كتبت صحيفة “الجمهورية”: فيما ينتظر الجميع عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان المنتظرة الاسبوع المقبل، تنشط الاتصالات في مختلف الاتجاهات تمهيداً لتوجيه الدعوات الى حوار السبعة ايام والجلسات المتتالية بعده لانتخاب رئيس للجمهورية، حسب مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري. وبدا حتى الآن انّ الغالبية النيابية تؤيّد هذه المبادرة، لاقتناعها بأنّه لم يعد هناك من ترف في الوقت لتأخير إنجاز الاستحقاق الرئاسي والشروع في بناء السلطة الجديدة التي سيكون على عاتقها مهمة إخراج البلاد من الانهيار الى الإنفراج.
لا تزال مبادرة رئيس مجلس النواب الحوارية ـ الانتخابية الرئاسية الشغل الشاغل للكتل السياسية والنيابية، وقد شارفت خريطة المواقف منها على الانتهاء تمهيداً لجوجلتها قبل اتخاذ قرار الدعوة الى الحوار من عدمها، في اعتبار انّ السؤال بحسب ما قال مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية» هو: «هل يُعقد الحوار بمن حضر؟». واعتبر المصدر «انّ الحوار ليس بالضرورة ان يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية، لكن يمكن ان ينظّم الخلاف في الطريق إلى الانتخاب».
وأضاف: «استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية لا يمكن مقاربته مثل تقارب الاستحقاقات الاخرى، فعندما تتمّ الدعوة 13 مرة الى انتخاب رئيس في جلسات معروف دستورياً كيف تُدار وما هو نصابها للحضور والانتخاب، ونفشل، فهذا يعني اننا لن نصل الى رئيس، ثم انّ من يعترض على الانسحاب لتعطيل النصاب، وهو حق دستوري، سيلعب اللعبة نفسها وسيبدأ بالتعطيل. وهذا المنطق لا يمكن تجزئته او التعامل معه على قاعدة ناقض ومنقوض»…
وكشف المصدر، انّ «التوجّه هو لعقد الحوار بعد تلقّي اجوبة واضحة ورسمية من جميع الاطراف على هذه الدعوة، حتى «القوات اللبنانية» على الرغم من مواقفها العلنية الناقضة لنتائج الحوار لم ترسل جواباً بعد». وختم: «لقد اصبح هذا الحوار اكثر من ضروري. ومن يريد مقاطعته فليتحمّل المسؤولية».
بري والراعي
في غضون ذلك، وفي إطار التحضير للحوار، كُشف النقاب امس عن رسالة بعث بها بري بواسطة موفد له إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في الديمان، تضمنت توجّهاته إزاء الاستحقاق الرئاسي. وفي معلومات لـ«الجمهورية»، انّ البطريرك تلقّى هذه الرسالة خلال الأسبوع الأخير من آب المنصرم، وتضمنت خريطة الطريق التي سيعتمدها رئيس المجلس ابتداءً من مطلع ايلول الجاري، لتنفيذ مبادرته الحوارية ـ الانتخابية التي أطلقها في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، وذلك في خلال النصف الثاني من هذا الشهر، في حال لقيت التجاوب المطلوب.
وفي إطار التحضير لتنفيذ مبادرته التقى بري أمس وفداً من تكتل «الاعتدال الوطني»، واعلن النائب وليد البعريني باسم التكتل تأييده للحوار، وقال: «الحوار سيحصل تحت قبّة البرلمان، لن يكون بعيداً ولا في أي مكان آخر، وسيكون بعده مباشرة إفتتاح جلسات لانتخاب رئيس للجمهورية. وهذا الموضوع كان الرئيس بري حريصاً جداً عليه، انّه لن يقفل المجلس النيابي حتى تصاعد الدخان الابيض». واضاف: «ان شاء الله «يلي عم يعرقلو يتوقفوا عن العرقلة ونضع ايدينا بأيدي بعض ونخرج بانتخاب رئيس للجمهورية». وقال: «تقريباً 80 في المئة هناك نية لاستكمال الحوار، لكن الرئيس بري سيجري بعض الاتصالات المعينة كما يبدو مع الاطراف المسيحية التي لها مكانتها في هذا الاطار. الامور «ماشية» لكنها لم تُحسم بعد. وان شاء الله «بتنحسم وبيصير عنا» رئيس جمهورية آخر هذا الشهر».
ولاحقاً التقى تكتل «الاعتدال الوطني» مع تكتل «التوافق الوطني» في منزل الرئيس الراحل عمر كرامي في بيروت. وقال النائب فيصل كرامي بعد اللقاء: «نحن موقفنا موحّد، ونحن دائماً كنا مع الحوار، وأنا أردّد دائماً ما كان يقوله الرئيس الشهيد رشيد كرامي، من أنّ لا خيار ولا مناص ولا مهرب للبنانيين من الحوار بين بعضهم البعض».(…) فلا مناص لنا من الحوار شرط أن يكون بيد ممدودة وبقلب مفتوح وبلا شروط مسبقة، وعلى بند وحيد وهو الذهاب الى انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما عبّر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أبدى حرصه على هذه الشروط والتعبير عنها».
