كتبت صحيفة “الشرق الأوسط”: أقر مجلس النواب اللبناني، اليوم، زيادات على رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين وسط اعتراضات مسيحية على قيام البرلمان بالتشريع في ظل الفراغ الرئاسي.
واقر المجلس قانونين؛ الأول يرمي إلى فتح اعتمادات في موازنة العام 2023 تُخصص لإعطاء تعويض مؤقت لجميع العاملين في القطاع العام وللمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي، إضافةً إلى زيادة تعويض للنقل المؤمّن لجميع الموظفين في القطاع العام. والاقتراح الثاني يتعلق بفتح اعتماد بقيمة 265 مليار ليرة لتغطية نفقات إعطاء حوافز مالية بدل نقل لأساتذة الجامعة اللبنانية لتمكينهم من استكمال العام الجامعي الحالي.
يأتي إقرار الاعتمادات التي ستطول نحو 400 ألف عائلة، بعدما كان قد حذّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، من عدم القدرة على دفع رواتب القطاع العام أواخر الشهر الحالي، رغم توافر السيولة في الخزينة، إذا لم يقر مجلس النواب الاعتمادات الإضافية على الأجور، مؤكداً أن هناك تحصيلاً جيداً لإيرادات الدولة.
وكانت الحكومة قد أقرّت في شهر أبريل (نيسان) الماضي، زيادة رواتب القطاع العام أربعة أضعاف، إضافة إلى راتبين إضافيين وزيادة على المواصلات كانت قد أقرّت في وقت سابق، وذلك بعد انهيار قيمة العملة المحلية (الليرة) إلى مستوى غير مسبوق ووصول سعر صرف الدولار اليوم إلى نحو 93 ألف ليرة، بعدما كان لسنوات طويلة مستقراً عند حدود الـ1500 ليرة.
وعُقدت اليوم، الجلسة التشريعية الثانية خلال الفراغ الرئاسي المستمر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رغم الاعتراض عليها من بعض الأفرقاء الذين يرون أن التشريع البرلماني في ظل الفراغ الرئاسي غير دستوري، إضافةً إلى رفضهم إقرار الاعتمادات الإضافية في ظل غياب موازنة عام 2023. ونتيجة هذه الاعتراضات، اقتصرت المشاركة في جلسة البرلمان بشكل رئيسي، على كل من “الثنائي الشيعي” (حزب الله وحركة أمل) والحزب “التقدمي الاشتراكي” و”التيار الوطني الحر” و”اللقاء التشاوري المستقل” الذي يضم أيضاً كتلة “الاعتدال الوطني”.
وفي حين هاجم حزب “القوات اللبنانية” والكتل المعارضة جلسة مجلس النواب مجددين موقفهم لجهة اعتبارها غير دستورية، شارك “التيار الوطني” (الذي كان يعارض جلسات التشريع) بشرط أن يقتصر جدول أعمالها على بند الرواتب للقطاع العام فقط دون إضافة أي بنود أخرى، معلناً أنه لن تتمّ المشاركة في أي تشريع مستقبلي لا تنطبق عليه وضعيّة “الطارئ والضروري”، إضافةً إلى عدم إمكانية إيجاد حل له سوى عبر التشريع من المجلس النيابي، كما كان الحال بالنسبة إلى البلديات والمخاتير و”قانون الشراء العام”.
وخلال الجلسة، ردّ رئيس البرلمان نبيه بري، على المعارضين، مشيراً إلى أن “هناك من يرى في الدستور ألا تجتمع الحكومة والمجلس النيابي، وألا يعمل المجلس ولا يشرّع. وعليه إذا أردنا أن نردّ على هؤلاء (أي نستمع لهم) فلن نعمل”.
من جهته، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أن “الاعتمادات” للاقتراحين اللذين تم اعتمادهما “مؤمَّنة”، مشدداً على أن “مجلس الوزراء يقوم بدوره ليسيّر عمل الدولة ولا يمرر شيئاً غير ضروري”.
وفي رد منه على منتقديه لعدم إعداد موازنة عام 2023، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال: “سأدعو مجلس الوزراء لمناقشتها في جلسات متتابعة، وسنرسلها إلى المجلس النيابي لمناقشتها. هناك واردات ستغطي الزيادات والاعتمادات الواردة في اقتراحي القانون. وأؤكد أننا نقوم بدورنا لتسيير أمور الدولة”. ورد على منتقديه بالقول: “نعم جدول أعمال مجلس الوزراء يكون كاملاً من أجل تسيير عمل الدولة”.
من جهته، توقف النائب أسامة سعد، عند التداعيات التي ستنتج عن هذه الزيادات في ظل الوضع المالي والاقتصادي القائم. وقال: “نسأل من أين ستأتي الاعتمادات. نحن كنواب لا نعرف التداعيات التي ستنتج عن الزيادات، وهو حق للموظفين في القطاع العام وفي كل المجالات”، سائلاً: “كيف ستعالج الحكومة هذه التداعيات؟”.
وبعد الجلسة ردّ أيضاً النائب في كتلة بري، قاسم هاشم، على رافضي التشريع، مذكّراً إياهم بقرار المجلس الدستوري الذي ردّ الطعن المقدم في قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية، ما يعني أنه منح حق التشريع للبرلمان. وقال هاشم، في تصريح من البرلمان، إن “الجلسة دستورية بكل المعايير ونُحيل أصحاب رأي تفسير الدستور إلى المجلس الدستوري في قراره الأخير رد طعن الانتخابات البلدية، حيث أكد في فقرتين إعطاء الحق للمجلس النيابي بالتشريع في ظل الفراغ الرئاسي”. وتابع أن المادة 75 من الدستور التي تحدد منع المجلس من التشريع خلال جلسات الانتخاب (لرئيس الجمهورية) محصورة في تلك الجلسات، ولكن بما أن جلسات الانتخابات تنتهي بإقفال محضرها “فهذا يعنى أن للمجلس الحق في التشريع بعد ذلك”.
