كتبت صحيفة ” نداء الوطن ” تقول : نجح جبران باسيل، من حيث لا تدري الرابطة المارونية، في جرّ إشكالية التشكيل إلى إشكال طائفي مذهبي يزجّ الرئاستين الأولى والثالثة في خندقين متقابلين… خندق بعبدا الذي يرفع لواء الرابطة المارونية، مقابل خندق السراي الذي يتدثّر بعباءة دار الفتوى، فكانت “الوصفة الجهنمية” لإشعال فتيل “فتنة” حكومية تشرعن تعطيل التأليف تحت عناوين وشعارات تحاكي في ظاهرها الصلاحيات الرئاسية وتحكّ في باطنها الغرائز المذهبية على قاعدة: “يا غيرة” الطائفة.
الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، بدأت من تصويب رئيس الجمهورية ميشال عون سهام النقد والانتقاد باتجاه رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي على لسان رئيس الرابطة المارونية، الأمر الذي سرعان ما أضفى نكهة طائفية على طبخة التأليف تولى ميقاتي تسعير نيرانها عبر اتهام رئاسة الجمهورية بأنها تسخّر منبر قصر بعبدا “المفترض أن يكون فوق الاعتبارات الطائفية” لإطلاق “مواقف جاهزة تؤجج الأوضاع”… ثم توالت البيانات وتسارعت الخطوات على سكة “تطييف” عملية التأليف حتى ارتدت خلال عطلة نهاية الأسبوع طابع مواجهة مارونية – سنّية بدت طاغية على أبعاد المواجهة الرئاسية بين بعبدا والسراي في الملف الحكومي.
فعلى ضفة بعبدا، صعّد رئيس الجمهورية اللهجة في معركته المفتوحة، حكومياً ورئاسياً، قبل نهاية ولايته، لـ”ترتقي” إلى حد القدح والذم والتشهير بمن وصفهم “أولاد الحرام” من الخصوم السياسيين والإعلاميين ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي اتهمها بالافتراء عليه والترويج لإساءات وأكاذيب وإطلاق دعوات مشبوهة للمراجع السياسية والدينية إلى “عدم السكوت عن العبث بالدستور والطائف وأي مغامرات إنقلابية”، ليختم في بيان صادر عن مكتب الإعلام في بعبدا بالتحذير “من تمادي البعض في دسّ الأخبار والمعلومات الكاذبة والتحريض الطائفي والمذهبي وتضليل الرأي العام “، وتنبيه اللبنانيين “من النوايا الخبيثة لأصحابها المأجورين”.
وإذ برر مواقفه من تشكيل الحكومة بأنها “تستند إلى قناعة ثابتة بضرورة حماية الشراكة الوطنية والمحافظة على الميثاقية، وتوفير المناخات الإيجابية التي تساهم في مواجهة الظروف الصعبة”، أبقى عون من ناحية ثانية رده على الاجتهادات والتفسيرات والادعاءات المتعلقة بالخطوات التي ينوي اتخاذها قبل انتهاء ولايته، رداً فضفاضاً حمّالاً للأوجه من خلال عدم التأكيد جازماً وبصريح العبارة على أنه ينوي مغادرة قصر بعبدا في 31 تشرين، إنما آثر الاكتفاء في بيانه بالتشديد في ما خصّ الاستحقاق الرئاسي على أنّ “رئيس الجمهورية، الذي أقسم دون غيره من المسؤولين على الدستور (…) لم يعتد يوماً النكوث بقسمه”.
أما على الضفة المقابلة، فلم يتأخر الرئيس المكلف في طلب العون من دار الفتوى فتسلح بالمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى للذود عن صلاحيات الرئاسة الثالثة الدستورية، فكان له ما أراد من حضانة وحصانة سنّية في مواجهة الهجمة العونية، ليؤكد المجلس إثر اجتماعه الدوري على “دعم الرئيس ميقاتي وتأييده” مع إبداء الحرص “على صلاحيات رئيس الحكومة” والتحذير من “المسّ بهذه الصلاحيات تحت أي ذريعة أو مصالح فئوية لأنها تستهدف لبنان وعيشه المشترك”.
وفي ما بدا اتهاماً واضحاً لعون بانتهاك الدستور وتجاوز صلاحياته، شدد المجلس الشرعي برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على أنّ “لبنان يحتاج إلى رئيس جديد للجمهورية يحترم قسمه الدستوري ويلتزم به، خاصةً بعد سلسلة العثرات والمواقف الارتدادية عن روح الدستور اللبناني واتفاق الطائف وميثاق العيش المشترك”، مشيراً في المقابل إلى أنّ “ما يجري في الوقت الحاضر هو الإلتفاف على هذه القيم والمبادئ، أحيانا بالطعن بشرعية الحكومة الحالية والإلتفاف عليها، وأحيانا أخرى بطرح شعارات التمثيل الطائفي والمذهبي”، وسط الإشارة إلى أنّ “المواقف التعطيلية المتعمدة لدور الحكومة ولإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها تشكل انتهاكا للدستور واتفاق الطائف”، والتحذير من أنّ “الالتفاف على النصوص الدستورية تحت أي ذريعة لن يؤدي إلا إلى المزيد من المتاعب والإضطرابات التي تدفع لبنان نحو الهاوية