كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: بين ربط منصة “كاريش” بأنابيب توصيل الغاز و”ربط النزاع” التفاوضي مع لبنان، تسير إسرائيل على خطين متوازيين فارضةً إيقاعاً متقلباً في أجواء الترسيم الحدودي البحري، تارةً بتسريبات إعلامية إيجابية تؤكد قرب التوصل إلى توقيع الاتفاق النهائي وطوراً بتهديدات عسكرية تؤكد الجهوزية للردّ بضراوة على أي هجوم يشنه “حزب الله” على منصاتها النفطية. وبين البينين، يواصل المسؤولون اللبنانيون عملية “ضبط الإيقاع والنفس” في سبيل ضمان إيصال مفاوضات الترسيم إلى خواتيمها المرجوّة بمعيّة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، والذي أفادت المعلومات المتواترة مساءً أنه نقل إلى بيروت وتل أبيب صيغة المسودة النهائية لاتفاقية الترسيم البحري تمهيداً لوضع كل من الجانبين لمساته الأخيرة عليها.
وإذ برز تأكيد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في إطلالة متلفزة ليلاً أنّ “القصة صارت واقفة على كلمة” والمهلة الزمنية باتت ضيقة ولا تتعدى أواخر الشهر الجاري تحت طائل تجديده التهديد بأنّ “البديل عن الترسيم هو الحرب” مع تأكيد دعمه “هذه المعادلة التي أرساها “حزب الله” في مقاربة الملف”، كشف مصدر ديبلوماسي رفيع المستوى لـ”نداء الوطن” أنّ المعطيات الأخيرة تفيد بأنّ “الوصول إلى اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل أصبح قريباً جداً بعدما تقلصت الفجوات بين الطرفين”، مرجحاً الاتفاق خلال الأيام القليلة المقبلة على “تحديد موعد لانعقاد اجتماع في الناقورة لا يتجاوز 20 ت1 بغية إعداد المحاضر النهائية لاتفاقية الترسيم وخرائطها والتوقيع عليها قبل إرسالها إلى الأمم المتحدة“.
وأكد المصدر الديبلوماسي أنّ “الوسيط الاميركي أقفل باب النقاش حول ملف الترسيم وانطلق باتجاه صوغ العرض النهائي المعدّل شكلياً والمنقّح قانونياً ولغوياً بما يرضي الجانبين الإسرائيلي واللبناني”، مشيراً في هذا السياق إلى أنّ “الإدارة الأميركية مارست ضغوطات مباشرة ومتوازنة خلال الأيام الأخيرة على الجانبين ونجحت من خلالها في إعادة رفع حظوظ إنجاز اتفاق الترسيم بعدما شهدت نهاية الأسبوع الماضي تراجعاً وتشنجاً في المواقف“.
وأعرب المصدر عن اعتقاده بأن اتفاقية الترسيم البحري “سيكون لها نتائج مباشرة على مسار الاستحقاقات اللبنانية، بدءاً من تأليف حكومة جديدة تعمل على تسلمّ صلاحيات رئاسة الجمهورية في فترة الشغور بعدما صار متعذراً إلى حد كبير انتخاب رئيس جديد للبنان ضمن ما تبقى من المهلة الدستورية”، لافتاً الانتباه في الوقت عينه إلى أنّ “المجتمع الدولي سيمارس بموازاة ذلك أقصى الضغوط في سبيل ضمان عدم إطالة فترة الفراغ الرئاسي ومنع الطبقة الحاكمة من استغلال هذه الفترة لإعادة تثبيت قواعد حكمها والاستمرار في ممارسة السلوكيات الوقحة نفسها التي لا تتماشى مع شروط الإصلاح المطلوبة لإنقاذ الشعب اللبناني”، وأضاف: “الارادة الدولية مصمّمة على سيادة الهدوء في لبنان، والاستثمار في توقيع اتفاق الترسيم الحدودي البحري لاعادة تحريك عملية التنقيب في البحر اللبناني في سبيل الدفع باتجاه تحسّن الواقع الاقتصادي المنهار في لبنان، ولذلك فإنّ شركة توتال الفرنسية ستباشر فور توقيع اتفاق الترسيم عمليات الحفر في البلوك رقم 9 وحقل قانا، والنتيجة المرتقبة ستظهر في خلال عام بحسب التقديرات، على أن تبقى العين الدولية مفتوحة لمنع السلطة الحاكمة من العبث اللصوصي في الثروة الغازية للبنانيين“.
في الغضون، سجّلت الأحداث الداخلية اللبنانية أمس منعطفاً قضائياً بارزاً مع تصدي رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود لـ”محاولات التدخل السياسي السافر في العمل والأداء القضائيين من خلال حملات ممنهجة ومتمادية تضمنت تجنيات وافتراءات وتهجمات وتجاوزات” استهدفت القضاء والقضاة ومجلس القضاء ورئيسه. ومن هذا المنطلق، قرر عبود “الخروج عن الصمت” فانتفض على خطوة وزير العدل هنري خوري “الدعوة إلى اجتماع لمجلس القضاء الأعلى ووضعه لجدول أعماله في سابقة لها مبرراتها السياسية لا القضائية، ولو أُسندت في ظاهرها إلى واقعٍ قانوني (المادة السادسة من قانون القضاء العدلي) لم يُطبّق ولم يُعمل به سابقاً، لعدم ائتلافه مع مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ إستقلالية السلطة القضائية المكرّسَين في الدستور”، كما جاء في بيان القاضي عبود، معلناً في المقابل “عدم حضور جلسة مجلس القضاء الأعلى” التي دعا إليها خوري اليوم “التزاماً منه بقسم يمين الحفاظ على إستقلالية القضاء وكرامته، وإيماناً منه باستقلالية عمل مجلس القضاء الأعلى وعدم تكريس ما يمسّ هذه الإستقلالية“.
ولاحقاً، بدا وزير العدل مصمماً على إحداث شرخ في الجسم القضائي عبر تصريح أدلى به لقناة “lbci” وبدا فيه كمن يحرّض القضاة على التمرّد على قرار رئيس مجلس القضاء الأعلى عدم الحضور إلى جلسة اليوم قائلاً: “لا أعتقد أن القضاة في المجلس سيلبّون دعوة القاضي عبود إلى مقاطعة الجلسة“.
وأمام هذا الواقع، كشفت مصادر قضائية لـ”نداء الوطن” أن جلسة مجلس القضاء الأعلى ستُعقد اليوم برئاسة نائب رئيس المجلس النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، لكنها رجحت في المقابل أن تفقد الجلسة نصابها القانوني بخروج عويدات منها لدى طرح قضية تعيين قاض رديف للمحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت، سيما وأنه سبق أن تنحى عن النظر في القضية بصفته مدعياً عدلياً لوجود صلة قرابة بينه وبين الوزير السابق المدعى عليه النائب غازي زعيتر.