانساني، ما يعني عدم قصف المدنيين وحمايتهم».
ولدى سؤالها اذا كانت قد تحدثت مع السلطات الإسرائيلية عن أمن الصحافيين العاملين في المنطقة؟ قالت: «ان الصحافيين من الأشخاص الذين طلبنا حمايتهم، يجب احترام الصحافيين واحترام المهنة التي هي خطرة في كثير من الاحيان. نحن قلنا ذلك علناً في المحادثات وفي وسائل الاعلام، اعتقد مرة أخرى بأنه يجب أن تنصب جهودنا نحو السماح بوصول المساعدات الانسانية لغزة، والسماح لمن يريد مغادرتها، واحترام حماية الصحافيين في ممارستهم لعملهم».
وخلال لقائها مع ميقاتي أبدت كولونا قلقها من الاوضاع في المنطقة، وقالت: «ان فرنسا تؤيد اقتراح مصر عقد اجتماع لقادة بعض الدول العربية والاوروبية المعنية بالاضافة الى الاعضاء الدائمين في مجلس الامن، كما انها تبذل جهدا لإيجاد اطار حل للقضايا المطروحة حاليا والبحث في الحلول التي تمنع التصعيد غير المحسوبة». واضافت: «يجب تلافي الحسابات الخاطئة والعمل على ابقاء جنوب لبنان خارج التشنجات لأنّ الصراع الراهن قد يمتد الى مهلة غير محددة».
بدوره، شدد ميقاتي على «اجراء كافة الاتصالات والعمل الدؤوب لابقاء لبنان في منأى عن التوترات في المنطقة»، معتبرا أن «وقف اطلاق النار يساهم في تحقيق هذا الامر»، واكد ضرورة «تكثيف الاجتماعات الدولية والعربية الرفيعة المستوى لتلافي التصعيد».
ميقاتي واتصالاته
الى ذلك قال ميقاتي انّ «لبنان في عين العاصفة، والمنطقة ككل في وضع صعب ولا يمكن لاحد أن يتكهّن بما قد يحصل». واشار الى «ان الامور تقارب وفق تغير الساعة وتتابع الاحداث، ولا أحد يمكنه توقع اي شيء. لكن الاكيد أن اسرائيل تسعى الى مضاعفة استفزازاتها».
وقال ميقاتي: «البعض يسأل عمّن بيده قرار الحرب والسلم، وفي الظروف الراهنة نحن نعمل للسلام، اما قرار الحرب فهو بيد اسرائيل، والمطلوب ردعها ووقف استفزازاتها لعدم خلق توترات». واكد ان الحكومة «تواصل اتصالاتها داخليا وخارجيا لإبقاء الوضع هادئا وإبعاد لبنان عن تداعيات الحرب الدائرة في غزة». ولفت الى «انّ الاتصالات تتم بعيداً عن الاثارة الاعلامية حرصاً على نجاحها ولعدم اثارة الهلع عند الناس» معتبرا ان «الاتهامات التي توجّه الى الحكومة بالتقصير هي اتهامات سياسية للتحامل ولا أساس لها على ارض الواقع». وأكد ان «لا مصلحة لأحد في القيام بمغامرة فتح جبهة من جنوب لبنان، لأنّ اللبنانيين غير قادرين على التحمّل». وقال: «يبدو من خلال الاتصالات الاقليمية الدولية الجارية أن هناك ضغطاً كبيراً للتوصل الى وقف اطلاق نار في غزة».
بري يحذر
الى ذلك حذر رئيس مجلس النّواب نبيه بري، خلال كلمة ألقاها عبر تقنيّة «الفيديو كول»، في المؤتمر الطّارئ لرؤساء المجالس النّيابيّة لاتحاد مجالس الدّول الأعضاء في «منظمة التعاون الإسلامي»، من انّ «مخطّط «الترانسفير» للشعب الفلسطيني من قطاع غزة في اتجاه شبه جزيره سيناء، إذا ما قُدّر له المخطّط أن يمر فهذا يعني انه ليس سقوطًا وقضاءً على القضية الفلسطينية، إنّما هو سقوط للأمن القومي العربي والاسلامي، ومشروع تجزئة وتقسيم للمنطقة بأسرها إلى دويلات طائفيّة وعرقيّة متناحرة؛ تكون إسرائيل فيها هي الكيان الأقوى». وأوصى بري المؤتمر «باسمي وباسم المجلس النيابي وباسم الشعب اللبناني»، بالآتي:
ـ أوّلًا: مطالبة الدّول الأعضاء في المنظّمة الّتي تقيم اتفاقيّات مع الكيان الصّهيوني، إلغاء هذه الاتفاقيّات فورًا، أو تجميد العمل بها إذا لم يكن متاحًا إلغاؤها.
ـ ثانيًا: المسارعة فورًا إلى تشكيل وفود حكوميّة من دول المنظّمة، تتحرّك وتتوزّع على عواصم القرار كافّة في العالم، لوقف حرب الإبادة الّتي تشنّها آلة الحرب الإسرائيليّة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والضّغط أيضًا من أجل وقف كلّ مشاريع التّهويد التي تستهدف المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس والمسجد الأقصى؛ لا سيّما مشاريع تقسيمه زمانيّا ومكانيّا.
