كتبت صحيفة “الجمهورية”: تجاوزَ لبنان، العالِق منذ نحو عشرة اشهر على «كوع» الفراغ الرئاسي، قطوعا خطيرا على «كوع» الكحالة، على رغم من تسابق كثيرين الى الاستثمار السياسي والشعبوي في ما حصل قبل ان يكتشفوا ان هذا الاستثمار لا ربحية فيه ولا يمكن ان يغير في المعادلات القائمة لا رئاسيا ولا سياسيا. وقد نقلت اوساط قريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ»الجمهورية» عنه تأكيده ان لبنان تجاوز «قطوعا كبيرا» في الكحالة. فيما أبلغت اوساط سياسية واسعة الاطلاع الى «الجمهورية» ان «ما حصل في الكحالة وما تلاه من استثمار سياسي وطائفي هو نتاج نَزَق بعض الأطراف الداخلية والتنافس على الاستقطاب والشعبوية». وأشارت الى ان «المزايدات بين بعض القوى الحزبية كادت تؤدي إلى فتنة لا تحمد عقباها»، مشددة على «ان المرحلة الحرجة تتطلب التحلي بأعلى درجات الحكمة».
لم يستفق لبنان بعد من هول المشهد الذي كاد ان ينزلق على كوع الكحالة الى فتنة اصبحت تتنقل من منطقة الى اخرى ويُكمنها غياب القرار تحت الرماد. وقد وصفه مصدر سياسي رفيع بأنه تفصيل ضمن مشهدية ابعد، قائلا لـ»الجمهورية»: «سنطوي سريعاً صفحة كوع الكحالة كما طوي ما قبلها، لأن لا قرار بإشعال فتنة انما توظيف واستثمار لأحداث بعضها مقصود وبعضها مصادفة بغض النظر عن الضغوط الخارجية التي تمارس على القوى السياسية لحضها على انتخاب رئيس للجمهورية». ورأى المصدر «ان ما حصل في الكحالة ليس غريبا فالبلد منقسم وهناك من لا يضيع اي فرصة للانقضاض على «حزب الله» وسلاحه فكيف اذا اتت هذه الفرصة اليه «عالبارد» قبل ان يحولها ناراً».
وعما اذا كان قائد الجيش هو الذي تأثر بهذا الحادث سلبا او ايجابا قال المصدر: «لا مقياس لفرص نجاحه على هذا الامر لان المعركة الرئاسية لا تصرف على كوع وباتت ابعد بكثير، ومن يقول غير ذلك انما يبسّط الامور، لا طلعة ولا نزلة في بورصة قائد الجيش واذا أصرّ البعض على الاحتساب فيمكن ان تكون نقص نقاط عند القوى المسيحية التي كانت تدعم ترشيحه والذين طمحوا لأن يقف الجيش في وجه الحزب لكن هذا الامر يتبدل مع الايام».
وفي الوقت الذي تمكن الجيش من ضبط الوضع ومنع الفتنة على رغم مما شنه بعض القوى السياسية من حملات عليه، نشطت الاتصالات في كل الاتجاهات لتطويق ذيول الحادثة. وفيما واظب بعض الاحزاب على اعلان خطاب تصعيدي ضد «حزب الله» وحلفائه من دون انتظار ما ستكشفه التحقيقات من حقائق ووقائع حول ما حصل، اعلن الحزب خلال تشييع احد عناصر مواكبة الشاحنة التي كانت تنقل ذخائر للمقاومة عندما انقلبت عند كوع الكحالة انه لن ينجر الى الفتنة.
وكتب الرئيس ميشال عون عبر منصة «أكس»: «شاء القضاء والقدر أن تقع حادثة الأمس في الكحالة، وتطورت تداعياتها، وكاد التحريض والاستثمار أن يجعلا منها مدخلا لفتنة نعرف كيف تبدأ ولا نعرف كيف تنتهي». ورأى ان «المطلوب اليوم هو التهدئة، بدل التحريض، ومد جسور الثقة بدل بث سموم الكراهية، وانتظار نتائج التحقيق». محذرا من ان «الهيكل إذا سقط فلن يسلم أحد، خصوصا في الظروف التي تحيط بنا، وما من منقذ في الأزمات سوى الوحدة الوطنية فتمسكوا بها».
