كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: مشهدية جديدة بعد فيلم «الساعة» المقيت، عاشها لبنان أمس، وكان مسرحها المجلس النيابي، وأبطالها اعضاء اللجان المشاركة الذين اجتمعوا لكي يبحثوا حلاً لأزمة تلوح في الأفق القريب جداً، تتمثل بالانتخابات البلدية التي تحتاج إلى اجراء قانوني في حالتين: تأجيلها (قرار حكومي او اقتراح قانون من المجلس النيابي) او إجراؤها (صرف اموال لها ايضاً عبر فتح اعتماد من مجلس النواب). لكن الجلسة تحوّلت «قلوب مليانة»، وانفجرت نتيجة الاحتقان الكبير الذي ولّدته «الساعة» التي قدّمت سيناريوهات كباش سياسي كبير، أصبح على الابواب، بعد تلاشي احتمالات التفاهم او تسوية لحل الأزمة وأخّرت معالجات داهمة يحتاجها لبنان أمس قبل اليوم….
وقالت مصادر حكومية لـ»الجمهورية»، انّ «العلاج الكيماوي لهستيريا الساعة الطائفية انتهى، لكنه ترك وراءه اثاراً جانبية على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الممتعض حتى «القرف»، حيث ألغى مواعيده في السرايا الحكومي التي كانت مقرّرة امس، ودخل في مرحلة تفكير وتأمّل تمهيداً لاتخاذ القرار». واضافت: «ما حصل دفع بميقاتي الى اتخاذ موقف حاسم، فالرجل على التوقيت الصيفي سيختلف عن التوقيت الشتوي، وسيعمل على مواقيته وعلى إيقاعه وليس على غيقاع الآخرين، فهو من يحدّد مسار الامور ولن يعمل بعد اليوم تحت تأثير او ضغط من احد، وليتحمّل الجميع المسؤولية». وكشفت، انّ رئيس الحكومة هو حالياً في مرحلة إعادة تفكير، على ضوء الخطاب الذي اطلقه من السرايا بعد جلسة مجلس الوزراء الاثنين، في انتظار ان يرى كيف ستتعامل القيادات السياسية، وما هو موقفها تجاه هذا الخطاب.
واكّدت المصادر، انّ ميقاتي قال للوزراء في الجلسة الاخيرة انّه لا يستطيع ان يحمل كل شيء، «ومن اليوم وصاعداً سأعمل على نمط آخر».
في الاطار نفسه، كشفت اوساط قريبة من ميقاتي لـ»الجمهورية»، انّه لم يداوم في السرايا الحكومي امس، بل أمضى وقته في مكتبه الخاص وسط بيروت، في إشارة إلى حجم انزعاجه من الوضع السائد نتيجة تخلّي غالبية القوى الداخلية عن مسؤولياتها واستسهالها اعتماد الخطاب الطائفي.
وأكّدت هذه الاوساط لـ«الجمهورية»، انّ ميقاتي كان قد ابلغ فعلاً إلى عدد من القريبين منه، بعد تفاقم أزمة الساعة وعوارضها الطائفية، انّه في صدد ان يسافر، أي الاعتكاف، ولكنه لم يلق تشجيعاً على قاعدة: «لمن تترك البلد؟». وأوضحت «انّ ميقاتي وحين لمس انّ الخطاب الطائفي يشتد، ويستولد خطاباً مضاداً رُصد في تغريدات ومواقف رجال دين مسلمين، امتلك شجاعة ان يتراجع عن تأجيل التوقيت الصيفي، واضعاً مبادرته في خانة «الفعل الوطني» الرامي إلى منع تفلّت الامور».
وأشارت الاوساط نفسها، إلى انّ ميقاتي لا يريد ان يسجّل على نفسه انّه ساهم في تغذية الخطاب الطائفي، فاتخذ قرار التراجع ضمن مجلس الوزراء، في دلالة من جهته الى انّه يريد ان يحافظ على مجلس الوزراء ودوره. واعتبرت انّ ميقاتي يعتبر انّ وجوده اليوم في سدّة المسؤولية يندرج في اطار الحفاظ على آخر ما تبقّى من شكل الدولة وهيبتها.
