كتبت صحيفة “الديار”: اي لبنان يريد المتنازعون؟ وكيف يريدون لبنان على شاطىء البحر الابيض المتوسط، حياديا ام لديه مقاومة قادرة على ردع اي عدوان اسرائيلي ضده؟ ذلك ان اجواء المعارضة تسعى الى ان يكون لبنان يتكل على جيشه فقط، وان يحترم القرار 1701، وان يرضى بربط النزاع في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا الى مرحلة اخرى قد يتم فيها بلورة ايجاد الحلول في الشرق الاوسط. اما تكتل الممانعة فيعتبر انه لا يكفي بالا يطلب الفرقاء نزع سلاح المقاومة، بل ان يعتبروا ان المقاومة التي تنبع من حزب الله وابناء الجنوب والبقاع وغيره، انما هذه المقاومة ترى في الاحتلال الاسرائيلي ومخططات الصهيونية استهدافا لدول الجوار العربي، اضافة الى العالم العربي بشكل عام. وان المخطط الصهيوني لا بد ان يستهدف لبنان لاحقا، وان «اسرائيل» بتاريخها لم تحترم القرارات الدولية، وهي لم تتوقف عند القرار 1701 حيث ان طيران العدو الاسرائيلي يخرق سيادة لبنان باستمرار، ولم يلتزم بتوقف كل فريق عن خرق سيادة الاخر. كما ان الجيش الاسرائيلي الذي يعتبر نفسه اقوى قوة في الشرق الاوسط، لا بد في اي لحظة ان يعتدي على لبنان، واذا استشعر الصهاينة في تل ابيب ان جيش العدو الاسرائيلي اصبح قادرا على ضرب المقاومة في لبنان وازاحتها عن حدود فلسطين المحتلة شمالاً. وفي ظل هذا التنازع الذي لا يعبر عنه صراحة المتنازعون في لبنان الا احيانا، فانهم يعبرون عن هذا الجزء من رؤيتهم للبنان في المرحلة المقبلة. فان هذا الصراع حصل بشأن رئيس الجمهورية القادم، خصوصا انه حصل تغيير في معطيات التحالف المسيحي اثر اتخاذ التيار الوطني الحر موقف التقاطع، على ما اسموه كلهم، مع القوات اللبنانية وحزب الكتائب. وساهم في الامر اتخاذ الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة رئيسه الوزير جنبلاط موقفا مع المعارضة المؤيدة للمرشح الرئاسي الوزير جهاد ازعور. اما فريق الممانعة فرأى في البداية ان ترشيح ازعور هو ترشيح مؤامرة وترشيح مناورة. كما ان الجمهور المؤيد لحلف الممانعة من الثنائي الشيعي الوطني الى الوزير فرنجية وتيار المردة وحلفائهم من سنة ومسيحيين، فان هذا الحلف اعتبر جنبلاط بموقع الغدر لهم، وجبران باسيل بموقع الخيانة لهم ايضاً. ولذلك فان المعارضة او الذين ايدوا ترشيح جهاز ازعور الذي حصل على 59 صوتا، اعتبروا انهم هم المنتصرون. كذلك حلف الممانعة بمجمله اعتبر الوزير فرنجية منتصرا لنيله 51 صوتا، وليس كما كانت المعارضة تقدر حصول فرنجية على 45 صوتا فقط.