ودانت كتلة «الوفاء للمقاومة» في اجتماعها الدوري برئاسة النائب محمد رعد «التوتير المبرمج والظهور الميليشياوي المسلح الذي شهدته بلدة الكحالة». ورأت «أنّ ذلك هو نتاج التحريض والتعبئة الغبيّة والحاقدة التي تشكّل مادّة فتنويّة يعمد إلى توظيفها قاصرو النظر أو المتورطون في المشاريع المعادية لمصالح لبنان واللبنانيين». وقالت «أنّ هذا التوتير وما نجم عنه هو بعهدة التحقيقات الجارية لتأكيد الوقائع وكشف المتورطين والمحرضين وسوقهم الى العدالة».
تحقيقات حادثة الكحالة؟
وبعد نحو 16 ساعة تقريبا على حادث الكحالة باشَر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي التحقيق فيها موجها الأجهزة المختصة الى مكان الحادث بعدما ازيلت مظاهره ونقلت شاحنة الاسلحة بحمولتها الى أحد المراكز العسكرية، كما قال بيان لقيادة الجيش. وهو ما تسبب بسيل من المواقف التي انتقدت بقوة التاخير في حضور الاجهزة وخصوصا القضاء العسكري الذي كان عليه ان يكون اول الحاضرين الى مسرح الحادث وهو ما دفع بوزير الداخلية القاضي مولوي الى التعبير صراحة عن عدم حضوره منذ اللحظة الأولى لوقوع الحادث.
وتزامنا باشرت عناصر من فصيلة بعبدا في قوى الامن الداخلي تحقيقاتها منذ ليل الأربعاء في الحادثة وقامت العناصر بجمع الادلة والكشف على مسرح الجريمة. وهو إجراء تلاقى وموعد تسريب التقرير الذي أعده الطبيب الشرعي الذي قال بعد الكشف على جثتي الضحيتين فقال «أنّ فادي بجاني الذي قتل في مكان الحادث قضى بثلاث طلقات وان أحمد علي قصاص قضى بسبع طلقات».
وكشفت التحقيقات الأولية التي ارتكزت على كاميرات المراقبة، أن الشاحنة انقلبت بحادث عرضي، وسيحدد القاضي عقيقي الجهة المخولة متابعة التحقيق لاحقاً على ضوء النتيجة، في حين لم يتم تحديد هوية من بدأ بإطلاق النار حتى اللحظة.
وقالت مصادر اعلامية ان المحضر بوقائع الجريمة وما جمع من معلومات أحيل الى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بناء على اشارة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية لاستكمال التحقيقات.
وكانت الكحالة، قد شهدت منذ صباح أمس هدوءا حذرا ولفها الحزن غداة ليلة صاخبة حزنا على فقدان أحد ابنائها فادي بجاني الذي يشيع عند الرابعة بعد ظهر اليوم إثر نقل جثمانه من المستشفى الى صالون كنيسة مار مطانيوس الكبير في الكحالة عند الحادية عشرة قبل الظهر.
رواية لم تكتمل
وتزامنا مع مجموعة التطورات القضائية والامنية التي رافقت اليوم التالي لحادثة الكحالة تسرب خبر عند الثالثة عصر أمس عن محاولة اغتيال تعرض لها وزير الدفاع العميد موريس سليم اثناء عبوره الطريق من الحازمية في اتجاه جسر الباشا لحظة وصوله مقابل «افران كيروز» فأصيبت سيارته برصاصة في الزجاج الأيسر الأمامي من دون أن تخرقه لانه مصفح ولم يصب الوزير بأي أذى ولا أي من العسكريين المرافقين.
