كتبت صحيفة “نداء الوطن”: في اليوم الثاني من زيارته لبنان، خرج الموفد الرئاسي الفرنسي عن تحفظه، كما تقتضي الأدبيات الديبلوماسية، فصارح محدثيه بـ»المأزق» الذي انتهت اليه مبادرته. وهو قدّم طلب المساعدة من هؤلاء على تقديم «حل وسط» ينهي الانسداد في مسار الاستحقاق الرئاسي العالق بين ممانعة تريد الحوار قبل الانتخابات، وبين معارضة تتمسك بالدستور الذي يقتضي إجراء الانتخابات أولاً.
في قراءة لـ»نداء الوطن» من مصادر تابعت لقاءات لودريان أمس انتهت الى المعطيات الآتية:
خلال محادثات موفد الاليزيه بدا كأنه يشعر بأنه في مأزق، ولا يعرف أي اتجاه يريد أن يسلكه كي يغادر لبنان بإنجاز، لكنه أدرك أن هدفه لم يتحقق حتى الآن. وفي جلساته مع المعارضة، قال إن فريق الممانعة يتمسك بالحوار ممراً الزامياً لانتخاب رئيس الجمهورية. وفي المقابل، تتمسك المعارضة بالانتخابات الرئاسية قبل الحوار. وسأل: «ماذا نفعل؟»، وقال: «أعطوني حلاً وسطاً». واقترح البحث عن «أفكار جديدة للخروج من الاستعصاء الرئاسي، إذ لا يمكن ان نبقى على ما نحن عليه اليوم». وسمع في المقابل من المعارضين: «صحيح اننا لا نستطيع أن نبقى في الحالة الراهنة، لكن الحل سيكون في تطبيق الدستور». وشدّدت المعارضة على ان الممانعة تطرح «ما هو خارج الدستور والأصول لفرض أمر واقع غير مقبول على الاطلاق». وهنا سأل لودريان محدثيه مجدداً: «ماذا استطيع ان أفعل؟ أنا لا احمّلكم المسؤولية أو العكس»، فجاءه الجواب: «على باريس ان تتبنى تطبيق الدستور. وهناك فريق عطل الاستحقاق طوال 13 جلسة ويريد ان يفرض الحوار خارج الدستور. ونعلم الى أين أوصلتنا كل تجارب الحوار. على فرنسا أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الأمر».
ما هي خلاصة اليوم الثاني من اتصالات لودريان؟ تجيب المصادر ذاتها: «يدرك لودريان أين مأزقه الآن، ويتمثل بأن هناك «ستاتيكو» لا يمكّن أي طرف من أن يفرض نفسه، فيجب الذهاب الى مرحلة جديدة، وهو متيقن من ذلك. لكن من أجل الذهاب الى هذه المرحلة يريد شيئاً ما للذهاب الى جلسة بدورات متتالية. يعني أن لودريان يعتقد أن هناك خطوة تراجعية ما يجب اتخاذها من دون أن يتحمل أي فريق تبعات هذا التراجع. لكن المعارضة قالت للموفد الفرنسي، إن أي تراجع لن يفيد، بل يجب الذهاب بلا تردد الى التزام موقف تطبيق الدستور. ومرة أخرى عاد لودريان الى أنّ الممانعة لا تريد تطبيق الدستور، فأجابته المعارضة مجدداً: «هذه مشكلة الممانعة وليست مشكلتنا».