وأضاف هاشم: “ما نحن بصدده اليوم هو إقرار قوانين تتعلق بحقوق الموظفين في القطاع العام والمتقاعدين والعسكريين، وهذا واجب علينا كمجلس بتأمين حقوق الناس ورواتبهم، لأن الدستور يُبنى على قاعدة أساسية (هي) أن الشعب مصدر السلطات، وعندما نكون أمام قضية تتعلق بالناس فالواجب يتطلب تجاوز بعض التفاصيل لإيصال الحقوق لأصحابها”. وتابع: “الحكومة تقدمت بمشاريع قوانين لفتح الاعتمادات المطلوبة (للقوانين التي أُقرت في الجلسة)، لكن للأسف البعض رفض هذه المشاريع من باب الجدل والسجال حول صلاحية حكومة تصريف الأعمال في إرسال مثل هذه المشاريع في مثل هذه الظروف، علماً بأنه في ظل الظروف الاستثنائية الضرورات تُبيح المحظورات، فكيف إذا كانت حقوقاً للناس لتأمين رواتبهم في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية ضاغطة؟”.
أما خارج البرلمان فجددت الكتل المعارضة للتشريع موقفها الرافض لهذه الخطوة، وهو ما عبّر عنه حزب “القوات اللبنانية” ونواب المعارضة.
وانتقد رئيس “القوات” سمير جعجع النواب الذين شاركوا في الجلسة لا سيما “التيار الوطني الحر” من دون أن يسميهم. وقال: “النوّاب الذين ادّعوا أنّ مشاركتهم في جلسة اليوم هي لتجنيب موظّفي القطاع العام انقطاعاً برواتبهم، لا يقولون الحقيقة، إنّما يتذرعون بحجّة لتبرير انعقاد هذه الجلسة، إذ إنّ الاعتمادات الإضافية التي أقرّتها (جلسة البرلمان) كان يمكن وبسهولة للحكومة إقرارها، كما أقرّت الكثير من الاعتمادات في السنة المنصرمة”. وأضاف في بيان: “أمّا إذا قال قائل إنّ الحكومة لا تستطيع صرف اعتمادات إضافية لأنّ احتياطي موازنة 2023 قد نفد، فالإشكالية نفسها تُطرح… باعتبار أن مجلس النواب فتح اعتماداً في موازنة غير موجودة هي موازنة 2023، وبالتّالي كان بإمكان مجلس الوزراء أن يفتح هذه الاعتمادات التي أقرّها المجلس اليوم وقوننتها حين تتوافر الظروف لذلك، أيّ حين يُرسل هذا المجلس موازنة 2023 إلى البرلمان”. وفي الخلاصة، رأى جعجع أن “جلسة اليوم هي من صُنع معرقلي انتخاب رئيس جديد للبلاد. أما الحلّ الفعلي لمشكلاتنا، فيكمن في البدء ملء سدّة الرئاسة وليس الافتئات على الدستور والقوانين لتمرير قرارات بشكل غير مدروس، الأمر الذي يؤدّي إلى مزيد من تأزيم الوضع في لبنان”.
ووقّع نواب “القوات” أيضاً على بيان أصدره نواب المعارضة بما فيهم حزب “الكتائب اللبنانية”، معلنين مقاطعتهم الجلسة، واصفين إياها بـ”غير دستورية”. وقال النواب في بيان لهم: “موقفنا المتمثل بعدم حضور جلسات تشريعية نابع من منطلق مبدئي ودستوري، كما هو اليوم حماية لحقوق اللبنانيين عامة وموظفي القطاع العام خاصة، فالمجلس النيابي، الذي يصادر رئيسه (نبيه بري) إرادته سعياً إلى التطبيع مع الفراغ، لا يمكنه التشريع في ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية، حسب الدستور، وهو يعد هيئة ناخبة حصراً حتى انتخاب الرئيس”.
وأكد البيان أنّ “الجلسة غير دستورية لأنه لا يمكن إقرار اعتمادات إضافية في ظل غياب موازنة 2023، التي لم تُعدّها الحكومة الفاقدة للثقة النيابية والشعبية والتي لم تقدم أي حلول لكل الأزمات التي نعاني منها”.
كما أشار نواب المعارضة إلى أنّ “المطروح اليوم يعيدنا إلى نفس المنطق الذي بدأ منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب غير المدروسة التي سرّعت بالانهيار، مروراً بالزيادات الأخيرة العشوائية غير المموّلة على رواتب وأجور القطاع العام التي أدت إلى تضخم كان نتيجته تدني القيمة الشرائية لهذه الرواتب إلى أقل من النصف”.
ورأى النواب المعارضون أنّ “هذا النهج الذي يفتقر إلى الجدية وإلى رؤية وخطة شاملة، لا يمكنه معالجة المشكلات، خصوصاً في غياب مصادر تمويل فعلية لهذه الاعتمادات، بل سيؤدي إلى تضخم جديد يقلّص قيمة الزيادة”.
وعلى هذا الأساس، جدد النواب دعوتهم “إلى الالتئام فوراً تحت قبة البرلمان في جلسة انتخابية مفتوحة بدورات متعددة، كما ينص الدستور، حتى الوصول إلى انتخاب رئيس جمهورية إصلاحي قراره حر وملتزم الحفاظ على سيادة لبنان، يباشر بإعادة تكوين السلطة في سبيل إطلاق عملية الإنقاذ ومعالجة كل نتائج الأزمة بشكل مدروس وعلمي ومتاح وعلى رأسها رواتب موظفي القطاع العام”.