قضية النزوح السوري الى لبنان ليست جديدة، فعمرها من عمر الأزمة في سوريا التي بدأت في العام 2011، إثني عشر عاماً كانت كفيلة برمي الأثقال الكبيرة على كاهل الدولة اللبنانيّة والشعب الذي تحمّل أعباءً إقتصادية وإجتماعية وأكثر. وقد اعتمد لبنان منذ اندلاع الأزمة السورية سياسة الحدود المفتوحة والسماح للنازحين بالاستقرار المؤقت بحرية في كافة أنحاء البلاد، الأمر الذي جعل الانعكاسات الأولية لهذه الأزمة تتسم بالطابع الإنساني في بادئ الأمر، لكنها سرعان ما انتقلت ارتداداتها إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بشكل جلي وقد أعدّ البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في أواخر أيلول من العام 2013 تقريرًا بناءًا على طلب الحكومة اللبنانية أنذاك، جاء في ملخصه التنفيذي تأكيدًا على تأثر لبنان بشكل سلبي وكبير ومتنامٍ من جراء الأزمة السورية على كافة الصعد، لاسيما في الفترة الممتدة بين 2012- 2014″. وقد قدّر البنك الدولي خسائر لبنان من تدّفق النازحين بما يقارب 7.5 مليار دولار. وأبرز المؤشرات التي تتطرق لها التقرير كانت كالتالي:
– إن الصراع بين 2012 – 2014، قد يخفّض معدل النموّ الحقيقي في الناتج المحلي بنحو 2.9 نقطة مئوية لكل سنة، مما سيؤدي الى خسائر كبيرة في الرواتب، الأرباح، الضرائب، والاستهلاك الفردي، والاستثمار، ويدفع نحو 170 ألف لبناني إلى ما تحت خط الفقر، فضلاً عن مليون يعيشون حاليًا دون هذا الخط، ويضاعف البطالة إلى ما يزيد على 20 في المئة، ويقلّص قدرة الحكومة على تحصيل الواردات بشكل ملحوظ بقيمة 1.5 مليار، فيما سيرتفع الإنفاق الحكومي بـ1,1 مليار دولار من جراء زيادة الطلب الملحوظ على الخدمات العامة. وتقدّر زيادة الإنفاق اللازمة للإستقرار وإعادة تحقيق الخدمات وجودتها كما كانت قبل النزاع في سوريا بـ2.5 مليار دولار…
– يتجلّى أثر الصراع السوري بوجه خاص في القطاعين التجاري والسياحي…
وتتعرض المالية العامة للبنان لضغط شديد، إذ يقدر اتساع عجز الموازنة بنحو 2,6 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 2012 الى 2014، بعد نصف عقد من النمو المطرد.
– ويُقدَر الأثر المالي للأزمة السورية على قطاعات الصحة، والتعليم، وشبكات الأمان الاجتماعي بما يراوح بين 308 و340 مليون دولار ويستلزم الأمر توافر مبلغ ما بين 1,4 و 1,6 مليار دولار (أي بين 3 و3,4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي) لأغراض تحقيق الاستقرار.
– إنّ زيادة الطلب على الخدمات الصحية أدّى إلى إجهاد القطاع الصحي، وازدياد المستحقات غير المدفوعة إلى المستشفيات، والنقص في عدد العمال الصحيين، وازدياد حاد في الأمراض المعدية. ويقدّر التأثير النقدي (بـ 38 مليون دولار في 2013 و 48 إلى 69 مليون دولار في 2014).
– تدنى مستوى إدارة النفايات الصلبة وخدمات البلديات بشكل واضح وملحوظ نتيجة الارتفاع الحاد والمفاجئ في الطلب على هذه الخدمات واستخدامها من اللاجئين، ويبلغ التأثير المالي المتراكم (2012-2014) على إدارة النفايات الصلبة 71 مليون دولار أميركي، وحاجات القطاع البلدي من أجل مبادرات حفظ الاستقرار، ما بين 193 و206 مليون دولار.