وتعتقد المصادر أن «مأزق» لودريان، أنه يرى بأم العين دخول الجانب القطري في «الخماسية» على الخط. كما يعلم بأن القطري قد تم تكليفه، وبتفويض من الجانب السعودي الذي كان واضحاً: «المطلوب رئيس من خارج الاصطفاف»، ما يعني أن مرشح الممانعة سليمان فرنجية لن يصل، لكن الجانب السعودي لا يريد تحدي الايراني وكسره، وفي الوقت نفسه، لا تريد السعودية إعطاء ايران انتصاراً، لذلك لن يصوّت السنة لفرنجية. ويعتبر الفرنسيون انطلاقاً من موقف الرياض، أن فرنجية فقد حظوظه، ولن يؤيده السنة والدروز وعدد من التغييريين. غير أن لودريان،لا يريد أن ينتهي دوره. وهو خائف من أن القطري يؤثّر على الايراني. وإذا ما أثّر عليه فستأتي الرئاسة عن طريق القطري، وبالتالي يكون الجهد الفرنسي راح سدى. أمام هذا المأزق بدا لودريان أمس متوتراً، ولسان حاله يقول:» إنكم تقفلون أمامي الأبواب، ولن أصل الى أي مكان». وجاءه الجواب من المعارضة مجدداً: «فكّر في ما تريد، لكننا لن نفكر في أية وسيلة خارج الدستور».
من السياسة الى الأمن، فقد انهار أمس اتفاق وقف إطلاق النار الهش في مخيم عين الحلوة، الذي شهد جولة قتال عنيفة وعلى مختلف محاور الاشتباك رغم كل الجهود السياسية اللبنانية والفلسطينية – الفلسطينية التي تقاطعت بين حركتي «فتح» و»حماس» في لقاء مشترك بينهما وفي جولة كل منهما على المسؤولين اللبنانيين.
ووفق أوساط فلسطينية لــ «نداء الوطن»، فإن الأخطر في انهيار الاتفاق، كان محاولة توسيع دائرة الاشتباك بجرّ «تيار الاصلاح الديمقراطي» لحركة «فتح» الذي يتزعمه العميد محمود عيسى «اللينو» الموالي للعميد المفصول من «فتح» محمد دحلان، حيث قتل المسؤول العسكري فيه خالد أبو النعاج الموكل الحفاظ على الأمن وتثبيت الاستقرار في منطقة صفوري.
وأوضح التيار في بيان «أن أبو النعاج قتل بعملية غدر من مجموعة مخترقة ومرتبطة بالمشاريع الهدامة التي تطال مخيمنا، وعملت القيادة على عودة الهدوء والاستقرار ونعاهد شهيدنا وشعبنا ومخيماتنا باننا سنبقى أوفياء لتضحياتهم ومعاناتهم ونحافظ على أمنهم برموش عيوننا وبأننا سنقتص من الشرذمة التي تسعى الى اغتيال قضيتنا والاعتداء على كوادرنا».
وبدأت مؤشرات انهيار الاتفاق مع الموقف الناري الذي أطلقه عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» المشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد، عقب لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إذ تحدث عن مهل للتسليم «لقد وضعنا سقفاً زمنياً ليس طويلاً»، وعلى قاعدة «تسليم القتلة للقضاء اللبناني»، وصولاً إلى «أن كل الخيارات مطروحة أمامنا واتفقنا عليها، ونحن نفضّل خيار العقل»، وأشار إلى «الإرتباط بجهات خارجية».
وتعليقاً على انهيار الهدنة، علق نائب رئيس «حماس» في الخارج موسى أبو مرزوق عبر «تويتر»: «ما يجري في مخيم عين الحلوة الآن هو تدمير للمخيم تحت عنوان محاربة الإرهاب، ولكن بدون نتائج حقيقية تُذكر، وحاولنا جاهدين مساعدة من هو في مأزق، ولكن التعهدات التي قُطعت لنا بلا معنى».
وذكرت مصادر طبية لـ «نداء الوطن»، أن جولة الاشتباكات التي شهدها المخيم عصراً أسفرت عن سقوط 7 قتلى، نقل 6 منهم إلى مستشفى «الهمشري» و1 الى مستشفى الراعي في صيدا، بينما أصيب نحو 24 جريحاً لترتفع حصيلة الاشتباكات منذ اندلاعها الخميس الماضي إلى 14 قتيلاً وأكثر من 145 جريحاً.