كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: لم يعد خافياً أسلوب “تقطيع الوقت” الذي تنتهجه السلطة في مقاربتها جريمة العاقبية، عبر إغداق العواطف الجيّاشة على “اليونيفل” وإغراقها بالمديح والكلام المعسول والوعود الموعودة بمحاسبة الجناة في الجريمة، ولا تزال الوفود الرسمية تتقاطر براً وجواً على الناقورة لتقديم واجب العزاء باستشهاد الجندي الإيرلندي شون رووني تأكيداً على وحدة المسار والمصير مع القوات الأممية وعلى التمسك بمحورية دورها في حفظ السلام في الجنوب.
وفي الوقت الضائع، لم يعد سراً أيضاً أنّ السلطة تجهد وتجتهد في البحث عن السيناريو الأمثل الذي يتيح لها “لفلفة” القضية والتملّص في آن من المساءلة الأممية والدولية والضغوط المتزايدة لكشف الحقيقة وكامل الملابسات المحيطة بعملية مطاردة الدورية الإيرلندية وإطلاق النيران على عناصرها، وسط إشارة المعلومات المتداولة في هذا السياق إلى اتصالات تجري بين المعنيين في الملف لإيجاد “كبش فداء” يتم التضحية به على مذبح الجريمة فيكون بمثابة “راجح العاقبية” الذي تتعقبه السلطة وتطارده الأجهزة تمهيداً لتقديمه أمام الرأي العام المحلي والدولي على أنه قاتل الجندي الإيرلندي.
وتحت وطأة ارتفاع منسوب الضغط مع وصول اللجنة الإيرلندية المكلفة متابعة مسار التحقيقات اللبنانية في القضية إلى بيروت وبدء استماعها إلى شهادات الجنود الإيرلنديين الناجين من الهجوم المسلّح في العاقبية، لا سيما منهم الذين أصيبوا بالهجوم وكانوا شهوداً عياناً على ما حصل، لم يجد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وسيلة للدفاع عن “حزب الله” سوى الهجوم على المطالبين بإجراء تحقيق شفاف يكشف الحقيقة كاملةً في الجريمة انطلاقاً من كونها جددت الإضاءة على واقع السلاح المتفلّت غير الشرعي في لبنان، فوضع هذه المطالبات في خانة “المزايدات المرفوضة”، لكنه في الوقت نفسه بدا كمن يزايد على من اتهمهم بالمزايدين من خلال إعادة استخدام اللغة عينها في التشديد على وجوب عدم “الاستخفاف بخطورة ما حصل أو اعتبارها حادثاً عادياً أو عرضياً”، إنما لا بد من التعامل مع القضية “بجدية وإجراء كامل التحقيقات والمحاسبة على أمل الوصول إلى نتيجة قريباً“.
ورأت أوساط واسعة الاطلاع أنّ كلام ميقاتي أمام مجلس نقابة المحررين أمس أتى بمثابة “ردّ مبطّن” على التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية بسام المولوي وأزعجت “حزب الله” إثر وقوع جريمة العاقبية، لا سيما بعدما حمّل مولوي المسؤولية المباشرة إلى “السلاح المتفلّت في التعدي على الشرعيتين الوطنية والدولية”، مشدداً على وجوب “أن تكون سلطة الدولة مبسوطة على كل أراضيها إذ لا يمكن القبول بمنطقين في دولة واحدة”، مع إشارته إلى أنّ “من يقف وراء الاعتداء (على دورية اليونيفل) لا يخفي نفسه، والتحقيقات تشير إلى اعتراض الآلية الإيرلندية في موقعين” ما يعني أنّ ما جرى لم يكن “نتيجة صدفة أو حادث عرضي“.
ومقابل “الرسالة الأمنية” التي أراد من خلالها ميقاتي الرد على مولوي لخطب ودّ “حزب الله”، كذلك في الرسائل الحكومية بادر إلى الردّ على محاولة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل منازعة السراي الكبير على صلاحية تحديد جدول أعمال جلسات مجلس الوزراء. إذ كشفت مصادر مواكبة للإشكالية الحكومية أنّ “الأمور عادت إلى مربّع التوتر في ظل تجدد نقاط الخلاف بين أعضاء اللجنة الوزارية التشاورية التي تشكلت لمناقشة المواضيع والبنود التوافقية التي يمكن إدراجها على جدول الأعمال والتي على أساسها سيصار إلى توجيه الدعوة لعقد جلسة جديدة لمجلس الوزراء”، موضحةً أنّ “النقاش احتدم داخل اللجنة على خلفية إصرار “التيار الوطني” ممثلاً بوزير العدل هنري خوري على رفض فكرة استفراد رئيس الحكومة بتحديد جدول الأعمال والدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء على أساسه، فضلاً عن الاعتراض على صيغة المراسيم التي صدرت عن الجلسة الأخيرة التي قاطعها وزراء “التيار” والمطالبة بإعادة إصدارها عبر صيغة المراسيم الجوّالة تمهيداً لاعتماد هذه الصيغة في أي قرار جديد يصدر عن الحكومة من الآن فصاعداً“.
وبناءً عليه، حرص ميقاتي على إعادة التأكيد أمس على أنّ “وضع جدول أعمال مجلس الوزراء مناط حصراً برئيس الحكومة، ولا شراكة لأحد في هذا الموضوع، وفي حال انعقاد جلسة مجلس الوزراء تتم مناقشة الجدول ويصار الى التفاهم على ما يُقرّ وما لا يُقرّ”، معلناً كذلك رفضه صيغة ” المراسيم الجوّالة” التي يقترحها البعض ، لأنه “لا سند دستوريا لها”، مع التذكير بما نصّ عليه الدستور لناحية أنّ “قرارات مجلس الوزراء تؤخذ بأكثرية الحاضرين في الأمور العادية، وبأكثرية عدد أعضاء الحكومة في القرارات الاستثنائية”، وأضاف: “القرارات التي أقرّت في الجلسة الأخيرة للحكومة صدرت مراسيمها ولا مساومة في هذا الموضوع… وكل المراسيم يحتاج إقرارها إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء“.