كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: فيما عاود الدولار ارتفاعاته ليقترب من عتبة الـ 90 الف ليرة على الطريق إلى الـ100 ألف، جاء رفع سعر الدولار الجمركي من 15 الف ليرة إلى 45 الفاً ليزيد في الطين بلّة، ويعطي ذريعة اضافية للتجار والمحتكرين وحتى للباعة بكل صنوفهم، لرفع الاسعار أكثر فأكثر، فيما يبقى الموظفون والمودعون يتضورون بسعر الـ15 الفاً للدولار، ووفق سقف سحوبات مخفوضة لا يتحاوز الـ10 ملايين ليرة في أفضل الحالات، من مصارف تسرقهم كل يوم. كل ذلك يستمر فيما المنظومة السياسية بكل ألوانها منشغلة في كيدياتها والمشاحنات، مؤخّرة أكثر فأكثر إنجاز الاستحقاقات الدستورية التي تشكّل المعبر الإلزامي إلى المعالجات، لوقف الانهيار المتمادي اقتصادياً ومالياً ونقدياً ومعيشياً، بعدما باتت العملة الوطنية لا تسمن ولا تغني من جوع دخل بيوت اللبنانيين وأقام فيها.
“فرص الحل تنخفض والدولار يرتفع… وكلما ابتعد الاول تضاعف تصاعد الثاني”… معادلة انطلقت منها مصادر مالية لتؤكّد “انّ المدخل الالزامي لفرملة هذا الانهيار الكبير بسعر العملة اللبنانية هو الحل السياسي الذي يبدأ بإنتخاب رئيس للجمهورية”.
وأكّدت هذه المصادر لـ”الجمهورية”، انّ قرار رفع سعر الدولار الجمركي من 15 الف ليرة إلى 45 الفاً اتُخذ بعد ظهر امس بصورة مفاجئة، والسبب انّ مصرف لبنان يرسل في اواخر كل شهر لإدارة الجمارك سعر الدولار الذي سيتمّ احتسابه في الشهر الذي يليه ومتوسطات العملات التي ستُطبّق للشهر التالي، لذلك استعجلت المالية قرار رفعه. علماً انّه وبحسب معلومات “الجمهورية”، إنّ وزير المال يوسف خليل وفي جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت اول من امس، كان قد أبلغ إلى الحكومة انّه سيضطر إلى رفع الدولار الجمركي إلى سعر قريب من سعر منصّة صيرفة لتغطية نفقات القطاع العام والزيادات والمساعدات التي تُصرف له، خصوصاً انّ الارقام الأولية لهذه الزيادات تقدّر بـ 8 آلاف مليار ليرة. وسأل: “من أين سآتي بهذه الاموال ولا إيرادات؟”.
وأضافت المصادر، انّ موظفي الادارات العامة يبلغ عددهم 14500 موظف، 8500 منهم قانونيون ويعملون، والبقية فائض تمّ توظيفهم للمحسوبيات ولأغراض فئوية وانتخابية، ومنذ الأساس يتقاضون رواتبهم من دون ان يعملوا. وهؤلاء يجب ترتيب اوضاعهم ككتلة واحدة، حتى تعود عجلة الدولة إلى العمل في اداراتها الرسمية.
وأبدت المصادر تشاؤماً مفرطاً إزاء ما ستؤول اليه الامور، متوقعة “ارقاماً مخيفة لتفلّت الدولار الذي تصاعد حتى الآن 60 مرة عن السعر الأساسي، فيما تصاعد بين اعوام 85 و 92 من 3 ليرات إلى 2800 ليرة، أي بمعدل 930 مرة، وهذا يعني انّه إذا بقي المسؤولون يديرون ظهورهم للحلول ويتصرفون وكأنّ البلد بألف خير، فإنّ التاريخ سيعيد نفسه مع فوارق كبيرة في الواقع ليست لمصلحة هذا الزمن. فحينها كانت المصارف قوية جداً وتستقطب تحويلات كبيرة بسبب السرية المصرفية، وكانت الظروف مختلفة، فكيف الآن ونحن من دون ضابط وقطاع مصرفي منهار؟. وكشفت المصادر، “انّ الاحتياط كسر الـ 10 مليارات دولار نزولاً في اتجاه الـ8، واموال الـ SDR انخفضت إلى ما دون الـ??? مليون دولار، ولا تدفق لعملات اجنبية من الخارج، فمن يفرمل ارتفاع سعر الدولار الذي يتصاعد يوميا بين 2% و 6% ما يقدّر بمعدل يومي بين الـ2000 والـ6000 ليرة وكلما زاد سعره ارتفع هذا المعدل”.
وختمت المصادر: “هذه جريمة وانتحار إذا لم تتحرّك الطبقة السياسية”.