المعارضة طالبت رئيس المجلس النيابي نبيه بري بمواصلة جلسات الانتخاب لانها قادرة على استجماع 6 اصوات من المستقلين وغيرهم، وبالتالي سينجح المرشح جهاد ازعور. اما الرئيس بري فاعتبر ان الاجواء غير ملائمة للدعوة الى جلسة انتخاب رئيس في وقت جرت القمة العربية الفرنسية عبر لقاء الرئيس الفرنسي ماكرون مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، كذلك هنالك اتصالات قطرية مع واشنطن. وقال الرئيس بري ان الافضل انتظار مبادرة عربية او مبادرة دولية عبر فرنسا او واشنطن حيث تجري محادثات ثنائية بين عدة دول عربية مع اوروبا والولايات المتحدة. وهذا ما جعل البلاد تبتعد عن اجواء فوضى داخلية قد تتدحرج الى اكثر من فوضى لان الجميع مستنفر لانتخاب رئيس. كما انني كمراقب للاجواء الداخلية، فان اي حادث في ظل التشرذم والفوضى التي قد تحصل من كلا الطرفين، يؤدي الى اكثر ما هو من حادث عادي. ولا بد من انتظار بداية نتائج زيارة المبعوث الفرنسي الى لبنان وزير الخارجية الفرنسية السابق جان ايف لودريان الذي سيناقش ويستمع مع الاطراف اللبنانية كلها. وليس صحيحا ان لودريان سيستمع فقط، بل سيطرح اسئلة ويناقش، لكنه لن يقترح اي حل ويترك هذا الامر للرئاسة الفرنسية من خلال دراسة المخابرات الفرنسية والخارجية فيه، وبخاصة معرفة موقف الرئيس الفرنسي ماكرون. كذلك فان فرنسا ستطلع الولايات المتحدة وقطر ومصر والسعودية على تقرير لودريان.
لا بد من قراءة موقف الرئيس بري، انه موقف وطني بامتياز. ويجب ان تنتظر المعارضة ما سيحصل اذا كانت ستظهر مبادرة عربية او مبادرة عربية دولية من خلال اللجنة الخماسية التي تضم واشنطن وباريس والدوحة والرياض والقاهرة، لان المراقبين السياسيين وانا منهم، اعتقد ان اي رئيس يتم انتخابه لن يستطيع تأليف حكومة اذا قاطعه حلف الممانعة او قاطعته المعارضة، سواء أكان الوزير جهاد ازعور ام رئيس تيار المردة الوزير سليمان فرنجية.
كما ان فرنسا تشعر انها فقدت ادواتها التنفيذية او علاقاتها التنفيذية مع اطراف لبنانية، وكانت «تمون عليهم» وسمعت منهم اجواء مؤيدة لمبادرتها. واعتبرت انها تاريخيا وحتى اليوم تستطيع ان «تمون» على اطراف مسيحية او درزية او شيعية او سنية بالتوافق مع قطر، وبخاصة مع السعودية، وايضا مصر حيث تربطها بباريس علاقة مميزة. لكن التجربة اظهرت ان ماكرون، الذي اقترح حكومة مهمة في لبنان واعتبر انه حصل على تأييدها من كل الاطراف، وجد نفسه مخجولا عندما قدم الرئيس المكلف مصطفى اديب سفير لبنان في المانيا اعتذاره عن تشكيل حكومة مهمة، اثر خلافه مع الرئيس العماد ميشال عون وموقف حركة امل وحزب الله حول تسمية الوزراء مع الرئيس المكلف اديب، وسقطت حكومة المهمة المقترحة من الرئاسة الفرنسية. وقال الرئيس المكلف اديب ان مهمته انتهت، وان الوقت لا يسمح بالمزيد من الفترة السامحة لتأليف حكومة، وبالتالي اعتذر وسافر الى مركزه في برلين في المانيا. ثم مع انتهاء فترة ولاية الرئيس العماد ميشال عون، وبعد اشهر، بدا ان الرئيس الفرنسي ماكرون ظهر موقفه بوضوح انه يؤيد وصول الوزير سليمان فرنجية الى الرئاسة في لبنان مقابل حل متكامل يشمل اسم رئيس مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة والاتفاق على الاصلاحات المطلوبة مع صندوق النقد والبنك الدولي. ثم سمع بوضوح ان الفريق المسيحي المؤلف من القوات اللبنانية والكتائب لن يسير بترشيح الوزير سليمان فرنجية. ثم لاحقا سمعت المخابرات الفرنسية، وليس منذ امد بعيد، ان الوزير جبران باسيل لن يقبل ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو ما فعله رئيس التيار الوطني الحر مؤخرا من التقاطع مع الكتائب والقوات اللبنانية ومع تكتل اللقاء الديموقراطي الذي يمثل معظم الطائفة الدرزية، الى تأييد النائب الدرزي مارك ضو للمرشح ازعور، وايضا النائب الدرزي فراس حمدان لخط المعارضة، وتشكيلهم تكتلا كبيرا معارضا لوصول فرنجية الى بعبدا. ومن هنا، استياء فرنسا والسعودية من تناحر الاحزاب المسيحية كلها فيما بينها، وامتداد الازمة منذ اكثر من عشر سنوات وحتى اليوم، حتى وصل لبنان الى انهيار اقتصادي مالي كبير والى انقسام داخلي كبير بين الاحزاب وغيرها. وقد تكون المبادرة الفرنسية اخر محاولة تسعى اليها بخصوص لبنان. كذلك الامير محمد بن سلمان الذي يخصص وقته لتطوير المملكة السعودية عبر الخصخصة مع رجال اعمال سعوديين، اضافة الى رجال اعمال من الصين وروسيا، الى انفتاح عبر اعطاء المرأة جزءا كبيرا من حقوقها، وهذا لم يكن متاحا سابقا، كما يريد التركيز على الشق الثقافي في السعودية وتحسين الاعلام كي يكون اعلاما واقعيا وعقلانيا. واظهرت زيارته لباريس انه يريد ان تفوز المملكة السعودية في احتضان اكسبو 2030 في الرياض، وانه سيخصص مبلغ 7 مليارات دولار لاقامة كل مباني واقسام معرض اكسبو في مدينة الرياض وتنتهي الاعمال في شباط 2028 . وعندما فاتحه الرئيس الفرنسي ماكرون بالملف اللبناني، اجابه ستنسق السعودية مع فرنسا، فهنالك فريق لدي مؤلف من المسؤول السعودي العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري. وعلى كل حال، كان السفير وليد البخاري في باريس اثناء القمة وقبل توجهه الى بيروت كي يتابع اجواء لبنان السياسية، وكان واضحا تغيير اللهجة بين اطراف النزاع اللبناني الداخلي بالنسبة لانتخابات رئاسة الجمهورية، ووجه الرئيس بري دعوة للحوار والتفاهم. كما وجه نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم نداء واضحا للحوار والتفاهم، لكن من دون شروط مسبقة. وتقول معلومات حصلت عليها الديار، وهي ما زالت الى حد ما سرية، ان فريق الممانعة يقترح وضع سلة اسماء يكون من ضمنها اسم سليمان فرنجية. وفي هذه الحالة، ومع ما قد ينتج من الحوار اذا حصل، فان فريق المعارضة سيقترح ايضا وضع اسم الوزير جهاد أزعور ضمن سلة الاسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية. وهنالك ايضا عنصر لا بد انه سيكون مؤثرا في السياسة الفرنسية، وهو موقف بكركي والكاردينال البطريرك مار بشارة الراعي الذي في وقت سابق زار الفاتيكان بعدما تبلغ الاجماع المسيحي من سمير جعجع وسامي الجميل وجبران باسيل، وابلغ الفاتيكان بهذا التطور. كما زار باريس واجتمع مع الرئيس الفرنسي ماكرون وتمنى عليه عدم كسر التوافق المسيحي، وان تجري الانتخابات بديموقراطية وحرية. وادت زيارة البطريرك الى التأثير في الموقف الفرنسي الى حد ما، وبعد جلسة 14 حزيران وصل لبنان الى افق مسدود، فهل تحصل مبادرة عربية او دولية عربية؟ ولا بد من ذكر السعودية التي حصل فيها حوار بين النواب ادى الى دستور اتفاق الطائف والتوافق على الرئيس الشهيد رينيه معوض الذي اغتيل في لبنان اثر عودته من السعودية. كذلك حصل مؤتمر الدوحة وادى الى انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، فهل يتكرر المشهد في دولة عربية او في باريس، ومستبعد ان تكون في واشنطن.
لا بد من تحكيم العقل والشعور الوطني، وانه اذا استطاع اي فريق ايصال رئيس جمهورية فانه لن يستطيع ان يحكم اذا قاطعه فريق من الفريقين، وهذا امر وارد جدا.