وعقب هذه الرواية وما نقل عن الوزير ان هناك سيارة كانت تلاحق موكبه، اكد سليم انه بخير وينتظر التحقيقات الجارية بمشاركة الاجهزة الامنية. وافيد لاحقا انه لم يكن هناك محاولة اغتيال ولا من يطارده بعد الكشف الذي أجرته الشرطة العسكرية للمنطقة باشراف القضاء العسكري للمنطقة التي وقع فيها الحادث حيث تم العثور على رصاصات عدة سقطت في المنطقة وقدر مصدرها الضاحية الجنوبية لبيروت حيث تزامن الحادث مع اطلاق نار في الهواء إبّان تشييع عنصر حزب الله في روضة الشهيدين وهو ما تردد صداه في المناطق المجاورة وافيد عن أضرار لحقت بمناطق سكنية بين جسر الباشا وأطراف الحازمية .
ولاحقا صدر عن المكتب الإعلامي لوزير الدفاع بيان افاد أن الحادث وقع في الساعة الثانية و48 دقيقة أثناء انتقال موكبه من مكتبه في وزارة الدفاع، ولدى وصوله إلى منطقة جسر الباشا، تعرضت السيارة التي تُقله لرصاصة بالزجاج الأيسر الأمامي. لم يصب الوزير بأي أذى ولا أي من العسكريين المرافقين». ولفت الى ان «الشرطة العسكرية والأجهزة الأمنية تقوم بإجراء التحقيق اللازم والكشف على السيارة ومكان الحادث، بالتنسيق مع القضاء العسكري المختص».
كذلك اكد وزير الداخلية القاضي بسام مولوي «أن ما تعرضت له سيارة وزير الدفاع كان في الغالب نتيجة رصاص طائش لكننا ننتظر نتائج التحقيقات، والجيش ملجأ اللبنانيين وهو يقوم بواجباته ويتطلع الى السلم الأهلي وسلامة الشعب اللبناني كأولوية».
جلسة تشريعية
تشريعياً، على اثر ترؤسه إجتماعاً لهيئة مكتب المجلس دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة تشريعية، تعقد الحادية عشرة قبل ظهر الخميس المقبل، وذلك لمناقشة المشاريع والإقتراحات المدرجة على جدول الأعمال، ويتقدمها،حسب نائب رئيس المجلس الياس بوصعب، مشروع قانون الصندوق السيادي اللبناني ومشروع القانون الوارد بالمرسوم 9910 الذي له علاقة بالجمهورية للبنانية والاتحاد الدولي لجمعية الصليب الاحمر والهلال الاحمر، وانتاج الطاقة المتجددة الموزعة، لأن هناك قرضاً من البنك الدولي بحوالي 200 الى 300 مليون دولار سوف يعطى. وقانون الكابيتال كونترول الذي صار لدى الهيئة العامة وهناك فرصة للاستماع للحاكمية الجديدة لمصرف لبنان. وقد طلب بري من الامين العام لمجلس النواب التواصل مع نواب الحاكم لمعرفة ما اذا كان لديهم اي ملاحظات او معطيات جديدة لاخذها في الاعتبار. بالاضافة الى ان هناك عريضة نيابية بموضوع النازحين السوريين لمناقشة القرار الاوروبي المتصل بطبيعة النازحين والموقف النيابي اللبناني حياله.
وحول الجلسة التشريعية قال مصدر سياسي رفيع لـ»الجمهورية»: «اذا ارادوها ستعقد واذا لا يريدونها لا تعقد. هكذا ببساطة وليتحمل كل طرف مسؤوليته تجاه جدول اعمالها». وكشف ان عضو تكتل «لبنان القوي» النائب الان عون قال انه سيتواصل مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لمعرفة موقفه خصوصا ان الجلسة ستناقش الصندوق السيادي الذي يعتبره معركته الخاصة.
رواتب القطاع العام
وعلى الصعيدين المالي والمصرفي علمت «الجمهورية» ان التعامل السياسي مع طلب حاكم المصرف بالإنابة وسيم منصوري بتشريع الصرف المالي يوحي بأن لا تجاوب معه، ما يطرح سؤالاً عن رواتب القطاع العام وحاجات الجيش والقوى الامنية: هل ستكون بالليرة اللبنانية؟
وفيما يبدو ان الحاكم بالإنابة لن يتراجع عن التزامه بعدم المس بالإحتياطي، كشفت اوساط مطلعة لـ»الجمهورية» ان هناك مخرجاً وحيداً صعباً جداً امام منصوري وهو اللجوء الى السوق لشراء الدولار، مع الالتزام بمبدأ: لا مس بالودائع ولا اغراق للسوق بالعملة اللبنانية.
