كتبت صحيفة “نداء الوطن”: بعد محاولات استمرت شهوراً، كرّس أمس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مصادرة صلاحيات رئاسة الجمهورية التي نصّ عليها الدستور، فأتت قرارات جلسة الحكومة لتعلن بدء مرحلة التصرّف بهذه الصلاحيات من دون حسيب أو رقيب. وجاءت تبريرات ميقاتي لهذا السلوك، بحسب قول المثل “عذر أقبح من ذنب “، فصرّح داخل الجلسة بأنّ سبب ما يجري هو “استمرار البعض في التقاعس عن القيام بواجباته في انتخاب رئيس الجمهورية”. فهل أوضح ميقاتي من هو هذا “البعض”؟ أليس هو حليفه في الرئاسة الثانية الذي يعطل الجلسات المفتوحة، ويصرّ على إقفالها على مدى 12 جلسة خلت؟
استغل ميقاتي ما هو “حق” في “ترقيات الضباط المعطلة منذ سنوات”، وكذلك “الحق” في “تثبيت متطوعي الدفاع المدني وعددهم حوالى 2184 عنصراً”، كي يريد به “باطلاً” موصوفاً يتعلق بصلاحيات الرئاسة الاولى التي يعمل “الثنائي الشيعي” بلا هوادة على تهميش إنجاز استحقاقها الى أجل غير مسمى.
وإذا كان ميقاتي خلع القناع الذي يستر تبعيته لـ”الثنائي”، وسط تنديد واسع على مستويات عدة، فإن “التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل ما زال “يلعب على الحبلين”. فهو انتقد بشدة نهاراً جلسة السراي التي تجاوزت كل حدود تصريف الأعمال، لكنه عاد وغرّد مساء مشيداً بالترقيات، “ولو انها أتت حتّى يعلّموا علينا” على حد تعبير باسيل!
ولم يقتصر فلتان تصريف الأعمال على بندي “الترقيات” و”التثبيت” فحسب، إنما امتد الى الشهادة المتوسطة (البريفيه) التي انتظرها 62300 مرشح و1500 من أصحاب الطلبات الحرّة بفارغ الصبر، والتي صارت على بعد أسبوعين فقط. وبدم بارد، حسم ميقاتي الجدال في الجلسة لمصلحة إلغائها هذه السنة. في المقابل، كان وزير التربية عباس الحلبي المعني مباشرة بها، متمسكاً بإجرائها. اما وزير الداخلية بسام مولوي الذي تسبب بالغاء الامتحانات، فتذرّع بعدم توافر امكانات قوى الأمن لمراقبتها، علماً أنّ مولوي هو من دافع عن اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية قبل تأجيلها، وجهوزية الوزارة لمواكبتها. وكان لافتاً أنّ وزيري “حزب الله” وحركة “أمل” علي حمية ومحمد وسام مرتضى وقفا الى جانب إلغاء إمتحانات البريفيه! ولم يكتفِ مرتضى وزير “الثقافة” بما فعل في الجلسة، بل غرّد لاحقاً أن الامتحانات “لا ضرورة لها خصوصاً في هذه الظروف الإقتصادية الصعبة”! والسؤال: هل من ضرورة، وبالمنطق نفسه لبقاء وزراة “الثقافة” إياها؟
ووسط هذه المهزلة الحكومية في زمن الفراغ الرئاسي، باشر الموفد الرئاسي الفرنسي جان-ايف لودريان بعد ظهر امس مهمته الاستكشافية التي كلفه بها الرئيس إيمانويل ماكرون. وعلمت “نداء الوطن” أنّ الجولة الاولى من اللقاءات التي سيجريها لودريان على مدى ثلاثة أيام لن تكون الاخيرة، وأن زياراته ستتكرر، وستمضي مهمته قدماً ضمن مسار البحث عن اسم ثالث كي يكون الرئيس المقبل لرئاسة الجمهورية توافقياً. وهذا البحث يستند الى ميزان قوى حسم أكثرية الأصوات في الجلسة 12 لمصلحة مرشح تقاطع المعارضة جهاد أزعور بـ59 صوتاً متفوقاً على مرشح “الثنائي” سليمان فرنجية الذي حصل على 51 صوتاً.
ووفق هذه المعلومات، يسعى لودريان الى تهيئة المعطيات التي تضع اسم المرشح التوافقي ضمن “سلة” متكاملة تشمل أيضاً رئيس الحكومة المقبلة والتعيينات الاساسية، وضمنها حاكم جديد لمصرف لبنان.
واقتصر اليوم الاول من لقاءات لودريان على الاجتماع مساء برئيس مجلس النواب نبيه بري لمدّة ساعة. وصرّح بري أنّ اللقاء كان “صريحاً وجيّداً، وقلت كل ما لديّ”. وتردد ان لودريان لم يكن في اللقاء مستمعاً فقط.
ومن المقرر ان يكون برنامج اليوم، وهو الثاني في زيارة لودريان، متضمناً اجتماعاً في الثامنة والنصف صباحاً مع الرئيس ميقاتي. وحرصت السفارة الفرنسية على القول في بيان أصدرته أنها لن توزّع جدولاً ببرنامج لقاءات الموفد الرئاسي، كما انه “لن يكون هناك أي مؤتمر صحافي له”. كذلك تردد انه سيلتقي اليوم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في بكركي، ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معراب، ورئيس “التيار” النائب باسيل في البياضة. ليعود بعد ذلك الى قصر الصنوبر ليلتقي المرشح فرنجية الى مأدبة غداء، على ان يلتقي عصراً رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد. ثم يجتمع مساء الى مأدبة عشاء بالوزير السابق زياد بارود.
وأكدت اوساط سياسية مطلعة أنّ لودريان سيجتمع بعد ظهر اليوم بسفراء الدول الخمس، وهي: الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر. وستغيب السفيرة الاميركية دوروثي شيا الموجودة في واشنطن، على ان يمثلها القائم بالأعمال. وقالت شيا أول من أمس في كلمة وجهتها الى المشاركين بحفل استقبال أقامته السفارة في بيروت، إن العالم على موقفه من الأزمة، ويربط حلها بالداخل اللبناني لا بحلول تأتي عبر الحدود. وأعادت التذكير بأن مستقبل لبنان يبدأ بالاصلاحات. ودعت في الملف الرئاسي، مجلس النواب، الى “التوصل الى اتفاق لانتخاب رئيس يضع مصلحة لبنان أولاً، ولا شبهة فساد عليه، ولا يخضع لأي تأثير خارجي“.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة “فرانس برس” إن “لودريان لن يقدم حلولاً، لكنه يسعى لأن يقوم بدور محفز للوصول إلى حل للأزمة.