كتبت “الجمهورية” تقول: تستمر الاهتمامات المحلية والاقليمية والدولية منصبّة على تحييد جبهة لبنان عن الحرب الدائرة في غزة وغلافها بين حركتي «حماس» و»الجهاد الاسلامي» وبين اسرائيل التي مُنيت بهزيمة عسكرية ومعنوية وسياسية كبرى في السابع من الجاري، تحاول تعويضها بالقصف التدميري لغزة التي يكشف صمودها يومياً الزيف المستور في مواقفها والمواقف الاقليمية والدولية التي لا تضمر الخير لمستقبل القضية الفلسطينية حتى على مستوى صيغة «حل الدولتين»، لولا بعض المواقف العربية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة. فيما تظهر المواجهات اليومية المتنقلة في جنوب لبنان بين المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي صمود قواعد الاشتباك المعمول بها بموجب القرار 1701.
تلاحقت المناوشات والمواجهات على الجبهة الجنوبية امس بين المقاومة والاسرائيليين، من دون ان تخرج عن قواعد الاشتباك المعمول بها على رغم من الشدة التي تتسم بها، إذ هاجمت المقاومة مواقع اسرائيلية ردا على القصف الذي أوقع عدداً من المقاومين والمدنيين خلال الايام الاخيرة، وذلك في ظل تحذيرات دولية من توسّع الحرب في غزة الى حرب شاملة في المنطقة.
وفيما حذّر الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي، ايمانويل ماكرون، من انه «إذا لم يتوقف قتل أهالي غزة، فسيتعقّد الوضع وتتسع رقعة الحرب». أعلن قصر الإليزيه أن ماكرون «حذّر» نظيره الإيراني من «أي تصعيد أو توسيع للنزاع» بين إسرائيل وحماس «خاصة في لبنان».
حركة ديبلوماسية
وفي هذه الأجواء تشهد بيروت اليوم حركة ديبلوماسية ناشطة تستهلّها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الآتية بعد الظهر من القاهرة وتل أبيب على ان يصل غداً وزير الخارجية التركي حقان فيدان.
وستلتقي كولونا على التوالي ابتداء من الرابعة بعد ظهر اليوم، كلّاً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب، وربما كان لها لقاء مع قائد الجيش العماد جوزف عون. وكشفت مصادر مطلعة عن ترتيبات سرية جرت لاحتمال عقد لقاءات سياسية وديبلوماسية عَدا عن لقاء محتمل مع قيادة :حزب الله»، لكنّ اي مصدر لم يشأ تأكيد هذا الامر او نفيه.
وكان قصرالإليزيه قد كشف خلال عطلة نهاية الأسبوع أن ماكرون مستعد للتوجه إلى المنطقة اذا اقتضت الحاجة للعب دور الوساطة بُغية خفض التصعيد قبل ان يكشف عن جولة كولونا فيها.
ونقلت مصادر ديبلوماسية فرنسية عن كبار المسؤولين في بيروت ان فرنسا صممت منذ اللحظة الاولى لاندلاع حرب غزة على دعوة «حزب الله» إلى البقاء في منأى عن النزاع الدائر في إسرائيل» وهو ما ستترجمه كولونا اليوم.
وقد حضّت فرنسا السبت «حزب الله» على عدم الانخراط في النزاع بين اسرائيل وحركة «حماس»، معربة عن قلقها حيال الوضع المتوتر على الحدود بين لبنان واسرائيل. ودعت إلى حماية الصحافيين الذين يغطون هذا النزاع في ضوء مقتل الصحافي عصام العبدالله وإصابة 6 غَيره في بلدة عيتا الشعب يوم الجمعة الفائت. وقالت الرئاسة الفرنسية إن على «حزب الله» واللبنانيين «ممارسة ضبط النفس لتجنب فتح جبهة ثانية في المنطقة سيكون لبنان ضحيتها الاولى». وشدّدت على «عدم إعطاء أي ذريعة تعيد لبنان مجددا إلى الحرب»، لافتة إلى أن «لبنان قد أضعفه بشدة غياب السلطات الفاعلة» منذ أشهر عدة.
في غضون ذلك نبّه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان امس من الدوحة إلى أن «لا أحد» يمكنه «ضمان السيطرة على الوضع» إذا شنت إسرائيل هجوما بريا على قطاع غزة.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية (قنا) أن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني استقبل عبد اللهيان وبحث معه «تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية».
وقال عبد اللهيان في تصريحات نقلها بيان للخارجية الإيرانية «إذا تواصلت هجمات النظام الصهيوني على السكان العزّل في غزة، فلا أحد يمكنه ضمان السيطرة على الوضع واحتمال توسّع النزاع». وأوضح أن الأطراف التي تريد «منع الأزمة من التوسع، عليها أن تمنع الهجمات الهمجية للنظام الصهيوني». وأشار أيضاً إلى أن مسؤولي حركة «حماس» الكبار الذين التقاهم في بيروت والدوحة في الأيام الأخيرة قالوا إنّ «مسألة الرهائن المدنيين» تمثّل «أولوية في برنامجهم»، وأنه «إذا توافرت الشروط، فإنهم سيتخذون إجراءات ملائمة».
