كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: تحوّل المجلس النيابي أمس سوق عكاظ الكابيتال كونترول. عنتريات وشعبويات من كل حدب وصوب، تجلت في خلال اجتماع للجان المشتركة وبعده. الجميع على حائط مبكى حقوق المودعين، في وقت يعاني هؤلاء الأمرّين منذ 3 سنوات، من دون أي انصاف ولا عدالة في ظل صمت مريع للنواب ورئيسهم المبرّئ ذمته بمقولة “الودائع المقدسة”، التي تحولت شعاراً مضحكاً مبكياً، لا طائل منه سوى التبرؤ من دم الصدّيق.
فبعد خراب البصرة، يتسابق رئيس المجلس نبيه بري والنواب لادعاء دفاعهم عن الحقوق، ولعلهم لا يعلمون (وهم يعلمون علم اليقين!) ان 80 مليار دولار ذابت من ودائع الدولار والليرة في 3 سنوات، بأبخس الاثمان و”هيركات” وصل 85% أحياناً، ولم يرف لهم جفن، لا بل ضغط النافذون منهم على القضاء للحؤول دون وصول دعاوى اصحاب الحقوق الى نهاياتها العادلة.
والأنكى، أن نواباً، تشارك احزابهم وتياراتهم في الحكومة، كانوا بين الأكثر هجوماً على تلك الحكومة المصرّفة للأعمال بخفر حيناً ولامبالاة أحياناً، بحجة عدم ترافق مشروع القانون مع خطة واضحة لرد الودائع وهيكلة البنوك، وخلاف ذلك من مشاريع مطروحة بإلحاح منذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة في 17 تشرين 2019، وراحت تستخدم موسمياً في المناكفات السياسية، ثم تخبو فيما المودع يخسر كل يوم.
الى ذلك، بين النقاط الجدلية الأخرى في المشروع بند متعلق بحماية المصارف من دعاوى المودعين، إذ يلف النواب حوله ويدورون على استحياء لارتباط معظمهم بـ”اللوبي” المصرفي، من دون جرأة الدفاع عن البند صراحةً، خوفاً من رد فعل المودعين (الناخبين) وهم بمئات الآلاف.
علاوة على بنود أخرى لا تقل خطورة، مثل التمييز بين دولارات ما قبل 17 تشرين وما بعده، وكيفية تقنين استخدام الدولارات في الاستيراد. تقنين يلقى معارضة شديدة من “اللوبي” التجاري الفاعل بين صفوف معظم الكتل النيابية.
خلاصة “المهزلة” المستمرة، تجسدت يوم أمس بالتخبط في المواقف داخل صفوف “التيار الوطني الحر” لا سيما بين رئيسه النائب جبران باسيل وأحد أعضائه الياس بو صعب، ففي حين اعتبر الأول أنّ “ما حصل في نقاش الكابيتال كونترول مهزلة”، ردّ الثاني عليه رافضاً استخدام عبارة “مهزلة” في توصيف مجريات النقاش الذي رأى بو صعب أنه كان بخلاف ما قال باسيل “نقاشاً جدّياً ومطوّلاً”. ولعل الوصف الأخير (مطوّل) هو الأصح بعدما اتضح ان مشروع القانون “طبخة بحص” لن تنضج في ظل احتدام الخلافات السياسية حول الاستحقاق الرئاسي، فلا صوت الآن يعلو فوق صوت معركة انتخاب رئيس جديد… والبقية تأتي.
تزامناً، برزت أمس رسالة مصرية لافتة للانتباه من بكركي عبّر من خلالها السفير ياسر علوي عن استياء بالغ من استمرار مسلسل “إضاعة الوقت” وعرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة، تمهيداً لبدء “ورشة عمل يحتاج إليها لبنان بشكل حاد”، قائلاً إثر لقائه البطريرك بشارة الراعي: “لا يليق بهذا البلد أن يستمر فيه الفراغ، ولا يحتمل المزيد من إضاعة الوقت والحديث عبر الإيماءات والتلميحات، آن الأوان لكشف الأوراق وبدء حوار جدي لإنتاج الرئيس الذي يليق بهذا البلد، والذي يكون الجسر الذي يعبر بهذا البلد من أزمته، ويكون الخطوة الأولى نحو استكمال السلطة وتكوين الحكومة لعبور الأزمة واعادة تقليص الهوة بين لبنان وحاضنته الطبيعية“.
وأضاف السفير المصري: “لا يليق بشعب لبنان العظيم أن يستمر الفراغ كأنه لا يوجد بينه رئيس يتم التوافق عليه للقيام بالبلد، فالاستحقاق الرئاسي يحتاج إلى الانتقال من مرحلة التفاوض بالتلميح الى مرحلة التفاوض المباشر… “آن الأوان أن تتحاور هذه الكتل على المكشوف وتكشف أوراقها وتبدأ بالتفاوض الجدّي لإنتاج الرئيس الذي يليق بهذا البلد ويبني الجسور مع الدول“.