كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: أقفل عام وانطلق آخر على التفاهة السياسية نفسها والسجالات السخيفة عينها بين أفرقاء الحكم والحكومة، فلا جبران باسيل أطعم اللبنانيين من ماعون “الصلاحيات” خبزاً، ولا نجيب ميقاتي أضاء لمبة في عتمتهم، وجلّ ما في الأمر أنّ كلاً منهما بات يعوم سياسياً على ظهر الإشكال مع الآخر عبر افتعال سجالات إعلامية عقيمة لا تسمن المواطن من جوع، وتراشق “كهربائي” لا يُغنيه عن اشتراك موتور.
أما على مستوى الكلام الذي يقدّم ويؤخّر في توجّهات المنظومة الحاكمة، فأطلّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله مساءً بعد انقطاع قسري عن الإعلام لينهي من جهة الشائعات المتداولة حول تدهور صحته، وليضع حداً من جهة أخرى لسياسة “الابتزاز” التي ينتهجها رئيس “التيار الوطني الحر” في معرض تلويحه المتكرر بفكّ التحالف مع “الحزب” على خلفية احتدام الاختلاف بينهما حيال الملفين الرئاسي والحكومي، فما كان من نصرالله إلا أن وضع باسيل أمام معادلة “ما حدا جابرك” على التحالف مع “حزب الله”، تاركاً له مطلق الحرية في إبقاء يده بيد “حزب الله” أو نزعها منها.
فبعد خطاب مطوّل في الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال قائد الحرس الثوري السابق قاسم سليماني، أسهب خلاله في تمجيد محورية الدور الإيراني في التصدي لـ”المشروع الأميركي الهادف إلى كسر طهران وتفكيك محور المقاومة في سوريا ولبنان واليمن”، اختصر نصرالله الموقف من المستجدات المتصلة بالحدث اللبناني سواءً على الحدود أو في الداخل، بـ”عنوانين” ختم بهما خطابه، الأول حمل طابع “الرسالة” التحذيرية إلى حكومة “الخوت والمجانين والمتطرفين والمجرمين” الإسرائيلية التي شكّلها بنيامين نتنياهو، مؤكداً “عدم السماح بأي تغيير في قواعد الاشتباك وموازين الردع” والتمسّك بحق لبنان في “استخراج النفط والغاز” بموجب اتفاقية الترسيم الحدودي البحري الموقعة مع حكومة يائير لابيد.
أما العنوان الثاني، فخصّصه أمين عام “حزب الله” لتظهير الموقف من الاستحقاق الرئاسي ومن الإشكال الحاصل مع “التيار الوطني الحر”، فجدد التأكيد على وجوب انتخاب رئيس جديد للجمهورية “لا يطعن المقاومة ولا يتآمر عليها بالإضافة إلى المواصفات الطبيعية التي من المفترض أن تكون في شخص الرئيس”، داعياً إلى عدم انتظار نتائج المفاوضات النووية الإيرانية أو الاتفاق السعودي – الإيراني والمبادرة داخلياً إلى التحاور لإيجاد حلّ توافقي للأزمة الرئاسية، واعتبر أنّ ما يُقال عن دور فرنسي أو قطري هو كلام مبالغ به و”لهلّق ما مبيّن في شي من الخارج ومش معلوم شو بيطلع معو هيدا الخارج وإذا بيطلع بإيدو يضغط“.
وفي أول تعليق علني له على الإشكال المستجد مع “التيار الوطني”، أكد نصرالله الاتجاه إلى عقد “لقاءات قريبة” لمحاولة معالجة الخلافات انطلاقاً من حرص “حزب الله” على الاستمرار في العلاقة والصداقة مع “التيار”، لكنه أضاء في المقابل على “الخلل في السياسة والإعلام” الذي أصاب هذه العلاقة، مذكّراً بما كان يقوله لباسيل حين كان يلتقيه “نظراً لتعذّر عقد لقاءات مع الرئيس ميشال عون” خلال فترة ولايته الرئاسية: “في أي وقت تشعرون فيه بالحرج والضيق وأنه لم يعد لديكم مصلحة في هذا التفاهم (مار مخايل) والتحالف (مع “حزب الله”) فإنتم غير ملزمين ولن نكون منزعجين”، وأضاف: “نحن لا نلزم أحداً ولا نجبر أحداً على التحالف أو التفاهم معنا، وفي السّياسة إذا وضعنا يدنا بيد حليف فلا نبادر إلى سحبها إلّا إذا أراد هو ذلك“.