وكان أُعلن في وقت متأخّر من مساء امس، عن اعتماد سعر جديد للدولار الجمركي، رُفع بموجبه من 15 الف ليرة لبنانية إلى 45 ألف ليرة ابتداء من صباح اليوم. وللغاية عينها سيُعتمد سعر اليورو الجمركي للمواد المستوردة من أوروبا بما يساوي 48200 ليرة، قياساً على حجم سعر اليورو المتقدّم على الدولار الأميركي.
وقالت مصادر مالية في توصيفها للخطوة عبر “الجمهورية”، إنّ وزارة المال قرّرت الخطوة لتأمين المبالغ التي يمكن أن تتعهّد بها الحكومة لتسوية اوضاع موظفي القطاع العام، ومنهم المدرسون والعسكريون، وتعزيز رواتبهم والمخصّصات المالية التي التزمت بها في جلسة الاثنين الماضي، وتلك التي تعهّدت بتحديدها خلال أسبوعين لفك الاضرابات المعلنة في الوزارات والمؤسسات العامة والقطاع التربوي خصوصاً.
تسوية المصارف
في غضون ذلك، نُفّذت أمس المرحلة الثانية من التسوية التي قادت إلى فك إضراب القطاع المصرفي جزئياً ولمدة أسبوع، تنتهي مفاعيله بعد غد الجمعة، حيث من المقرر ان يجتمع مجلس ادارة جمعية مصارف لبنان بعد الظهر، لتقويم ما تحقق والبت بمصير قرار العودة عن الإضراب، سواء بالنسبة إلى تمديده وتأكيد استمرار العمل، أم العودة إلى الإضراب مطلع الاسبوع المقبل.
عويدات يلاقي ميقاتي
وكانت إجراءات الأمس التي ترجمها المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الذي أصدر تعميماً تفصيلياً طلب بموجبه من كل النيابات العامة في كل المحافظات اللبنانية بما فيها النيابة العامة المالية ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، الامتناع عن طلب أي معلومة مصرفية لا تتعلق بالدعاوى العائدة لجرائم الفساد ومكافحة تبييض الأموال.
ودعا عويدات النيابات العامة إلى الامتناع عن طلب معلومات من المصارف لها صفة العمومية وغير متعلقة بوقائع مادية محدّدة. وشدّد على عدم طلب أيّ معلومات تعرّض أيّ شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني لتدخّل بخصوصياته أو تمسّ بشرفه وسمعته، مع التشديد على سرية المحافظة على الطلبات والمعلومات التي تمّ الاستحصال عليها من المصرف المعني والمحافظة على البيانات الشخصية، بالإضافة إلى تحديد هوية الأشخاص المعنيين بالطلب، بنحو لا يثير أي التباس حول تشابه أسماء لدى المصرف المعني.
وأرفق عويدات تعميمه بكتاب وجّهه إلى المدّعي العام لجبل لبنان القاضية غادة عون، طلب منها فيه وقف إجراءاتها التحقيقية مع عدد من المصارف اللبنانية مؤقتاً إلى حين البت بالقضايا المثارة في حقها امام هيئة التفتيش القضائي والمراجع القضائية المختصة، والتي لم تتجاوب معها برفض تبلّغها في وقت سابق.
ميقاتي يرحّب
وفي خطوة مكمّلة لإجراءات عويدات التي شكّلت محطة اضافية تلت تعميم ميقاتي إلى وزير الداخلية لمنع القوى الأمنية من التجاوب مع طلبات القاضية عون، عمّم مكتب الاعلام في السرايا، نقلاً عن زوار ميقاتي قوله امامهم، إنّ الخطوة التي اتخذها عويدات امس لجهة تنظيم آلية تطبيق أحكام قانون السرية المصرفية المعدّل، “تشكّل خطوة أساسية على صعيد معالجة الخلل القضائي الذي حتّم عليه توجيه كتابه إلى وزير الداخلية بهدف وقف مسار خطير في استخدام القضاء والقانون لتصفية حسابات سياسية، ولم يكن القصد أبداً حماية أحد أو تأمين الغطاء لمخالفات أحد”.
واشار الزوار إلى “أنّ رئيس الحكومة يدعو الى أن تكون خطوة القاضي عويدات بداية الطريق في العودة إلى انتظام العمل القضائي ضمن الأطر والاصول القانونية المرعية الإجراء، حفاظاً على حسن سير العدالة. كما انّ رئيس الحكومة يتطلع إلى اتخاذ مجلس القضاء الاعلى القرارات اللازمة، بهدف تأمين كل الحقوق والضمانات التي يمنحها القانون لأي متقاضٍ، بما يؤمّن اطمئنانه إلى حيادية القاضي”. وكرّر ميقاتي “المطالبة بتطبيق القوانين على الجميع، وليقل القضاء كلمته في كل الملفات”، مجدّداً “تأكيده احترام مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها”.