ولفتت الاوساط إلى انّ حكومة تصريف الاعمال هي نظام داخلي لا يزال مطلوباً خارجياً، ومن هنا سارعت عواصم عدة إلى الاستفسار عن احتمال اعتكاف ميقاتي، والحذر من تداعيات ذلك على الوضع اللبناني، إذ لا احد يريد ان تتفلّت الساحة اللبنانية.
وأشارت الاوساط إلى انّه «لا يُعقل ان تعمد قوى واحزاب كانت أساس المنظومة السياسية على مدى عقد ونصف من الزمن، إلى اتهام ميقاتي بما خّلفته هي في ادارة الدولة». وشدّدت على «أنّ ميقاتي الذي يحمل كرة النار وحده، سيكون خطابه سياسياً وليس طائفياً، لأنّ واقع البلد لا يتحمّل مغامرات ولا ادبيات من شأنها ان تعيده إلى مرحلة ما قبل اتفاق الطائف».
أجندة ميقاتي اليومية
وفي هذه الأجواء، نفت مصادر قريبة من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي عبر «الجمهورية» مساء أمس، وجود أي قرار حتى اليوم في شأن موعد جديد لجلسة مجلس الوزراء لاستئناف البحث في المشاريع المقترحة لزيادة رواتب العاملين في القطاع العام والحوافز المقرّرة لهم، بعد تأجيل جلسة الاثنين الماضي إلى موعد غير محدّد.
ولفتت المصادر، إلى انّ الحديث عن مواعيد محدّدة لمجلس الوزراء يتحمّل مسؤوليته مطلق هذه المواعيد. فلا جلسة محدّدة للمجلس بعد، وعلى الجميع ان يدرك انّ «جدول اعمال رئيس الحكومة بات كل يوم بيومو وحسب الأجندة الخاصة به».
وعمّا إذا كانت هذه الآلية الجديدة تنمّ عن طريقة جديدة للتعاطي مع القضايا المطروحة عقب التطورات الاخيرة التي رافقت تجميد العمل بالتوقيت الصيفي وما تركته من ردّات فعل، لفتت المصادر إلى «انّ الامور ستتضح يوماً بعد يوم».
انفجرت في المجلس
في غضون ذلك، وفيما كانت الأجواء السياسية لا تزال مشحونة ومتوترة بفعل التصعيد الذي رافق عاصفة «التوقيت الصيفي والشتوي»، امتدت الشرارة إلى مجلس النواب، لينفجر خلاف حاد خلال جلسة اللجان النيابية المشتركة التي اجتمعت لتناقش 8 بنود، الّا انّها انتهت من دون مناقشة اي بند بسبب كثرة الإشكالات التي تجاوزت حدود التخاطب الاخلاقي.
فمع بدء الجلسة، تعالى الصراخ بفعل سجال دار بين النائبين ملحم خلف وغازي زعيتر على خلفية دعوة خلف إلى انتخاب رئيس جمهورية. فما إن دعا خلف النواب إلى انتخاب رئيس جمهورية حتى ردّ عليه زعيتر معتبراً كلامه «مش بالنظام». وارتفع سقف النقاش بينهما وشاركت فيه النائبة بولا يعقوبيان وتخلّله تبادل اتهام بالإجرام واستخدام بعض التعابير النابية.
ثم دار نقاش حاد بين رئيس «الكتائب» النائب سامي الجميّل والنائب علي حسن خليل. وعقد الجميّل مؤتمرًا صحافيًا أكّد فيه «أنّ ما حصل خطير ومسّ بمقدّسات ولن يمرّ، واضعاً ما حصل بعهدة الرئيس بري». وقال: «إن أفصحت عمّا حصل سأكون مساهماً بفتنة يريد البعض جرّ البلد إليها، وهذا ما لا نريده، من هنا لن أتحدث عمّا حصل خلال الجلسة والذي كان يمكن أن يأخذ البلد إلى مكان آخر».
