كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: في عمق المشهد اللبناني، كل ما يدور في فلك التأزم الرئاسي المحتدم يصبّ في مجرى الصراع الجيوسياسي حول هوية لبنان ودوره وموقعه وتموضعه في المرحلة المقبلة… وإذا كانت جبهة المعارضة والسيادة والحياد تلعب أوراقها على المكشوف في معركة “لبننة الاستحقاق” وتحرير الدولة من سطوة المحاور والأجندات العابرة للحدود، فإنّ “جبهة الشغور” تبقي أوراقها مستترة وترهنها على المكشوف على طاولة التسويات الخارجية حتى تأتي نتائجها في مصلحة ما يرنو إليه محور الممانعة من تمديد قبضة ولايته الرئاسية على الجمهورية اللبنانية لضمان إبقاء لبنان ساحة من ساحات نفوذ هذا المحور في التوزيعة المستقبلية لخارطة المنطقة.
وعلى هذا المستوى الاستراتيجي، يتعاطى “حزب الله” ببالغ الأهمية مع محورية الاستحقاق الرئاسي في رسم الاتجاهات اللبنانية ضمن مسار لعبة موازين القوى الإقليمية، ومن هذا المنطلق يخوض معركة “الورقة البيضاء وتعطيل النصاب” بكثير من التصلّب في وجه الخصوم لمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية غير مطابق للمواصفات المطلوبة في إطار هذه اللعبة، غير أنّ ما لم يتحسّب له هو أن يجبره “الشبق الرئاسي” لدى جبران باسيل إلى خوض معركة “غرام وانتقام” معه أدت إلى شرذمة صفوف فريقهما السياسي وهبطت به إلى درك “البهدلة” الإعلامية كما حصل أمس من خلال تراشق البيانات وتبادل الاتهامات على الملأ بين الجانبين، وصولاً إلى تحويل سلاح “الورقة البيضاء” الذي يتسلّح به “حزب الله” إلى محطّ “مسخرة” رئاسية بعدما استبدلها باسيل بتسميات هزلية في صندوق الاقتراع على سبيل مكايدة “حزب الله“.
ولأنّ رئيس “التيار الوطني الحر” لم يعد لديه ما يخسره على “طاولة القمار” الرئاسية في ظل ما يبديه “حزب الله” من وقوف جاد خلف ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، آثر باسيل خلال الجلسة النيابية الأمس المغامرة “صولد” بحاصل الأوراق البيضاء الذي يعوّل عليه “الحزب” في لعبة شدّ الحبال مع مرشح المعارضة النائب ميشال معوّض، فأوعز لعدد من نواب تياره بالتصويت بأسماء متقاطعة تصب في مجملها بين “ميشال” و”معوّض” و”معوّض بدري ضاهر” في خانة التلويح لـ”حزب الله” بإمكانية الاصطفاف إلى جانب مرشح المعارضة الرئاسي في مواجهة فرنجية في حال بقي “الحزب” مصراّ على ترشيحه، خصوصاً وأنّ نتيجة الفرز أتت لتحقق التوازن في الصندوق الرئاسي بواقع 39 صوتاً لكل من معوّض والأوراق البيضاء، عدا عن التسميات الفولكلورية المعهودة الأخرى التي لا تقدّم ولا تؤخر في المعادلة الانتخابية، والتي أضيف إليها أمس نيلسون منديلا وفوزي أبو ملهب.
وتحت سقف احتدام التوتر في العلاقة بين الجانبين، لفت أمس تعمّد قيادة “حزب الله” تحجيم الرد على كلام رئيس “التيار الوطني الحر” الأخير إلى مستوى وحدة “العلاقات الإعلامية” لتتكفل بمهمة تأنيب باسيل وتكذيب ما أورده عن الوعد غير الصادق الذي كان قد قطعه “الحزب” في الملف الحكومي، فأكدت في بيان أنّ “حزب الله لم يقدّم وعداً لأحد بأنَّ حكومة تصريف الأعمال لن تجتمع إلا بعد اتفاق جميع مكوناتها على الاجتماع، حتى يعتبر الوزير باسيل أن اجتماع الحكومة الذي حصل هو نكث بالوعد، ولم يقدّم وعداً للتيار (الوطني) بأنه لن يحضر جلسات طارئة للحكومة إذا غاب عنها وزراء التيار، لذلك فإنَّ الصَّادقين لم ينكُثوا بوعد وقد يكون التبسَ الأمر على الوزير باسيل فأخطأ عندما اتّهم الصَّادقين بما لم يرتكبوه”، ليخلص البيان إلى إدراج ما أعطاه باسيل من أبعاد وتفسيرات لانعقاد الحكومة توحي بممارسة “ضغط رئاسي” عليه من أجل السير بترشيح فرنجية، في خانة “الأوهام”، من دون أن يتجاهل “الحزب” توبيخ “بعض أوساط التيار الوطني الحر” على المسارعة إلى “استخدام لغة التخوين والغدر والنكث” باعتباره “تصرفاً غير حكيم وغير لائق خصوصاً بين الأصدقاء“.
وبينما تتجه الأنظار اليوم إلى بكركي حيث تردد أنّ باسيل سيزور البطريرك الماروني بشارة الراعي صباحاً لوضعه في أجواء المستجدات التي طرأت والمواقف منها، تمهيداً لزيارة الرئيس السابق ميشال عون مساءً الصرح البطريركي، حرص رئيس “التيار الوطني الحر” على الرد بالمثل على “حزب الله” عبر بيان صادر عن اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار، فوصف ما ورد في بيان “الحزب” بأنه “ملتبس جداً ويحمل تناقضاً”، معتبراً أنّ “هناك التباساً وعدم وضوح لدى قيادة “حزب الله” في ما حصل (حيال مسألة انعقاد مجلس الوزراء)، ولا زلنا نأمل تصحيحه”، مع الإشارة إلى أنّ باسيل “سيتحدث عن كل هذه المغالطات ويكون كلامه اكثر شرحاً وايضاحاً حول ضخامة ما حصل في مقابلته الاعلامية ليل الأحد“.
تزامناً، وفي سياق متقاطع مع التشقّقات الرئاسية الآخذة بالاتساع على أرضية قوى الثامن من آذار، نقلت أوساط واسعة الاطلاع معلومات تفيد بأنّ النائب فيصل كرامي الذي كانت هذه القوى تعوّل على استعادة مقعده البرلماني لرفع حاصل الأصوات الانتخابية لفرنجية، قرر أن ينأى بنفسه عن ترشيح الأخير لاعتباره أنّ التسوية الخارجية الآتية ستفضي إلى انتخاب رئيس للجمهورية من خارج صفوف مرشحي 8 آذار، وبالتالي فإنه يراهن على أن تكون المعادلة المقبلة مغايرة لتلك التي كان البعض يراهن على تحققها لناحية انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل تسمية رئيس حكومة من الشخصيات المعارضة، لتصبح المعادلة الجديدة كناية عن انتخاب رئيس جمهورية من الشخصيات التوافقية كقائد الجيش العماد جوزيف عون مقابل تسمية رئيس حكومة محسوب على قوى الثامن من آذار، وبناءً عليه فإنّ كرامي آثر أن يحجب صوته عن فرنجية للرئاسة الأولى واضعاً نصب عينيه إمكانية أن يؤدي ذلك إلى رفع حظوظه ليكون مرشح الثامن من آذار لرئاسة الحكومة في توازنات التسوية المقبلة.