كتبت صحيفة “نداء الوطن”: نجح نواب حاكم مصرف لبنان في إلقاء حجر كبير في بركة مياه آسنة. فمع خروج رياض سلامة من الباب الخلفي محتفلاً مع بعض الموظفين المنتفعين بطريقة مستفِزة، عقد نواب الحاكم مؤتمراً صحافياً أطلقوا فيه صرخة احتجاج ضمنية على اقتراض الحكومة من البنك المركزي، لكن النائب الأول وسيم منصوري ترك الباب موارباً بموافقة مشروطة وبمبلغ محدود ولفترة محدّدة، على ان تلتزم الحكومة ردّ المبلغ الذي هو ممّا تبقى من حقوق المودعين .
كان واضحاً أنّ نواب الحاكم يلقون باللائمة على وزارة المالية العاجزة عن إعداد موازنة بلا عجز. وأكدت مصادرهم «أن الوزير يوسف خليل، الصامت الأكبر في هذا المشهد الاستثنائي في خطورته، كان خلال الأيام الماضية يعبّر في كل الاجتماعات عن عجزه، وعن صعوبة زيادة ايرادات الدولة لئلا تضطر الحكومة للإقتراض من مصرف لبنان»، مؤكدة استنتاجاً خطيراً «أنّ خليل كان أسوأ خيار لأسوأ مرحلة، وأنه يعيش في ظل رياض سلامة وعلي حسن خليل وينفذ اجنداتهما على قاعدة (أمرك سيدي)»! ووصفت مصادر مالية ما يقوم به نواب الحاكم بأنه «اشبه بتفجير صاعق مكبوت طيلة 30 سنة كان فيها رياض سلامة يموّل وزارة المالية ويسدّ عجزها بلا سؤال ولا جواب».
حكومياً، ظهر انقسام حاد مساء أمس بين وزراء «منظومة» يستسهلون الأمر كي يستمر حكم من يمثلون، وآخرين مثل سعادة الشامي الذي حذّر علناً، في كتاب رسمي، من خطورة الاستمرار في الاقتراض من البنك المركزي، فذلك « يزيد عبء الدين العام المتفاقم أساساً، وقد يقوّض جهود إقناع صندوق النقد الدولي ببرنامج يكفل استدامة ذلك الدين العام، فضلاً عن أنّ ذلك الاقراض يعتبر ظلماً إضافياً للمودعين». كما أكد الشامي «صعوبة ردّ القرض، خصوصاً اذا بلغ 1،2 مليار دولار لتغطية حاجة الدولة لستة أشهر»، مع كلام صريح للشامي «عن شبه استحالة ردّ ذلك المبلغ في المدى المتوسط، مع ترجيح عدم ردّه بتاتاً». وفي هذه الأجواء المضطربة، لم يقرر مجلس الوزراء ماذا يريد بعد توزيع مشروع قانون لم يحدّد فيه مبلغ القرض ولا مدته.
وكشفت مصادر مطلعة ان الانقسام سينسحب على النواب أيضاً، إذ ليست سهلة الموافقة على ذلك القرض المقرون بشروط أخرى مثل إقرار مشاريع قوانين مختلف عليها بقوة مثل «الكابيتال كونترول» وهيكلة المصارف والتوازن المالي، وإقرار موازنة بإيرادات كبيرة جداً ستأتي على حساب عموم الناس طالما يُحجِم يوسف خليل عن إجراء إصلاح ضريبي يزيد العبء على الأكثر قدرة على التحمل أو يخاف من ذلك. مع العلم بأن بين النواب والكتل السياسية الوازنة ايضاً من يدافع بشراسة عن مصالح الشركات والتجار والصناعيين والمصرفيين وأصحاب رؤوس الأموال.
ولا تستبعد المصادر حصول تظاهرات وإقفال طرقات في وسط المدينة ومحيط مجلس النواب، كما حصل سابقاً، عندما كانت تطرح مشاريع قوانين تهضم المزيد من حقوق المودعين. وهو ما هدّدت به بقوة مجموعة من جمعيات المودعين في تصريحات لـ «نداء الوطن» أمس.
على صعيد سعر الصرف، تحدث وسيم منصوري عن تحريره، وذلك الحديث يصدر لأول مرة من مسؤول رسمي بشكل واضح ومضمون صريح. بيد أن منصوري، وهو يتناول هذا الاستحقاق، أكد أنه سينفذه بعد موافقة الحكومة عليه وعلى إجراءاته لخلق منصة جديدة شفافة تعبر عن حقيقة العرض والطلب، وتوقع منصوري عدم صعود الدولار مع خطة تستعين بالقوى الامنية والقضاء ضد المضاربين.
وبالعودة الى سلامة، فقد احتفل في باحة صغيرة أمام البنك المركزي مع عدد من الموظفين، معظمهم عينتهم أحزاب وتيارات سياسية، وكان واضحاً من وجوههم وأسمائهم أنهم عبارة عن توظيفات سياسية كان سلامة يرضي بها أطراف «المنظومة» الحاكمة طيلة 30 سنة.
وفي تصريحات مقتضبة استمر سلامة في إنكار الكارثة المالية التي حلّت بالمودعين وعموم اللبنانيين، معتبراً «أن مصرف لبنان صمد وسيصمد بفضل الموظفين الذين احتفلوا به»، من دون أي كلمة عن مصير الودائع المجهول ولا عن القطاع المصرفي المفلس ولا الليرة المضمحلة القيمة.