في المقابل، لفت خليل إلى أنّ «الانفعال الذي تكلّم عنه أحد الزملاء هو ما يولّد ردّات الفعل، وكان كلامي واضحًا، إذ قلت نحن كمجلس نيابي لا نتحمّل مسؤولية سحب الأموال من SDR، وإذا أحد رؤساء الأحزاب اقترح ذلك فليتحمّل هو المسؤولية». وتابع: «قصدت جعجع بتصريحه عن الـSDR منذ يومين ورئيس «الكتائب» النائب سامي الجميّل أصرّ أنّه هو المقصود وتكلّم معي بلغة تخطّت لغة الزمالة، فاستحقّ ردّة فعلي ليعلو الصراخ في المجلس». وأكّد أنّه «لن ينجرّ إلى خطاب الإنقسام في البلد».
وعُلم أنّه خلال المشادّة الكلامية قال الجميل لخليل «أنت مطلوب للعدالة، وأنا لا أردّ عليك»، ليردّ الأخير عليه: «إنت بتسكت، إنت مجرم إبن مجرم». ولاحقاً حصل اتصال بين رئيس المجلس نبيه بري والجميّل، وتمّ اتفاق على المعالجة ووضع الأمور في مسارها الطبيعي.
ولاحقاً صدر عن المكتب الإعلامي لنائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بيان قال فيه: «على إثر السجال الذي حصل خلال جلسة اللجان المشتركة في مجلس النواب، صباح اليوم، تواصل نائب رئيس المجلس الياس بو صعب مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وأطلعه على تفاصيل ما حصل، فبادر بعدها مباشرة الرئيس بري واتصل برئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل مؤكّدًا له حرصه على معالجة ما حصل. كما طلب بري من بو صعب استكمال اتصالاته لإيجاد حل من شأنه أن يعالج الموضوع سريعًا». وأضاف: «على أثر هذه الاتصالات، زار بو صعب مقرّ حزب الكتائب اللبنانية في الصيفي، حيث اجتمع مع رئيس حزب الكتائب سامي الجميل واتفق معه على طريقة معالجة الموضوع. وبعدها، أجرى النائب علي حسن خليل اتصالًا بالشيخ سامي الجميل بصفته رئيس حزب الكتائب، معتذرًا منه على الكلام الذي صدر عنه، لا سيما بعدما تأكّد النائب خليل أنّ الكلام الاستفزازي الذي صدر بحقه لم يكن صادرًا عن رئيس حزب الكتائب. وأكّد خليل خلال الاتصال الذي شارك فيه بو صعب، كامل احترامه للشيخ سامي الجميل ولحزب الكتائب».
مرحلة جديدة
وعلى جبهة الاستحقاق الرئاسي، لم يُسجّل امس اي تطور بارز، وكأنّ المعنيين دخلوا في حال انتظار للحراك السعودي ـ الفرنسي الجاري في ضوء الاتصال الاخير بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان.
وكشفت اوساط معارضة متابعة لملف الانتخابات الرئاسية لـ«الجمهورية»، انّ رؤساء الكتل النيابية والقوى المعنية تبلّغت من اوساط ديبلوماسية غربية بضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة من الترشيحات الرئاسية، لأنّ المرحلة الاولى بيّنت استحالة وصول أي من المرشحين المطروحين، وانّ هذه القوى في حال لم تبادر إلى الانتقال إلى لائحة من الترشيحات الجديدة فستتحمّل مسؤولية الشغور الرئاسي، وانّ القوى الغربية والعربية تضع ثقلها من اجل إتمام الانتخابات الرئاسية، وقد وصلت إلى خلاصة اساسية مفادها انّ الاستمرار في مربّع الترشيحات الحالي يعني استمرار الفراغ نفسه، ولذلك يجب على جميع هذه القوى الانتقال إلى خطة «ب»، في محاولة ان تكون المرحلة الجديدة مختلفة عن المرحلة الاولى، اي ان تشهد تقاطعات على الاسماء المطروحة، وانّ عواصم القرار جدّية جداً بممارسة أقصى الضغوط على هذه القوى من اجل ان تسمّي مرشحين ليصار إلى غربلتهم وايجاد التقاطعات بين القوى المختلفة على هذه الأسماء تمهيداً للوصول الى مرشح رئاسي، وانّ هذه المرحلة قد بدأت وجميع القوى قد تبلّغت، واي استمرار في تمسّك كل فريق بمرشح يعني استمرار الفراغ، الامر الذي لا يجوز، والمجتمع الدولي بدأ سلسلة اتصالات مواكبة مع ضغوط، وايضاً اتصالات اقليمية، لإبلاغ القوى المعنية بأنّ الشغور الرئاسي ممنوع وانّ هناك لائحة من الاسماء قيد التحضير، وسيُصار إلى عرضها على القوى المعنية في القريب العاجل.