واذا نجح منصوري في تأمين الرواتب بالعملة الصعبة من خارج التوظيفات الالزامية لمصرف لبنان، سيحقق انجازاً عظيماً، خصوصاً انه حافظ منذ تسلّمه مهماته في حاكمية المصرف على سعر صرف الليرة اللبنانية. ويمكن له ان ينطلق من قانون النقد والتسليف الذي اعلن الالتزام به، لإبقاء الانضباط النقدي من جهة، وتأمين الدولار لزوم الرواتب وحاجات القوى الامنية والعسكرية من جهة ثانية، من خلال التعامل مع السوق وفق حجم ايرادات الدولة، من دون اي زيادة في ضخ الليرة. وعندها ستكون منصة صيرفة مخصصة حصراً للموظفين في القطاع العام.
على ان الفارق هنا بين عمل الحاكم السابق رياض سلامة والحالي بالإنابة وسيم منصوري هو ان لا مَس بالودائع حالياً، ولا خسائر مالية عبر صيرفة. ولذلك يبدو منصوري امام التحدي الاصعب، لتحقيق ما عجزت عنه الحكومة في تعاطيها مع رواتب الموظفين وحاجات الدولة.
عقوبات على سلامة
من جهة ثانية وزّعت سفارة بريطانيا في لبنان أمس بيانا أشار الى أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا أعلنت امس «فرض عقوبات منسقة ضد سلامة، وثلاثة من القريبين منه لدورهم في تحويل ما يربو على 300 مليون دولار من المصرف».
ولفت البيان الى أن «أفعال رياض سلامة استفاد منها هو شخصيا والقريبون منه على حساب الشعب اللبناني. فقد استفاد من عملية الفساد هذه أخوه رجا سلامة، ومساعدته سابقا ماريان حويك، وآنا كوساكوفا، حيث ملأوا جيوبهم بأموال تعود للشعب اللبناني. وقد فُرضت على هؤلاء الأربعة عقوبات تشمل تجميد أرصدتهم وممتلكاتهم ومنع سفرهم». وأوضح أن «هذه العقوبات نسقتها المملكة المتحدة مع اثنتين من شركائنا الأساسيين، الولايات المتحدة وكندا. وهي تدل الى التزام المملكة المتحدة بمكافحة الفساد في لبنان».
وذكر البيان أن «الفساد وانعدام الإصلاح أدّيا إلى أزمة اقتصادية مدمرة في لبنان، وهي أزمة يعتبرها البنك الدولي واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ المعاصر. وقد أدت هذه الأزمة إلى وقوع أكثر من 80 % من سكان لبنان في براثن الفقر. بينما لبنان مرتبته 154 من 180 على مؤشر مدركات الفساد العالمي لمنظمة الشفافية الدولية».
ونقلت وكالة «رويترز» عن إشعار نُشر امس على موقع وزارة الخزانة الأميركية على الإنترنت بأن الولايات المتحدة أصدرت عقوبات متعلقة بلبنان تستهدف سلامة وآخرين. وقد نفى سلامة، بحسب ما ذكرت قناة «سكاي نيوز»، الاتهامات الواردة في قرار العقوبات الأميركية والبريطانية والكندية، متعهداً بمواجهتها.
التدقيق الجنائي
في غضون ذلك تسلّم وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل النسخة النهائية الرسمية من التقرير الذي أعدّته شركة الفاريز أند مارسال المتعلق بالتدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان، لصالح الدولة اللبنانية بموجب عقد موقع بين الطرفين، وقد رفعه الوزير الخليل مباشرة ووفق الأصول وشروط العقد الى مقام رئاسة مجلس الوزراء.
ولاحقا اعلنت الامانة العامة لمجلس الوزراء انها تسلمت النسخة النهائية للتقرير الاولي للتدقيق الجنائي وعلى الفور وبناء لطلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أبلغت هذه النسخة «الى السادة الوزراء، والى الامانة العامة لمجلس النواب والمديرية العامة لرئاسة الجمهورية».