واضاف: «البلد لم يعد يحتمل المزيد من التأخير، رئيس الجمهورية ليس هو كل الحل، انما الحل يكون بوجود رئيس جمهورية ورئيس حكومة وسلسلة من الاصلاحات المطلوبة منا من أجل الوصول الى برّ الأمان والخروج من هذه الأزمة».
الراعي وجعجع
وفي سياق متصل، تلقّى الراعي أمس اتصالاً من رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع «حيث تداولا آخر مستجدات الوضع العام في لبنان وخصوصاً ملف انتخابات رئاسة الجمهوريّة».
وقد جاء هذا الاتصال بعد يومين على خطاب جعجع العالي النبرة في ذكرى شهداء «القوات اللبنانية» وبعد الانتقاد الذي وجّهه احد نواب «القوات» لموقف البطريرك الذي ايّد مبادرة بري الداعية الى الحوار والجلسات المتتالية لانتخاب رئيس للجمهورية.
وإلى ذلك حضرت المبادرة الفرنسية في لقاء الراعي في بكركي مع السفير الفرنسي الجديد هيرفيه ماغرو. وقد عرضا للعلاقات الثنائية بين لبنان وفرنسا وآخر التطورات المرتبطة بالمساعي الفرنسية ومهمّة لودريان في الأيام القليلة المقبلة.
وعلمت «الجمهورية»، انّ ماغرو لم يتلق بعد أي تعليمات محدّدة حول برنامج زيارة لودريان الثالثة لبيروت وموعدها، وذلك في انتظار الجديد الذي يمكن ان تقود اليه الاتصالات التي يجريها لودريان من باريس مع أطراف اللقاء الخماسي والمسؤولين اللبنانيين، في ضوء ما تلقّاه من اجوبة نيابية على الرسائل الـ 38 التي وجّهها الى النواب اللبنانيين.
والتقى الراعي القنصل المصري في لبنان المستشار محمد المشد، الذي قال انّه ناقش معه «آخر المستجدات والتطورات على الساحة اللبنانية خصوصاً في ما يتعلق بموضوع انتخاب رئيس للجمهورية والتوضيح انّ سرعة انتخاب رئيس يحظى بتوافق جميع التيارات والاحزاب السياسية يصبّ في مصلحة ألشعب اللبناني».
مسار رابع
وبرز امس موقف جديد لـ«حزب الله» ردّ فيه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم على قول رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، بتحمّل الفراغ الرئاسي لأشهر وسنوات «لأنّهم غير مستعدين لتحمّلنا»، فقال: «الشعب ليس مستعداً لتحمّل الفراغ في انتظار تحقيق مشروعكم الذي تحلمون به ولا أفق له».
وأضاف: «الأفضل لو تقدمون بخطوات واقتراحات وطنية تُمهِّد لجلسات الانتخاب كما تقدَّم الرئيس برِّي بفكرة الحوار بتوقيت محدّد ثمَّ جلسات للانتخاب تُظهِر النتيجة كما كانت». وقال: «نحن نسير في ثلاثة اتجاهات إيجابية، اتجاه الحوار مع «التيَّار الوطني الحر»، اتجاه الموافقة على الحوار الذي أطلقه الرئيس بري، اتجاه الحوار الذي دعا إليه لودريان الفرنسي. ولو وُجدَ مسارٌ رابعٌ فيه إيجابية لكُنَّا مستعدين أن نسلكه. فهذه وجهة نظرنا دوماً».
«التيار» يشترط
وفي غضون ذلك، اعلن المجلس السياسي لـ«التيار الوطني الحر» بعد اجتماعه الدوري برئاسة رئيس التيار النائب جبران باسيل، «موقفه الثابت القائم على استعداده الايجابي للمشاركة بأي حوار يتوصل سريعاً الى نتائج عملية تفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية، على ان يُحدّد شكل هذا الحوار فلا يكون تقليدياً بل عملياً وفعّالاً، ويمكن ان يحمل اشكالاً متنوعة ثنائية أو متعدّدة الاطراف، وان ينحصر جدول اعماله ببرنامج العهد (الاولويات الرئاسية) ومواصفات الرئيس واسمه».
وربط «التيار» مشاركته في الحوار «بضمانات ان ينتهي هذا الحوار بجلسات مفتوحة للمجلس النيابي لانتخاب الرئيس، لا تتوقّف حتى حصول هذا الانتخاب»، مشيراً الى انّه «ينتظر من اصحاب الدعوات الى هذا الحوار الاجوبة اللازمة ليتحدّد الموقف النهائي للتيار على اساسها».
