كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: بينما يواصل المسؤولون الإشراف من فوق على “هرهرة” مؤسسات الدولة وقطاعاتها الحيوية، ويكتفون بالتنظير في سبل إدارة التفليسة والاقتتال على قيادة دفة الانهيار، بلغت جهود “حارة حريك” منعطفاً حاسماً باتجاه ترسيم حدود صلاحيات التأليف بين بعبدا والسراي، فنجحت في “تضييق هوامش الخلاف إلى حدودها الدنيا وحصرها بمسألة تسمية الوزيرين البديلين عن أمين سلام وعصام شرف الدين”، حسبما أكدت مصادر مواكبة للاتصالات الحكومية، مشيرةً إلى أنّ قيادة “حزب الله” ألقت بثقلها لترجيح كفة التأليف “لأنها معنية بتحصين جبهة الحزب الداخلية وتأمين استمرارية السلطة والاستقرار على أرضية الحكم على أبواب جملة استحقاقات مفصلية، داخلية وخارجية، من شأنها أن ترسم الخطوط العريضة لخارطة المرحلة المقبلة في لبنان والمنطقة“.
وعلى رأس الاستحقاقات الداخلية، يتصدر الاستحقاق الرئاسي المشهد فارضاً إيقاعه على الاستحقاق الحكومي، تسليماً بقضاء الشغور وقدره المحتوم في سدة الرئاسة الأولى، بما يحتمّ تالياً إعادة تشكيل الحكومة القائمة لتكون كاملة الصلاحيات وقادرة خلال فترة الفراغ الرئاسي على اتخاذ القرارات بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن رئيس الجمهورية، إزاء مجمل الملفات والتحديات الداهمة، وفي طليعتها اتفاقية الترسيم الحدودي البحري مع إٍسرائيل، خصوصاً في ظل التيقّن من أنّ “مهلة أيلول” سقطت والتوقيع على هذه الاتفاقية بات شبه مستحيل في ما تبقى من ولاية العهد العوني.
ومن هذا المنطلق يترقب المسؤولون عودة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى المنطقة نهاية الأسبوع المقبل وسط معطيات نقلتها أوساط واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن” تفيد بأنه لن يحمل معه “قبولاً نهائياً ولا رفضاً مبدئياً للطرح اللبناني من الجانب الإسرائيلي”، إنما سيكون هناك “تجديد للنوايا الجدية والإيجابية وتصميماً على التوصل إلى اتفاقية ترضي الجانبين اللبناني والإسرائيلي، لكن مع التأكيد في الوقت عينه على أنّ الوساطة الأميركية في الترسيم لن تكون خاضعة لأي ضغط زمني تحت طائل التهديد والتصعيد“.
أما في المعلومات الرسمية عن زيارة هوكتشاين، فتؤكد مصادر معنية بالمفاوضات لـ”نداء الوطن” أنّ “لبنان لم يتبلغ بعد أي جديد من الجانب الأميركي ما عدا ما هو معروف لناحية استمرار الأمور على السكة الصحيحة”، مشيرةً إلى أنه “حتى الساعة لا يوجد أي موعد محدد لزيارته بيروت”، من دون أن تستبعد إمكانية وصوله إلى المنطقة الأسبوع المقبل.
وعن توقعاتها بالنسبة لمسار المفاوضات ومصير عملية الترسيم، أجابت: “على حدّ علمنا أنّ الطرح اللبناني يلقى قبولاً إسرائيلياً ودعماً أميركياً، لكن لغاية الآن لا توجد ترجمة عملية ملموسة لأجواء التفاؤل التي تّضخ في الإعلام الإسرائيلي”، معربةً عن قناعتها بأنّ “اتفاقية الترسيم حاصلة لا محالة، لكنّ العقبة الأساسية أضحت مرتبطة بعامل التجاذب الإسرائيلي الداخلي على أعتاب الانتخابات التشريعية رفضاً لتحويل هذه الاتفاقية انتصاراً معنوياً لـ”حزب الله” في حال حصول الترسيم تحت ضغط المسيّرات والتهديد بضرب المنشآت النفطية الإسرائيلية“.
في الغضون، يستمر الجدل البيزنطي في بلاط السلطة الحاكمة تحت وطأة احتدام السجال الرئاسي، لا سيما مع دخول عين التينة بقوة على خط الهجوم على العهد وتياره، الأمر الذي ينذر بأن تشهد الأيام المقبلة هجمات مرتدة مضادة من قصر بعبدا وميرنا الشالوحي تهدف إلى “هدم السقف فوق رؤوس الجميع مع انتهاء الولاية الدستورية للرئيس ميشال عون”، وفق تقدير أوساط مراقبة لتداعيات المواقف النارية التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر مستهدفاً بشكل مركّز جماعة “ما خلونا”، واضعةً تهويل باسيل أمس بتغيير النظام ضمن هذا الإطار، حين غرّد لمناسبة ذكرى إعلان لبنان الكبير قائلاً: “صار وقت نتفق على نظام جديد (…) الغرقانين بحقدهم ما بريدوا لا رئيس قوي ولا دولة قوية (…) نحنا حاملين مشروع كامل بالسياسة والاقتصاد، بس ما قادرين ننفذه وحدنا. انزعوا الحقد عنكم“.
ومع بدء العد العكسي للمهلة الدستورية المتصلة بعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تتجه الأنظار غداً إلى الموقف الذي سيطلقه تكتل نواب “قوى التغيير” خلال مؤتمر صحافي يُعقد عند الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً في “بيت بيروت” في السوديكو، للإعلان عن “مبادرة رئاسية إنقاذية” وفق ما جاء في نص الدعوة الصحافية لتغطية وقائع المؤتمر. علماً أنّ قوى وأحزاب المعارضة تأمل أن تأتي مبادرة النواب التغييريين الرئاسية على مستوى أهمية المرحلة المفصلية التي يمرّ بها البلد، ترقباً لإمكانية إيجاد أرضية توافقية بين كتل ونواب المعارضة والتغيير والمستقلين، ترتقي بالاستحقاق الرئاسي ليكون نقطة انطلاق حاسمة باتجاه الإنقاذ المنشود والإصلاح الحقيقي في لبنان.