وشدد عبد اللهيان في تصريحات لقناة الجزيرة القطرية على أنه «لا يمكن لإيران أن تبقى متفرجة إزاء هذا الوضع»، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستتأثر أيضا في حالة توسّع النزاع في المنطقة. وقد التقى عبداللهيان رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية المقيم في قطر.
موقف اميركي
وعلى صعيد الموقف الاميركي قال مستشار الامن القومي للبيت الابيض جايك ساليفان امس: «هناك خطر قائم من أن يشهد النزاع تصعيدا، بفتح جبهة ثانية في الشمال، وبالطبع بتدخّل إيران».
وشدّد على أن الولايات المتحدة «لا يمكنها استبعاد فرضية أن تتخذ ايران قرارا بالتدخل مباشرة في شكل او في آخر».
موفد صينيّ
والى ذلك، وردا على معلومات تتحدث عن زيارة للمبعوث الخاص للحكومة الصينية الى الشرق الأوسط تشاي جون للمنطقة هذا الأسبوع، للدفع «إلى وقف لإطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل وتشجيع إجراء محادثات سلام»، قالت مصادر ديبلوماسية لبنانية ان لا علم لها بزيارة جون للبنان. لكن مصادر ديبلوماسية عربية قالت باحتمال أن يزور بعض عواصم المنطقة لمتابعة ما حققه الاتفاق الذي رعته الصين بين المملكة العربية السعودية وإيران وما يعوقه من صعوبات كانت متوقعة، لكنّ حرب غزة أعادت طرح كثير من القضايا التي رفعت من نسبتها امام استكمال تنفيذ بعض الخطوات المقررة.
وقالت قناة «سي. سي. تي. في» الصينية، في تقرير مصوّر نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي الأحد، إن تشاي «سيزور الشرق الأوسط الأسبوع المقبل للتنسيق مع مختلف الأطراف من أجل وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وانعاش الوضع وتعزيز محادثات السلام».
الحراك الداخلي
وفي الحراك الداخلي زار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط مساء امس رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتمنى بعد اللقاء أن «يبقى لبنان خارج دائرة النزاع اليوم الا اذا أصرّت اسرائيل على الاعتداء». وقال: «نلاحظ إعتداء وراء إعتداء كلّ يوم من قبل إسرائيل وما يحصل رهيب، إلّا أنّ البعض ينسى الأساس وحلّ الدولتين».
وكان اللافت امس استقبال اللواء عباس ابراهيم السفيرة الاميركية دورثي شيا، حيث عرضا لتصاعد التطورات العسكرية على الحدود اللبنانية الجنوبية وكذلك الحرب الدائرة بين اسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.
التسويات لن تفرض علينا رئيساً
وفي المواقف، أكد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، في كلمة لمناسبة ذكرى 13 تشرين في كنيسة مار الياس- انطلياس: «من يظن ان تسويات او اتفاقات او احداثا خارجية كأحداث غزة أخيرا، تفرض علينا رئيساً، لمصلحة هذا او ذاك، من هنا او من هناك، بحسب نتائجها، والخاسر والرابح فيها، فهو واهِم واهم. انّ هذا يزيدنا تمسكاً بحريتنا وسيادتنا واستقلالنا… وخياراتنا. لا تنسوا معادلة الداخل، لذلك تعالوا ننتخب رئيسا بالتفاهم الآن، من دون انتظار نتائج الحرب التي ستطول للأسف».
وتطرق باسيل الى الحرب بين الفلسطينيين والإسرائليين: فقال: «إذا سأل سائل ما علاقة لبنان بكل هذا لِنُقحمه ضد اسرائيل، نُحيلُه الى شهداء الاعلام وجرحاه في جنوبنا منذ يومين، ونذكّره بكل اعتداءات اسرائيل على وطننا التي ردعتها بسالة المقاومة». واضاف: «نذكّر السائل ايضا انه ما زال من يراهن عندنا على نجاح مشروع اسرائيل الأحادي التقسيمي في لبنان والمنطقة، نقول له: يا من تراهن على اجتياح اسرائيلي للبنان، ستنتظر طويلا لحظة لن تعود؛ مراهاناتك الفاشلة لم ثبتت فشلك فقط بل أذَت مجتمعنا ووطننا». وأكد أن «لا سلام من دون شبعا والجولان ومن دون عودة اللاجئين الفلسطينيين وعودة النازحين السوريين ودولة فلسطينية حرة مستقلة كاملة الحقوق، ومن دون قدس مفتوحة لكل الناس ولكل الأديان- بغير هذا، لا سلام لك ولا سلام عليك».