– يقدّر الطلب الإضافي على الكهرباء نتيجة توافد اللاجئين السوريين بما بين 231 ميغاواط بنهاية العام 2013 و251 إلى و362 ميغاواط بنهاية 2014. وتُقدَر التكلفة المالية الحالية لتوفير الكهرباء للاجئين بنحو 170 مليون دولار أميركي للعام الحالي 2013 و ما بين 314 و393 مليون دولار أميركي للعام المقبل، حسب تقديرات توافد اللاجئين. ويتطلّب الأمر ما بين 310 و440 مليون دولار أميركي بحلول نهاية 2014 لتحقيق الاستقرار.
– ستشهد المناطق التي تستقطب توافدًا عاليًا للاجئين، مثل عكار وزحلة وبعلبك، زيادة في الحركة المرورية بنسبة تزيد على 50 في المئة على بعض الطرق، مما قد يؤدي إلى زيادة الحوادث.
شروط النزوح غير متوفرة في لبنان.
حملت هذه الدراسة بين طياتها بعدًا استشرافيًا لأزمة النزوح السوري في لبنان. لكنها لم تقدم المعالجات الشافية لتلك الأزمة، أما اليوم فقد جاءت المنظمات الدوليّة لتتحدّث عن عنصريّة الشعب اللبناني في مطالبته بإيجاد حل عادل لهذه الأزمة التي تفاقمت إلى الحد الذي جعل تداعياتها تشكل خطرا لناحية التغيير الديمغرافي وبحسب بعض المعطيات الحديثة فإنّ النزوح السوري يغطي اليوم حوالي الألف منطقة من أصل 1050 منطقة، ما يعني أن إنتشاراً واسعاً للنزوح بات يغطي معظم الاراضي اللبنانية. “أضف إلى ذلك أنّ الشروط التي يتطلبها النزوح باتت غير متوفرة في لبنان لأسباب عدة أهمها عدم توفر الشروط الاقتصادية التي تجعل من البلد المضيف بلدًا لديه نقصًا ديموغرافيًا وهذه ليست حالة لبنان، ثانيًا : يجب أن يتمتع البلد المضيف باقتصادٍ قوي يساهم في حلٍ عادل لأزمة النازحين، وهذه أيضًا لا تنطبق على الاقتصاد اللبناني الذي يعاني من أزمات متعددة، أما الشرط الثالث فيقتضي أن لا تتخطى نسبة النازحين 1% من عدد السكان الأصليين، وهو أيضًا ما لا يتوفر في الواقع الحالي للأزمة، بسبب الأعداد الهائلة للنازحين التي فاقت المتوقع وأدت من ناحية أخرى إلى أزمة في سوق العمل بدأت مع ما يسمى المضاربة بين اليد العاملة اللبنانية وتلك السورية، ثم المنافسة بين أرباب العمل اللبنانيين والسوريين، فضلًا عن انتهاك قانون العمل اللبناني الذي يضع شروطًا ومعايير خاصة بالعمال الأجانب، ويحدد الأعمال التي يمكن لهم القيام بها. هذا الانتهاك الصارخ يتبين من خلال ممارسة النازحين للأعمال المختلفة في معظم المناطق اللبنانية من دون العودة إلى شروط وزارة العمل.
كلفة النزوح
كل هذه التعقيدات تشيرإلى أنّ ثمة كلفة مالية واقتصادية يدفعها لبنان جراء أزمة النزوح السوري وبحسب بعض المعطيات الحديثة تُقدر الكلفة الماليّة على الاقتصاد اللبناني بمليار و700 مليون دولار سنوياً تتضمن مساهمة الدولة بالطبابة، الكهرباء، الصرف الصحي، إستهلاك البنى التحتية، أمّا الثانية فهي خسائر على الاقتصاد وعلى خزينة الدولة الّتي كانت تستطيع أن تستحصل عليهم وهي تقدر بما لا يقل عن 40 مليار دولار منذ العام 2011 الى اليوم، في حين ً أن “المساعدات الدولية للبنان يُقدر إنها بلغت حوالي 9 مليار دولار وغطت جزءًا بسيطًا من الخسائر المباشرة، إذاً، مليارات الدولات تحملتها الدولة كخسائر عن وجود النزوح السوري في لبنان، وهذا البلد الصغير بحجمه لم يعد يحتمل أبداً، من هنا الأجدى بالمنظمات الدولية أن تسعى لمساعدة النازحين السوريينفي بلدهم الأصيل لا في البلد المضيف.
إعداد : مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية _ وزارة الاعلام.