ينتظر أن يكون الاسبوع الطالع حافلاً بالتطورات التي سيختلط فيها الرئاسي بالحكومي والتشريعي والامني والمالي وتقرير التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان الذي بدأ يتفاعل على كل المستويات، فهناك جلسة لمجلس الوزراء وأخرى لمجلس النواب وعلى جدول أعمالهما مواضيع تأخذ طابع الضرورة، في ظل متابعة للمعالجة الجارية لذيول حادثة الكحالة وقبلها أحداث مخيم عين الحلوة، بالاضافة الى التحركات الجارية علناً او بعيداً عن الاضواء في شأن الاستحقاق الرئاسي استعداداً لعودة الموفد الرئاسي الفرنسي الشهر المقبل، وما سيحمله معه من طروحات للدفع في اتجاه انجاز هذا الاستحقاق.
يتفاعل مضمون التقرير حول التدقيق الجنائي الذي أجرته شركة “الفاريز اند مارسال” في حسابات مصرف لبنان في مختلف الاوساط السياسية والمالية والمصرفية وفي الخارج، متزامناً مع الملاحقات القضائية لحاكم المصرف السابق رياض سلامة، الى نحوٍ يكاد يصرف الانظار عن الملفات الكبرى التي تغطي المرحلة وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي والحوادث الامنية المتنقلة، والمخاوف من حصول مزيد منها، والتي يحاول البعض إدراجها في اطار ضغوط داخلية وخارجية تتعلق بالاستحقاق الرئاسي.
وفي هذا الاطار قال المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، لـ”الجمهورية” تعليقاً على مضمون التقرير الجنائي: “للأسف، وبالنظر الى مضمون عقد التدقيق الجنائي الموقع بين الدولة اللبنانية وشركة “الفاريز اند مارسال”، والقيود الواردة فيه، فإنه بموجب المادة 5 من العقد، لا يحق للدولة اللبنانية استعمال التقرير امام القضاء الا بعد موافقة الشركة التي يعود إليها في هذه الحال وقبل اجازة الاستعمال، الحَق في تعديله وتكييفه او حذف اسمها عنه وجَعلِه unmarked. الأمر الذي لا يرقى بهذا التقرير إلى مرتبة اعتماده كونه not reliable في حد ذاته. اي انه لا يمكن الارتكاز إلى صيغة التقرير الذي أرسله وزير المال إلى رئيس مجلس النواب ومنه إلى النواب، حيث جاء في أكثر من فقرة من العقد تعبير Report on a non-reliance basis. وإن كان هذا التقرير، في نظري، يمكن الاستفادة منه للمساعدة في إجراء تحقيق جديد أو في استكمال تحقيق قائم. كما أرى انه على رغم مما تقدم يمكن الاستفادة من هذا التقرير كـ”مُرتكَز حكومي” لإجراء إصلاحات في مصرف لبنان او اتخاذ موقف من الحاكم في ما لو كان لا زال في منصبه، او مستندا للمساءلة البرلمانية للسلطة التنفيذية، أكثر منه أداة محاسبة قضائية بالمعنى التنفيذي المباشر. هذا في الشكل. كذلك بالنسبة الى المضمون يجب درس الأفعال الواردة في التقرير والمنسوبة إلى إدارة مصرف لبنان لمعرفة ما اذا كانت تنطبق على الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني. هذا من الناحية التقنية البحتة بصرف النظر عن موقفي الشخصي المبدئي المناهض لسياسة الصرف من الأموال العامة احتياطات اموال المودعين على مصاريف تتجاوز دور مصرف لبنان ونطاق عمله”.
وفي سياق متصل كتب رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عبر منصة “اكس”: “انّ التقرير أظهر كثيراً من المخالفات والسرقات للمال العام واموال المودعين، واخطر ما كشفه ان كلفة الهندسات المالية المباشرة بالاضافة الى العلاوات بلغت ?? مليار دولار، وهي تساوي فجوة مصرف لبنان المالية. هذه جريمة مالية غير مسبوقة في تاريخ البشرية ومسؤولية القضاء التحقيق والمجلس النيابي ان يتحرّك، لأنه من حق اللبنانيين ان يعرفوا من سرق اموالهم”. واعتبر ان “المعركة لم تنتهِ بالتقرير، وما بتخلص الّا بتسليم كل المستندات المطلوبة وهذه اليوم مسؤولية النائب الأول للحاكم، وباستكمال التدقيق في المصرف المركزي وبكل مؤسسة او ادارة وخصوصاً وزارة الطاقة لتبيان كل الحقائق والاكاذيب”.