ثالثًا: التّأكيد على حقّ الشعب الفلسطيني في نضاله ومقاومته المشروعة بكلّ الوسائل المتاحة، من أجل تحقيق حلمه بالعودة وإقامة دولته الفلسطينيّة المستقلّة وعاصمتها القدس الشّريف».
الوضع الميداني
على الصعيد الميداني اطلق الجيش الإسرائيلي مساء امس 3 قذائف مدفعية فوسفورية وقذائف مضيئة على بلدة الضهيرة الحدودية في القطاع الغربي وسط تحليق مكثف لطائرات التجسس.
وكان قد قصفَ بالمدفعية بلدات الضهيرة والبستان وبركة ريشا، في ظل تحليق مكثف لطائرة استطلاع فوق المنطقة. وطاولَ القصف وادي الجبين قبالة الضهيرة التي تضرر فيها منزلان واشتعلت النيران فيهما. كذلك اطلقت قوات العدو الاسرائيلي قنابل مضيئة فوق مستعمرة مسكفعام قبالة بلدة العديسة الحدودية، فيما حلقت طائرات مسيرة على علو مخفوض فوق بلدتي كفركلا والوزاني. وأمر الجيش الإسرائيلي سكان منطقة المطلة «بدخول الملاجئ تحسّباً لوجود عملية تسلل».
واعلن «حزب الله» أنّ «مجاهدي المقاومة الإسلامية استهدفوا خمسة مواقع إسرائيليّة، هي: موقع مسكاف عام، خربة المنارة، هرمون، موقع ريشا وموقع رامية، بالأسلحة المباشرة والمناسبة، وحقّقوا فيها إصابات مؤكّدة».
وفي السياق أكد رئيس حركة «حماس» في الخارج خالد مشعل «انّ «حزب الله» قام مشكورا بخطوات، لكنّ تقديري أن المعركة تتطلب أكثر، وما يجري لا بأس به لكنه غير كافٍ». ورأى «انّ المطلوب اليوم أكثر من طوفان، هكذا يصنع التاريخ، ليس بالخطوات المحدودة الخجولة المترددة، بل يُصنع بالمغامرات المدروسة».
الموقف الاسرائيلي
وافادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيليّة أنّ «وزيرَي الدّفاع والخارجيّة الأميركيَّين، لويد أوستن وأنتوني بلينكن، نقلا رسائل من الإدارة الأميركية إلى الحكومة الإسرائيلية، خلال زيارتهما تل أبيب الأسبوع الماضي، تتعلّق بالحرب الّتي تشنها على قطاع غزة، ومطالبتها بعدم توسيعها إلى حرب إقليميّة».
وبحسب الصّحيفة، سعى أوستن إلى التّأكّد من أنّ إسرائيل لن تبادر إلى مهاجمة«حزب الله«، وتعهّد في المقابل بأنّ الولايات المتحدة الأميركية ستدخل طيّارين وطائرات أميركيّة إلى الحرب، في حال بادرَ الحزب إلى هجوم ضدّ إسرائيل؛ وذلك في ظلّ رسو حاملتَي طائرات أميركيّتَين قبالة سواحل لبنان.
على ان صحيفة «جيروزاليم بوست» نقلت عن مصادر ان تأخر الهجوم البري الإسرائيلي على غزة يعود لأسباب عدة، منها «القلق من فتح «حزب الله» لجبهة حرب بمجرد الدخول البري».
وأضافت: «تأخير الهجوم البري على غزة جاء حتى تعزز إسرائيل الجبهة الشمالية». وكذك سببه ايضاً «االضغط الأميركي والمخاوف في شأن الرهائن».
كندا وسويسرا
في غضون ذلك أعلنت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي أن «الكنديين في لبنان يجب أن يفكروا في المغادرة بينما تظل الرحلات الجوية التجارية متاحة». وقالت انه «مع استمرار الأزمة في غزة والضفة الغربية وإسرائيل، صار الوضع الأمني في المنطقة مُتقلباً بنحو متزايد».
وفي هذه الاثناء أعلنت الخطوط الجوية السويسرية، في بيان امس، «تعليق رحلاتها المتّجهة إلى بيروت حتى 28 تشرين الأول بسبب الوضع في الشرق الأدنى والتوترات على الحدود بين إسرائيل ولبنان». وقالت: «بعد دراسة معمّقة للوضع في لبنان، قررنا تعليق رحلات الذهاب والإياب بين سويسرا وبيروت، نظرًا لعدم إمكان استبعاد توسّع النزاع في الوقت الحالي.
وفي ضوء هذا القرار، أُلغيت أربع رحلات بين زوريخ والعاصمة اللبنانية». وأشارت إلى أنها «استدعت خبراء لتقويم المخاطر، وانّ استئناف الرحلات الجوية بين زوريخ وبيروت سيعتمد على المستجدّات الجيوسياسية».