كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: ليس تفصيلاً أن يتقاطع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مع رئيس الوزراء الإٍسرائيلي يائير لابيد في توصيف التوصل إلى اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل بـ”الإنجاز التاريخي”، فهذا بحد ذاته حدث يؤرّخ له في روزنامة تحوّلات المنطقة لما له من دلالات عابرة للحدود البحرية الجنوبية اللبنانية لتتخطى بأبعادها الجيوسياسية حسابات “حقل قانا” الغازية باتجاه حسابات “بيادر فيينا” النووية، سيّما وأنّ “العرس الوطني” الذي طالب نصرالله اللبنانيين مساء أمس بـ”عدم تخريبه”، هو نفسه الذي دعا لابيد الإسرائيليين أمس إلى الاحتفال به على اعتبار أنّ “الاتفاق التاريخي مع لبنان سيعزز أمن إسرائيل ويضخ المليارات في اقتصادها ويضمن استقرار وأمن حدودها الشمالية”، بينما تولى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس التعبير عن حرص إسرائيل على ازدهار لبنان بوصفها “معنيّة به كجار مستقر ومزدهر“.
وأمام سريالية المشهد التي قلبت الموازين والاعتبارات على الجبهة الحدودية الجنوبية وشقلبت الشعارات على جبهة المقاومة لتتحوّل من شعار “سنخوض البحر معك” في مواجهة إٍسرائيل إلى شعار “سنخوض البحر معاً” نحن وإسرائيل للتنقيب عن النفط والغاز، أكدت وكالة “رويترز” نقلاً عن مسؤولين لبنانيين أنّ “حزب الله” هو من أعطى “الضوء الأخضر” لإبرام الدولة اللبنانية الاتفاق مع إسرائيل. في حين حرصت مصادر قوى الثامن من آذار على نزع طابع الاتفاقية البحرية الحدودية مع إٍسرائيل عن “الصيغة النهائية” التي تم التوصل إليها، مؤكدةً لـ”نداء الوطن” أنّ ما حصل لا يعدو كونه “تسوية تؤمن ضمانة أمنية للشركات العاملة على التنقيب والاستخراج في حقول النفط في المنطقة الحدودية البحرية”، وأضافت: “لا يوجد أي ترسيم نهائي للحدود إنما صار لدينا في البحر ما يشبه الخط الأزرق والخط التقني كما هو حاصل على البرّ، وفق ما يسمى خط الطفافات من ناحية إسرائيل والخط 23 من ناحية لبنان، على أن تبقى الضمانة الاميركية هي الأساس في احترام هذه الخطوط“.
بدوره، أكد مصدر رسمي رفيع المستوى لـ”نداء الوطن” أنّ دوائر القصر الجمهوري عكفت مساء أمس على ترجمة نص المسودة الجديدة التي أرسلها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى اللغة العربية تمهيداً للتدقيق في عباراتها ومفرداتها قبل إعطاء لبنان موافقته النهائية عليها من قبل الرؤساء الثلاثة، وفي حال تمت الموافقة اللبنانية والإسرائيلية على النص النهائي المقترح من الوسيط الأميركي فسيتم الاتفاق على موعد التوقيع على الاتفاق في اجتماع يعقد في الناقورة، موضحاً أنّ الوفد اللبناني الذي سيتولى التوقيع يفترض أن يكون من العسكريين، يختاره رئيس الجمهورية ميشال عون، باعتباره “ليس توقيعاً على اتفاق بين دولتين، بل سيكون هناك نصّ حول ما توصل إليه بشأن خط الحدود اللبنانية يوقع عليه الجانب الأميركي وممثل عن الأمم المتحدة مع الجانب اللبناني، ونص آخر منفصل يوقع عليه الجانب الأميركي وممثل الأمم المتحدة مع الجانب الإسرائيلي”، مع الإشارة إلى أنّ “وثيقة الترسيم تنص على بقاء الولايات المتحدة ضامنة وراعية لهذا الاتفاق ومستعدة لمعالجة أي إشكال قد يحصل لاحقاً في حال اكتشاف حقول غازية متداخلة أو مشتركة“.