“التيار” و”الحزب”
وعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي لم يسجل اي جديد ملموس فيما اهتمامات المعنيين به في الداخل والخارج منصَبّة على الحوار الجاري بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، اذ على نتائج هذا الحوار ستحدد المسارات التي سيسلكها هذا الاستحقاق وموازين القوى التي ستحكمه لدى عودة الموفد الفرنسي.
وفي الوقت الذي سادت توقعات بأن تتبلور قريباً نتائج الحوار بين “التيار” و”الحزب” في ضوء اوراق العمل المتبادلة بينهما، قال عضو تكتل “لبنان القوي” النائب اسعد درغام في حديث مُتلفز امس ان تأييد التيار لترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجبة “وارد جداً إذا قبل “الحزب” بشروط “التيار” الثلاثة، أي الصندوق الائتماني وبناء الدولة واللامركزية. ونطمح الى اتفاق مع الحزب قبل أيلول”. واضاف “التيار لن يقبل إلا بأن تكون اللامركزية الادارية ماليةً أيضاً، ولم نسمع رفضاً من الحزب على هذه النقطة وننتظر ملاحظاته على ورقتنا المكتوبة”. واشار الى ان” الحوار مع الحزب بعد حادثة الكحالة لن يخسرنا مسيحياً، فصحيح أن ما حصل مُدان، لكنّ نظرتنا وطنية. وما النفع اذا ربحنا بالمفرّق وخسرنا بالجملة على الصعيد الوطني”.
في غضون ذلك، وفيما بَدا انّ الاتصالات نجحت في تطويق ذيول حادثة الكحالة بعد وضعها في عهدة المؤسسات العسكرية والامنية المختصة، تترقب الاوساط المواقف السياسية التي سيعلنها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في اطلالته مساء اليوم لمناسبة ذكرى الانتصار في حرب تموز 2006، والتي لن تخرج عن سياق التهدئة والتشديد على الوحدة الوطنية وعدم الانجرار الى الفتنة.
ودعا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظةٍ خلال تدشين مذبحي كنيسة أم المراحم وكابيلا القديس شربل في القعقور، الى تسليم امر التحقيق في حادثة الكحالة “لمؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية والقضاء، لإيماننا الدائم بالدولة ومؤسساتها”. وقال: “لا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة، وأكثر من جيش شرعي، وأكثر من سلطة، وأكثر من سيادة. بهذا المنطوق يجب تطبيق إتفاق الطائف بكامل نصه وروحه، وقرارات الشرعية الدولية بشأن سيادة دولة لبنان على كامل أراضيها”. وأضاف: “في هذا الظرف حيث نحن أمام نظام إقليمي جديد يثير المخاوف والقلق، يجب الابتعاد عن المغامرات، بل الذهاب إلى إنتخاب رئيس للجمهورية بأسرع ما يمكن إذ ليس من مبرر لعدم انتخابه منذ أيلول الماضي”.
من جهته رأى رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد خلال احتفال تأبيني في بلدة حداثا الجنوبية “انّ المسألة ليست مسألة شاحنة انقلبت على كوع الكحالة، واستدعت ردة الفعل الهوجاء لبعض المحرضين الذين استجابوا لتعليمات من الغرف السوداء التي كانت تحركهم”.