مواقف
وفي المواقف السياسية، لفت امس موقف لرئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد خلال احتفال تأبيني في محلة النويري في بيروت، حيث قال إنّ «لا أحد في لبنان يستطيع أن يدير شؤون البلد من موقعه الطائفي على حساب بقية المكونات، ولا أحد يطمح إلى ذلك على الإطلاق، كلنا نطلب شراكة ونسعى من أجل أن تكون الشراكة حقيقية قائمة على الإحترام المتبادل والمواطنية الصادقة وعدم التمايز والتمييز بين المواطنين، ليس هناك خيار ولا حلّ ولا طريق للخروج من مأزق الفراغ الرئاسي إلا بالتفاهم الوطني. نحن نمدّ أيدينا وما زلنا لهذا التفاهم، حتى ننقذ بلدنا ونتجاوز الأزمة التي نحن فيها».
ومن جهته تكتل «لبنان القوي» رحّب بعد اجتماعه الدوري برئاسة النائب جبران باسيل بـ«تراجع الحكومة عن القرار الخاطئ بتجميد العمل بالتوقيت الصيفي، مما يؤكّد الموقف السليم للمتمسكين بمنطق الدولة». وقال: «بدل أن يلغي رئيس الحكومة مذكرة تجميد العمل بالتوقيت الصيفي بمذكرة مماثلة عملاً بتوازي الصيغ، أمعن في مخالفة الدستور وتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية، ولم يكن ليتجرأ لو أنّ الذين انتفضوا قبل أيام ضد مذكرة التوقيت، لم يسكتوا في الأساس على ادائه منذ توليه تصريف الاعمال». واعتبر أنّ «الإعتراض على ما حصل لا علاقة له بالطائفية، بل هو اعتراض على نهج متبع في سوء إدارة الدولة من خارج الأصول والدستور والميثاق»، ورفض «إلصاق أي تهمة طائفية لتكتل لبنان القوي ورئيسه». وقال إنّ «ما حصل في اللجان المشتركة من تشنج دليل خطورة على ما وصلت إليه الأوضاع في البلاد، ما يوجب التعقل وضبط الخطاب السياسي لمنع الإنزلاق الى التحريض الغرائزي والطائفي الذي يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه».
لجنة المؤشر
على صعيد آخر، قالت المصادر المتابعة، انّه لم يصدر بعد اي تأكيد رسمي عن اجتماع لجنة المؤشر الذي كان مقرراً غداً في وزارة العمل للبحث في زيادات جديدة للأجور في القطاع العام، ما لم تتضح القرارات الاخيرة التي يمكن ان تتخذها الحكومة في ضوء التقرير الذي وضعته وزارة المال لهذه الغاية، والذي قيل انّه يخضع لتعديلات جديدة بعد تأجيل جلسة الحكومة الاثنين الماضي.
وكانت التعديلات المقترحة قد توصلت بالاتفاق بين أطراف الإنتاج على تحديد الحدّ الأدنى للاجور بـ٤،٥ ملايين ليرة وزيادة بدل النقل الى 125 الف ليرة بدلاً من 95 الفاً ومضاعفة المنح المدرسية والتعويضات العائلية.