كتبت صحيفة “الشرق الأوسط”: انتقد البطريرك الماروني بشارة الراعي “انتهاك الميثاق الوطني” عبر تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، في وقت لم يسجّل فيه أي جديد على خط الملف الرئاسي المترقب جهود الخارج، لا سيما الفرنسية منها، في حين يصر “الثنائي الشيعي” (حزب الله وحركة أمل) على اعتبار أن الحوار هو الحل لهذه الأزمة وهو ما يرفضه الفريق المعارض وعلى رأسه معظم الأحزاب المسيحية.
وفي عظة الأحد، قال الراعي: “في زمن الأسئلة، نسأل: لمصلحة من تُحرم دولة لبنان من رئيس لها، من دونه تنشلّ المؤسّسات؟ ولماذا يُنتهك منذ عشرة أشهر الميثاق الوطنيّ لسنة 1943 الذي كرّسه اتّفاق الطائف سنة 1989، وينصّ على أن يكون رئيس الجمهوريّة مسيحيّاً مارونيّاً، ورئيس مجلس النوّاب مسلماً شيعيّاً، ورئيس الحكومة مسلماً سنيّاً، كتعبير فعليّ للعيش المشترك؟”. وأضاف: “نسأل بالتالي النافذين الممعنين في انتهاك هذا الميثاق الوطنيّ: كيف توفّقون بين هذا الانتهاك السافر والمتمادي ومقدّمة الدستور التي تنصّ على أنه لا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك؟ ألا يطال هذا النصّ شرعيّة ممارسة المجلس النيابيّ والحكومة؟”. وأضاف: “طرحنا هذه الأسئلة لأنّنا متمسّكون بالثوابت الوطنيّة: المؤسّسات الدستوريّة، ميثاق العيش المشترك بالتكامل والمساواة والاحترام المتبادل، لبنان وطن لكلّ أبنائه مع الولاء الكامل له دون سواه، سيادة لبنان الداخليّة على كامل أراضيه”.
في المقابل، جدّد المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان خلال حفل تأبيني في بيروت التأكيد على أهمية الحوار للتوصل إلى تسوية، وقال: “لمن يصر على أن اللعبة الديمقراطية ضربة حظّ: إنّ الضرورة الوطنية التي تلزمنا بانتخاب رئيس هي نفسها تلزمنا بإطلاق نفير وطني لإنقاذ العيش الوطني والكيان اللبناني من أسوأ تهديد وجودي، وهذا يعني أن القوة الناخبة مطالبة بالإنقاذ الوطني بسياق الإنقاذ الرئاسي، وهذا يلزمها بالحوار والتسوية وليس بلعبة حظّ”.
لكن هذا الطرح يرفضه مطران الروم الأرثوذكس إلياس عودة، معتبراً أنه يتناقض مع الدستور في استحقاق الرئاسة، وقال: “يكررون الحديث عن الحوار. الحوار أمر محمود ومبارك، لكن فيما يخص انتخاب الرئيس، هل يتوافق الحوار مع بنود الدستور؟ هل نص الدستور على حوار يسبق انتخاب الرئيس، أم أن على مجلس النواب أن يلتئم في دورات متتالية لانتخاب رئيس، كما قلنا وكررنا منذ بداية شغور كرسي الرئاسة؟”. وأضاف “نحن في بلد ديمقراطي لكنه لم يصل بعد إلى الممارسة الديمقراطية الصحيحة، ولم يعِ المسؤولون فيه أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من هنا، من احترام الدستور وتطبيقه”.
باسيل والحوار
في موازاة ذلك، يستمر الحوار بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذي يضع “شروطا” تنطلق من القبول باللامركزية الإدارية والصندوق الائتماني اللذين يطالب بهما “التيار” للتوصل إلى اتفاق حول الرئاسة. وهو ما لفت إليه رئيسه النائب جبران باسيل، في كلمة ألقاها في العشاء السنوي لهيئة قضاء البقاع الغربي.
وقال: “التيار يرى في انتخاب رئيس الجمهورية فرصة، ولكن ليس هو الحل الوحيد، هو ضروري ولا نستطيع القيام بأي شيء من دون وجود رئيس للجمهورية، ولكن ليس وحده لذا طرحنا هذين الموضوعين أي اللامركزية الإدارية والصندوق الائتماني ورأينا أنه إذا أردنا أن يكون عهد الرئيس المقبل ناجحا، علينا أن نقوم بتغيير حقيقي في البلد على الأقل على مستوى حياة الناس، وأدرك أن هذين الأمرين لا يمكناننا من إيجاد الحلول لمشكلة السلاح ولا لمشكلة الاستراتيجية الدفاعية، وعلاقتنا مع أي من الدول ولكن يسمحان للبنانيين بالعيش بكرامتهم وأن تصل إليهم الخدمات كما يجب”.
وأوضح أن حوار “التيار” مع “حزب الله” هو فقط حول هذين الأمرين لينتخب على أساسهما رئيس للجمهورية يتوافق مع هذا المشروع لبناء الدولة، لأننا لن نقبل برئيس لا يجسد للبنانيين فكرة الدولة ونأمل أن يتوسع هذا الحوار ليطال جميع الأفرقاء.
في غضون ذلك، قال رئيس لجنة المال والموازنة النائب (في التيار) إبراهيم كنعان إن “الموضوع الرئاسي على نار حامية، وهناك ضغط عربي ودولي لعدم استمرار التعطيل، خصوصاً أن لبنان لا يمكن أن يحتمل أكثر اقتصادياً ومالياً ونقدياً، وأتوقع عملاً جدّياً على كل المستويات في الأسابيع المقبلة لإنهاء الشغور”.
ولفت كنعان في حديث إذاعي إلى أن “الحوار ضروري. وهو لا يتعلّق بشخص الرئيس فقط، بل بتوحيد الرؤى والقراءات على الملفات المطروحة. حتى لا تعطّل الإشكاليات مسيرة إنقاذ لبنان مالياً واقتصادياً واجتماعياً”، وقال “الرئيس ليس حاكماً مطلقاً، بل نحن للأسف في نظام توافقي (ديمقراطي) يتطلب الإجابة على أسئلة ماذا سنفعل مع صندوق النقد والكهرباء وإعادة هيكلة المصارف واستعادة أموال المودعين. من هنا، لبنان يحتاج إلى رؤية إنقاذية ضرورية للمرحلة المقبلة، والمسؤولية الكبيرة تعود على القوى السياسية للتفاهم على هذا الأمر. وقد سبق للتيار الوطني الحر أن طرح قبل انتهاء ولاية الرئيس عون ورقة أولويات رئاسية، للحوار والتطوير، لا مع حزب الله فقط، بل مع كل القوى السياسية في البلاد”.