الى حقبة جديدة بكل المعايير الاستراتيجية امنيا وعسكريا واقتصاديا، دفع الحدث التاريخي المتمثل بابرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة الولايات المتحدة ورعاية الأمم المتحدة الوضع الاستراتيجي ليس بين “الجانبين” المعنيين فقط وانما المنطقة ومحيطها كلا أيضا. ومع ان شيئا لم يكن مفاجئا في يوم “مراسم” اعلان انجاز الإجراءات الشكلية لاتمام الموافقات الرسمية النهائية على الاتفاق، وتسليم وثائق الاتفاق من قبل لبنان وإسرائيل الى المنسق الأميركي الخاص آموس هوكشتاين الذي تولى انجاز هذا الاختراق بنجاح مشهود، كما الى الأمم المتحدة، فان الوهج الكبير الذي طبع الحدث بدا بمثابة انعكاس للدلالات الاستراتيجية الكبيرة التي يكتسبها هذا الاتفاق الذي ولو تصاعد الجدل العقيم حول تسميته اتفاقا او تفاهما او أي مصطلح اخر، فانه شكل اتفاقا استثنائيا في إرساء معالم حقبة سلمية – اقتصادية – استثمارية جديدة للدولتين المعنيتين به، كما لشركاء كل منهما دولا كانوا ام شركات نفطية. ولم تكن موجات ردود الفعل من الأطراف كما من الدول والمنظمات الدولية المرحبة بالاتفاق سوى دلالة على الطابع الاستثنائي للاتفاق الذي ستدخل منطقة الحوض المتوسط في ظله حقبة متطورة في مجال الاستثمار النفطي والتعاون الإقليمي، بدليل ان لبنان سيستقبل غداة ابرام الاتفاق اليوم وفدا قبرصيا للبحث مجددا في تعديل الحدود البحرية بين البلدين.
وشهدت الناقورة خاتمة حدث ابرام الاتفاق حيث سلّم الوفد اللبناني الموفدَ الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين الرسالةَ الموقّعة من رئيس الجمهورية ميشال عون، وفي خيمة اخرى، سلّم الوفد الاسرائيلي ايضا رسالتَه الموقّعة الى هوكشتاين كما تسلمت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا رسالة وقعها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، تتضمّن تأكيد الإحداثيات المرتبطة بالحدود البحرية لإيداعها الأمم المتحدة وفقاً للآليات المتبعة في قانون البحار. وضم الوفد المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير والعميد الركن منير شحادة مفوض الحكومة لدى القوات الدولية، وسام شباط عضو هيئة إدارة النفط وأحمد العرفة رئيس مركز الاستشارات القانونية. وقد تاخرت عملية التسليم عن موعدها بعد الظهر ساعة بسبب رفض الوفد اللبناني لخرق إسرائيلي بحري سبق الاحتفال.
بايدن وبلينكن
وفي وقت متزامن مع وجود الوفود الثلاثة الأميركي واللبناني والإسرائيلي في الناقورة، اصدر الرئیس جو بایدن بيانا فقال “أنا فخور بأن أھنئ إسرائیل ولبنان على إبرام اتفاقھما رسمیًا من أجل حل النزاع الحدودي البحري الذي طال أمده. لقد اتخذ الطرفان الیوم في الناقورة، لبنان الخطوات النھائیة لدخول الاتفاق حیز التنفیذ، وتم تقدیم الأوراق النھائیة إلى الأمم المتحدة بحضور الولایات المتحدة. كما قلت عندما تم الإعلان عن ھذا الاتفاق التاریخي، فإنه سیؤمن مصالح كل من إسرائیل ولبنان، ویمھد الطریق لمنطقة أكثر استقرا ًرا وازدھارا. سوف تواصل الولایات المتحدة العمل كمسھِّل فیما یعمل الطرفان على الوفاء بالتزاماتھما وتنفیذ ھذا الاتفاق. لا ینبغي أن تكون الطاقة – خاصة في شرق المتوسط – سببًا للصراع، بل أداة للتعاون والاستقرار والأمن والازدھار. ھذه الاتفاقیة تقربنا خطوة واحدة من تحقیق رؤیة لشرق أوسط أكثر أمانًا وتكاملاً وازدھارا، ما سوف یوفر منافع لجمیع شعوب المنطقة”.
كما اصدر وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن بيانا هنأ فيه حكومتيّ إسرائيل ولبنان “على إتمام اتفاقهما الذي سهّلته الولايات المتحدة لوضع حدود بحريّة دائمة” واكد انه “سوف يكون لهذا الإنجاز التاريخيّ تأثير عميق في تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، ويظهر القوة التحويلية للدبلوماسية الأميركية”.