مالياً، ارتفعت الكتلة النقدية إلى 80,1 ترليون ليرة كمّاً في نهاية العام 2022، ويسجل ذلك ارتفاعاً بقيمة 7,7 ترليونات ليرة في خلال شهر واحد (كانون الأول)، ونحو 35 ترليوناً في 2022. وأكدت مصادر معنية لـ”نداء الوطن” أن “الزيادة في طبع الليرات متواصلة لمواجهة حاجات عمليات شراء الدولار لمنصة صيرفة وتمويل الحكومة وتلبية سحوبات الودائع الدولارية بالليرة اللبنانية“.
وفي موازاة كل ارتفاع في الكتلة النقدية كان سعر صرف الليرة ينخفض مقابل الدولار، بحيث كانت نحو 6 ترليونات ليرة عشية الأزمة عندما كان سعر سعر الصرف 1500 ليرة للدولار، وكانت قيمة تلك الكتلة نحو 4 مليارات دولار بسعر الصرف الثابت القديم، أما الكتلة البالغة أكثر من 80 ترليوناً اليوم فباتت قيمتها على سعر صيرفة 2,1 مليار دولار، و1,9 مليار دولار فقط بأسعار السوق الموازية.
ووفقاً لميزانية مصرف لبنان المختصرة التي صدرت أمس، يبلغ احتياطي الدولار نحو 10 مليارات دولار، علما بأن تراجع هذا الاحتياطي تباطأ في الأشهر القليلة الماضية التي عمد فيها مصرف لبنان الى شراء كثيف للدولارات من السوق الموازية، لإعادة طرحها على منصة صيرفة لزوم تلبية طلب التجار والموظفين والمودعين على الدولار.
وسيضطر مصرف لبنان الى مزيد من شراء الدولارات من السوق الموازية للوفاء بتعميمه الأخير الذي أكد فيه استعداده توفير الدولارات على المنصة للأفراد والمؤسسات بسعر 38 ألف ليرة للدولار، وإذا تعذّر عليه تأمين الكميات المطلوبة من السوق الموازية فسيلجأ الى استخدام جزء من احتياطي العملات (ما تبقى من أموال المودعين) إذا أراد الوفاء بتعميمه كما يجب، او سيتراجع عن حرفيته نسبياً وتكتيكياً كما فعل مع تعاميم سابقة في الإطار نفسه. أما إذا أمعن في تنفيذ تعميمه الأخير، فالتداولات اليومية ستراوح على المنصة بين 110 و150 مليون دولار (بلغ التداول أمس 310 ملايين)، ما يعني ان الحاجة كبيرة للدولارات وهي بأرقام مضاعفة قياساً بالعام المنصرم الذي شهد تداولات على المنصة بنحو 12 مليار دولار، أي بمعدل مليار شهرياً، اما مع التعميم الجديد فقد تتضاعف الحاجة للدولار.
وعلى صعيد متصل، لا يمكن للبنك المركزي التعويل كثيراً على قدرته على لمّ الليرات من الأسواق عندما يشاء لمنع هبوط العملة الوطنية أكثر، لأنه اعتباراً من شباط المقبل سيصبح السحب من الودائع الدولارية على سعر 15 ألف ليرة للدولار ( من 8 و12 الفاً حالياً حسب التعميم المعتمد) ما يشي بأن هناك حاجة لطبع ترليونات ليرات جديدة، وبالتالي توقع هبوط إضافي في قيمة العملة الوطنية.