جعجع
وأكد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع خلال العشاء السنوي الذي أقامته منسقية زحلة في حزب «القوات اللبنانية» أن «الأوضاع الراهنة صعبة جدا ومرشحة، وللأسف، إلى التطور أكثر وأكثر وتأخذ أبعادا أكثر مما كان متوقعا». وقال: «بعيدا من التوصيفات التي نسمعها عن أسباب ما نشهده اليوم ، نحن معرّضون في كل لحظة لتفجر الأوضاع في المنطقة، في حال لم يتم إيجاد حل لـ«القضية الفلسطينية «وهذه مسلمة ثابتة، وإذا انتهت المحنة الحالية على خير، إن شاء الله، فعلى المجموعة الدولية والأمم المتحدة المباشرة فورا في إيجاد حل للقضية الفلسطينية حتى لا تتأزم مجددا الأوضاع، إن لم يكن بعد شهر فبعد 6 أشهر أو سنة أو ثلاث أو خمس سنوات».
الوضع الميداني
وعلى الصعيد الميداني أمر الجيش الإسرائيلي بالإجلاء الفوري لمدنيين وإغلاق منطقة بطول أربعة كيلومترات من الحدود الشمالية مع لبنان، فيما أعلن حزب الله عن استهداف مواقع عسكرية إسرائيلية على الجانب الآخر من الحدود. وقال انه هاجم «ثكنة حانيتا الصهيونية بالصواريخ الموجّهة مما أدى إلى إصابة دبابتين من نوع ميركافا وناقلة جند مجنزرة وسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف جيش العدو». وافاد الحزب في بيان آخر «أنه هاجم خمسة مواقع اسرائيلية حدودية هي جل العلام، بركة ريشا، موقع راميا، موقع المنارة وموقع العباد.
والى ذلك سجل قصف مدفعي اسرائيلي عنيف على خراج مزرعة حلتا وبلدة كفرشوبا، فيما كانت طائرات الاستطلاع تحلق على علو منخفض. وطاول القصف اطراف بلدة راشيا الفخار في قضاء حاصبيا، وأطراف شبعا وكفرشوبا ومرتفعات الهبارية.
كذلك، تبنّت حركة «حماس» امس عمليتي تسلل نفذتهما الجمعة والسبت انطلاقاً من جنوب لبنان.
وتوسّعَ نطاق القصف الأحد ليطال منطقة شتولا داخل إسرائيل، ما يعتبر «رفعاً لدرجة التصعيد»، وفق ما كتب الباحث في مجموعة الأزمات الدولية هايكو ويمن على موقع «اكس». وقال «إن الطرفين حتى الآن يبدوان ملتزمين بقواعد اللعبة» في إشارة إلى «تفاهمات غير معلنة حول الخطوط الحمر التي يجب عدم تجاوزها تجنباً للتصعيد». ورغم ذلك، حذّر من تصعيد «دامٍ قد يحصل في أي لحظة». واشار الى انه على رغم من أن التصعيد لا يزال محدوداً، لكن «النظر في التفاصيل مهم جداً».
الموقف الاسرائيلي
في هذه الاثناء أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن اسرائيل «لا تريد تصعيدا» على الحدود الشمالية مع لبنان . وقال: «ليس لدينا مصلحة بحرب في الشمال ولا نريد تصعيد الوضع». وتوجه الى «حزب الله» قائلاً: «إن لَجمتم أنفسكم فنحن سنفعل ذلك أيضاً، وهذه الحرب قاتلة وستغير واقع المنطقة للأبد».
واشار متحدث باسم الجيش الإسرائيلي في مقابلة مع «إيه.بي.سي» الى اننا «نوصي حزب الله بأن يراقب عن كثب مع يحدث لحماس، ويجب ألا «يتجاوز الحدود».
وأكد الناطق العسكري الإسرائيلي «اننا سنتحرك في كل مكان في الشرق الأوسط لتحقيق احتياجاتنا الأمنية»، مشيراً الى ان «دولة لبنان تتحمل المسؤولية عن إطلاق النار من أراضيها».
«اليونيفيل»
في غضون ذلك أعلنت قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب أن مقرها العام في الناقورة أصيب أمس بصاروخ، وتعمل على التحقق من مصدره. وقالت في بيان «هذا اليوم (أمس) شهد تبادلاً مكثفاً لإطلاق النار في مناطق عدة على طول الخط الأزرق بين الأراضي اللبنانية وإسرائيل»، مضيفة انه «كان هناك سقوط قذائف على جانبي الخط الأزرق، وأصيب مقرّنا العام في الناقورة بصاروخ، ونعمل على التحقق من مصدره»، من دون تسجيل خسائر.
واتصل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالقائد العام لقوات «اليونيفيل» الجنرال ارولدو لازارو، مُستفسراً عن ملابسات ما حصل، ومشدداً على «التضامن الكامل مع اليونيفيل»، واطمَأنّ الى عدم وقوع ضحايا.