وأشار الى ان هذا الاتفاق يبرز بشكل ذي معنى رؤية الولايات المتحدة لشرق أوسط أكثر أمنًا وتكاملاً وازدهارًا، وبنفس القدر من الفائدة لكل من إسرائيل ولبنان، سوف تعزز مصالح اسرائيل الاقتصادية والأمنية فيما تشجع الاستثمار الأجنبي الذي تشتد حاجة الشعب اللبناني إليه، في الوقت الذي يواجه فيه أزمة اقتصادية مدمّرة. سوف تتمكن المنطقة وما حولها قريبا من جني فوائد موارد الطاقة هذه، التي ستدفع قدما الأمن والاستقرار والازدهار”.
الأمم المتحدة
وبدورها رحبت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا “بتسليم الرسائل المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في أعقاب الوساطة الأمريكية الناجحة التي قادها المنسق الرئاسي الخاص آموس هوكشتاين”. وذكرت بعد تسلمها الإحداثيات البحرية الموقعة من كلا البلدين في مقر اليونيفيل في الناقورة: “إنه إنجاز تاريخي على مستويات عدة. آمل أن يكون بمثابة خطوة لبناء الثقة من شأنها تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وتأمين المنافع الاقتصادية لكلا البلدين”. وستقوم المنسقة الخاصة بإيداع وثائق الترسيم لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
وأثنت على كل من لبنان وإسرائيل لتوصلهما إلى حل متفق عليه من قبل الطرفين. كما شددت على “مغزى هذا الإتفاق بالنسبة للبنان، حيث أظهر القادة السياسيون وحدتهم لبلوغ هدف مشترك”. وأضافت: “إن الاتفاق يفتح صفحة جديدة للبنان بما قد يساعد على خلق زخم إيجابي لبناء توافق حول المصلحة الوطنية للبلاد”.
يوم الاتفاق
وكانت سبقت مراسم الناقورة التي شاركت فيها سفيرتا الولايات المتحدة وفرنسا دوروثي شيا وان غريو وفرونتسكا، جولةٌ قام بها هوكشتاين على المسؤولين اللبنانيين وتسلّم عون منه الرسالة الاميركية الرسمية التي تتضمّن حصيلة المفاوضات ووقع عون الرسالة التي تحمل موافقة لبنان على مضمون الرسالة الأميركية عن نتائج المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية.
وقال هوكشتاين من بعبدا “انا ممتنّ لوصولنا إلى هذا اليوم التاريخي ولتحقيق الاتفاق والمهمّ اليوم هو ما سيحصل بعد الاتفاق وأعتقد أنه سيكون نقطة تحوّل اقتصاديّة للبنان ولنهوضه”. وأشار الى ان “توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من شأنه إحداث الاستقرار في المنطقة، وان الاتفاق سيسمح ببدء العمل من قبل شركة توتال للتطوير والاستكشاف ولا شيء سيعيق هذه الاعمال في لبنان ولا شي سيأخذ عائدات النفط والغاز من اللبنانيين”، لافتا الى ان “أهمّ ما في الاتفاق هو أنّه في خدمة الفريقين وليس من مصلحة البلدين خرقه وإذا خرق أيّ طرف الاتفاق لن يكون هذا لصالحهما”. بعدها، انتقل هوكشتاين الى السرايا حيث التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وخلال الاجتماع شكر الرئيس ميقاتي هوكشتاين على الجهود التي بذلها في سبيل التوصل الى انجاز الترسيم. وقال” نأمل ان يكون ما تحقق خطوة أساسية على طريق الافادة من ثروات لبنان من الغاز والنفط، بما يساهم في حل الازمات المالية والاقتصادية التي يمر بها لبنان، ويساعد الدولة اللبنانية على النهوض من جديد”. وفي عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري كرر هوكشتاين “أنّ هذا اليوم تاريخيّ وسيكون جيّدا لجميع اللبنانيين وسيؤثّر إيجاباً على الوضع الاقتصادي في البلد وبرّي كان داعماً أساسيًّا للوصول إلى هذا اليوم وإلى الاتفاق”.