الاستحقاق الرئاسي
على جبهة الاستحقاق الرئاسي، لم يُسجّل امس أي تطور ملموس، فيما الاتصالات ناشطة في شأنه بعيداً من الاضواء محلياً ومع بعض العواصم العربية والدولية المهتمة به، والتي يزورها موفدون او يتصلون بها على خلفية نتائج الاجتماع الخماسي الباريسي الاخير، الذي جعله أقطابه مفتوحاً ولم يقفلوه ببيان ختامي، وذلك تمهيداً لتظهير تسوية تعكس صيرورتها ردود فعل بعض الأفرقاء الداخليين الذين يحاولون التغيير والتعديل في مضمونه الذي لم يرقهم بعد.
جولة شيا اللافتة
في هذه الأثناء، واصلت السفيرة الاميركية دوروثي شيا جولاتها. فبعد زيارتها اول امس لكل من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وللمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، زارت امس رئيسي مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي، وعرضت معهما الاوضاع الراهنة والعلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي معلومات “الجمهورية”، أنّ شيا طرحت بعض الأفكار التي يمكن الخوض فيها في ضوء اللقاء الخماسي الباريسي، وما يمكن المسؤولون اللبنانيون ان يسارعوا إلى اتخاذه، وخصوصاً انتخاب رئيس الجمهورية بلا إبطاء، وتشكيل حكومة جديدة تحاكي المجتمع الدولي لاستئناف البحث في الخطوات التي تزمع الدول والمؤسسات المانحة القيام بها تجاه لبنان لمساعدته في تجاوز الأزمات المتلاحقة.
في السياق، أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، انّ “لا يمكن أن تقوم البلاد من دون رأس للدولة كما هو حاصل اليوم، ولا أحد يهتم بالشعب، الإدارات فارغة والدولار إلى ارتفاع جنوني والحل الوحيد هو انتخاب رئيس لكي تنتظم الأمور”.
تعطيل اللجان
في هذه الأثناء، إنسحب الشغور الرئاسي مجدّداً على المجلس النيابي، مهدّداً بشله. إذ تعطّل امس انعقاد جلسة اللجان النيابية المشتركة التي كانت مقرّرة، للبحث في عدد من مشاريع القوانين، أبرزها مشروع يقضي تحويل تعويضات نهاية الخدمة معاشات تقاعدية. الّا انّ تكتل “لبنان القوي” اعترض على مناقشة هذه المشاريع القوانين الواردة من الحكومة “نظرًا لعدم دستوريّتها”، فانسحب من الجلسة، ولم يستجب لطلب نائب رئيس المجلس الياس بو صعب من التكتل للعودة للجلسة، فتمّ رفعها.
واكّد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، انّ “الأموال المحوّلة إلى الخارج تفوق مبلغ الـ3 مليارات دولار الذي سنحصل عليه من صندوق النقد الدولي”، مشيراً إلى انّ “هناك جهات حوّلت مئات ملايين الدولارات خلال فترة إقفال المصارف في 17 تشرين الأول 2019”.
ولفت باسيل إلى انّه “وصل إلينا مرسوم من الحكومة تشوبه شوائب دستورية عديدة، وأبرزها أنّه لا يحمل كافة تواقيع الوزراء، ورفضنا بحثه في اللجان المشتركة قبل تصحيح الشوائب”، معتبراً انّ “غياب رئيس الجمهورية لا يُبرّر الاستخفاف في التعاطي، ويجب أن نذهب إلى حوار لانتخاب رئيس جديد بأسرع وقتٍ مُمكن كي ينتظم عمل المؤسسات”.
خلفية ممجوجة
وردّ المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في بيان اكّد فيه، انّ ما أدلى به باسيل “لناحية وجوب توقيع جميع الوزراء على المراسيم، كما واعتراضه على ورود تواقيع عدة لرئيس مجلس الوزراء، يشكّل وجهة نظر غير قانونية بخلفية سياسية ممجوجة، وتتعارض مع نصوص الدستور الواضحة. أما عن زعمه باستعمال توقيع وزير واقتباسه من كتب واردة على رئاسة مجلس الوزراء وإدراجها في متن المراسيم ، فهو أمر من نسج خيال السيد باسيل السياسي الذي يحاول، وبشتى الطرق، ولأهداف سياسية مكشوفة، أن ينسب للحكومة بشخص رئيسها أموراً لا تمت للحقيقة بصلة”. وقال: “أما بخصوص مزاعم السيد باسيل أنّ دولة الرئيس ميقاتي يتجاوز موقع رئاسة الجمهورية، فهو كلام مردود، وحري بالسيد باسيل وفريقه السياسي ونوابه أن يبادروا إلى القيام بواجبهم في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بدل انتهاج نهج التعطيل الذي بات سمة هذا الفريق، علماً انّ دولة الرئيس ميقاتي يشدّد في كل مواقفه على أنّ مدخل الحل هو في انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.