«الجمهورية القوية»
ومن جهته، استشهد تكتل «الجمهورية القوية» في بيان أصدره اثر اجتماعه الدوري، أمس، عبر تطبيق «زوم»، بتوصيف شارل مالك للحوار وشروط نجاحه الخمسة، وقال: «نؤكِّد أنّ الحوار يشكل مطلبًا من أجل التوصل إلى حلول ونتائج، أي إنّ المطلوب الحوار الجدي الذي تتوافر فيه شروط نجاحه، ولا يكون مسرحية لتأييد الأمر الواقع القائم، وما يحصل منذ العام 2006 إلى اليوم في موضوع الحوار إنما هو مسرحيات ممجوجة ومكشوفة». وأكد أن «الحوار وجد لحلّ النزاعات والخلافات، ولسنا إطلاقًا ضدّه كمبدأ وقيمة إنسانية، بل كنا دائما مع حوار الحياة والفكر، إنما ضدّ الحوار أولا لمجرّد الحوار واستخدامه كوسيلة لتغطية الأمر الواقع مع فريق أثبت بالتجربة الطويلة أنه ينقلب على كل ما يتم الاتفاق عليه، ويرفض البحث في السبب الجوهري المسبِّب للأزمة اللبنانية، وضدّ الحوار ثانيًا في غير موضعه الفعلي أي في انتخابات رئاسية ينص الدستور بشكل واضح على أنّها تحصل في البرلمان وليس حول طاولة حوار يتحوّل معها مجلس النواب إلى «لويا جيرغا» وظيفته التصديق على ما تقرره طاولة الحوار خلافا للدستور».
وأضاف: «أنّ الممانعة تلجأ إلى فرض أمر واقع خارج المؤسسات لإلغاء دورها حين تشاء، والعودة اليها عندما تضمن نتائج الآليات الديموقراطية بوسائلها غير الديموقراطية فرضًا وترهيبًا وترغيبًا والغاء، كي تستخدمها لحساب مشروع هيمنتها على لبنان».
واعتبر التكتل «أنّ الحوار في الموضوع الرئاسي يعني الخروج عن نص دستوري والذهاب في اتجاه تكريس عرف جديد خلافًا للدستور، لأن الانتخابات الرئاسية تحصل في البرلمان وفقًا للآليات الانتخابية المعروفة، ومن الواضح أن الممانعة التي انتزعت الثلث المعطِّل في اتفاق الدوحة خلافًا للدستور، تسعى لتكريس الميثاقية المذهبية بدلاً من الميثاقية الوطنية المسيحية-الإسلامية، وتريد اليوم عن طريق الإصرار على الحوار أن تكرِّسه مدخلاً لكل انتخابات رئاسية بدلاً من البرلمان، ما يعني إبطال دور مجلس النواب وإلغاء العملية الانتخابية».
ورأى انه «من الواضح أن الممانعة لا تريد المجازفة بانتخابات رئاسية عن طريق اعتماد الآلية الانتخابية التي قد تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية تعارض انتخابه، ولو لم يتعطّل مثلا النصاب في الجلسة الرقم 12 في 14 حزيران الماضي لكان انتخب الوزير السابق جهاد أزعور رئيسا للجمهورية». واكد «المطلوب دائما تطبيق الدستور لا اعتماد مقايضات تؤدي إلى مزيد من نسف هذا الدستور على طريقة أعطوني حواراً وخذوا جلسات مفتوحة، فيما الدستور يقول بجلسة انتخابية واحدة على دورات متتالية حتى يتم انتخاب الرئيس».
وقال: «لم تعد تنفع المعالجات السياسية التقليدية، بل بات الوضع يحتاج إلى انتفاضة وجودية عميقة تضع حداً للانقلاب الذي يقوده «حزب الله» وفريقه السياسي والأمني للاستيلاء على لبنان وتحويله بلداً لا يشبه أهله ولا تاريخه».
وفي المقابل، أعلن المكتب السياسي الكتائبي في بيان، بعد اجتماعه أمس، أنّ «معالجة الأزمات في لبنان باتت تتخطّى حواراً لأيام من هنا أو مبادرة خارجية من هناك لإيجاد حلول لانتخابات رئاسية يريدونها معلّبة سلفاً».
ملف النازحين
وعلى وقع التطورات والمستجدات في الوضع العربي وفي القضايا التي اُثيرت في قمة الرياض الاخيرة، وحصيلة مساعي المصالحات العربية التي انطلقت منها في موازاة النتائج التي ترتبت على اعادة الزخم الى العلاقات الايرانية ـ السعودية عقب اللقاءات الاخيرة، وما هو مرتقب على مستوى القمة بين الرياض وطهران، بدأت امس اجتماعات الدورة 60 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، ويشارك فيها لبنان بوزير خارجيته عبد الله بوحبيب والى جانب نظرائه العرب والأمين العام لجامعة الدول العربية.
وعلمت «الجمهورية»، انّ بوحبيب سيلتقي عدداً من نظرائه على هامش هذه الاجتماعات، باحثاً في العلاقات بين لبنان والدول العربية عموماً وملف النازحين السوريين، خصوصاً في ضوء وأعمال اللجنة الوزارية السداسية العربية المكلّفة هذا الملف، والتي ستعقد اجتماعها الثاني مطلع الشهر المقبل بعد اجتماعها الأول الذي كانت عقدته في الرياض في 15 و16 آب الفائت.
وكذلك سيشارك بوحبيب في اجتماعات المنتدى العربي – الياباني المنعقدة في القاهرة في حضور وزير خارجية اليابان ومسؤولين كبار من مؤسسات مالية واقتصادية ومن اختصاصات مختلفة حكومية وخاصة.