بكل ما أوتي من قدرة وقوة، لن يدّخر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وسيلة لـ”حلب” العهد العوني حتى “آخر قطرة” من ولايته الرئاسية، واستثمار طاقته التخريبية الجارفة حتى الرمق الأخير لهدم ما تبقى من هياكل وسقوف فوق رؤوس الجميع قبل نهاية العهد. وفي طريقه بادر إلى جرف التحقيق العدلي في انفجار 4 آب عبر تسخير فريق الرئاسة الأولى ووزير العدل للدفع باتجاه استحداث منصب محقق عدلي رديف للقاضي طارق البيطار، ليتولى مهمة البت بإخلاءات سبيل “جماعة التيار” الموقوفين على ذمة التحقيقات القضائية في الانفجار، وعلى رأسهم المدير العام السابق للجمارك بدري ضاهر.
وكشفت مصادر واسعة الاطلاع على كواليس التحضير لهذا “السيناريو المدبّر لتعيين قاضٍ عوني رديف للمحقق العدلي في سبيل تطويقه في أقل تقدير أو قبعه من منصبه من خلال استفزازه بهذه الخطوة ودفعه إلى الاستقالة” عن أنّ الفترة الأخيرة شهدت “ضغوطاً سياسية كبيرة على مجلس القضاء الأعلى من جانب قصر بعبدا و”التيار الوطني” بمؤازرة من الثنائي الشيعي لقبول مبدأ تعيين القاضي الرديف في ملف التحقيق بانفجار المرفأ، وذلك تحت وطأة شنّ هجوم سياسي علني، سواءً من قبل باسيل نفسه، أو من قبل نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب من القصر الجمهوري، على مجلس القضاء، توازياً مع تنظيم اعتصامات لمناصري “التيار الوطني” أمام قصر العدل بالتزامن مع إرسال 6 نواب من “التيار” إلى العدلية للضغط في مسألة ضرورة البتّ بإخلاء عدد من الموقوفين على ذمة التحقيق العدلي قبل نهاية العهد“.
وأوضحت المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ “المسؤولية لا تقع على رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود وحده في اتخاذ القرارات، فالمجلس يجتمع وإذا لم يخرج بقرار بالإجماع يصار إلى اعتماد آلية التصويت لبت القرار، ومعلوم أنّ غالبية أعضاء مجلس القضاء محسوبة على “التيار الوطني” و”الثنائي الشيعي”، لذلك خرج قرار الموافقة على تعيين قاض رديف للمحقق العدلي في مصلحة هذين الفريقين فضلاً عن أنّ وزير العدل الذي اقترح هذا الأمر محسوب مباشرة على رئيس الجمهورية”، مشيرةً إلى أنّ “تقاطع المصالح بين باسيل والثنائي الشيعي الرافض لاستمرار القاضي البيطار في منصبه أفضى إلى هذه النتيجة غير القانونية التي من شأنها أن تشل التحقيق العدلي وتطيح بنتائجه“.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر قضائية لـ”نداء الوطن” أنّ ما جرى أقل ما يقال فيه إنه “سابقة غير مألوفة في القضاء”، واصفةً قرار تعيين محقق عدلي رديف بأنه “قرار منعدم الوجود قانوناً لأنّ المحقق العدلي الأصيل في الملف ليس خارج البلاد كما حصل عام 2006 ولا هو متقاعس عن القيام بواجباته بل هو مكفوف اليد ومتوقف قسراً عن استكمال تحقيقاته”، وبناءً عليه، لفتت المصادر إلى وجود “امتعاض كبير داخل الجسم القضائي نتيجة القرار الذي اتُّخذ تحت وطأة الضغوط السياسية ومن شأنه أن يعطل التحقيقات ويطعن بمصداقيتها ويعمّق الشروخ داخل أروقة قصر العدل”، مشددةً على أنّ “أي قاض يقبل بأن يستلم هذه المهمة سيكون محل ارتياب مشروع لأنه يستند في ذلك إلى قرار منعدم الوجود وغير مبني على أسس قانونية”، وسألت: “كيف سيبت اي قاض رديف بإخلاءات السبيل سريعاً كما يراد منه، بينما قراءة الملف فقط تحتاج إلى نحو ستة أشهر كما حصل مع القاضي البيطار عندما استلم مهامه؟“.
وفي المقابل، نفذ أهالي ضحايا انفجار 4 آب أمس سلسلة وقفات احتجاجية بدأت صباحاً أمام قصر العدل وانتهت مساءً أمام منزل وزير العدل هنري خوري، معربين عن رفضهم سياسة “الإمعان في قتل أبنائهم والإجهاز على العدالة في القضية” من خلال خطوة تعيين قاض رديف للمحقق العدلي.
وكشفت أوساط الأهالي لـ”نداء الوطن” أنّ الأطراف المتضررة من هذه الخطوة تتدارس حالياً خياراتها وخطواتها للرد على محاولة طمس الحقيقة في جريمة انفجار المرفأ، مبديةً قناعتها بأنّ “المطالبة بتحقيق دولي في الجريمة باتت تتصدر الخيارات لأنّ السلطة من خلال ما أقدمت عليه من ضغوط على مجلس القضاء الأعلى لإنهاء التحقيق العدلي المحلي، أكدت بما لا يرقى إليه أدنى شك استحالة تحقيق العدالة في أي قضية في لبنان من دون وجود تحقيق دولي”، وشددت في الوقت عينه على وجوب عدم إقدام القاضي البيطار على الاستقالة “لأنه إذا فعل يكون بذلك قدّم أكبر خدمة للأطراف السياسيين الراغبين بطمس الحقيقة وتجهيل المرتكبين والمتواطئين في جريمة 4 آب“.