كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: كل التحذيرات الداخلية والخارجية من قرب تفكك الدولة اللبنانية وانهيار نظامها الاجتماعي، لم ولن تحرّك ساكناً في ضمير المنظومة الحاكمة… لا بـ”شهادة شاهد من أهلها” اللواء عباس ابراهيم الذي نبّه أمام الرابطة المارونية أمس إلى أنّ “الخطر الداهم يتهدد لبنان والمجد الموروث أوشك أن يتهدّم”، ولا بشهادة “هيومن رايتس واتش” التي رصدت في أحدث تقاريرها عجز “غالبية الناس في لبنان عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية”، ما دفعها أمام بلوغ الفقر وانعدام الأمن الغذائي “مستويات مقلقة” في لبنان إلى حثّ البنك الدولي على اتخاذ “إجراءات عاجلة للاستثمار في نظام حماية اجتماعية“، طالما أنّ “السلطات اللبنانية لا تضمن الاستجابة لحق كل فرد بالحق في الغذاء“.
ورغم تفاقم الأهوال وتردي الأحوال اللبنانية، لا تزال مصالح أهل السلطة تتحكم بمسار البلد ومصير أبنائه ولا تزال ذهنية التعطيل والتنكيل بالدستور مستحكمة بالأداء الرسمي العام تحت وطأة تشبث قوى 8 آذار بمقاليد الحكم واستقتال أركانها لمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية من طينة إصلاحية سيادية يضع اللبنة الأولى في عملية التأسيس لمشروع إنقاذي يضع حداً للانهيار ويعيد الانتظام للمؤسسات الدستورية. ولأنّ العنوان العريض للأزمة الرئاسية بات يتمحور حول “مستقبل جبران باسيل السياسي”، كشفت مصادر مواكبة لأجواء التشنّج الحاصل بين باسيل و”حزب الله” أنّ الرئيس السابق ميشال عون يتحضّر لعقد “لقاء قريب” مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله للبحث في الأمور الخلافية المستجدة “وعلى رأسها الاستحقاق الرئاسي“.
إذ وبعد ارتفاع حدة التوتر بين الجانبين إلى مستوى التراشق الإعلامي، واستشعاره انسداد الأفق أمام باسيل في محاولة ليّ ذراع “حزب الله” الرئاسية، قرر عون الدخول بثقله على خط الإسناد والدعم في المعركة المصيرية التي يخوضها رئيس “التيار الوطني الحر”، مشيرةً إلى أنّه يعتزم خلال لقائه المرتقب مع نصرالله إظهار تشدده في تأييد مطالب باسيل على قاعدة “أنا جبران باسيل” باعتباره يراه “المرشح الأوحد المستحقّ للرئاسة”، مع التشديد من هذا المنطلق على ضرورة قيام “الحزب” بمؤازرة هذه المطالب أقلّه “رداً للجميل” بعد كل الوقفات التي وقفها العهد وتياره معه سواءً على مستوى الداخل أو في المحافل العربية والدولية، مقابل التلميح إلى وجوب حل الخلاف الرئاسي بشكل يضمن الحفاظ على روحية “تفاهم مار مخايل” منعاً لذهاب الأمور “نحو الأسوأ” في العلاقة المشتركة.
وفي هذا السياق، نقلت أوساط قريبة من الثنائي الشيعي معلومات تفيد بأنّ الرسالة التي أراد باسيل إيصالها من خلال سلسلة إطلالاته التصعيدية الأخيرة ترمي إلى التلويح بأنّ “التمسك بترشيح سليمان فرنجية سيقابله بإعلان ترشيح نفسه بغية وضع “حزب الله” أمام مأزق الاختيار بينهما ما سيدفع “الحزب” تالياً إلى الذهاب حكماً نحو البحث عن خيار ثالث كما يطالب باسيل”، من دون أن تغفل الإشارة إلى كون “البعض يطرح فرضية أن يكون تصعيد باسيل الممنهج في المواجهة الرئاسية مع “حزب الله” على صلة بمحاولته ترتيب أوراقه الخارجية وقد يكون قطع شوطاً متقدماً في هذا الاتجاه خلال جولاته الأخيرة إلى الخارج، وبات الآن يتحيّن الفرصة لإظهار قدرته على التمايز عن “الحزب” من خلال التهديد بفكّ التفاهم المبرم بينهما“.
في الغضون، بات أكيداً أن وضع مشروع قانون الكابيتال كونترول قيد التنفيذ بات مؤجلاً إلى أجل غير مسمى، لا سيما وأنّ نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب أعلن صراحةً بعد اجتماع اللجان النيابية المشتركة أمس في جلسة هي العاشرة لمتابعة درس مواد القانون في مجلس النواب: “اتفقنا على أن يوضع قانون الكابيتال كونترول على جنب بعد إقراره، إلى حين استكمال إقرار القوانين المتبقية المتعلقة بخطة التعافي“.
وأوضحت مصادر اقتصادية أنّ “وضع القانون على جنب بعد إقراره (في اللجان) يعني عملياً انتظار جملة تشريعات أبرزها مشروع إعادة التوازن المالي (كيفية توزيع الخسائر ورد الودائع) ومشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، سيّما وأنّ المشروعين لم تتم إحالتهما بعد من الحكومة الى البرلمان، وليس باستطاعة حكومة تصريف الاعمال فعل ذلك”. والنتيجة بحسب المصادر نفسها أنّ “مشروع قانون الكابيتال كونترول سينتظر اشهراً طويلة ريثما يتم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تحوّل الى البرلمان المشروعين المذكورين لإعادة التوازن المالي وهيكلة المصارف، ومن نافل القول إن المشروعين اللذين تسربت مسوداتهما، نشب حولهما جدل وخلاف وشد حبال من النوع الصعب والمعقد بين مختلف الاطراف المعنية لا سيما بين المودعين والمصارف، ما سينعكس حتماً على نقاشهما في البرلمان عند تحويلهما اليه، ليطول بذلك النقاش ويتشعب وفقاً لأجندات المصالح“.
وذكّرت المصادر بأنّ “ضبط السحوبات والتحويلات بقانون كان يجب أن يُقرّ في الأيام الأولى لاندلاع الازمة، إلا أنّ مصالح نافذين حالت دون ذلك لتسهيل اخراج الأموال من البلاد، وكان ذلك من نصيب سياسيين ومصرفيين وكبار مودعين ومتنفذين معنيين استطاعوا إخراج عدة مليارات من الدولارات، فيما كان المودعون العاديون عرضةً لتقنين قاس في سحوباتهم التي تدنت الى حد هزيل وبنسبة “هيركات” راوحت بين 60% و85%”.