وأضاف: “المسألة كانت مسألة موقف من المقاومة، لأنهم لا يريدون مقاومة في هذا البلد ولا حتى شيئا بسيطا من أثرها، وهذه الشاحنة أثر من آثار المقاومة، ولكن هذه الشاحنة وأمثالها تنقل ما يخدم حراسة المقاومة لأمن المعترضين ولأمن اللبنانيين ولسيادتهم في وطنهم”. وقال: “هؤلاء قاصرو النظر، وعلينا أن نتحملهم لأنهم أهل بلدنا، ولكن عليهم أن ينتبهوا الى أن الغلط لا يمكنه أن يتكرر، ولا تجعلوننا نفكر أبعد من أنكم قاصري النظر وأنكم تريدون أن تخرجوا من التزاماتكم باتفاق الطائف، علماً أن من لا يريد المقاومة، يعني أنه لا يريد اتفاق الطائف، وبالتالي عليكم أن تنتبهوا إلى أين تأخذون البلد وتجروه”.
مجلس الوزراء
وفي موازاة الاهتمام الذي ما زال قائما في شأن حادثة الكحالة ومتابعة التحقيقات الجارية، يتوقع ان تؤدي عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الخارج الى استئناف البحث في مشروع قانون الموازنة للعام 2023 في جلسة مجلس الوزراء التي ستنعقد بعد غد الاربعاء، وكذلك للبحث في بعض البنود المؤجلة من الجلسة السابقة وملفات مختلفة.
وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” ان الجلسة ستناقش بعض القضايا الطارئة، ومن بينها مستحقات موظفي “تلفزيون لبنان” في ظل ايقاف البث ليوم واحد، وما انتهت اليه المفاوضات بين وزير الاعلام ونقابة موظفيه. كما سيتناول البحث نتائج التحقيقات في حادث الكحالة حيث سيقدم وزير الداخلية بسام المولوي تقريراً حول ما حصل في غياب اي تقرير عن التحقيق العسكري أو العدلي في ظل مقاطعة وزيري الدفاع العميد موريس سليم والعدل القاضي هنري خوري اللذين يقاطعان جلسات مجلس الوزراء منذ نهاية ولاية الرئيس ميشال عون.
مجلس الأمن
وتحضيرا للجلسة من المقرر أن يترأس وزير الداخلية ظهر اليوم اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي في حضور قادة الاجهزة الامنية لاستكمال البحث في التطورات الامنية، لا سيما منها تلك المتصلة بحادثة الكحالة وكذلك بأحداث عين الحلوة وما آلت اليه الإتصالات الجارية مع القيادات الفلسطينية، وخصوصا تلك التي اجراها المدير العام للامن العام بالوكالة اللواء الياس البيسري. وما قطعته التحقيقات الجارية في حادثة الكحالة حتى اليوم.
جلسة تشريعية
تزامنا سينتقل الاهتمام يوم الخميس المقبل الى الجلسة التشريعية التي دعا اليها رئيس المجلس نبيه بري لدرس مجموعة من مشاريع القوانين من بينها نسخة منقحة من قانون “الكابيتال كونترول” والصيغة النهائية للصندوق السيادي لعائدات الثروة النفطية الذي انهت لجنة المال والموازنة درسه الأسبوع الماضي.
ومن المتوقع أن تبت الجلسة بمشروع قرض يتعلق بالطاقة المتجددة وكيفية قوننته، ومشروع اتفاقية مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإنشاء مركز اقليمي في لبنان بالإضافة الى العريضة النيابية المقترحة للرد على القرار الذي اصدره البرلمان الاوروبي قبل نحو شهر تقريبا رفضا للمواقف التي عبر عنها في شأن النازحين السوريين في لبنان.
وقبل ايام على الجلسة ما زالت الاتصالات جارية للتثبت من امكان ان تشهد نصابا قانونيا، ذلك أنه من المفترض ان يتوافر نصف أعضاء المجلس زائدا واحدا، وهو رقم لا يتأمن ما لم يشارك نواب كتلة “لبنان القوي” و”اللقاء الديمقراطي”. وهو أمر لم يبت به نهائيا في انتظار الاتصالات المرتقبة في الايام الفاصلة عن الموعد المحدد، حيث من المتوقع ان يعقد خلال الساعات المقبلة لقاء بين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ومسؤول التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا، وذلك استكمالاً للاتصالات التي يشارك فيها نواب من الطرفين تتناول، بالإضافة إلى هذا الموضوع، حادثة الكحالة ايضاً.