وفي المقلب الاسرائيلي صادقت الحكومة الإسرائيلية على الاتفاق وأعلن مكتب رئيس وزراء اسرائيل يائير لبيد في رسالة قصيرة للصحافة، اوردتها “وكالة الصحافة الفرنسية” أن “حكومة اسرائيل وافقت للتو على الاتفاق بشأن الحدود البحرية بين اسرائيل ولبنان”.وأشار الى أن “الاتفاق البحري مع لبنان إنجاز دبلوماسي واقتصادي”. وذهب لابيد الى القول في مستهل اجتماع مجلس الوزراء ان” لبنان اعترف بدولة إسرائيل في اتفاق ترسيم الحدود البحرية.وهذا إنجاز سياسي، فليس كل يوم تعترف دولة معادية بدولة إسرائيل في اتفاق مكتوب أمام المجتمع الدولي بأسره”.
نصرالله: المهمة انتهت
اما موقف “حزب الله” فجاء سريعا على لسان الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله باعلانه انتهاء الاستنفار الميداني للمقاومة “والمهمة انتهت”. وقال أن “ما حصل من البداية إلى النهاية في ملف ترسيم الحدود البحرية هو انتصار كبير للبنان وللشعب وللمقاومة وكان تجربة مهمة يجب التوقف على نتائجه ودلالاته، وسنتحدث عن هذا الملف بالتفصيل السبت المقبل لتقييم ما جرى مع توقعات المرحلة المقبلة”.
أضاف: “المفاوضات حصلت مع إسرائيل بطريقة غير مباشرة عبر الوسيط الأميركي. كما أن لبنان سيوقّع على ورقة وإسرائيل على ورقة أخرى ليتم تقديمها إلى الولايات المتحدة، وبالتالي بالشكل والمضمون السلطة اللبنانية كانت دقيقة للغاية في عدم إعطاء أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل”. وأوضح أن “الحديث عن التطبيع والاعتراف بإسرائيل لا صحة له لأن الترسيم لا يعتبر معاهدة إنما اتفاق على الحدود البحرية”.
عون يهدد
وفي حديث ادلى به مساء للمؤسسة اللبنانية للارسال اعتبر الرئيس عون “أن لبنان أخذ حقه كاملاً في ترسيم الحدود البحرية ونحن نشعر اليوم اننا اعطينا اللبنانيين املاً جديداً لأن هذا الترسيم سيسمح للبنان استخراج النفط والغاز”. وأضاف ان “الساحة الجنوبية أصبحت مستقرة ولن تكون مصدر عنف وقد وقعنا اتفاق ترسيم الحدود لمنع الحرب”.
وتابع: لا توجد أي ورقة أو إمضاء أو أي شيء آخر في عملية توقيع اتفاق الترسيم يؤدي الى اتفاق سلام مع إسرائيل، فالسلام يتطلب استقراراً نتيجةً للمصلحة وليس نتيجة توافق مع إسرائيل”.
في الشق الحكومي أعتبر عون ان “لا إرادة حالية بتشكيل الحكومة، وقلت لميقاتي في آخر زيارة له إلى بعبدا “فينا نشكل حكومة من هلق للّيل” لكنه ذهب ولم يعُد “بكون راح يعمل كزدورة باليخت قبل ما يرجع”. وهدد بان “الحكومة الحالية لا تتمتّع بالثقة ولا يُمكنها أن تحكم أنا على وشك توقيع مرسوم قبول إستقالتها “ورح أعطيهم فرصة” حتى نهاية الولاية لتشكيل حكومة وفق معايير موحّدة ويكفي الحديث عبر الهاتف “وإذا باسيل مش مقتنع أنا بقنعو”. وأضاف: “خسرت من ولايتي حوالي ثلاث سنوات بسبب حكومات تصريف أعمال وهذا أمر مرفوض، وهناك خطأ كبير في عدم تحديد الفترة المسموح بها لرئيس الحكومة المكلف وبتأليف الحكومة”. وفي موضوع الفساد والانهيار كرر عون رمي التبعة على الذين يضعون يدهم على السلطات الإجرائية والقضائية والتشريعية والذين يحمون وزير المال وحاكم مصرف لبنان الذي قال انه لم يتمكن من تغييره . وتناول في حديثه علاقاته بحزب الله والرئيس بري والقوات اللبنانية واخرين مبررا خلافاته مع كثيرين ومدافعا عن جبران باسيل ونافيا ان يكون وصيا عليه او ان يكون رئيس الظل كما يتهم .
وليلا صدر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي البيان الاتي: تابعت ما قاله فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في حديثه التلفزيوني، واشاطر فخامته القول إن الدستور هو الحكَم والفصل في كل القضايا.
أما بشأن ما تحدث عنه فخامته من مسائل خاصة ووقائع مجتزأة ومحرّفة او غير صحيحة، …فاكتفي بالقول بأسف :احيانا تخون كبارنا الذاكرة فتختلط الوقائع بالتمنيات والحقائق بالاوهام !