وإذ واكبت باريس عن كثب عملية التوصل إلى موافقة الجانبين اللبناني والإسرائيلي على الصيغة النهائية للترسيم التي أعدها الوسيط الأميركي، عبر إيفاد مدير شركة “توتال” على رأس وفد إلى بيروت للاتفاق مع المسؤولين اللبنانيين على “بدء الشركة مراحل التنقيب في الحقول اللبنانية فور الانتهاء من مذكرة التفاهم الخاصة بترسيم الحدود البحرية”، حسبما أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إثر اجتماعه مع الوفد الفرنسي في السراي الحكومي، جاءت المباركة من واشنطن باتفاقية الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن، معرباً في بيان عن سعادته بإحراز هذا “الاختراق التاريخي في الشرق الأوسط”، مشيراً إلى أنه تحدث هاتفياً “مع يائير لبيد ورئيس لبنان ميشال عون اللذين أكدا استعداد الحكومتين للمضي قدمًا في هذا الاتفاق”، شاكراً في الوقت عينه “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته على دعمهم في هذه المفاوضات”، مع تشديد بايدن على أنّ اتفاقية الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل “كما تحمي المصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل ذات الأهمية الحاسمة لتعزيز تكاملها الإقليمي، كذلك هي توفر مساحة للبنان ليبدأ استغلاله لموارد الطاقة“.
وكان الرئيس الأميركي قد اتصل برئيس الجمهورية وهنأه على انتهاء مفاوضات الترسيم مع إٍسرائيل، لافتاً الى أن المفاوضات “كانت صعبة وتطلبت الكثير من الشجاعة”، وأضاف: “أريدكم أن تعلموا أنّ هناك الكثير من الأمل المعلّق على هذه الاتفاقية، وهي فرصة لاستعادة الاستثمارات الاجنبية والخارجية في بلادكم والتي انتم في أمسّ الحاجة اليها (…) إن تنفيذ هذه الاتفاقية بحسن نية سوف يلعب دوراً اساسياً في تحقيق النجاح، ونحن دائماً موجودون لمساعدتكم”، متوجهاً إلى عون بالقول: “أنا أعلم أنكم في نهاية ولايتكم كرئيس للجمهورية، وأنكم في صدد انتخاب رئيس جديد للجمهورية من قبل البرلمان، ونأمل أن تجرى هذه الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد وبموجب الدستور، وان تتمكنوا من تأليف حكومة قادرة على استعادة ثقة شعبها قبل كل شيء، وقادرة ايضاً على تحقيق الاصلاحات الاقتصادية والسياسية اللازمة وأن تعتمد مبدأ الحوكمة الجيدة لإنقاذ البلاد، وهذه الاتفاقية هي مجرد بداية لتحقيق كل هذه الأمور“.
وفي ضوء ذلك، توقعت مصادر واسعة الاطلاع أن يكون لكلام بايدن مع عون تأثيره في الملف الحكومي متوقعةً أن تتجسد باكورة النتائج السياسية المباشرة لانجاز اتفاق الترسيم في تسريع تأليف الحكومة العتيدة، وكشفت المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ ما لم يتضمنه الخبر الرسمي الصادر عن قصر بعبدا حول فحوى اتصال الرئيس الاميركي هو “طلب بايدن من عون تصويت لبنان في الأمم المتحدة ضد قرار روسيا ضمّ الأقاليم الأوكرانية الأربعة، فأبدى عون تجاوبه مع هذا الطلب، الأمر الذي استدعى عقد اجتماع عصراً بين رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال بحضور وزير الخارجية عبد الله بو حبيب وتقرر بنتيجة الاجتماع إبلاغ بعثة لبنان في الأمم المتحدة التصويت ضد قرار الضم الروسي“.